منتدى شباب الوطن العربى
من معاني الله أكبر 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا من معاني الله أكبر 829894
ادارة المنتدي من معاني الله أكبر 103798
منتدى شباب الوطن العربى
من معاني الله أكبر 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا من معاني الله أكبر 829894
ادارة المنتدي من معاني الله أكبر 103798
منتدى شباب الوطن العربى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى شباب الوطن العربى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولدخول الاعضاء
المواضيع الأخيرة
» ايا اماه اشتقلك
من معاني الله أكبر Emptyالخميس مايو 24, 2018 7:51 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» ايا اماه اشتقلك
من معاني الله أكبر Emptyالخميس مايو 24, 2018 7:50 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» اسمعى يا بنت الحلال
من معاني الله أكبر Emptyالخميس مايو 24, 2018 7:43 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» لكى انتى محبوبتى
من معاني الله أكبر Emptyالإثنين أبريل 04, 2016 3:08 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» ثارت وغضبت مولاتي ................
من معاني الله أكبر Emptyالإثنين أبريل 04, 2016 3:05 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» حبيبتى ملاكى مالى سواكى
من معاني الله أكبر Emptyالإثنين يوليو 20, 2015 2:15 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» صور مطابخ 2015
من معاني الله أكبر Emptyالأربعاء مايو 20, 2015 11:59 am من طرف نيكيتا

» صعيدى انا
من معاني الله أكبر Emptyالثلاثاء أبريل 07, 2015 9:32 am من طرف عصام عبدالمغيث

» هييييييييييييييييييه عملنا ثوره
من معاني الله أكبر Emptyالثلاثاء أبريل 07, 2015 9:24 am من طرف عصام عبدالمغيث

مواضيع مماثلة
التبادل الاعلاني
pubarab
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 182 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Samera فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 14319 مساهمة في هذا المنتدى في 8330 موضوع
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
برامج تهمك
 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 
الزائرين
من معاني الله أكبر Pageviews=1

 

 من معاني الله أكبر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حبيبة الرحمن
المشرفين
المشرفين
حبيبة الرحمن


عدد المساهمات : 1575
تاريخ التسجيل : 09/03/2012
الموقع : سجادتى

من معاني الله أكبر Empty
مُساهمةموضوع: من معاني الله أكبر   من معاني الله أكبر Emptyالخميس أبريل 05, 2012 5:06 pm

من معاني الله أكبر:
أن الله أكبر مما تعرف:
بعضهم قال من معاني الله أكبر في قوله تعالى:
﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)﴾
أن الله أكبر مما تعرف. مهما عرفت عن الله فهو أكبر، مهما ارتقيت في سُلَّم الإيمان فهو أكبر، مهما اتسعت رؤيتك للحقيقة فالله أكبر، مهما شعرت أن الله عظيم فهو أعظم، لذلك من أدق التفسيرات لقوله تعالى:
﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾
(سورة محمد: آية " 19 " )
أيُّ ذنبٍ اقترفه النبي عليه الصلاة والسلام ؟ العلماء وجَّهوا هذه الآية بمعنى أن كل رؤيةٍ رآها النبي رأى فيها عظمة الله عزّ وجل، الرؤية التي تليها هي أوسع وأشمل فكأنه يستحي من رؤيته السابقة وكأنها في حقِّه ذنب.
إنسان تعرف عنه الشيء الكثير ثم فوجئت أنه أكبر مما تعرف فإنك تستحي بمعرفتك المتواضعة، وفي النهاية لا يعرف الله إلا الله، النبي عليه الصلاة والسلام مع أنَّه سيِّد الخلق وحبيب الحق لم يعرف الله حق المعرفة، فهو أعلى إنسان في معرفة الله لكن لأن الله لا يعرفه إلا الله، إذاً الله أكبر، أكبر مما أعرف، مهما عرفت عن رحمته فهو أكبر، مهما عرفت عن عدله فهو أكبر، مهما عرفت عن لطفه فهو ألطف.
من معاني الثياب في قوله " و ثيابك فطهر ":
1 ـ العمل:
أيها الإخوة:
﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
هذه الآية مهمة جداً، أول معنى من معاني الثياب: هو العمل، الإنسان له ثوبٌ من عمله، الآن في جلسة يذكر إنساناً (جزاه الله خيراً ) يذكر إنساناً ثانياً أول كلمة: الله لا يوفقه، معنى هذا أن عمله ثوب له، فأول معنى من معاني:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي أن هذا العمل الذي هو لك كالثوب أنت متلبسٌ به، يوجد مستقيم ويوجد منحرف، يوجد رحيم ويوجد قاسي، يوجد منصف ويوجد ظالم، يوجد صادق ويوجد كاذب.
أول معنى: وعملك فأصلح، عملك ثوبٌ لك، يقول لك: هذا أمين الأمانة ثوب، هذا مستقيم فإن الاستقامة ثوب، هذا مُتْقِن الإتقان ثوب، هذا مخلص الإخلاص ثوب، هذا صادق الصدق ثوب، هذا كاذب فإن الكذب ثوب، هذا خائن الخيانة ثوب، هذا غير عفيف فإن عدم العفة ثوب، فثوبك أي عملك، كلما ذُكِرت ذُكِرَ معك عملك وكأنه ثوبٌ لك يحيط بك.
استعمالات كلمة الثوب في اللغة العربية:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي أصلح عملك، يوجد تقصير، يوجد انحراف، يوجد كذب، يوجد اغتصاب لأموال الآخرين، يوجد احتيال، يوجد تدجيل، يوجد ابتزاز، عملك ثوبك الذي تَلْبَسُهُ دائماً ولا تستطيع أن تخلعه أبداً.
لو أن إنساناً فُضِح، هذه الفضيحة سَرَت بين الناس، أصبحت له كالثوب متى ذُكِر تذكر فضيحته، متى تحرَّك يُشار إليه بأنه فعل كذا وكذا، والآن الفضائح توجد معها أفلام، يوجد تصوير، لا يستطيع أن يهرب من هذا الثوب الذي لبسه، هذا المعنى الأول (وعملك فأصلح).
لذلك العرب تقول: فلان خبيث الثياب إذا كان عمله سيئ، وفلان طاهر الثياب إذا كان عمله صالحاً وهذا من استعمالات كلمة الثوب في اللغة العربية، لأن القرآن الكريم نزل بلسانٍ عربيٍّ مبين.
﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)﴾
(سورة الزخرف )
أساليب العرب قبل الإسلام الثوب هو العمل، فلان طاهر الثوب أي عفيف، فلان خبيث الثوب أي عمله سيئ، والحقيقة الإنسان القوي أحياناً أو الغني يّمدح في وجهه فقط، العبرة لا ما يّقال أمامك بل ما يّقال في غيبتك، أنت تساوي لا ما يّقال في حضرتك بل ما يُقال في غيبتك، فإذا غبت عن الناس ماذا يّقال عنك ؟ جزاه الله خيراً، والله صادق، والله كريم، والله محسن، مستقيم، ورع، والإنسان المنحرف إذا تكلَّم الناس عنه في غيبته نهشوا عرضه وأطلقوا لألسنتهم العنان.
2 ـ القلب:
المعنى الثاني:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي قلبك فطهِّر لأن العمل أساسه القلب، الذي قلبه طاهر عمله طاهر، الذي قلبه فبه حقد وفيه حسد وفيه شهوة دنيَّة عمله سيئ، فهذا تحصيل حاصل، يعني ثوبك أي قلبك الذي منه يصدر عملك، العمل سلوك وقبل السلوك إرادة وقبل الإرادة تصوُّر وقبل التصور عزم القلب، يوجد في القلب تساهل فيصبح الإنسان غير مستقيم، يوجد في القلب كبر فسلوكه فيه كبر، يوجد في القلب حقد فإن سلوكه فيه حقد، يوجد في القلب ظلم إذاً هو يظلم، فالمعنى الثاني:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي قلبك فطهر.
((عبدي طَهَّرت منظر الخلق سنين أفلا طهَّرت منظري ساعة ؟))
(ورد في الأثر )
طهرت منظر الخلق أي الإنسان يطلي البناء، يرتدي ثياباً جميلة، ينظف مركبته لأنها منظر الخلق، أفلا ينبغي أن يطهر قلبه لأنه منظر الرب ؟
((إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))
(متفق عليه عن أبي هريرة )
3 ـ النفس:
المعنى الثالث: النفس، ذات الإنسان، يوجد نفس طاهرة، يوجد نفس خبيثة.
﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)﴾
(سورة المائدة )
من هي ذات الصدور ؟ نفسك التي بين جنبيك، هذا المعنى الثالث من:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي طهر عملك، وطهر قلبك، وطهِّر نفسك، والنفس ذات الإنسان، قالوا: طَهِّرها من الإثم والعدوان، طَهِّرها من المعاصي والآثام، طهرها من الغدر بالخُلاَّن، أي طَهِّر نفسك من كل شيْ لا يرضي الله عزّ وجل.
4 ـ الجسم:
المعنى الرابع:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي وجسمك فطهِّر عن المعاصي الظاهرة، العين تزني وزناها النظر، توجد عين طاهرة أي تغض عن محارم الله، توجد أذن طاهرة لا تستمع إلى الغناء، يوجد لسان طاهر يذكر الله دائماً، توجد يد طاهرة إنها تعطي، توجد رجل طاهرة إنها تحملك إلى المسجد ؛ أما الرجل التي تقود صاحبها إلى ملهى هذه رجلٌ نجسة، واليد التي يبطش بها الإنسان ظلماً يدٌ نجسة، والعين التي يتَّبع بها عورات المسلمين عينٌ نجسة، والأذن التي يستمع بها إلى الغيبة والنميمة وقول الزور والبهتان وفضائح الناس ويستمع بها إلى الغناء أذنٌ نجسة، واللسان الذي يذكر عورات الناس لسانٌ نجس، إذاً:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي طَهِّر جسمك من المعاصي الظاهرة.
5 ـ الأهل:
المعنى الخامس لقوله تعالى:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي أهلك فطَهِّرهم لأن أهل الإنسان كالثياب له استنادا لقوله تعالى:
﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾
(سورة البقرة: آية " 187 " )
والله سبحانه وتعالى يؤكِّد هذا المعنى في آيةٍ أخرى، يقول الله عزّ وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾
(سورة التحريم: آية " 6 ")
أي زوجتك ألصق الناس بك، أولادك، بناتك، إخوتك، أخواتك هؤلاء أهلك، هؤلاء عورتك، طَهِّرهم، أي اهتم بهم، دقق في صلاتهم، في طاعتهم، في حجابهم، في دينهم، في علمهم..
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
هم ثيابك، هذا المعنى المتعلِّق بالأهل وهو المعنى الخامس.
6 ـ الخُلُق:
والمعنى السادس: الثياب هي الخُلُق، يعني يبدو منك أخلاقك، أخلاقك هي كالثياب، أنت إن نظرت إلى إنسان ماذا ترى ؟ ترى ثيابه، وأخلاقه ثيابه.
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي طهِّر أخلاقك من الدَنَس، من الكذب، من الغيبة، من النميمة، من الحقد، من الكِبر، هذا أيضاً من معاني:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي أن خلق الإنسان مُشْتَمِلٌ على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه.
7 ـ الدين:
ويوجد معنى سابع:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي دينك فطهر:
((ابن عمر، دينك دينك، إنما هو لحمك ودمك، فانظر عمن تأخذ، خذ الدين عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
(أخرجه ابن عدي في الكامل عن ابن عمر )
دين عقيدتك، هل بحثت عن عقيدةٍ صحيحة أم أن في ذهنك تعشعش الأوهام والأباطيل والخرافات، والأحاديث الضعيفة والموضوعة، والقصص التالفة، والخرافات، والكرامات التي لا تُصدَّق، ثيابك دينك، هل استقامت عقيدتك ؟ هل قُمْتَ بواجباتك الدينية ؟ هل عبدت الله حق العبادة ؟ هل اتقيت الله حق التقوى ؟ أن تذكره فلا تنساه، أن تشكره فلا تكفره، أن تطيعه فلا تعصيه، هذا المعنى السابع.
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي دينك فطهِّر، هذا يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم:
((رأيت الناس وعليهم ثياب منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ورأيت عمر ابن الخطاب وعليه إزارٌ يجرّه (أي ثيابه سابغة) فقلت يا رسول الله: فما أوَّلت ذلك، قال: الدين ))
(متفق عليه عن أبي سعيد الخدري )
الثوب هو الدين، يوجد إنسان ثوبه إلى خصره، يوجد إنسان ثوبه إلى أثدائه، يوجد إنسان ثوبه إلى رقبته، رأى عمراً يرتدي ثوباً سابغاً يجرُّه، قال: ما أولت ذلك ؟ قال: الدين، إذاً استنباطاً من هذا الحديث الشريف:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
أي دينك فأصلح، اللهمَّ أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.
8 ـ الثياب:
بقي المعنى الثامن:
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
المعنى المتبادر للثياب، أي إن هذه الثياب التي ترتديها يجب أن تكون طاهرة، لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاء ))
(صحيح البخاري: عن ابن عمر )
((مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
( صحيح البخاري:عن عبد الله عن أبيه )
سيدنا الصديق قال: ((يا رسول الله إن أحد شِقَّي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال عليه الصلاة والسلام: لست ممن يصنعه خيلاء ))
(متفق عليه عن سالم بن عبد الله )
أنت فوق ذلك يا أبا بكر.
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
لا تجعلها مع الطريق، أو اغسلها من النجاسة وهو ظاهرٌ، لا تصلي في ثوبٍ غير طاهر، هذا معنى الثياب الطاهرة، أي يجب أن ترتدي ثياباً نظيفة، فإما أن تجعلها طاهرة بأن لا تكون سابغةً إلى درجة أنَّك تنظِّف بها الطريق، فالثوب المعتدل أنقى وأقرب إلى الله وأتقى.
علامة حبك لله إتباعك لرسوله:
شيءٌ أخير في هذه الآية:
﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)﴾
الثوب الأهل، والثوب القلب، والثوب النفس، والثوب العمل، والثوب الثياب التي أمرنا أن نطهِّرها دائماً، والقرآن كما قال الإمام عليٌّ بن أبا طالب رضي الله عنه: " حمَّال أوجه ".
﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109)﴾
(سورة الكهف )
وهذه الآية الأولى:
﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)﴾
اسأل نفسك هذا السؤال: هل ساهمت في حياتك بهداية إنسانٍ واحد ؟ هل فكَّرت أن تنقل حقيقةً للآخرين ؟ هل أردت أن تصطحب أحداً إلى بيت الله ؟ هل دخل إلى قلبك رغبةٌ حميمةٌ أن تنقذ إنساناً من الكفر، من الضياع، من المعصية ؟ هذا ما نستفيد منه من هذه الآية:
﴿قُمْ فَأَنْذِرْ (2)﴾
طبعاً في حدود ما تعلم وفي حدود من تعلم، وهذه الدعوة إلى الله على هذين المستويين فرض عينٍ على كل مسلم، ومن قصَّر بهذا فهو ليس متبعاً لرسول الله، ومن علامة حبك لله إتباعك لرسول الله، وفي درسٍ قادمٍ إن شاء الله نتابع هذه الآيات:
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)﴾
(سورة المدثر )
والحمد لله رب العالمين


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون: مع الدرس الثاني من سورة المدَّثِر، ومع الآية الخامسة والتي بعدها وهي قوله تعالى:
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾
(سورة المدثر )
﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)﴾
(سورة المدثر )
المعنى الدقيق و الواسع للرجز:
أيها الإخوة الكرام: الرُجْز معناه الدقيق الأصنام، المعنى الواسع كلُّ ما سوى الله، لا تلتفت إلى غير الله، ولا تعتمد على غير الله، ولا تتجه إلى غير الله، ولا تعقد آمالك على غير الله، ولا تتكئ على صديقٍ ولا صاحب، ولا على ولدٍ ولا زوجة، ليكُن اعتمادك على الله وحده.
الشرك الخفي:
أيها الإخوة: قال تعالى:
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)﴾
(سورة يوسف)
العلماء فصَّلوا بين الشرك الجلّي وبين الشرك الخفي. ليس في العالم الإسلامي كله والحمد لله شركٌ جلي، ليس عندنا إلهٌ كبوذا يُعبد من دون الله، ولكن الشرك الخفي هو كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس الشرك الخفي))
[ سنن أحمد عن شداد بن أوس ]
أنت مسلم مؤمن بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الكتب حق، وأن الأنبياء والرسل حق، ولكن لضعف التوحيد تتجه إلى غير الله، لضعف التوحيد تُلْقي آمالك على غير الله، لضعف التوحيد تعتمد على مالك، من اعتمد على ماله ذل، لضعف التوحيد تثق بقدراتك، ومن توكَّل على ذاته أوكله الله إيَّاها، نريد من هنا أن نبين معنى الشرك الخفي، فأصحاب النبي عليهم رضوان الله، والنبي بين أظهرهم، وهم صفوة الصفوة. (( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))
ومع ذلك حينما قالوا يوم حنين: لن نغلب من قلة، اعتمدوا على كثرتهم وهم لا يشعرون.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾
(سورة التوبة )
على الإنسان أن يعتمد على الله وحده:
راقب نفسك، دقق فيما تقول، هناك إنسان أنا أعرفه مؤمناً، لكن زلَّ لسانه فقال: بالمال يُحَلُّ كل شيء، وقع في ورطةٍ، فجلس تسعةً وستين يوماً في غرفةٍ لا تزيد عن متر بنصف متر وهو لا يستطيع أن ينطق ولا أن يتنفَّس، فكان تأتيه الخواطر كل دقيقة: أَتُحَلُ هذه بالمال ؟ لا تعتمد على مالك، ولا على سلطانك، ولا على ذكائك، ولا على خبراتك المتراكمة، ولا على علمك، ولا تُلقي الآمال على ولد قد يسافر ويتجَنَّس ويستغني عن أهله كلهم، لا تعتمد على زوجة قد تقلب لك ظهر المِجَن وأنت في أشد الحاجة إليها، اعتمد على الله وحده، هذا المعنى الواسع:
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾
لا تلتفت إلى الأصنام، أي:
(( إن الشيطان يئس أن يُعبد في أرضكم ))
بعد ظهور هذا الدين العظيم ليس في العالم الإسلامي كله مجالٌ لصنمٍ يُعبد من دون الله:
((.... ولكنها شهوةٌ خفية وأعمالٌ لغير الله ))
[ سنن أحمد عن شداد بن أوس ]
فلذلك:
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾
قالوا: الأوثان، الدليل:
﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾
(سورة الحج: آية " 30 " )
الاجتناب و التحريم:
الاجتناب له معنى دقيق، كيف أن الله سبحانه وتعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90)﴾
(سورة المائدة )
الاجتناب أشد من التحريم، أشد بكثير، لو أن الله حرَّم الخمر لجاز لك أن تبيعها أو أن تشتريها، أو أن تنقلها، حرم الخمرة فقط، ولم يأمر باجتنابها، لجاز لك أن تبيعها وأن تشتريها، وأن تحملها، وأن تُحْمَل إليك تربح بها، وأن تعلن عنها، وأن تستثمر ثمنها، ولكن حينما قال الله عزَّ وجل:
﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾
لعن الله الخمرة وبائعها وشاريها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه، الاجتناب لا بدَّ من أن تبقي مسافةً بينك وبين هذا المُحَرَّم، مسافة أمان، كذلك هنا:
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾
أي أن كل شيء ما سوى الله رجزٌ.
معاني الرجز:
1ـ الأصنام:
أول معنى الرجز: هم الأصنام، الآية الكريمة:
﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾
( سورة الحج: آية " 30 " )
2 ـ الإثم:
عن ابن عباس رضي الله عنه: " أن الرُجز هو الإثم " أي إثمٍ ينبغي أن تجتنبه، والإثم هي المعصية، الإثم والعدوان، الإثم معصيةٌ فيما بينك وبين الله، والعدوان معصيةٌ فيما بينك وبين العباد، الإنسان إذا ترك الصلاة يأْثم، وإذا أطلق بصره في الحرام يأثم، أما إذا أكل مال الآخرين ظُلماً فقد اعتدى عليهم، فالإثم متعلقٌ فيما بينك وبين الله، والعدوان متعلقٌ فيما بينك وبين الناس.
نحن على أبواب رمضان، وعلى أبواب الحَج بعد رمضان، وقد يتوهَّم المسلمون أنَّك إذا صُمت رمضان غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر إطلاقاً نقول: لا، غُفرت لك الذنوب التي بينك وبين الله، أما التي بينك وبين العِباد هذه لا تُغفر إلا بحالتين، إلا بالأداء أو المسامحة، وإذا ذهبت إلى بيت الله الحرام (إن شاء الله تعالى) وحججت حجاً مبروراً غُفر لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر إلا الذنوب التي بينك وبين العباد، لأن حقوق الله مبنيةٌ على المسامحة بينما حقوق العباد مبنيةٌ على المُشاححة.
فإيَّاك أن تتوهم أنه بعد رمضان سقطت عنك كل الحقوق والواجبات التي عليك أن تؤديها إلى الناس، وأنه بعد الحج سقطت عنك كل الحقوق والواجبات التي عليك أن تؤديها للناس، هذا لا يسقط إلا بالأداء والمسامحة، فالمعنى الثاني اهجر كل معصيةٍ تُبعدك عن الله عزَّ وجل.
هجر كل ما يبعدنا عن الله تعالى:
أنت أمام شيء، الهدف الأول الحقيقة الوحيدة في الكون هي الله، أي شيءٍ يقربك إليك افعله، وأي شيءٍ يبعدك عنه فاهجره، هذا ملخص الملخص، إن تكلَّمت بالحق تتقرب، وإن نصحت مسلماً تتقرب، إن قرأت القرآن تتقرب، إن أعنت ضعيفاً، إن أطعمت جائعاً، إن رَعَيْتَ يتيماً، إن اعتنيت بأرملةٍ، إن أنفقت مالك في سبيل الله، إن صليت، إن صُمت، إن تعلَّمت العلم، إن علَّمت العلم، إن قرأت القرآن، إن قَرَّأت القرآن، أي شيءٍ يقربك إلى الله فافعله، وأي شيءٍ يُبعدك عن الله ولو ومضة، لو أنك أتبعت النظرة النظرة وقعت في الإثم، لو أنك ابتسمت ابتسامةً ليس في مكانها ابتعدت عن الله، لو أنها كما قالت: قصيرة، قال: ((يا عائشة لقد قلت كلمةً لو مُزجت بمياه البحر لأفسدته ))
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾
اهجر كل إثمٍ ومعصيةٍ تبعدانك عن الله.
لكن العلماء قالوا: إذا قلت للطالب المجتهد اجتهد، معنى ذلك أن ثابر على اجتهادك، وإن قلت للكسول: اجتهد أي ابدأ اجتهادك، العاصي إن أمرته بالطاعة فمن أجل أن يطيع الله، أما إذا أمرت طائعاً بالطاعة من أجل أن يستمر على طاعته.
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾
(سورة الأحزاب: آية " 1 " )
النبي يتقي الله، إذاً معنى اتقِ الله بحق النبي أن يستمر على تقوى الله عزَّ وجل.
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾
3 ـ العذاب:
معنى آخر قال تعالى:
﴿لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)﴾
(سورة الأعراف )
هنا العذاب، معنى العذاب.
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾
أي ابتعد عن كل عملٍ يؤدِّي بك إلى العذاب، أي عملٍ ينتهي بك إلى العذاب ابتعد عنه.
قانون العزة:
بحياتنا الواقعية إذا فرط الإنسان في تناول ما لا ينبغي ( كشرب الدخان مثلاً ) هذا قد يؤدي به إلى أورام خبيثة، إلى أمراض في الأوعية، إلى أمراض في الدم، أمراض في دسَّامات القلب، أمراض في الكُليتين، أمراض في الجلد وفي الأطراف البعيدة، فهذا يؤدي بك إلى مرضٍ معَذِّب، ابتعد عنه، بشكل واسع أي عملٍ ينقلك إلى عذاب، يضعك تحت وطأة عذاب، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (( إياك وما يعتذر منه ))
أي العمل الذي تستحي منه، تصغر أمام الناس به، يحمرُّ وجهك خجلاً منه، إيَّاك أن تفعله تكن عزيزاً، والعزَّة لها قانون:
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26)﴾
(سورة يونس )
المُحسن المستقيم لا أحد يستطيع أن يذلَّه أبداً ولو كان فقيراً، ولو كان ضعيفاً، ولو كان في الدرجة الدُنيا من المجتمع، استقامته، ونظافته، وصدقه، وأمانته، وعفافه يجعلانه كالملك،
قال الملك لوزيره: من الملك ؟ قال: أنت. قال له: لا، الملك رجلٌ لا نعرفه ولا يعرفنا، له بيتٌ يؤويه وزوجةٌ ترضيه، ورزقٌ يكفيه (إنسان نظيف).
فأي واحد منا إذا كان مستقيماً، صادقاً، أميناً، عفيفاً، مطبقاً لمنهج الله، يؤدِّي صلواته الخمس، يصوم رمضان، يغضُّ بصره عن محارم الله، لا يوجد في بيته معصية، ولا يوجد في عمله معصية، صادق، أمين، هذا هو الملك، هذا ملك في الدنيا والآخرة لأنه هجر الرُجز، و ترك كل أنواع الإثم.
الأخذ بالأسباب و الاعتماد على الله:
لا بدَّ في الإثم من عدوان على الآخرين، لو نظرت إلى امرأةٍ لا تحل لك هذا إثم وعدوان بآن واحد. فالمعنى الأول: اجتنب عبادة الأوثان بالمعنى الضَيِّق، بالمعنى الواسع: اجتنب الشرك الخفي، أن تلقي الآمال على غير الله، أن ترى أن هذا الإنسان يعطيك أو يمنعك، يرفعك أو يخفضك، يُمِدُّك أو يمنعك، لا تفعل هذا نوعٌ من الشرك، اعتمد على الله وحده، لكن لك أن تأخذ بالأسباب وأن تعتمد على الله وحده، وهذا الشيء دقيق إن لم تأخذ بالأسباب فقد عصيت الله، لأن الله عزَّ وجل جعل لكل شيءٍ سبباً، وإن أخذت بالأسباب واعتمدت عليها فقد جعلتها إلهاً، أشركت مع الله، فالبطولة أن تأخذ بالأسباب، وأن تعتمد على الله وحده، وهذا لا يستطيعه إلا المؤمنون الصادقون، من أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكِّلون، أناسٌ فقراء سألهم عملاق الإسلام (سيدنا عمر): من أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكِّلون، قال: كذبتم، المتوكِّل من ألقى حبةً في الأرض، ثم توكل على الله.
بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض أحاديثه الصحيحة: (( قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ. فَقَالَ: مَا قُلْتَ ؟ قَالَ: قُلْتُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
(مسند أحمد عن العوف بن مالك )
الابتعاد عن كل ما يؤدي بك إلى العذاب النفسي:
أنت مكلَّف أن تسعى، أما حينما تقهر هذا قضاء الله وقدره، هذا المعنى الثالث. المعنى الأول: ابتعد عن عبادة الأصنام، الأوسع: ابتعد عن الشرك الخفي، المعنى الثاني: ابتعد عن كل عملٍ يؤدِّي بك إلى العذاب، في عذاب نفسي أحياناً، فإذا كان شريك خان شريكه، يحتقر نفسه ولو أن أحداً لم يعلم.
لو أن امرأةً ابتسمت لغير زوجها، ابتسمت في محلٍ تجاري لرجلٍ أجنبيٍ عنها، ابتسمت وألانت له القول، تشعر أنها خانت زوجها بشكلٍ أو بآخر، هذه الابتسامة وهذا اللين لزوجها فقط لا لرجل أجنبي لأن الله تعالى يقول:
﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)﴾
( سورة الأحزاب )
فالإنسان حينما يخطئ يشعر بصغار، يفقد احترامه لذاته، إذاً أي عملٍ يؤدِّي بك إلى عذاب نفسي، إلى حرج مع الآخرين، إلى حرج أمام الله عزَّ وجل ينبغي أن تبتعد عنه.
الانضباط في مجتمعنا من نعم الله على الإنسان:
فمن الطُرَفِ التي قرأتها مرةً: أن استبياناً (أي إحصائية) وزِّعَ على مئة زوج، هذا الاستبيان فيه سؤال وحيد: لماذا لا تخون زوجتك ؟ طبعاً ليس عندنا في بلادنا، نحن عندنا في بلادنا الأصل ذلك، هذه من نعم الله الكبرى، معظم الأسر خمسة وتسعين بالمئة أسر منضبطة (من هذه الناحية منضبطة) أما في بلاد الغرب قد يحتفل الإنسان وهو في دمشق بعيداً عن زوجته ثلاث سنوات بأن امرأته أنجبت له مولوداً، ويدعو أصدقاءه لطعامٍ ولحفلةٍ، شيء طبيعي جداً.
هناك قصةٌ رويتها لكم سابقاً، تعبِّر عن مجتمع الغرب، شابٌ رأى فتاةً فأحبها فاستشار أباه فقال له: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، فلما رأى فتاةً أخرى أعجبته أيضاً، فاستشار أباه ثانيةً، فقال له: لا يا بني إنها أختك وأمُّك لا تدري، فلما رأى فتاةً ثالثة أيضاً أعجبته فاستشار أباه فقال له كما قال في المرة الثانية والأولى: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، فلما ضَجِر شكا إلى أمِّه هذا فقالت له: خذ أياً شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري. هذا مجتمع الغرب، هذا مجتمع الغرب مجتمع التفلُّت، والانحلال.
لذلك: من هوي الكفرة حُشر معهم ولا ينفعه عمله شيئاً، ومن أقام مع المشركين فقد برأت منه ذمة الله، من أقام معهم إقامةً دائمة، أعجبه سلوكهم، أعجبه تفلُّتهم، أعجبه انحلالهم، أعجبه نمط حياتهم، أعجبه بعدهم عن الله عزَّ وجل واعتمادهم على العلم وحده وعلى المادة وحدها.
اختبار الدافع الإنساني في العالم الغربي:
قرأت تعليقاً أرادوا أن يمتحنوا الدافع الإنساني الرحيم في المجتمع الغربي، فجاؤوا بسيارة محطمة، وأجلسوا إلى جانبها إنساناً وقد صبغوه باللون الأحمر كأن الدم قد سال منه، وضعوه على أكثف طريق بين باريس وليون، فهذا الطريق لا ينقطع فيه السير، بعد ست ساعاتٍ وقفت سيارة كي تسعفه. فهؤلاء ابتعدوا كثيراً عن الله عزَّ وجل أما أتقنوا الدنيا إتقاناً مذهلاً، لكي نكون واقعيين، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، أتقنوا الدنيا وكفروا بالآخرة، لذلك ينطبق عليهم قول الله عزَّ وجل:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾
(سورة الأنعام: آية " 44 " )
لم يقل: باب كل شيء، قال: أبواب، ولم يقل: أبواب شيء، أبواب كل شيء:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ(44)﴾
أُجري برنامج في بعض البلاد الغربية عن الزنا، جاءت اتصالات هاتفية إلى البرنامج، اكتشف أن ثلاثة وثلاثين بالمائة من حالات الزنا في أمريكا زنا محارم، بين الأخ وأخته، والأب وابنته، هذا المجتمع، هناك مسيرات في بعض المدن الغربية، مئة ألف إنسان لأخذ حقوقهم، هؤلاء الشاذِّين جنسياً، مجتمعاتٌ انحلت وانتهت لكن قوتها المادية لا تزال موجودة، العلم والتكنولوجيا والقوة المادية موجودة، أما مبادئ، قيم، أخلاق، حدِّث ولا حرج.
فالذي أوصلنا إلى هذا: لا تعمل عملاً تستحي منه، تعَذَّب، هذا الاستبيان سألوا الأزواج (ألف زوج فرضاً): لماذا لا تخون زوجتك ؟ فكان الجواب، بعض الإجابات: أنني لا أستطيع لأنها تعمل معه في البقالية مثلاً. ويوجد إجابات: إني لا أحتمل الشعور بالذنب. وفي جواب جيد: إني أكره الخيانة. أنا ذكرت هذا المثل للفقرة الثانية، إني لا أحتمل الشعور بالذنب.
الإحساس بالذنب يؤدي إلى الكآبة:
فأحدنا والفضل من الله عزَّ وجل، المستقيم، الطاهر، الصادق، الأمين، العفيف، عنده راحة نفسية، عنده شعور سوي صحيح، أما حينما يقترف إثماً، حينما يعتدي على أعراض الناس، حينما يعتدي على أموالهم، حينما يحتال عليهم، حينما يستغل جهلهم، حينما يبتزُّ أموالهم، قد يكون في نظرهم عالياً ولكن يفقد أخطر شيءٍ في حياة الإنسان احترامه لذاته، ينهار من الداخل، المسيء ينهار من الداخل، لذلك الذي نسمعه الآن عن الكآبة المنتشرة في بلاد الغرب، كآبة، ما هي الكآبة ؟ الإحساس بالذنب، يقول لك: مُرَكَّب النقص، عقدة الذنب، الشعور بالكآبة، هذا كل عقاب الفطرة على انحراف صاحبها.
﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾
المعنى الثاني: هو لا تفعل عملاً يؤدِّي بك إلى العذاب ولو كان نفسياً، أوضح كلام للنبي:
(( إياك وما يعتذر منه))
الموقف الذي تضطر أن تعتذر منه لا تفعله أبداً.
الابتعاد عن كل ما يؤدي بك إلى الفاحشة
أيها الإخوة الكرام: الرجز عبادة الأصنام، بالمعنى الواسع: الشرك الخفي، المعنى الثالث كلُّ إثمٍ يحجبك عن الله عزَّ وجل، كل فعلٍ يؤدِّي بك إلى تحمل عذاب لا تطيقه اهجره، والهجران أن تبتعد عنه، أن تجعل بينك وبينه هامش أمان، هذا معنى قوله تعالى:
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾
(سورة البقرة: آية " 187 " )
اجعل بينك وبينها هامش أمان، وأوضح مثل موضوع الزنا قال:
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32)﴾
(سورة الإسراء )
إذاً هنا محرمة مقدماته، الخلوة محرمة، وإطلاق البصر محرَّم، وصحبة الأراذل محرَّم، وكل مجتمعٍ يغريك بهذه الفاحشة أنت ينبغي أن تبتعد عنه.
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ: آية فيها معاني عدة:
أما قوله تعالى:
﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾
(سورة المدثئر)
فهناك موضوعاتٌ كثيرة في هذه الآية:
1 ـ لا تمن على ربك بما تتحمله من أثقال النبوة:
أولاً: لا تمنن على ربِّك بما تتحمَّله من أثقال النبوة، وكأن المؤمنين معنيون بهذه الآية:
﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(17)﴾
( سورة الحجرات)
فأي إنسان يتوهَّم أنه حينما أسلم وحينما اصطلح مع الله وحينما تاب إلى الله وحينما طبَّق منهج الله فله عند الله حق.
﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(17)﴾
بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان هذا هو المعنى الأول.
2 ـ لا تعطي من أجل أن تستكثر الجزاء في الدنيا:
المعنى الثاني: لا تمنن أي لا تعطي، لا تعطي من أجل أن تستكثر الجزاء في الدنيا، فإنسان عنده إدراك عميق وعنده حاسة سادسة، يقول لك: فلان إذا دعوته يظهر منه خير كبير، إذا فلان أكرمته يلزمني، فالقضية عنده تجارية، إذا فلان قدمت له هدية آخذها أضعافاً منه بالمستقبل، إذا اليوم أنمته عندي في المستقبل عندما أسافر إلى بلده الفندق غالي جداً أنام عنده، هذه العقلية التجارية بالعمل الصالح، هذه المؤمن ينبغي أن ينزِّه نفسه عنها، لا تمنن من أجل أن تستكثر الجزاء في الدنيا، وحينما يعطي يفكِّر في الجزاء، يفكِّر في رد الفعل، يفكر في المكافأة، فكل عطاء أهل الدنيا عطاءٌ مشوبٌ بهدفٍ خسيس.
﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾
تستكثر الخير في الدنيا من أجل أن تنتفع، فالذي يحسب هذه الحسابات، أي يعطي عطاءً مشروطاً، أو يبحث من الذي إذا أعطيته أعطاني ؟ إذا أكرمته أكرمني ؟ إذا بجَّلته عظَّمني ؟ إذا قدَّمت له هديةً قابلها بأضعافٍ مضاعفة، فهذا صار ليس عبادة لله عزَّ وجل، هذا عمل مشوب بالمصلحة ويمكن أن نفسِّر ما يُعجب به الناس من استقامة الغرب بهذا الباب هم صادقون.
قتل امرؤ في غابةٍ جريمةٌ لا تغتفر وقتل شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نظر
* * *
عندهم حقوق الإنسان، فإذا بلد من البلاد أخطأ في نظامهم الديمقراطي قال: حقوق الإنسان في هذا البلد غير مصونة، أما أن يموت خمسمئة ألف طفلٍ كل عام من جرَّاء الحصار الاقتصادي هذه ليست مشكلة، فهؤلاء إن رأيت منهم استقامةً أحياناً، إن رأيت منهم صدقاً أو إتقاناً، هذا من هذا القبيل، هم يوظِّفون استقامتهم لمصالحهم، يوظِّفون موضوعيتهم في أخبارهم لمصالحهم، يوظفون مظهرهم البرَّاق لمصالحهم، هذا سلوك أهل الدنيا، هذا شيء والعبادة شيء آخر، تمنن تعطي، تستكثر، تعطي كي تستكثر، لا تعطي إلا من يعطيك أضعافاً مضاعفة، لا تعطي إلا من يكافئك، لا تعطي إلا من يدعمك، هذا نموذج موجود كثير جداً.
﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾
المؤمن منزه عن أي عطية يلتمس أفضل منها:
المؤمن منزَّه عن هذا، قد يعطي فقيراً، قد يعطي ضعيفاً، قد يعطي ولا يفكِّر في رد الفعل إطلاقاً.
﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾
هذا المعنى الثاني، أي لا تعطي عطيةً تلتمس منها أفضل منها.
وبعضهم قال: هذا حرَّمه الله على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مثلٌ أعلى في الكمال، فهذا قضية خلافية أنت إذا أعطيت أي إذا أكرمت إنساناً وتعلم علم اليقين أنَّه سيكرمُك، يوجد رأي أنَّك لست مؤاخذاً على هذا لأنك من شيمتك أن تكرم الناس، فإذا أكرموك مقابل إكرامك لا شيء عليك، فالقضية خلافيَّة بين أن تكون محرَّمة على المؤمنين وبين أن تكون خاصّة بالنبي عليه الصلاة السلام.
3 ـ لا تضعف نفساً عن أن تطلب معالي الأمور:
﴿وَلَا تَمْنُنْ﴾
أي لا تضعُف، حبلٌ منين أي حبلٌ ضعيف، لا تمنن عن أن تستكثر من الخير، هذا نموذج آخر (نموذج كسول)، يا أخي اتصل بالله، اعمل أعمالاً صالحة، فكِّر، تعلَّم فأين نحن من هذه المراتب ؟ ضعيف أي يرضى بالقليل، يرضى بالمرتبة الدُنيا، يرضى أن يكون في مؤخِّرة الركب، يرضى أن يكون في الدرجة الدنيا في المجتمع، يقول لك: أريد أن أكون وراء الباب في الجنة، هذه لا تصح لك، وراء الباب لا يوجد.
الآن على مستوى الدراسة إذا الطالب لم ينوِ أن يكون متفوقاً فإنه لا ينجح، إذا بالأساس نوى أن ينجح على الحدود فإنه لا ينجح إطلاقاً، إذا في بداية الدراسة قال: أنا أريد علامة النجاح فقط، أريد مقبول في كل المواد، هذا لا ينجح، يضع أمامه التفوق لينجح، أما إذا وضع النجاح فقط فإنه لا ينجح.
﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾
أي لا تضعف نفساً عن أن تطلب معالي الأمور، عن أن تطلب درجات الجنة العالية، لا تضعف نفساً عن أن تصل إلى أعلى درجة علوُّ الهمَّة من الإيمان. والله عزّ وجل واحدٌ في عطائه، قال: ملك الملوك إذا وهب.. يوجد تعديل عدَّلته للبيت:
ملك الملوك إذا وهب قم فاسألن عن السبب
الله يعطي من يشاء فقف على حد الأدب
* * *
الطموح في كثرة الخير:
كلُّنا عباده، كن طموحاً واطلب من الله أعلى المراتب، إله الصحابة إلهنا وربهم ربنا، الظروف واحدة.
(( اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك ؟ قال: لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناسٌ يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر أجره كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم ؟ قال: بل منكم لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون ))
ألا تستطيع أن تغض بصرك ؟ أن تضبط لسانك ؟ أن تقيم الإسلام في بيتك ؟ أن تقيمه في عملك ؟ أن تربِّي أولادك ؟ أن تجلس معهم ؟ هذه بيدك، لذلك:
﴿وَلَا تَمْنُنْ﴾
أي لا تضعف عن أن تستكثر من الخير، لا ترضى أن تكون في الدرجة الدنيا، وراء الباب، نحن خدَّام سيدي، لا كن سيِّداً، للحق كن خادماً أما كن سيِّداً في مجتمعك، سيدنا خالد كان علم، تأخر لكنه صار أول قائد، سيدنا الصديق، سيدنا عمر، سيدنا عثمان، سيدنا علي، هؤلاء الصحابة الكبار كانوا طموحين.
﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾
أي لا تضعُف عن أن تستكثر.
4ـ لا تمنن مستكثراً عملك:
والمعنى الرابع:
﴿وَلَا تَمْنُنْ﴾
أي لا تمنن مستكثراً عملك، أنا لي أعمال كالجبال، لي مؤلَّفات، لي محاضرات، لي كذا، أي أنت تكبِّر نفسك، وهذا العمل من فضل الله عليك فلما رأيته كبيراً حُجِبْتَ عن الله عزّ وجل، بطولتك أنه مهما قدمت من عملٍ عظيم أن لا ترى لنفسك فضلاً عند الله عزّ وجل.
﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾
( سورة النسا)
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾
( سورة النسا)
مرَّة أخ قدَّم بيتاً لجمعية خيرية ليكون مشغل للفقيرات، بيت ثمنه عشرة ملايين أُقيم له حفل تكريم، الخطباء أشادوا بإحسانه وفضله وكرمه، إلا أحد إخوتنا الكرام ألقى كلمة أمامه وتكلم العكس، قال له: كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين من جمعيتنا، وأن تقف في طابور طويل لنأخذ هويَّتك وبصمتك على ثلاثمائة ليرة في العيد، ولكن الله امتنّ عليك فجعلك غنياً وقدمت هذا البيت فاشكر الله على هذا الفضل.
هذا كلام طيب، هذا كلام صحيح، أي أن هذا الذي تراه يمد يده إليك كان من الممكن أن تكون أنت مكانه، لا تستكبر على أحد، لا ترى عملك عظيماً، إذا أراد الله إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك.
التواضع علامة الإيمان:
إذاً: رؤية العمل شرك، أنا حجمي الفلاني، مكانتي، علمي، محاضراتي، هناك كثيرون ممن يستفيدون مني، هذا فضل الله عزّ وجل، الله أنطقك بالحق، كان من الممكن أن تكون خلاف ذلك، يقول الإمام الشافعي: "كلَّما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي ".
والمؤمن كلَّما رفعه الله تواضع، وكلَّما أعطاه تأدَّب، لا يوجد أعظم من النصر في الحرب إنه شعور لا يُصَدَّق، سيدنا محمد دخل مكة فاتحاً فمن شدة تواضعه لله حنى رأسه تواضعاً لله حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره أدباً مع الله.
﴿وَلَا تَمْنُنْ﴾
بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجراً تستكثر به، أي لا تتخذ ما أعطاك الله إياه وسائل ربح في الحياة الدنيا، اجعلها لله خالصة، وطبعاً هذا كله موجهٌ إلى أمته من بعده، لا تمنن بهذا الذي أعطاك الله إياه لتستكثر به من الدنيا اجعله خالصاً لوجه الله، وقال بعض العلماء: " لا تعطي مالك مصانعةً ". أي مداهنةً، ومُراءاةً، هذا ينطبق على الآية الكريمة.
الإخلاص في العطاء:
إذا أعطيت عطيةً فأعطها لربك وابتغِ بها وجه الله عزّ وجل لأن الأعمال إنما هي بالنيات، ولا تقل دعوت فلم يُستجَب لي، عليك أن تعبده ولا تنظر إلى النتائج، هو حكيمٌ يعطي أو يمنع، يرفع أو يخفض.
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾
( سورة الزمر)
وقول ابن عباس رضي الله عنه: " لا تُعطي لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال " والأمر أن تكون عطاياك لله وحده لا لارتقاب ثوابٍ من الخلق عليك.
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً (9)﴾
( سورة الإنسان )
لذلك: هذا الذي يُعلِّق أهميةً كبيرةً على ردِ فعل الناس، وعلى تكريمهم إيَّاه، وعلى معرفتهم لقدره، وعلى تقديرهم لعلمه، هذا فيه ضعفٌ في إخلاصه، إذا كنت مخلصاً كما يريد الله عزّ وجل لا تعلِّق أهميةً على ردود الفعل، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ ))
( صحيح البخاري عن أبي هريرة )
الذراع أي مؤدم.
أي ملخص الملخص: أراد الله عزّ وجل من هذه الآية أن لا تمنن بعملك على الله فتستكثره فهو صحيح فإن ابن آدم لو أطاع الله عمره من غير فتورٍ لما بلغ لنعم الله بعض الشكر.
قمة النجاح أن تكون متواضعاً:
أنت تعيش ستين أو سبعين سنة لو فرضنا أنك عبدت الله عشر سنوات عبادة صحيحة فأدخلك الله الجنة إلى الأبد، فإن كل عبادتك مؤقتة ومحدودة، والعطاء سرمدي أبدي فمهما فعلت، مهما بذلت، مهما ضحيت، مهما وضعت إمكاناتك وصحتك ومالك في سبيل الله فأنت الرابح، لذلك لا تمنن، حتى عند المؤمنين الضعاف يرى عمله كبيراً فيحجبه عن مزيدٍ من فضل الله، النبي قال: جهدُ مُقِل.
سيد الخلق أعظم إنسان قدَّم للإنسانية الهداية سمَّى عمله جُهدَ مُقِل، أنا كنت أقول دائماً: الصعود إلى الأعلى صعب، الطريق وَعْرة ومرعبة ومخيفة وفيها عقبات وفيها حُفَر وفيها أكمات وفيها غبار وجهد شاق، فإذا وصل إلى قمة النجاح فإن هناك طريق يسقطه إلى الحضيض في ثانية (الغرور) يسقطه في ثانية، لذلك قالوا: البطولة لا أن تصل إلى قمة النجاح بل أن تبقى في القمة.
أحياناً الإنسان يجتهد في العبادات فإن الله يعلي شأنه، عندما رفع الله شأنه اغتر، عندما اغتر سقط مرة ثانية، فالبطولة أن تعلو وأن تبقى، إن بلغت قمة النجاح ينبغي أن تبقى متواضعاً لله عزّ وجل، ينبغي أن تعترف بفضل الله عزّ وجل، ينبغي أن تكون مفتقراً إلى الله عزّ وجل.











الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبة الرحمن
المشرفين
المشرفين
حبيبة الرحمن


عدد المساهمات : 1575
تاريخ التسجيل : 09/03/2012
الموقع : سجادتى

من معاني الله أكبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: من معاني الله أكبر   من معاني الله أكبر Emptyالخميس أبريل 05, 2012 5:07 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام: مع الدرس الثالث من سورة المدثر، ومع الآية الثامنة وهي قوله تعالى:
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (Cool فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾
(سورة المدثر )
الإعلان عن بدء يوم القيامة:
الناقور اسم آلة من النَقْر، والنقر هو التصويت.
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (Cool
أي نفخ في الصور.
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)﴾
( سورة الحاقة )
هذا النفخ في الصور إعلانٌ عن بدء يوم القيامة، قال:
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (Cool فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾
حرية الاختيار في الدنيا:
تصوَّر إنساناً ارتكب سرقات كبيرة وجمع أموال طائلة ثم أُلقي القبض عليه، مشاعره حين أُلقي القبض عليه، سيواجه تعذيباً، سيواجه عقاباً شديداً، قد يواجه سجناً مديداً، قد يواجه ذُلاً وإهانة، فهذا اليوم يومٌ عسير، إنسان ارتكب جريمة ثم أُلقي القبض عليه، فيوم الدين أي يوم الحساب، في الدنيا الإنسان مخير يفعل ما يشاء، له أن يستقيم وله أن ينحرف، له أن يصدق وله أن يكذب، له أن يأكل المال الحلال وله أن يأكل المال الحرام، طبيعة الحياة الدنيا طبيعةٌ فيها حرية الاختيار، وفيها أمد، فأنت تُعْطَى أمداً طويلاً، لك أن تفعل كل شيء ولا شيء عليك وأنت في الدنيا، لكن حينما يأتي ملك الموت وحينما تنتهي الحياة الدنيا وحينما يبدأ الحساب.
﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)﴾
يوم الجائزة يوم قطف ثمار العبادة:
هذا اليوم أيها الإخوة هو أسعد أيام المؤمن، يوم الجائزة، يوم الفَوز، يوم دخول الجنة، يوم تحقيق وعد الله عزَّ وجل، يوم قطف ثمار العبادة.
العبادة فيها تكاليف الصلوات، تكاليف الصيام، تكاليف ضبط اللسان، تكاليف ضبط الجوارح، تكاليف إقامة الإسلام في البيت، تكاليف ضبط كسب الإنسان وضبط إنفاقه، كل هذه التكاليف متى تقطف ثمارها ؟ في هذا اليوم، لذلك النبي قال:
((الموت عُرس المؤمن ))
((والموت تحفة المؤمن ))
التفلت من منهج الله عذابه عسير يوم القيامة:
بالمقابل الذي تفلَّت من منهج الله واستكبر عن عبادته، أعطى لشهواته العنان وركب رأسه، وردَّ حقائق الدين، وسخر من المؤمنين أو كاد لهم، أو أراد أن يطفئ نور الله عزَّ وجل، نقول له: افعل ما تشاء لا بدَّ من أن تموت، وعند الموت سوف تعلم من هو الخاسر.
لذلك: البطولة أن تكون آخر الضاحكين، الإنسان أحياناً يكون أول الضاحكين، يكسب مالاً غير مشروع، يشتري بيتاً فخماً، يشتري مركبة، يؤسس هذا البيت، يتطلَّع إلى الشهوات التي حرَّمها الله يفعلها استهتاراً، فهو يضحك، وقد يضحك ضحكاً غير معقول، لكنه سيبكي، سيبكي دماً، قال:
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (Cool
أي إذا نُفخ في الصور
﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾
أحياناً ينشرون صور المجرمين في الصحف، مجرم كان عاتياً، ارتكب الموبقات، زنا، سرق، شرب الخمور، له عصابة، ثم يُلقى القبض عليه فإذا هو ذليلٌ ذلاً لا حدود له، لذلك البطل هو الذي يعمل لهذه الساعة، ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتِّقي الله البطل.
ما هو الغيب ؟
يوجد آية قرآنية ذكرتها قبل يومين، أن أخص خصائص المؤمن أنه يؤمن بالغيب، فما هو الغيب ؟ الذي لم يره لكنه استنبطه بعقله، يوم القيامة خبر في القرآن الكريم، وحساب الله لنا استنباط، خالقنا جميعاً لا يسمح لنا أن نؤذي خلقه فإذا فعلنا سمح لنا إلى حين لا على حساب الآخرين.
﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) ﴾
(سورة الأنعام )
العقاب الأليم الذي ينتظر الكافر يوم القيامة:
ثم يأتي العقاب الأليم.
﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) ﴾
( سورة المعارج )
سيدنا إبراهيم قال:
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آَمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾
(سورة البقرة )
أراد أن يكون هذا الإكرام للمؤمنين، فقال الله عزَّ وجل:
﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾
وسأرزق من كفر.
﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) ﴾
(سورة البقرة )
والله أيها الإخوة هذه الآية تكفي:
﴿فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) ﴾
السلامة و السعادة في طاعة الله:
يقول أحد العارفين بالله: " مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ولم يذوقوا أطيب ما فيها، أطيب شيءٍ فيها القرب من الله عزَّ وجل ".
فقد وقع تحت يدي قصة كتبتها أختٌ مؤمنة، يبدو أنَّها قبل أن تكتبها كانت متفلِّتة، وصفت حياتها يوم كانت متفلتة، ثم وصفت حياتها بعد أن عرفت الله عزَّ وجل، هناك بونٌ شاسع ليس هناك شيءٌ يجمع بينهما، هي في قمة السعادة حينما صَلَّت، وصامت، وعبدت ربها، وتحجَّبت، وقرأت القرآن، ودعت إلى الله، وكانت في قمَّة تفلتها وهي من أشقى الشقيات.
إخوانا الكرام: لا أصدق أن في الأرض واحداً لا يتمنَّى السلامة والسعادة (في الأرض كلها)، و السلامة في طاعة الله، والسعادة في القرب منه، كلمتان خفيفتان، السلامة في طاعة الله، والسعادة في القرب منه.
يوم القيامة يوم عسير على الكافرين:
موطن الثقل في هذه الآية:
﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾
كل متع الحياة، إنسان سافر وأقام في فنادق، وأكل من الطيِّبات، وأحاط نفسه بالشهوات والمباهج ثم جاء الموت، يقول: لم أر خيراً قط، كل هذا الذي أمضاه في المعاصي تذهب لذَّته ويبقى إثمه، ويبقى الحساب الأليم، ثم إن الذين جاهدوا أنفسهم وأموالهم في الطاعات وأطاعوا الله عزَّ وجل وجاءهم ملك الموت، يذهب عنهم كل هذا التعب وتبقى الثمار اليانعة التي يقطفها، إذاً:
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (Cool
أي إذا نفخ في الصور:
﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾
عسيرٌ جداً:
﴿ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾
الموت أكبر سعادة للمؤمن:
المعنى المخالف: أن هذا اليوم يومٌ يسير على المؤمنين، قالت له: يا أبت، وا كربتاه يا أبت (وهو على فراش الموت ) قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم غداً نلقى الأحبَّة محمداً وصحبه.
اقرؤوا إن شئتم سِيَر الصحابة تفاجئون أنه ما من صحابيٍ على الإطلاق إلا كان في أسعد لحظات حياته يوم فارق الدنيا، ماذا قال عليه الصلاة والسلام: وقف خطيباً فقال: ((إن عبداً خيَّره الله بين زهرة الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده ))
( رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري)
فبكى أبو بكر بكاءً لا حدود له، عرف أن النبي ينعي نفسه، اختار ما عند الله عزَّ وجل، فهذه الدنيا تغرُّ وتضرُّ وتمر، هذه الدنيا فانية، هي دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له، كيف ؟
ممكن إنسان يبني مستقبله لبنة لبنة، بدأ حياته عصامياً، نال شهادة عُليا، اشترى بيتاً صغيراً، وَسَّع البيت، فرشه، اشترى بيتاً بمكان آخر، زوَّج أولاده، نَمَّى ثروته وصل إلى قمة نجاحه، يأتي ملك الموت فيأخذ منه ما حصَّله في كل عمره في ثانيةٍ واحدة، أما المؤمن قدَّم ماله أمامه، وله عند الله زادٌ كبير، يسره اللحاق بماله وبزاده، الإنسان حيث أهله وحيث رحله، معلَّق بماله لو كان ماله في بلد آخر، دائماً مع أخبار هذا البلد، يذهب من حين إلى آخر لتفقُّد ماله.
فإذا الإنسان قدَّم ماله أمامه وقدَّم عملاً صالحاً كثيراً، أسعد شيءٍ في حياته اللحاق به.
فالملخص: بين أن يكون الموت أكبَرَ مصيبةٍ، وبين أن يكون الموت أكبر سعادةً، للمؤمن أكبر سعادة لأنه يوم الجائزة، يوم الفوز، يوم دخول الجنة، يوم القُرب من الله، يوم نَمَط من الحياة جديد، فلا مسؤوليات، ولا تكاليف، ولا حساب، اطلب تعطى، لهم ما يشاءون فيها.
جزاء المؤمن يوم القيامة:
﴿فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) ﴾
(سورة الحاقة )
أما الآخرون هم في عذابٍ أليم، هذه الآية الأولى.
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (Cool فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)﴾
هذا كلام الخبير يقول لك: هو يومٌ عسير، إنسان أحياناً يتهدد إنساناً، ماذا فعل معي ؟ يوزن قوته، يوزن اتصالاته، يوزن مكانته، يا ترى هل يستطيع أن يمنعني من السفر، هل يستطيع أن يكف يدي عن هذا العمل ؟ هل يستطيع أن يخلِّصني هذه الشركة مثلاً ؟ إذا توعدك شخص ما من بني البشر تحسب له ألف حساب ولا تنم الليل، وتبحث عن حجمه واتصالاته وعلاقاته، ويا ترى هل هو قادر أن ينفذ هذا الوعيد أم أنه يبالغ ؟ فإذا قال الله خالق البشر:
﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)﴾
رسول الله هو أشد الناس خوفاً من الله تعالى:
أنا ما رأيت أعقل من الذي يخاف من الله، والله يا أيها الإخوة، والله ليس في الأرض أعقل ممن يخشى الله ويحسب حساب المساءلة في كل دقيقة، عوِّد نفسك أيها الأخ الكريم قبل أن تقول كلمة زنها، هل ترضي الله ؟ قبل أن تبتسم، لعلها ابتسامة سخرية، قبل أن تعلِّق تعليقاً لاذعاً، لعل هذا التعليق يكسر هذا الإنسان ويجرحه، قبل أن تنفق هذه النفقة، قبل أن تطلق بصرك في منظرٍ.
أيها الإخوة: الإنسان كلما اشتد خوفه من الله كان أعلم، هل تعلمون من هو أشد الناس خوفاً من الله ؟ هو رسول الله.
مرة أمسك بسواك حيث كان عنده خادم أرسله في حاجة فغاب طويلاً، فأدرك النبي الغضب البشري فلما جاء الخادم قال له: ((لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك ))
ولكن لم يفعل.
مرَّ على أحد أصحابه وكان يضرب غلاماً له قال له: ((اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ))
( رواه مسلم عن أبي سعيد البدري )
التذلل إلى الله علامة عزتك:
فأنت لا تتألق ولا تشعر بالطمأنينة إلا إذا خفت من الله، اسمعوا هذه الحقيقة: محالٌ أن تخافه فيما بينك وبينه ثم يخيفك من خلقه، محال هذا لا يليق بكمال الله، أن تخافه فيما بينك وبينه ثم يخيفك من خلقه، أما الذي لا يخاف الله فيما بينه وبين الله يخيفه من أضعف خلقه، قال لي رجل مرة: دخل علي موظف طلب هويتي، ركبي لم تعد تحملني، فيها سجن شهرين، صار يرجف، مستحيل أن تخاف من الله في بيعك وشرائك، لم تغش، لم تكذب، لم تحتال، لم تدلس، لم تستغل، لم تحتكر، لم استغل جهل الزبون، بعت بضاعة غالية وسيِّئة، خفت من الله، ما دُمت تخاف من الله لن يخيفك من خلقه، هذه قاعدة، إن أردت أن تكون عزيزاً فتذلل إلى الله، وخف منه، وخلقه في خدمتك، فقد ورد بالأثر القدسي:
((ما من مخلوقٍ يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوقٍ يعتصم بمخلوقٍ دوني أعرف ذلك من نيَّته، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه وقطَّعت أسباب السماء بين يديه ))
قلوب العباد بيد الله:
وتعلمون أن مرةً الحسن البصري تكلَّم كلاماً، أدى رسالة العلم مع الحجاج، بلغ الحجاج مقالة حسن البصري، فقال: والله لأروينَّكم من دمه، واستدعى السيَّاف ومُدَّ النَطْعُ(النطع رداء كبير يوضع إذا أراد الإنسان أن يقتل بقطع رأسه لئلا يتأثَّر الأثاث بالدم يمد النطع)فجيء بالسيَّاف، ومُد النطع وقال: ائتوني به لأقتله أمامكم، دخل الحسن البصري رأى السيَّاف واقف، نطع ممدود، والجو مكهرب، فتمتم بكلماتٍ لم يسمعه أحد، فإذا بالحجاج يقف له، ويقول له: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيِّد العُلماء، وما زال يقرِّبه حتى يجلسه إلى جانبه، ويستفته، ويعطِّره، ويضيِّفه، ثم يشيِّعه إلى باب القصر، السياف والحاجب صُعِقا، استدعي السياف ليقطع رأس الحسن البصري، والحاجب هو الذي يعلم هذا، فإذا بالحجاج يحترمه ويكرِّمَهُ، تبعه الحاجب، قال له: يا أبا سعيد، لقد جئ بك لغير ما فُعِلَ بك، فماذا قلت لربك ؟ قال له قلت: " يا مؤنسي في وحشتي، يا ملاذي عند كُربتي، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم ".
فالله عزَّ وجل قلَّب قلب الحجاج من قلب الحقد والغضب إلى قلب الرأفة والرحمة، وقلوب العباد بيد الله، هذه حقيقة جديدة الآن، فالنبي صلوات الله وسلامه عليه قال:
((قلوب العباد بين أُصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ))
( رواه الترمذي عن أنس )
أنت إذ وقفت أمام إنسان، إذا الله عزَّ وجل أراد أن ينجِّيك أو أن يكَرِّمك ألقى محبتك في قلب هذا الإنسان فإذا هو خادمٌ له، وإذا أحبّ الله عزَّ وجل أن يؤدِّب إنساناً يلقي بغضك في قلبه، فيبحث لك عن الذي يؤلمُك، والذي يزعجك، يُعَقِّدُ عليك الأمور، يضع العراقيل، ينشئ السدود، يلبِّسك تهماً أنت منها برئ، لأنه ألقى في قلبه البغض، هذه قاعدة: أنت إذا وقفت أمام إنسان أقوى منك تذكَّر أن قلبه بيد الله، فإن شاء ليَّنه، وإن شاء قَسَّاه، إذاً:
﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾
تأديب الله لعباده:
ثم يقول الله عزَّ وجل:
﴿ذَرْنِي﴾
أي دعني يا محمد.
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11)﴾
( سورة المدثر )
وهذا من أشد أنواع التهديد، من أشد أنواع التهديد أن يقول الله ﴿ ذَرْنِي ﴾
فالله عزَّ وجل أرسل رسولاً، ومعه الكتاب، ومعه معجزات، ومعه منطق، ومعه بيان، ومعه فصاحة، ومعه كمال، ومعه أدلة، ومعه براهين، ومعه شيء كثير، فالإنسان أبى أن يؤمن وركب رأسه وعصا، فإن لم يستفد من رسول الله، قال له: أنت اتركه أنا أعالجه.
إنسانة متفلِّتة أشد التفلُّت، تبدي كل مفاتنها للناس، نصحت، ونصحت، ونصحت، ونصحت لم ترعُ ثم أصيبت بمرضٍ خبيث، فقالت: أنا مستعدةٌ أن أضع على رأسي ما يوضع على الحمار على أن يشفيني الله عزَّ وجل، الله أدَّبها، الله أدويته مُرّة، وأدويته مصيبة تصيب المكان الحرج، والله عزَّ وجل يعرف تماماً ما الذي يحجِّمُك ؟ يعرف كل خصائصك.
إنسان عنده المال ليس له قيمة، هذا يرسل له شيئاً متعلق بصحته أحياناً، متعلق بكرامته، متعلق بمكانته، متعلق بعمله، متعلقة بأهل بيته، متعلِّق بأعزِّ الناس إليه.
﴿ذَرْنِي﴾
مراحل الدعوة إلى الله:
1 ـ مرحلة البيان:
إذاً الملخص: نحن حينما نُدعى إلى الله، في مرحلة رائعة، مرحلة البيان (الدعوة البيانية) القضية سهلة، الخطيب يلقي خطبة، مدرس يُلقي درساً، شريط تسمعه، كتاب تقرأه، نصيحة تنصح بها، أنت معافى، سليم، كامل، مُكَمَّل، لكن الله عزَّ وجل بلَّغك الدعوة ينبغي أن تستجب.
2 ـ مرحلة التأديب التربوي:
فإن لم تستجب أدخلك في معالجة ثانية التأديب التربوي، قال له:
﴿ذَرْنِي﴾
3 ـ الإكرام الاستدراجي:
فإن لم تستفد أدخلك في معالجةٍ ثالثة هي الإكرام الاستدراجي.
4 ـ مرحلة القصم:
فإن لم تشكر أدخلك في مرحلة القصم الرابعة، عندئذٍ يقصم الإنسان وينتهي.
فنحن إذا كنا في مرحلة الدعوة البيانية، فنحن في خير، نحن في بحبوحة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
(سورة الأنفال: آية " 24 " )
قانون التيسير و التعسير:
العلماء فسروا: ما معنى غير يسير ؟
﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)﴾
قال: عقدهم تنحل إلى عقدٍ أشد، كلمة عسير، العقدة تنحل إلى عقدة أشد، فإذا كنت لا تملك مفتاح هذا الباب، فهناك عِدَّة مفاتيح يمكن أحدها أن تستعمله في فتح الباب، هذه مشكلة، فأدخلت مفتاحاً وحركته فانكسر داخله، أصبحت المشكلة أصعب، كنت تبحث عن مفتاح مناسب فصرت تحتاج فك القفل، أحضرت إنساناً لكي يصلحه، رأيت البيت كله مسروقٌ، ممكن أن ينتقل من مشكلة إلى أكبر إلى أكبر إلى أكبر، هذا معنى عسير، أما يسير، من مشكلة إلى حل إلى حل انتهت العملية لذلك: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً.
إنسان له انحرافات جاء بإنسان قال له: هذا القاطع جدده لي، قال له: سأضعه في مكان عالٍ، قال له: ضعه إن شئت، في اليوم التالي أراد أن يستعمله، لزمه كرسي، الكرسي اختل، فدخلت رجل الكرسي في مقعده، دخل المستشفى ثمانية عشر يوماً كان قد انتهى، والسبب تافه جداً، تبديل محل قاطع، لزمه أن يبدله، و عند اختلال توازن الكرسي دخل في مقعده، تسمم دمه، ثمانية عشر طبيباً، عشرين يوماً كان منتهياً وخالصاً، كتبت نعوته، يمكن إنسان يُتْلَف بسببٍ تافه، إذا كنت في رضوان الله فأنت غالي على الله، الحياة مليئة بالقصص، فكلمة عسير، أي أن المشكلة تولد مشكلة أكبر، أكبر، أكبر إلى أن ينتهي الأمر، قانون التعسير والتيسير معروف:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (Cool وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) ﴾
( سورة الليل )
﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)﴾
أي عمل عملاً صالحاً، واتقى أن يعصي الله عزَّ وجل، وآمن بهذا الدين، فالأمور كلها ميسرة، وفي تأكيد للمستقبل:
﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا﴾
( سورة التوبة: آية " 51 " )
نعمة الأمن:
إخوانا الكرام: الأمن الذي يشعر به المؤمن لا يقدَّر بثمن، يشعر أنه في رحمة الله، وفي عين الله.
﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾
( سورة الطور: آية " 48 " )
ويشعر أن أحداً لن يستطيع أن يصل إليه إلا بأمر الله، شعور كأنه في حصانة، أحياناً يمنحون للنوَّاب حصانة، يحس النائب أنه إنسان متميِّز لا يستطيع أن يصل إليه أحد، لا يقدر، فلا اعتقال، معه حصانة، عضو مجلس الشعب محصَّن، فإذا حصَّن الإنسان يحس بالأمن، فكيف لو أن الواحد الديَّان حَصَّنك ؟ أقوى بكثير.
معاني كلمة وحيد:
1 ـ خلقك ضعيفاً:
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11)﴾
( سورة المدثر )
كلمة وحيد لها معاني كثيرة، فهو حينما خُلق خُلِق وحيداً، لا معه ماله، لا معه شهادة، لا في زوجة، لا في أولاد، لا في مكانة اجتماعية، لا في منصب رفيع، ما في ثروة طائلة، لا يوجد شيء، طفل صغير، رأيت مرة في مطار طفل يبدو أن السفر بعيد، فواضعين له عدداً كبيراً جداً من الفُوَط فصار وسطه مثل الكرة، قلت هذا الطفل حينما يكبر يصير ذو شأن غني أو قوي، وينسى أنه كان صغيراً وكان يوضع له الفوط لئلا يتسرَّب البول إلى الخارج، الإنسان خلق ضعيفاً، ما معنى:
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11)﴾
خلق وحيداً، لا يوجد عنده شيء، مفتقر إلى رضعة من أمه، لو أنه لم يرضع لمات.
منعكس المص:
كلكم يعلّم أن الله عزَّ وجل أمدنا بما يسمى بمصطلح العلماء: منعكس المَص، فالطفل الآن يولد بعد دقيقة يضع شفتيه على حلمة ثدي أمه ويحكم الإغلاق ويسحب الهواء، لو أن هذا المنعكس غير موجود وأراد الأب أن يعلِّم ابنه الذي ولد الآن: يا بني الله يرضى عليك، شيء مضحك، مستحيل أن يعيش إنسان، لأن المص عملية معقدة، أما حينما يولد الطفل يعرف كيف يَمُصَّ الحليب من ثدي أمه، ضعيف إلى منعكس المص، ولولا هذا المنعكس ما وجدت إنساناً على الأرض الآن، ما في إنسان، لأنه خلق لك هذا الثدي، كرَّمك بهما، لكن أعطاك هذه الخاصية المعقدة منعكس المص، خلقت وحيداً، لا مال، ولا زوجة، ولا مكانة، ولا علم، ولا شهادة، ولا عزوة، ولا منصب، ولا ثروة، قال:
﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13)﴾
(سورة المدثر )
رحمة الله بعباده:
إذا الإنسان كبير، عظيم بماله، عظيم بشهاداته، عظيم بمنصبه، ونسى كيف كان صغيراً، كيف رضع من ثدي أمه، كيف كان مفتقراً إلى الله، كيف كان مفتقراً إلى رحمة الله، ينظر إلى أولاده، الله جعل أولاده شهوداً على طريقة خلقه، هل من بيت لا يوجد فيه أولاد ؟ انظر إلى الطفل كيف يولد ؟ فغلطة في أثناء الولادة يموت، قال: هذا الرحم يتقلَّص، يتقلَّص تقلصاً لطيفاً قبل الولادة، تقلُّص متزامن لطيف متسارع، تقلص لطيف متزامن أي فيه زمن وفيه تسارع، الطلقات تضيق أمدها مع مرور الزمن، شيء جميل، فإذا خرج الطفل من بطن أمه تقلَّص الرحم تقلصاً شديداً وصار كالصَخر، فالموَلِّدة تضع يدها على رحم الوالدة فإذا كان صخرياً تقول: الولادة سليمة، فإذا كان الرحم فيه ليونة معنى ذلك أن هناك شرايين مفتوحة سوف تموت الأم من النزيف.
آيات الله الدالة على عظمته:
من جعل هذا الرحم يتقلَّص هذا التقلص الشديد بعد الولادة واللطيف قبل الولادة ؟ العلماء قالوا: لو عُكِسَ الأمر لماتت الأم والطفل في آن واحد، لو تقلَّص تقلصاً حاداً لقتل الغلام، وبعد الولادة تقلصاً لطيفاً لماتت الأم من النزيف، الطفل مفتقر إلى الله عزَّ وجل:
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11)﴾
بلا مال، بلا أهل، الله عزَّ وجل قال:
﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ﴾
( سورة عبس )
فعظم الحوض يتوسع بأمر هرموني، توسع ميكانيكي، عظام متراكمة لا تسمح للطفل أن يخرج منه، يتوسع عظم الحوض توسع بأمر هرموني مبرمَج، الولادة وحدها آية من آيات الله الدالة على عظمته، والله ذكرها في القرآن.
﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ﴾
( سورة عبس )
فهذا هو المعنى الأول: وحيداً بلا أهل، ولا مال، ولا ثروة، ولا منصب، ولا شهادات، ولا مكانة، ولا أتباع.
2 ـ خلقك وحيداً هو وحده:
المعنى الثاني: خلقته وحيداً ولم يشركني في خلقه أحد.
3 ـ خلقك متميزاً:
والمعنى الثالث: أنه المخلوق الوحيد الأول، فالمخلوق الأول في الكون هو الإنسان..
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) ﴾
( سورة الأحزاب )
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) ﴾
(سورة الإسراء )
أنت المخلوق الأول الوحيد، الله عزّ وجل خلقك وحيداً بمعنى أنك ضعيف، وخلقك وحيداً بمعنى أنك متميِّز، وخلقك وحيداً بمعنى أن الخالق لا شريك له، خلقك وحيداً هو وحده، وخلقك متميزاً، وخلقك ضعيفاً.
4 ـ ستعود إلى الله وحيداً:
والمعنى الرابع: كما خلقه وحيداً سيعود إليه وحيداً، فالإنسان له أتباع، له أعوان، له من يدافع عنه في الدنيا، أحياناً يقول لك: جاءنا مئة تليفون للمخبر أنت مهم. أُخذ فجأةً فجاء له مئة تليفون، له أتباع، له أنصار، له أعوان، فكما خُلقت وحيداً تعود إليه وحيداً، لا يوجد دفتر تليفونات (خبِّر فلان لا يوجد)، هواتف لا توجد، اتصالات لا توجد، أعوان لا يوجد، أموال لا توجد، دفتر شيكات لا يوجد، كلّه واقف، بالقبر لا يوجد شيء، خُلِقت وحيداً وسوف تعود إليه وحيداً ومعك عملك فإن كان كريماً أكرمك وإن كان لئيماً أسلمك.
القبر صندوق العمل:
لذلك القبر صندوق العمل، سؤال محرج ودقيق، اسأل نفسك هذا السؤال: أنا ما عملي ؟ يوجد عمل طيب، يوجد عمل نظيف، يوجد عمل خيِّر، يوجد عمل عظيم، ويوجد عمل قذر، يوجد عمل إجرامي، يوجد عمل خسيس، يوجد عمل دنيء، يوجد عمل ظالم، اسأل نفسك ما عملي ؟ وإن أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك. يا ترى استعملك بالخير أم بالشر ؟
((إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق الشر و إن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير بيدي فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه و ويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه ))
(سنن ابن ماجه عن أنس بن مالك)
أحياناً الإنسان يمد شريطاً حريرياً تفتح به المستشفيات والأبنية النافعة للأمة، وأحياناً مِلقط يُلتقط به الشيء النجس والقذر، فإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك. هذا سؤال مهم، كل إنسان له عمل ؛ إذا كان عملاً نظيفاً فهذا جيِّد، عملاً خيِّراً فهو أجود، عملاً بنَّاء فهذا أعظم، عملاً كبيراً فهو أعظم وأعظم، أما أن يكون عمله مبني على أنقاض الآخرين، أن يبني غناه على فقرهم، أن يبني سعادته على شقائهم، أن يبني أمنه على خوفهم، أن يبني مجده على تلفهم، هذا شيء مخيف.
5 ـ خلقته وحيداً و لا أحتاج النصر في إهلاكه:
شيءٌ آخر: خلقته وحيداً ولا أحتاج إلى من ينصرني في إهلاكه هذا المعنى الخامس. خلقته وحيداً فإن أردت أن أهلكه لا أحتاج إلى من يعينني، هذا الإنسان يسمُّوه في أوروبا الإنسان الإله، هم كفروا بالله وألَّهوا الإنسان، أن الإنسان سيطر على الطبيعة، وأرسل مركبات إلى الفضاء الخارجي، وسخَّر الطبيعة، وكشف الثروات، وتحكَّم برقاب العباد، هذا الإنسان الإله سوف يجعله الله يلقى مصيره يوم القيامة.
((فالكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني شيئاً منه أذقته عذابي ولا أبالي ))
( رواه ابن ماجه عن أبي هريرة)
الأولاد شهود ببدايتك و رفاهك:
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13)﴾
( سورة المدثر )
يشهدون له أصله، كل واحد ينظر إلى أولاده، أحياناً يقف الإنسان عند قصَّاب فيجد أن فيه عضلات، وفيه أوتار، وفيه كبد، وفيه رئتين، وتوجد معدة، وتوجد أمعاء، ويوجد دماغ، ويوجد أعصاب، وأوعية وشرايين وأوردة وعظام، فالله جعل غذاءنا من حيوانات تشابهنا في التشريح تماماً.
والله مرَّة رأيت قلباً صغيراً وهو قلب خروف شرَّحته فرأيت الدسَّامات، الأجواف، الأذين، البطين، هكذا قلبك. فالبنين شهود أي يشهدون لك بدايتك.
﴿وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ﴾
( سورة المدثر )
أي رفهته مثل المهاد (فالمهاد مريح جداً). أي يوجد بيت فيه تدفئة، فيه تكييف في الصيف، فيه أنواع من الطعام، فيه مشروبات كالعصير، قهوة، شاي، مُقَبِّلات سلطات مثلاً، أنواع الفواكه أحياناً يضعوا ثلاثين نوعاً من أنواع الفواكه، أنواع الحلويات، أنواع الطعام، أحيانا تجد مُتَعاً سمعية كأن يسمع أحياناً أنغام، توجد متع بصرية، توجد حدائق، توجد مروج خضراء، توجد جبال خضراء، توجد كائنات جميلات، أي:
﴿وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ﴾
الإنسان إذا كان له بيت، له زوجة، له أولاد، محل ينام، محل يأكل، محل يستقبل الضيوف، محل يستلقي، محل يتنظف، يوجد لك بيت عدة غرف، لك زوجة، لك أولاد، لك عمل، توجد أنوع من الطعام الطيبة تأكلها.
﴿وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ﴾
الكافر رغم انحرافه يطلب مزيداً من فضل الله:
قال:
﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا﴾
أي رغم انحرافه وفسقه وفجوره يريد مزيداً من فضل الله، بل إنه يدَّعي إذا مات سيدخل الجنة، هذا إدِّعاء، كان الوليد بن المغيرة يقول هكذا: " لو أن هناك جنة لكانت لي ". وهو من أكفر الكفَّار.
﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)﴾
وهذا في الدرس القادم نتابعه إن شاء الله تعالى.والحمد لله رب العالمين



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبة الرحمن
المشرفين
المشرفين
حبيبة الرحمن


عدد المساهمات : 1575
تاريخ التسجيل : 09/03/2012
الموقع : سجادتى

من معاني الله أكبر Empty
مُساهمةموضوع: رد: من معاني الله أكبر   من معاني الله أكبر Emptyالخميس أبريل 05, 2012 5:08 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام: مع الدرس الرابع من سورة المدَّثر، ومع الآية السابعة عشرة وهي قوله تعالى:
﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيداً (16)﴾
رد الكافر للحق:
هذا الكافر عنيد، معنى عنيد أي يُعاكس الحق، يَرُدُّ الحق بلا سبب، الآية التي قبلها:
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا﴾
أي إن الخط البياني يصعد أحياناً للكافر أما الصعود غير مستمر، هذه حقيقةٌ خطيرة، الكافر أحياناً يتوَهَّم أن خطه البياني صاعد في نمو مستمر، يزداد مالاً، يزداد مكانةً، يزداد قوةً، يزداد انغماساً بملذَّاته، هذا الخط البياني الصاعد بعده انتكاسةٌ خطيرة، لا يطمع أن يزداد ماله ولا أن تزداد لذائذه لا بدَّ من تأديبٍ أو لا بدَّ من قصمٍ.
﴿كَلَّا﴾
كلا ليست حرف نفيٍّ فحسب، كلا حرف نفيٍّ وردعٍ، أي يردع الله هذا الإنسان السادر في أحلامه. كلا أي الأمور ليست على ما هي عليه إلى ما شاء الله، يؤكِّد هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
( سنن الترمذي: عن أبي هريرة )
المؤمن خطه البياني في صعود مستمر:
أنت لا تستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله، أقول لكم بإخلاص وبثقة: المؤمن خَطُّه البياني صاعد صعوداً مستمراً ولا ينزل أبداً حتى عند الموت، فالحقيقة مذهلة خطك البياني صاعد صعوداً مستمراً والموت نقطة على هذا الخط والصعود مستمر والدليل:
﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾
(سورة التوبة: آية " 51 " )
كتب لنا، ولنا للتملك من الخير، من السعادة، من الرُقي.
حدثني أخ قال لي: رجل في المسجد، دخل المسجد وصلى ركعتين وقرأ القرآن في رمضان هذا. فلمَّا أقيمت الصلاة للفرض وجِد ميتاً، في المسجد، في عبادة.
﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)﴾
(سورة يس )
الكافر العاصي جزاؤه القصم:
اطمئن أيها الأخ ما دمت على منهج الله، مادُمت مراقباً لله فخطك البياني صاعد أبداً بشكل مستمر، أما الكفَّار يصعد خطهم صعوداً مذهلاً ليسقطوا من عَلٍ، هذا هو القصم.
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا﴾
أداة ردعٍ ونفيٍّ، يوجد قصم، يوجد بطش.
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
(سورة البروج )
يوجد إهلاك، يوجد تدمير.
﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً (36)﴾
(سورة الفرقان )
سقوط الكافر الفاجر سقوطاً مروعاً:
﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)﴾
(سورة الدخان )
فإذا كنت مع الله لا توجد مفاجأة إطلاقاً، مفاجآت كلها سارَّة، خطَّك البياني صاعد صعوداً مستمراً وحتى عند الموت يُكشف لك مقامك في الجنة فتقول: لم أر شراً قط، وأما الكافِّر المُعرض، العاصي، الفاجر هذا يصعد صعوداً حاداً ليسقط سقوطاً مريعاً.
﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا﴾
قال علماء التفسير: " هذه الأداة لقطع رجاء الكافر عما يطمع فيه من الزيادة " كلا. لماذا هناك قَصْمٌ ؟ وهناك تدميرٌ ؟ وهناك بطشٌ ؟
﴿إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيداً (16)﴾
أي إنه يرفُضها كبراً.
المعصية نوعان:
1 ـ المعصية عن غلبة:
إخوانا الكرام: هناك من يعصي الله ونقول لهذا العاصي: تاب الله عليك وألهمك رُشْدَك، هناك من يعصيه غلبةً وهناك من يعصيه كِبراً، المعصية عن غلبة أهون عند الله ألف مرة من أن تعصيه كبراً.
2 ـ المعصية كبراً:
الذي يعصيه كِبراً لا توبة له، مصيره إلى النار، أما الذي يعصيه غلبةً فتاب العبد وتذلل، وبكى، ومرَّغ جبهته في مصلاَّه وقال: يا رب اعفُ عني، فهذا يرجى له المغفرة، فيوجد فرق كبير، المصيبة واحدة إنسانان لا يصومان، واحد تغلبه شهوته، والثاني يحتقر الصوم، فرقٌ كبيرٌ بينهما، قال له:
﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيداً (16)﴾
أي نفسه أبت أن تطيع الله، تأبَّى على الله، استكبر على الله كإبليس تماماً، العنيد هو المُعانِد كجَليس ومُجالس.
عَنيداً كلمة لها معاني عدة:
1 ـ الجاحد:
﴿إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيداً (16)﴾
وفي أصل اللُّغة البعير العاند والعنيد هو الذي يحيدُ عن الطريق ويشرُدُ عن الصواب، بعضهم قال: "العنيد هو الجاحد ". الجحود ؛ تكرمه، تتلطف له، تعطيه، تقنعه وهو يرفض رفض الأحمق، رفض اللئيم.
2 ـ المعرض:
وقال بعض العلماء: " العنيد هو المُعْرِضْ ". الجاحد أو المُعْرِض، أو المنحرف، أو الذي يرُدُّ الحقَّ كبراً، هذه هي معاني عنيد، يرد الحق كبراً، أو ينحرف عن جادة الصواب، أو يجحد الفضل، أو يُعرض عن الله عزّ وجل.
3 ـ المجاهر بعدوانه:
وقال ابن عباس: " العنيد المجاهر بعدوانه، المجاهر بعداوته ". يوجد إنسان عدو لكنه يُظهِرُ خلاف ذلك، يوجد إنسان يُظهِر أنَّه عدو، العنيد المجاهر بعداوته، والعنيد المجانب للحق، والعنيد المُعرض عن الله، والعنيد الذي تجاوز قَدْرَهُ أي جعل نفسه نداً لله عزّ وجل، رفض أن يطيعه، والعنيد هو المَعْزول عن الناس الذي لا يُخالط الناس، ولعل هناك علاقةً بين العند وبين الانعزال، الإنسان إذا اعتزل الناس ضاق أفقه وعاش في أوهامٍ باطلة فوقف مواقف مضحكة.
أيها الإخوة الكرام: العنيد لها معاني كثيرة أولها: المُعْرِض عن الله، والجاحد، والمتكبِّر، والمتأبِّي، والذي يُظهر عداوته ولا يخفيها.
﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيداً (16)﴾
\العذاب الشديد لمن يعاند الله عز وجل:
الآن:
﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)﴾
سأحْمِله على ما لا يطيق، نعوذ بالله من هذا.
﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾
(سورة البقرة: آية " 286 " )
والله أيها الإخوة: توجد آلام بالأمعاء عَقِب أمراض خبيثة، يقول لي بعض الأخوة الأطباء: الآلام لا تحتمل مهما كان الإنسان عنده جلَد يفقد صوابه ويعلو صياحه إلى درجة غير معقولة، توجد آلام بالأعصاب، آلام بالأحشاء.
﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)﴾
كلمة واسعة شاملة جامعة مانعة، أي قد نُحَمِّلُه ما لا يطيق، أحياناً الإنسان يرى نفسه في بيته مفضوحاً والفضيحة لا تحتمل، إنسان يرى امرأته تخونه، أحياناً يضربه ابنه، أحياناً يفقِدُ حُرِّيته، أحياناً يُعَذَّب عذاباً لا يطاق، هل تحتمل أيها الإنسان ؟ هذا الذي يعاند الله عزّ وجل، يتأبَّى على الله، يجاهر عداوته لله، يريد أن يطفئ نور الله، هل تحتمل فعل الله فيك ؟
﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)﴾
أي سأكَلِّفُهُ ما لا يطيق، أحياناً والعياذ بالله توجد أمراض مزدوجة، دواء هذا المرض يزيد هذا المرض، ودواء هذا المرض يزيد هذا المرض، يقف الأطباء مكتوفي اليدين، لا يوجد حل، إنكم تسمعون ولا شك من الناس أن هناك أمراضاً آلامها لا تحتمل، هناك حالات من الذُل لا يحتمل، الإنسان أحياناً يُهان، أحياناً يُهان في بيته، يُهان في عمله، كان عليه الصلاة والسلام يعوذ بالله من غلبة الدَيْنِ وقَهْرِ الرجال.
﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)﴾
(سورة الشعراء )
فالإنسان حينما يُعاند الحق قد يتحَمَّل ما لا يطيق.
﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)﴾
الوليد بن المغيرة و كلامه عن القرآن الكريم:
قال:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾
( سورة المدثر )
طبعاً هذه الآية لها أسباب نزول ولها عموم، خصوص السبب لا يُلغي عموم القصد، عندنا قاعدة: خصوص السبب لا يلغي عموم القصد، لعلَّ هذه الآيات عن الوليد الذي فكَّر وقدَّر، قال:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾
قال بعض علماء التفسير: " هذه الآية نزلت في شأن الوليد بن المغيرة الذي فكَّر في شأن النبي وفيما جاء به من القرآن ". قال:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾
معنى قدَّر أي هيأ كلاماً، قال الوليد: والله لقد سمعت منه كلاماً ( دققوا فهو ذكي جداً وفصيح). قال: "والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس (أي القرآن) ولا هو من كلام الجِن، وإنَّ له لحلاوة وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لمُثمر، وإنَّ أسفله لمُغدِق، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وما يقوله هذا بشر". كأنه آمن، كأنه بقي بينه وبين الإيمان ومضة.
الإنسان العاقل أقرب إنسان إلى الحق:
المشكلة أن الإنسان المفكِّر العاقل هو أقرب إنسان إلى الحق لأن عقله يعينه على ذلك، الإنسان المثقف العاقل الذكي الذي أُوتيَّ قدرة على الإدراك هذا أقرب الناس للحق، والدليل: أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما أسلم سيدنا خالد قال له: " عجبت لك يا خالد أرى لك فكراً " لماذا تأخَّرت إلى هذا الوقت وأنت مفكِّر ؟ فالوليد كان ذكياً جداً، وعاقلاً، قال: " والله لقد سمعت منه كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمُغدق، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وما يقول هذا بشر "، فقالت قريش: صبأ الوليد، والله إن صبأ الوليد لتصبأ قُريشٌ كُلُّها.
هو زعيم قائد من علية القوم، نجم من النجوم، هؤلاء الكبراء الناس أتباعٌ لهم، فإذا اهتدى إلى الله إنسان كبير في مكانته، في عقله، في علمه، في شخصيَّته، في حجمه، هذا الذي يهتدي إلى الله له أتباعٌ كُثُر، فقالوا: " والله لقد صبأ الوليد ولئن صبأ الوليد لتصبأ قريشٌ كلها ".
الحوار الذي دار بين أبي جهل و الوليد بن المغيرة:
وكان يُقَال إن الوليد ريحانة قريش أي من أوجه رجالها وقاراً وعلماً وعقلاً. فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فمضى إلى الوليد حزيناً أي (إنه يُظهر الحزن ) فقال له الوليد: ما لي أراك حزيناً يا أبا جهل ؟ قال له: وما لي لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقةً يعينونك بها على كبَرِ سنك، ويزعمون أنَّك زيَّنت كلام محمد ودخلت عليه وعلى ابن قحافة لتنال طعاماً من فضلهما "، أعوذ بالله !! فغضب الوليد وتكبَّر وقال: "أنا أحتاج إلى كسرة خبزٍ من محمد وصاحبه ؟ فأنتم تعرفون قدر مالي، واللات والعُزَّى ما بي حاجةٌ إلى ذلك " أي إنه استفزه استفزازاً رخيصاً والمعرض مهما كان ذكياً ليس بعاقل. " وإنما أنتم تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنِق (هذه حالات الجنون). قالوا: لا والله.
الاتهام الكاذب الذي وجهه الوليد للنبي الأمين:
الآن حدثت مناقشة:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾
( سورة المدثر )
إنكم تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه قط يخنِق ؟ قالوا: لا والله، قال: وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه نطق بالشعر ؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أنه كذَّاب فهل جرَّبتم عليه كذباً قط ؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهَّن قط، ولقد رأينا للكهنة أسجاعاً و تخارجاً فهل رأيتموه كذلك ؟ قالوا: لا والله.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُسَمَّى الصادق الأمين من كثرة صدقه، فقالت قريش للوليد: فما هو إذاً ؟ لا مجنون، ولا شاعر، ولا كذَّاب، ولا كاهن فمن هو إذاً ؟ ففكَّر في نفسه فكَّر فكَّر فكَّر، تأمَّل لعله حكَّ رأسه ثم نَظَر، ثم عبس فقال: ما هو إلا ساحر في النهاية خرج منه أنه ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ؟ فهذا قوله تعالى:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾
إنه فكَّر في أمر محمدٍ وأمر القرآن وقدَّر في نفسه ما يمكن أن يُقال، وقال:
﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)﴾
( سورة المدثر )
أي ساحر تعلَّم السِحْرَ من غيره، قال تعالى:
﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾
(سورة المدثر )
الابتعاد عن الله أكبر خسارة تصيب الإنسان:
فأنت في اليوم تتخذ مئات القرارات، قررت أن تذهب في نزهة فلم تسر فيها، قررت أن تأكل هذا الطعام فلم يعجبك (ليس مشكلة)، تتخذ ألف قرار غلط، أما يوجد قرار واحد تتخذه غلط يدمِّرك، فليس كل قرار مثل الثاني، في شأن الطعام والشراب، والحركة، واقتناء مركبة، وشراء بيت، الإنسان يصيب ويخطئ والخطأ يُصَحَّح، أما الإنسان أحياناً يرتكب خطأ في جسمه أي إنه يأخذ معالجة من دون رأي الطبيب فيُشَل، هذه غلطة كبيرة، أحياناً يتكلَّم كلمة فيفقد حريته عشر سنوات ( وهي كلمة واحدة ).
أحياناً يشتري بضاعة غير نظامية يُحكم بضرائب تفوق كل أملاكه فيُفلِّس، فليس كل خطأ خطأ، فقال:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾
﴿ قُتِل﴾
أي لُعن، أي أبعد نفسه عن الله، فأكبر خسارة تصيب الإنسان أن يبتعد عن الله بعمله السيئ، أكبر خسارة ينالها إنسان أن يبتعد عن الله نظير عمله السيئ.
﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾
أي لُعِنَ، وهناك تفسير آخر: أي قُهِرَ وغُلِب.
التفكير الأعمى يؤدي إلى الغلبة و القهر:
إخوانا الكرام: زوال الكون أهون على الله أن تتخذ قراراً بطاعته وتخسر، وأن تتخذ قراراً بمعصيته وتربح، وهذه الأيام أمامكم، إنسان يتخذ قراراً بطاعة الله لا بدَّ من أن يربح، لا بدَّ من أن يرفع الله شأنه، إنسان آخر ابتغى أمراً بمعصيةٍ كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى، فالإنسان يفكِّر في كل شيء إلا أن يكون في خندقٍ مُعادٍ للدين، حارب أي إنسان إلا أن تُحارِبَ الله ورسوله، حارب كل شيء إلا أن تحارب الدين، فمن هو الطرف الآخر ؟ الله، يتوازى طفل رضيع مع عِملاق في الصراع ؟ لا يتوازى، يتوازى إنسان صغير مع دولة عُظمى، إنسان وحيد مع دولة عُظمى ؟
﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾
قال بعضهم: " قُهر وغُلب ". وقال بعضهم: " عُذِّب ".
﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)﴾
﴿ كَيْفَ ﴾
تَعَجُّبِيَّة، أي كيف هداه تفكيره إلى هذا الحكم ؟ نحن أحياناً كثيرة نرى موقف فيه حمق من إنسان ذكي فنقول: كيف فكَّر ؟ ما الذي خطر في ذهنه ؟ كيف وقف هذا الموقف ؟ توجد كيف تعجبيَّة، وهذه كيف تعجبية.
التفكير الخاطئ عقابه اللعن:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)﴾
أي لُعن لعناً بعد لعن، فأخت أرادت أن تغتصب بيت أخيها وهي قوية أقوى منه دافع ثمنه وليس معه إيصال، اشترى البيت وأخته معاً فاستطاعت أن تأخذ الحكم لصالحها وأن تخرجه من البيت وتنتصر عليه، وعنده أربعة عشر ولداً وهي عزباء، بعد حين أصيبت بمرضٍ خبيث في أمعائها، وفي الشهر التالي ماتت، وريثها الوحيد أخوها، عاد إلى البيت مع أولاده، فأنا أقول: لعنها الله ولعنتها الملائكة إلى يوم القيامة.
أحياناً الإنسان يأخذ موقفاً يلعنه اللاعنون، يلعنه من في الأرض جميعاً. هذا نوبل اخترع البارود فشعر بخطأ فاحش لأنه الآن كل ما يقع في الأرض عن طريق التفجير والألغام في صحيفته، فجعل كل أملاكه جائزة لمن يقدِّم بحثاً في الإنسانية ينفعها، ومع ذلك كل هذه الجوائز لا تُكَفِّرُ ما فعله حينما اخترع هذه المواد المتَفَجِّرة.
﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)﴾
أي لُعِنَ لعناً بعد لعنٍ بعد لعنٍ، أو عُوقب مرةً بعد مرة الخ.
﴿ثُمَّ نَظَرَ (21)﴾
(سورة المدثر )
﴿ نَظَرَ (21)﴾
أي فكَّر. بالمناسبة: إياك أن تظن أن العقل لا يخطئ، العقل يرتكب أكبر الخطأ، العقل كالعين تماماً، الآن ائتِ بإنسان أعمى كلياً وإنسان بصره اثني عشر على عشرة، ضع الاثنين في غرفة مظلمة ألا يستويان ؟ مئة بالمئة يستويان، فالعين لا قيمة لها من دون ضوء، من دون نور، والعقل لا قيمة له من دون وحيٍّ يهديه، لا بدَّ من وحيٍّ يهدي العقل إلى الصواب، من دون وحي:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ﴾
أي قَطَّب بين عينيه.
الاستكبار عن الإيمان يؤدي إلى الكفر:
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)﴾
استكبر عن الإيمان فقال في النهاية، صمت دهراً ونطق كفراً.
﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)﴾
هذا النبي ساحر وقد أخذ السحر عن غيره.
﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)﴾
أي إن الإنسان له أن يفكر وأن يتأمَّل وأن يقلِّب الأمر على وجوهه، أما أن ينتهي بنتيجة مضحكة أنه ساحر
﴿عَبَسَ﴾
أي قطَّب بين عينيه في وجوه المؤمنين.
تجبر اللئيم مع الضعيف و تذلله مع القوي:
مَرَّ الوليد على جماعةٍ من أصحاب رسول الله فدعوه إلى الإسلام فعبسَّ في وجوههم.
﴿عَبَسَ وَبَسَرَ (22)﴾
أي عندما دعاه النبي عبسَّ في وجهه، حينما دعاه أصحابه عبسَّ في وجوههم، يوجد أشخاص ـسبحان الله ـ للطيبين مُتَجَهِّمون، للمنحرفين منبسطون، وهذا من أشد حالات اللُّؤم، للشخص الطيب الطاهر المتواضع تراه مستعلياً ومستكبراً، مع إنسان آخر ذليل كالشاة أمام ذابحها، المؤمن بالعكس ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾
من لؤم اللئيم أنه متجبِّر على الضعيف متذلل أمام القوي، مع من دونه في منتهى الجبروت، ومع من فوقه في منتهى الخضوع والذل والاستكانة، أما المؤمن مع المؤمن ذليل، ومع غير المؤمن عزيز.
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)﴾
ولى وأعرض ذاهباً إلى أهله واستكبر عن أن يؤمن، أدبر عن الإيمان واستكبر حين دُعي إليه.
السحر و تعريفه:
فقال:
﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)﴾
أي أخذه عن غيره، والسحر هو الخديعة، تعريف السحر: إظهار الباطل في صورة الحق.
﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)﴾
( سورة المدثر )
أي ما هذا إلا كلام المخلوقين تُخدع به العقول كما تُخدع بالسحر.
توعد الوليد بالنار الشديدة:
الله عزّ وجل قال:
﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)﴾
(سورة المدثر )
إله يقول:
﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)﴾
أي سأدخله جهنم كي يصلى حرَّها.
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)﴾
هذه مبالغة، أي لا تعلم ما هي سَقَر.
لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ: آية فيها معاني عدة:
1 ـ لا تترك للكافر شيئاً إلا و تحرقه:
﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)﴾
استمعوا إلى تفسير هذه الكلمة قال:
﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)﴾
أي لا تترك لهم عظماً ولا لحماً ولا دماً إلا أحرقته، وقيل: لا تبقي منهم شيء ثمَّ يعادون خلقاً آخر، أي لا تذر أن تعاود إحراقهم مرةً بعد مرة.
﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾
( سورة النساء: آية " 56 " )
2 ـ لا تبقي من فيها حياً و لا تذره ميتاً:
و قال بعض العلماء: " لا تبقي من فيها حياً ولا تذره ميتاً ". وهذه أصعب حالة (لا موت ولا حياة) مات انتهى، يحيا مستريح، لا حياة ولا موت، لا تبقي من فيها حياً ولا تذره ميتاً.
3ـ تحرقهم كلما تجدد جلدهم:
بعضهم قال: " تحرقهم كلما تجدد جلدهم ".
4 ـ لا تبقي لهم لحماً و لا عظماً:
وقال بعضهم: " لا تبقي لهم لحماً ولا تذر لهم عظماً ".
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ: آية فيها معاني عدة:
1 ـ تلوح جهنم لهم من بعيد فتسود جلودهم و يزدادون عطشاً:
﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)﴾
( سورة المدثر )
أي تلوح لهم من بعيد، هذا معنى:
﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)﴾
تغيِّر لون جلودهم، تسودُّ جلودهم، إذا الإنسان احترق يسوَّد لون جلده، قال بعض العلماء:" تلفح وجوههم لفحةً تدعها أشدَّ سواداًً من الليل". بياض الوجه له معنى وسواده له معنى، لاحه البرد والسُقم والحزن أي غيَّر لون وجهه، الإنسان أحياناً يصفر وجهه، أحياناً يسود وجهه.
وقال بعضهم: " يشتَدُّ عطشهم ". لأن اللوح شدة العطش، هذه كل معاني:
﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)﴾
وتوجد قراءة لواحةً للبشر.
2 ـ تلوح للبشر من مسافة بعيدة:
المعنى الثاني: تلوحُ للبشرية من مسيرة خمسمئة عام.
3 ـ تلوح لهم جهنم حتى يروها رأي العين:
ويوجد معنى ثالث: تلوح لهم جهنم حتى يروها عياناً وهذا يؤكِّده قوله تعالى:
﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)﴾
(سورة الشعراء )
الملائكة الموكلون بتعذيب الناس في جهنم:
﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)﴾
(سورة المدثر )
أي على سَقَر تسعة عشر من الملائكة يلقون الناس فيها، هؤلاء زبانية
﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)﴾
﴿غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)﴾
( سورة التحريم )
هؤلاء الملائكة التسعة عشر هم خزنتها موكَّلون بتعذيب الناس فيها وإلقائهم في لهيبها.
أيها الإخوة الكرام: قال بعض العلماء: نُقِل عن أحد الكفار في عهد النبي أنه قال: لا تخافوا من التسعة عشر أنا أدفَعُ بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة ومنكبي الأيسر التسعة ثمَّ تمرُّون إلى الجنة، يقولها مستهزئاً كانوا يضحكون من المؤمنين، يقول الله عزّ وجل:
﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)﴾
( سورة المطففين )
إدعاء الكفار بأن التدين سلوك بدائي أساسه الضعف:
الآيات اليوم:
﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)﴾
يغلب على التفسير الطابع المتعلِّق بأسباب نزول هذه الآيات، لكن كما تكلَّمت في أول الدرس: لو تحررنا من خصوص السبب إلى عموم القصد، كل نظرية إلحادية الآن تنضوي تحت هذه الآية، كل دعوة إلى التفلُّت من الدين، كل تصغير لشأن الدين، كل طعن في أحقية الدين، كل محاولة لإلغاء الدين من حياة البشر، كل محاولة لإحلال الفكر العلماني مكان الفكر الديني تحت هذه الآيات:
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾
يقول لك: التدَيُّن سلوك بدائي أساسه الضعف والخوف، فلما قوي الإنسان وسَخَّر الطبيعة له ليس بحاجة إلى الدين، وعليه فَقِس آلاف النظريات التي تطرح بإلغاء الدين من حياة الإنسان.
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾
الوقوع في الضلالات عندما يبتعد العقل عن الوحي:
العقل حينما يتحرك بعيداً عن الوحي يقع في ضلالةٍ عمياء، العقل بحاجة إلى الوحي كما أن العين بحاجة إلى النور.
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)﴾
هذا كلام المتكلمين، المفكرين أعداء الدين، العلمانيين، الإلحاديين، والعوام لهم كلام قريب، يقول لك: من هنا إلى يوم الله يفرجها الله، هذه نوع من أنواع الفلسفة (الفلسفة التفلتية) يقول لك: من مات ورجع فقال لك: ماذا صار معه ؟ الله أعلم، فهذا تشكيك، يقول لك أحد الشعراء الجاهليين:
فإن كنت لا تستطيع دفع منيَّتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي
* * *
قال له: غُب على قدر ما تقدر، انبسط، أي اكسب شبابك، هذا كله كلام أيضاً مشابه لهذا الكلام.
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)﴾
استخدام الفكر للوصول إلى الدين:
أَخْطَأ تفكير أن تفكِّر في المعصية، أن تفكِّر في ترك الدين، أن تفكر في الدنيا فقط، أن تفكر أن تنغمس في الملذَّات على حساب طاعتك لله عزّ وجل، فسواءٌ فسَّرنا هذه الآيات بحسب خصوص السبب أم بحسب عموم القصد، كلاهما على حق.
على كلٍ هذا الفكر أداة إيَّاك أن تستخدمه لغير ما خُلِق، إياك أن تستخدمه لترك الدين.
﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)﴾
والذين فكَّروا هذا التفكير أين هم الآن ؟ نُبِشَت قبورهم بعد مئة عام وأُحرقت، الذين ناهضوا الدين، الذين ألحدوا، الذين أنكروا هذا الدين أين مصيرهم ؟ إلى مزبلة التاريخ، وهؤلاء الذين ناهضوا الدين أصبحت فكرتهم سخيفة ومرفوضة، لذلك إيَّاك ثمَّ إبَّاك ثمَّ إيَّاك أن تقف في خندقٍ معادٍ لدين الله لأن الطرف الثاني من هو ؟ هو الله.والحمد لله رب العالمين




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من معاني الله أكبر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الله أكبر فما عذرك
» معاني المهن بالفرنسي
» بعض معاني كلمات اللغة الفرنسية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب الوطن العربى  :: منتدى شباب الوطنى العربى الإسلامى والديانات الأخرى :: القرآن الكريم والحديث الشريف-
انتقل الى: