منتدى شباب الوطن العربى
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم 829894
ادارة المنتدي سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم 103798
منتدى شباب الوطن العربى
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم 829894
ادارة المنتدي سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم 103798
منتدى شباب الوطن العربى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى شباب الوطن العربى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولدخول الاعضاء
المواضيع الأخيرة
» ايا اماه اشتقلك
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالخميس مايو 24, 2018 7:51 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» ايا اماه اشتقلك
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالخميس مايو 24, 2018 7:50 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» اسمعى يا بنت الحلال
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالخميس مايو 24, 2018 7:43 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» لكى انتى محبوبتى
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالإثنين أبريل 04, 2016 3:08 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» ثارت وغضبت مولاتي ................
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالإثنين أبريل 04, 2016 3:05 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» حبيبتى ملاكى مالى سواكى
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالإثنين يوليو 20, 2015 2:15 pm من طرف عصام عبدالمغيث

» صور مطابخ 2015
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالأربعاء مايو 20, 2015 11:59 am من طرف نيكيتا

» صعيدى انا
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالثلاثاء أبريل 07, 2015 9:32 am من طرف عصام عبدالمغيث

» هييييييييييييييييييه عملنا ثوره
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالثلاثاء أبريل 07, 2015 9:24 am من طرف عصام عبدالمغيث

مواضيع مماثلة
التبادل الاعلاني
pubarab
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 182 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Samera فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 14319 مساهمة في هذا المنتدى في 8330 موضوع
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
برامج تهمك
 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 
الزائرين
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Pageviews=1

 

 سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حبيبة الرحمن
المشرفين
المشرفين
حبيبة الرحمن


عدد المساهمات : 1575
تاريخ التسجيل : 09/03/2012
الموقع : سجادتى

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم   سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالسبت مايو 12, 2012 12:09 pm


الحمد لله رب العالمين الذي علّم بالقلم ، علّم الإنسانَ ما لم يعلم .
والصلاة والسلام على المعلّم الأول ، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .
أمّا بعدُ :
فقد كان كتابي ( التربية النبوية ) على صغر حجمه ملفتاً للنظر ، استعرضت فيه بعض أساليب الرسول الكريم والمعلم العظيم في إيصال الفكرة وإبداء المعلومة واضحة مفهومة لأصحابه وتلاميذه رضوان الله عليهم .
ثم رأيت أن أُتِمّ الفائدة في استعراض بعض أساليب القرآن الكريم في التعلّم والتعليم .
ولا يَخفى أن القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه – لأنه كلام الله العظيم وحبلـُه المتين – بحر زاخر ما تزال العلماء على شواطئه ، تحاول الغوص في لُجَجِه ، وتشتار العلوم والمعارف من خِضَمّه ، وتستقي الفوائد من ثـَرّه المعطاء .
هذا القرآن الكريمُ فيه من الأساليب التعليميّة ما نحن بحاجة ماسّة إليها .
وكنت قد طالعتُ عدداً من الكتب التي تتحدّث بعامّة عن العلم وفوائده ، وتغرف من أساليب القرآن بعضَها ، لكنني لم أجد – على ما أظنّ – كتاباً يتحدّث عن طرائق التعليم في القرآن الكريم بشكل خاص ، بل رأيت شذراتٍ في هذا الكتاب وذاك المؤلَّف .
فقلت لعلّي أكون الرائدَ في هذا المضمار ، فأفتح لإخواني المربين طريقاً واضحاً ، ثم يكملون بهمّتهم رصفه وتعبيده .
كنت أقرأ في صِغَري كل يوم جزءاً من القرآن ، فما عدَوْتُ هذا ، ولكنْ بِتُّ أبحث عن أساليب التعليم وطرائقه في كل جزء ، وأضع أرقامَ الآيات التي تشكّل حجَراتِ البناء لكل أسلوب مجتمعة ، حتى أنهيتُ ما فَقِهتُ منها في مجموعات تحت عنوانات محددة ، هي الأساليب التي هداني الله تعالى إليها .
واستنبطتُ أكثر من تسعين أسلوباً تربوياً ، ثم ضممتُ ما تقارب منها تحت عنوان واحد ، فصارتْ إلى اثنين وسبعين أسلوباً .. ولربما هداني المولى تعالى وأنا أنضّد الكتاب إلى أساليب أخرى فهو الكنز الذي لا تُعَدّ ينابيعه ، ولا تُحَدّ .
وهكذا وجدْتُ نفسي في رياض بِكر ، حلوةِ المذاق لذيذة الجَنى .
وها أنذا أقدم إلى إخواني الكرام طاقة عبقةً وضُمّة نفـّاذة الشذا من أساليب القرآن الكريم في التربية .
وإني ألتمس منهم أن يُقوّموا عملي ، ويرفدوني بآرائهم الصائبة في سدّ نقص ، أو ترميم فكرة ، أو وضعِ لَبِنةٍ تقوّي هذا الصرح التربويّ الرائعَ ،
فإن أحسنتُ فلله الفضلُ والمِنّة ، وإلا فهو حسبي ، وللمجتهد أجرٌ إن أخطأ ، وأجران إن أصاب ، وأسأل الله التوفيقَ والسدادَ .

هي الإيمان عينه ، فمن وثق بالله آمن به ، ومَنْ آمن به توكل عليه ، ومَنْ توكل عليه نال رضاه ، ولله المنُّ والفضل ، إليه يرجع الحمدُ ، ومنه الخير كله .

ولذلك يبدأ الإنسان صلاته بالفاتحة ، ففيها الاعتراف بألوهيته وربوبيته ، وفيها الالتجاءُ إليه وعبادتُه .
(( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ))(1) .

وهو الذي يعطي ويمنع ، ويرفع ويخفض : (( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) ))(2).
فإذا كان كل شيء بيد الله ، فأحرى بنا أن نقصده وحده لا شيء غيره .

ويخبرنا القرآن الكريم أن أنبياء الله جميعاً كانوا خِيرة الناس الذين توكلوا على الله في دعوتهم إليه سبحانه ، فكان لهم العونَ ونصرهم على أعدائهم ، وأقرّ أعينهم ، وجعلهم قدوة الناس .

فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علمه ربه أن يلجأ إليه ويستعيذَ به من شر خلقه :
(( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) ))(3) ،
(( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) ))(4) .

وإن حاول الشيطان صرف القلوب عن الحق والذكر ، استعاذ المسلم منه بالله سبحانه : (( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) ))(5) .

وهذا موسى عليه السلام يستعيذ بالله من الكفار المعاندين : (( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ(27) ))(6) .

ويعيش المسلم هادىء النفس حين يلجأ إلى الله من وسوسات الشياطين وفسادهم : (( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) ))(7) .

وهذه مريم العذراء دخل عليها جبريل ، فاستعاذت بالله من أمرٍ قد يسيء إليها : (( قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) ))(Cool .

ودعا إبراهيم عليه السلام قومَه إلى عبادة الله سبحانه وحده ، فأبوا ذلك فخوّفهم عذابه وبطشه : (( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ))(9) .
وقيل : إن جبريل عليه السلام نزل على إبراهيم وقومُه يجهّزون لإحراقه فقال له : سل حاجتك ، قال إبراهيم : أما إليك فلا ! وأما إليه سبحانه فعلمه بحالي يغني عن سؤالي ، فجاء الفرج من الله تعالى : (( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) ))(10) ، إنها ثقة بالله عظيمة ، يحتاج إليها الدعاة إلى الله في مسيرتهم الدعويّة ليكون الله عوناً له وسنداً .
بل إنه عليه السلام يعلنها صراحة معتمداً على الله لاجئاً إليه (( قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) ))(11) .
ولما بشرته الملائكة بإسحاق (( قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) ))(12) .
صدق سيدنا إبراهيم ، فالمؤمن لا ييئس من رحمة ربّه أبداً ، فهو يثق بنصره وتأييده ما دام معه .

وهذا ابنه اسماعيل عليه السلام مؤمنٌ بالله ، راض بقدره ، واثقٌ بحكمته ، فلما أراد أبوه أن يذبحه كان صبرُه في الله مثالاً رائعاً يُحتذى وثقته فيه لاحدود لها : ((فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) ))(13) .

وهذا مؤمن آل فرعون آمن بموسى واجتهد في نصرته ، وبذل جهده ، وناصبوه العداء ، ومكروا به لكنه لجأ إلى ربه ، فكان له الأمن والأمان : ((فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ(44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) ))(14) .

وهذا سيدنا نوح يدعو الناس إلى عبادة الله ، ويحثهم على تقوى الله وطاعته ، لكنهم أبَوْا هذا ، وكيف يؤمنون وأراذل القوم ـ حسب اعتقادهم ـ تبعوا نوحاً ؟ فلو طردهم لربما تبعوه !! . . ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبى طرد المؤمنين فهدده قومه بالرجم ، فلجأ إلى ربه ((قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ(119) ))(15) .

وهذا فرعون يستقبل السحرة ، ويعدهم بالمال الوافر والمناصب الرفيعة إن هم عَلَوْا بسحرهم على موسى ، ولكنْ أنّى لسحرِ البشر أن يغلب أمرَ الله ؟! فلما لقَفَتْ عصا موسى سحرهم أيقنوا أنه لم يغلبهم بسحر ، فما لأحد بهم من قوة إنما غلبتهم قوة الله التي أيَّدَتْ موسى : (( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) ))(16) .
فماذا فعل السحرة ؟ هل خافوا وعادوا يعتذرون إلى الجبار المتغطرس أو سكتوا مذعورين ؟ لا هذا ولا ذاك إنما (( قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ(51) ))(17)
هكذا يكون الإيمان ، وهكذا تكون الثقة في الله .

وهذا يعقوب عليه السلام لم يصدق أن ابنه الثاني قد سرق على الرغم من الاستشهادات التي قدّمها أولاده له ، إنما وكل أمره إلى الله تعالى ((قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) ))(18)
وجعلته ثقته في الله ، ينتظر ظهور يوسف وأخيه .
فلما ابيضت عيناه من الحزن وعاتبه أبناؤه على ذلك ، أجابهم بلهجة المؤمن الواثق بربه المتكل عليه (( قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) ))(19) فكان ما قاله حكمةً تنير الدرب للسالكين . . إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون ؛ !! .

فالثقة بالله ، واللجوء إليه سبيل المؤمنين ، وزاد المتقين ، وأمان الخائفين ، وأمل العاملين نسأل الله تعالى أن نكون منهم .

الهوامش:

(1) سورة الفاتحة .
(2) سورة آل عمران الآية 26 .
(3) سورة الفلق .
(4) سورة الناس .
(5) سورة فصلت ، الآية : 36 .
(6) سورة غافر ، الآية : 27 .
(7) سورة المؤمنون ، الآيتان : 97 ، 98 .
(Cool سورة مريم ، الآية : 18 .
(9) سورة العنكبوت ، الآية : 24 .
(10) سورة الأنبياء ، الآية : 69 .
(11) سورة الشعراء ، الآيات : 75 ـ 82 .
(12) سورة الحجر ، الآيات : 54 ـ 56 .
(13) سورة الصافات ، الآية 102 .
(14) سورة غافر ، الآيتان : 44 ، 45 .
(15) سورة الشعراء ، الآيات : 117 ـ 119 .
(16) سورة الشعراء ، الآيات : 46 ـ 49 .
(17) سورة الشعراء ، الآيتان : 50 ، 51 .
(18) سورة يوسف ، الآية : 83 .
(19) سورة يوسف ، الآيتان : 86 ، 87 .


خلق الإنسان ضعيفاً ، إذا عطش وجاع بدا الإرهاق عليه ، وإذا مرض أَنّ وشكا ، وإذا أصيب جزع وخاف ، وإذا فقد عزيزاً بكى وتألم .
ولا يشعر الضعيف بالأمان إلا حين يلجأ للقويّ . وهل القويُّ سوى الله ؟!! وهل يحس بالراحة مَنْ خُلق من نطفة ثم علقة إلا إذا استند ركن ركين وعزٍّ منيع هو الله تعالى ؟!! .
ولا عظيم سوى الله ، ولا عظيم إلا مَنْ عظَّمه الله .
والله سبحانه وتعالى ينبهنا في كل سورة وآية إلى عظمته في نفسه ، وإلى عظمته في صفاته ، وإلى عظمته في بديع صنعه وخلقه ، وإلى عظمته في وحدانيته ، وإلى عظمته في قدرته .
والقرآن الكريم كتاب الله يسطر عظمة الله في السطور ، لينتقل أثرها إلى العقول والصدور والقلوب الحيّة ، فتعيشَ في كنفه سبحانه مؤمنة به ، منتمية إليه ، متوكلة عليه ، مسْلمةً قيادها له ، فإذا هي في الخالدين .
فالله سبحانه وتعالى (( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) ))(1) .ومن كانت هذه صفاته فكل ماعداه عبد ضغيف واهن .
(( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) ))(2) . غنها صفات الله العظيم الذي ينقاد كل شيء إليه صاغراً .
إنه إله عظيم ينبغي توحيده والاعتماد عليه : (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ))(3) .
وهو الكامل كمالاً مطلقاً ، لا تشوبه شائبة (( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) ))(4) .
منه العلم ، وإليه العلم : (( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) ))(5) .
(( الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ))(6) .
هو القيوم مالك كل شيء ، والمتصرف في كل شيء : (( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) ))(7) .
(( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) ))(Cool .
(( إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) ))(9) .
وفي القرآن الكريم أربع عشرة سجدة ، كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسجد حين يقرأ آياتها تعظيماً لله سبحانه وتعالى ، وإقراراً بربوبيته وألوهيته ، مثالها في سورة النحل : (( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ(48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(50) ))(10) .
وفي سورة السجدة : ((إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) ))(11) .
وفي سورة الإسراء : (( قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) ))(12) .
ولا يسجد المسلم إلا لوجه الله الكريم العظيم .
وفي سورة الروم أمثلة كثيرة ووافية شافية على عظيم قدرته سبحانه : (( ... غلبت الروم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيَغلبون(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) ))(13) ،
(( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ(19) ))(14) .
وانظر معي بتدبّر وتفكّر إلى عظمة الله في أفعاله :
1ـ فالله سبحانه خلقنا من تراب (( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) )) .
2ـ ورزقـَنا زوجات وآلف بيننا (( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) )) .
3ـ وكانت السماء لنا غطاء ، والأرض فراشاً ، وخالف بين ألواننا وألسنتنا (( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) )) .
4ـ وفضل الله علينا كذلك في تعاقب الليل والنهار ، لنرتاح في سكون الليل ، ونعمل في ضوء النهار (( وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) )) .
5ـ ومظاهر الطبيعة دالة على الترتيب والفائدة (( وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) )) .
6ـ وأخيراً فإليه سبحانه مرجعنا (( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ))(15) .
والله سبحانه وتعالى أصل الحياة (( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ))(16) ،
ولا حياة بغير الله (( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ))(17) .
ولذلك قرر سبحانه أنه المعبود ، لا رب سواه (( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ))(18) .
وكلما كان الإنسان قريباً إلى الله ، داعيا إليه ، عاملاً بأمره ، منتهياً عما نهى عنه استمدَّ من عظمة الله عظمة .
فهؤلاء الأنبياء اصطفاهم ، فكرَّمهم ورفع مقاماتهم ، لأنهم كانوا أمثلة رائعة للعباد المؤمنين العاملين ، فخلّد ذكرهم في الدنيا والآخرة .
فمن تعظيم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله سبحانه : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) ))(19) .
(( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) ))(20) .
(( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) ))(21) . ومن كان الله معه فهو عظيم لأنه لجأ إلى العظيم سبحانه .
ومن تعظيم الأنبياء الكرام قوله سبحانه يمدحهم في سورة الصافات ((سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) )) ، (( سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) )) ، (( سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) )) ، (( سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ(130) )) ، (( وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) ))(22) .
وكتاب الله الكريم كلام الله سبحانه ، أنزله ليكون نبراساً يهدي إلى الحق ، وإلى طريق مستقيم :
(( الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ))(23) ،
(( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) ))(24) . وكلام الله العظيم عظيمٌ .
(( حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) ))(25) .

وما أعجب هذا التعظيم الذي يجعل القرآن الكريم ذا منزلة عالية . . فهو :

1ـ لو كان كتابٌ من الكتب المنزّلة سيّرث بتلاوته الجبال ، وزعزعت عن أماكنها ، لكان هذا القرآن .
2ـ ولو كان كتابٌ من الكتب المنزلة شُقِّقَتْ به الأرض ، حتى تتصدع وتصير قطعاً ، لكان هذا القرآن .
3ـ ولو كان كتاب من الكتب المنزلة كُلِّم به الموتى ، فأحياها الله وأجاب ، لكان هذا القرآن .
(( وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى))(26) .
وهذا القرآن كلام الله تعالى ، لم يفتره رسول عليه ، وحاشاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكون مفترِياً ، بل هو الصادق الأمين : (( الم (1)تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) ))(27) .

الهوامش:

(1) سورة الحديد ، الآية : 3 .
(2) سورة الحشر ، الآيات : 22 ـ 24 .
(3) سورة الإخلاص .
(4) سورة الصافات ، الآية : 180 .
(5) سورة الكهف ، الآية : 109 .
(6) سورة الرحمن ، الآيات : 1 ـ 4 .
(7) سورة الملك ، الآية : 1 .
(Cool سورة يس ، الآيتان : 82 ، 83 .
(9) سورة التوبة ، الآية : 116 .
(10) سورة النحل ، الآيات : 48 ـ 50 .
(11) سورة السجدة ، الآية : 15 .
(12) سورة الإسراء ، الآيات : 107 ـ 109 .
(13) سورة الروم ، الآيات : 2 ـ 6 .
(14) سورة الروم ، الآيات : 17 ـ 19 .
(15) سورة الروم ، الآيات : 20 ـ 27 .
(16) سورة النور ، الآية : 35 .
(17) سورة يونس ، الآية : 5 .
(18) سورة طه ، الآية : 14.
(19) سورة الأحزاب ، الآية : 56 .
(20) سورة التوبة ، الآية : 128 .
(21) سورة التحريم ، الآية : 4 .
(22) الآيات : 79 ـ 109 ـ 120 ـ 130 ـ 181 .
(23) سورة البقرة ، الآيتان : 1 ، 2 .
(24) سورة الفرقان ، الآية : 1 .
(25) سورة فصلت ، الآيات : 1 ـ 3 .
(26) سورة الرعد ، الآية : 31 .




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبة الرحمن
المشرفين
المشرفين
حبيبة الرحمن


عدد المساهمات : 1575
تاريخ التسجيل : 09/03/2012
الموقع : سجادتى

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم   سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالسبت مايو 12, 2012 12:11 pm

خلق الإنسان ضعيفاً ، إذا عطش وجاع بدا الإرهاق عليه ، وإذا مرض أَنّ وشكا ، وإذا أصيب جزع وخاف ، وإذا فقد عزيزاً بكى وتألم .
ولا يشعر الضعيف بالأمان إلا حين يلجأ للقويّ . وهل القويُّ سوى الله ؟!! وهل يحس بالراحة مَنْ خُلق من نطفة ثم علقة إلا إذا استند ركن ركين وعزٍّ منيع هو الله تعالى ؟!! .
ولا عظيم سوى الله ، ولا عظيم إلا مَنْ عظَّمه الله .
والله سبحانه وتعالى ينبهنا في كل سورة وآية إلى عظمته في نفسه ، وإلى عظمته في صفاته ، وإلى عظمته في بديع صنعه وخلقه ، وإلى عظمته في وحدانيته ، وإلى عظمته في قدرته .
والقرآن الكريم كتاب الله يسطر عظمة الله في السطور ، لينتقل أثرها إلى العقول والصدور والقلوب الحيّة ، فتعيشَ في كنفه سبحانه مؤمنة به ، منتمية إليه ، متوكلة عليه ، مسْلمةً قيادها له ، فإذا هي في الخالدين .
فالله سبحانه وتعالى (( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) ))(1) .ومن كانت هذه صفاته فكل ماعداه عبد ضغيف واهن .
(( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) ))(2) . غنها صفات الله العظيم الذي ينقاد كل شيء إليه صاغراً .
إنه إله عظيم ينبغي توحيده والاعتماد عليه : (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ))(3) .
وهو الكامل كمالاً مطلقاً ، لا تشوبه شائبة (( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) ))(4) .
منه العلم ، وإليه العلم : (( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) ))(5) .
(( الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ))(6) .
هو القيوم مالك كل شيء ، والمتصرف في كل شيء : (( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) ))(7) .
(( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) ))(Cool .
(( إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) ))(9) .
وفي القرآن الكريم أربع عشرة سجدة ، كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسجد حين يقرأ آياتها تعظيماً لله سبحانه وتعالى ، وإقراراً بربوبيته وألوهيته ، مثالها في سورة النحل : (( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ(48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(50) ))(10) .
وفي سورة السجدة : ((إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) ))(11) .
وفي سورة الإسراء : (( قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) ))(12) .
ولا يسجد المسلم إلا لوجه الله الكريم العظيم .
وفي سورة الروم أمثلة كثيرة ووافية شافية على عظيم قدرته سبحانه : (( ... غلبت الروم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيَغلبون(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) ))(13) ،
(( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ(19) ))(14) .
وانظر معي بتدبّر وتفكّر إلى عظمة الله في أفعاله :
1ـ فالله سبحانه خلقنا من تراب (( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) )) .
2ـ ورزقـَنا زوجات وآلف بيننا (( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) )) .
3ـ وكانت السماء لنا غطاء ، والأرض فراشاً ، وخالف بين ألواننا وألسنتنا (( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) )) .
4ـ وفضل الله علينا كذلك في تعاقب الليل والنهار ، لنرتاح في سكون الليل ، ونعمل في ضوء النهار (( وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) )) .
5ـ ومظاهر الطبيعة دالة على الترتيب والفائدة (( وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) )) .
6ـ وأخيراً فإليه سبحانه مرجعنا (( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ))(15) .
والله سبحانه وتعالى أصل الحياة (( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ))(16) ،
ولا حياة بغير الله (( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ))(17) .
ولذلك قرر سبحانه أنه المعبود ، لا رب سواه (( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ))(18) .
وكلما كان الإنسان قريباً إلى الله ، داعيا إليه ، عاملاً بأمره ، منتهياً عما نهى عنه استمدَّ من عظمة الله عظمة .
فهؤلاء الأنبياء اصطفاهم ، فكرَّمهم ورفع مقاماتهم ، لأنهم كانوا أمثلة رائعة للعباد المؤمنين العاملين ، فخلّد ذكرهم في الدنيا والآخرة .
فمن تعظيم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله سبحانه : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) ))(19) .
(( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) ))(20) .
(( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) ))(21) . ومن كان الله معه فهو عظيم لأنه لجأ إلى العظيم سبحانه .
ومن تعظيم الأنبياء الكرام قوله سبحانه يمدحهم في سورة الصافات ((سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) )) ، (( سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) )) ، (( سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) )) ، (( سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ(130) )) ، (( وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) ))(22) .
وكتاب الله الكريم كلام الله سبحانه ، أنزله ليكون نبراساً يهدي إلى الحق ، وإلى طريق مستقيم :
(( الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ))(23) ،
(( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) ))(24) . وكلام الله العظيم عظيمٌ .
(( حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) ))(25) .

وما أعجب هذا التعظيم الذي يجعل القرآن الكريم ذا منزلة عالية . . فهو :

1ـ لو كان كتابٌ من الكتب المنزّلة سيّرث بتلاوته الجبال ، وزعزعت عن أماكنها ، لكان هذا القرآن .
2ـ ولو كان كتابٌ من الكتب المنزلة شُقِّقَتْ به الأرض ، حتى تتصدع وتصير قطعاً ، لكان هذا القرآن .
3ـ ولو كان كتاب من الكتب المنزلة كُلِّم به الموتى ، فأحياها الله وأجاب ، لكان هذا القرآن .
(( وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى))(26) .
وهذا القرآن كلام الله تعالى ، لم يفتره رسول عليه ، وحاشاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكون مفترِياً ، بل هو الصادق الأمين : (( الم (1)تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) ))(27) .

الهوامش:

(1) سورة الحديد ، الآية : 3 .
(2) سورة الحشر ، الآيات : 22 ـ 24 .
(3) سورة الإخلاص .
(4) سورة الصافات ، الآية : 180 .
(5) سورة الكهف ، الآية : 109 .
(6) سورة الرحمن ، الآيات : 1 ـ 4 .
(7) سورة الملك ، الآية : 1 .
(Cool سورة يس ، الآيتان : 82 ، 83 .
(9) سورة التوبة ، الآية : 116 .
(10) سورة النحل ، الآيات : 48 ـ 50 .
(11) سورة السجدة ، الآية : 15 .
(12) سورة الإسراء ، الآيات : 107 ـ 109 .
(13) سورة الروم ، الآيات : 2 ـ 6 .
(14) سورة الروم ، الآيات : 17 ـ 19 .
(15) سورة الروم ، الآيات : 20 ـ 27 .
(16) سورة النور ، الآية : 35 .
(17) سورة يونس ، الآية : 5 .
(18) سورة طه ، الآية : 14.
(19) سورة الأحزاب ، الآية : 56 .
(20) سورة التوبة ، الآية : 128 .
(21) سورة التحريم ، الآية : 4 .
(22) الآيات : 79 ـ 109 ـ 120 ـ 130 ـ 181 .
(23) سورة البقرة ، الآيتان : 1 ، 2 .
(24) سورة الفرقان ، الآية : 1 .
(25) سورة فصلت ، الآيات : 1 ـ 3 .
(26) سورة الرعد ، الآية : 31 .


قد يقسو القلب ، فينأى بصاحبه عن طريق الحق ، ويعدل به عن الصراط السوي ، وقد يتمرّدُ فيصعب قيادته ، وقد ينسى إنعام المنعمين ، وفضل المتفضلين ، فلا يرى لأحدٍ فضلاً عليه . فإذا ما ذكرتَ له الأيادي البيضاء التي تلقفته في محنته ، والقلوب الصافية التي حنَّت عليه لان ـ إن كانت فيه بقيّة من صلاح ـ وهدأت نفسه ، وأنست إلى التزام الحق والتمسك به . .
هذا إن كان صالحاً ، أما إن لم يكن كذلك ، وتمادى في غيّه ، وركب رأسه ، فقد أقمتَ عليه الحجة إن أردت معاقبته ، وأعذَرْتَ فيه إن أردْتَ فضحه وإظهارَه على حقيقته ، كي يرعويَ إن ارعوَى ، أو يحذرَ منه الناس ويتجنبوه .
وفي القرآن الكريم الكثير الكثير من الآيات التي تـُذكـّر الإنسان بفضل الله وكرمه ، علّه يستقيم ويتذكر . . إن نفعت الذكرى . . .

فمن الأمثلة على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة مخاطباً اليهود :
(( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) )) الآيات [ 49 ـ 57 ].
(( وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) )) الآية [ 60 ]

ويقول سبحانه مخاطباً المسلمين في سورة آل عمران :
(( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ(126) )) الآيات [ 132 ـ 126 ] .
وفي سورة آل عمران كذلك نرى فضل الله على المسلمين في غزوة أحد في الآيتين [ 152 ـ 153 ] . ونرى من نعم الله على المؤمنين قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) ))(1) .
وقوله تعالى : (( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ(20) ))(2) .
وقوله تعالى : (( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) ))(3) .
وقوله تعالى : (( وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) ))(4) .

وقوله تعالى ، يذكر فضله على المسلمين في غزوة بدر ، في سورة الأنفال :
(( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلاّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ (11) )) الآيات [ 9 ـ 11 ] .
(( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) )) الآيتان [ 62 ـ 63 ] .

وقوله تعالى في سورة التوبة :
(( إلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) )) .
(( لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) )) .
(( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) )) .
(( وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) )) .

وقوله تعالى في فضله على يوسف عليه السلام :
(( رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(101) ))(5).

وقوله تعالى في سورة النحل :
(( وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (Cool )) .
((وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(14) )) .
(( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) )) .

وقوله تعالى في سورة الإسراء :
(( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) )) .
(( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا (70) )) .

وقوله تعالى في سورة الفرقان : (( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) )) .

وقوله تعالى في سورة العنكبوت ، يذكر فضله على أهل مكة :
(( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ )) الآية [ 67 ] .

وقوله تعالى في سورة لقمان يذكر نعمه الوافرة على عباده :
(( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً . . . . )) من الآية [ 20 ] .

وقوله سبحانه في سورة الأحزاب ، يذكر فضله على المؤمنين في غزوة الخندق ، وغزوة بني قريظة :
(( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) )) .

وقوله سبحانه في سورة سبأ يذكر فضله على أهلها :
(( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) )) .

ويقول الله تعالى في سورة الجمعة ، يمنُّ على المؤمنين بإرسال سيدنا محمد ، يهديهم إلى الله سبحانه :
(( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) )) .

إن الحرَّ حين يرى فضل الله عليه يقرُّ به ، ويعترف ، ويعاهد الله تعالى أن يكون له عبداً شكوراً . .

اللهم اجعلنا من عبادك الشاكِّرين .

الهوامش:

(1) سورة المائدة ، الآية : 11 .
(2) سورة المائدة ، الآية : 20 .
(3) سورة الأنعام ، الآيتان : 63 ، 64 .
(4) سورة الأعراف ، الآيتان : 10 ، 11 .
(5) سورة يوسف ، الآية : 101 .



والأسوة : القدوة والمثل .
وتأسى به : احتذاه ، وسار على هداه ، واقتدى به .
وأسوةُ المسلم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والأنبياء الكرام الذين دعَوا إلى الله سبحانه ، ودلوا البشرية إلى الطريق القويم .
وحين زلَّ آدم ، فأمر الله تعالى بإنزاله إلى الأرض وتاب عليه حدَّدَ له ولذريته ما يتبعون فقال : (( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) ))(1) .

1ـ وقد أمرنا الله تعالى أن يكون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوتنا ، وأمر رسوله الكريم ـ ونحن من بعده ـ أن نتخذ من الأنبياء الكرام خيرَ أسوة وأفضلَ قدوة ، فقال : (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ))(2) . فهدفنا اليومُ الآخر الذي نربح فيه رضاء الله والجنة .
وقال سبحانه آمراً بالاتباع ، ومبيناً السبب : (( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ . . . ))(3) ، (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ . . . . . ))(4) . فنبرأ من الشرك بالله ومن المشركين فلا نواليهم .
ولنا قدوة في داود : (( اصبرعَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) . . . ))(5).
ولنا قدوة في ابنه سليمان : (( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) . . . ))(6) .
ولنا قدوة أيضاً في أيوب : (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ))(7) .
ولنا قدوة في إبراهيم عليه السلام ، وأبنائه الكرام : (( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) ))(Cool .
ـ لماذا يا رب ؟
ـ إن فيهم خصلة زادت على غيرهم من أمثالهم .
ـ فما هي ؟
((إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)))(9) .
(( وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) ))(10) .

وقد يقول أحدهم كيف عرفت من هذه الآيات أنهم قدوة ؟
والجواب أنه سبحانه يأمر نبيه الكريم أن يذكرهم للناس ويذكر عملهم وإيمانهم وصبرهم في الدعوة إلى الله تعالى ليكونوا لنا مثالاً وأسوة .
ويحشد الله سبحانه وتعالى أسماء ثمانية عشر نبياً ، مادحاً إياهم بالهدى والرشاد آمراً المسلمين بإتباع هداهم : (( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ(85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ(86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ(89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ))(11) .

2ـ وقد أمر الله سبحانه نبيّه الكريم أن يصدع بدعوة الحقّ ، داعياً إلى التزامها بوعي وفهم : ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ))(12) .
ـ وهذه الدعوة القويمة ليس فيها اعوجاج ، ولا ميلان عن الحق : ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ))(13) .
ـ وهي سبيل الصالحين السادة الأعلام : (( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ . . . ))(14).
ـ ومن سلكها لم يكن للشيطان سبيل عليه ولا سلطان : (( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) ))(15) .
ـ وفيها التمايز عن المشركين : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) ))(16) .
(( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ))(17) .
(( قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ))(18) .

3 ـ ولا ينبغي اتباع أحد إلا للوصول معه إلى طريق مستقيم ، فيه هدىّ .
ـ فهذا سيدنا موسى يقول للرجل الصالح : ((هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ))(19) . وقد نهى القرآن عن اتباع أهل الغي والفساد نهياً شديداً ، فاتباعهم يؤدي إلى المهالك في الدنيا والآخرة .
ـ إنهم ضالون ، فهل يقودون من تبعهم إلا إلى الضلال ؟!! (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ))(20) .
ـ قلوبهم غافلة لاهية ، وهم أصحاب هوى ، لا خير فيهم (( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ))(21) .
(( فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) ))(22) .
ـ أصحاب فتنة ،والمفتون لا يهدي بل يضل ((وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ))(23).
(( وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ))(24) .

4 ـ ومن اقتدى بالأنبياء وسار على دربهم نجا ، ونجح .
ـ فمن تبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان مفلحاً (( . . . فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) (25) .
ـ وأتباع عيسى عليه السلام ، الحواريون الموحّدون ، ومن سار على دربهم قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعلهم الله منتصرين على الكفار أبداً (( وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))(26) .
ـ وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يحدد هوية من آمن به (( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي . . ))(27) .
ـ ولسام حال كل نبي كريم يقول : (( وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ))(28) .
ـ والله سبحانه وتعالى يجمل المعنى قائلاً : (( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ))(29) .
5 ـ أما من حاد عن الطريق السويّ فهو ضال تائه (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ؟ ))(30) .
ـ خاسر لأنه اتبع هواه ، وحاد عن الطريق (( فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) ))(31) .
ـ يحيا حياة متعبة ، لا راحة فيها ، ويحشر أعمى يوم القيامة (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) ))(32) .
ـ هم أولياء الشيطان ، غاوون (( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) ))(33) . لكنّ المسلم لا يتبع الشيطان إنما يحذر منه فليس من الغاوين .
ـ أما الجبابرة المتكبرون في الدنيا ، فإنهم في الآخرة يتبرأون من أتباعهم وأعوانهم حين يروا العذاب ، ويتمنّى التابعون أن يعودوا إلى الدنيا ليتبرأوا من الطغاة ، الذين كانت لهم أدوات التنفيذ الفاسدة ، يعملون لهم دون تفكير وتمحيص (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) ))(34) .
ـ والإنسان العاقل لا يقتدي إلا بمن ينفعه في الدنيا والآخرة ، ويأخذ بيده إلى دروب النجاة والسلامة . . . . . . إنه يقتدي بالهادين المهديين ، بالأنبياء المرشدين ، وأتباعهم الصالحين .

الهوامش:

(1) سورة البقرة ، الآيتان : 38 ، 39 .
(2) سورة الأحزاب ، الآية : 21 .
(3) سورة الممتحنة ، الآية : 4 .
(4) سورة الممتحنة ، الآية : 6
(5) سورة ص ، الآية : 17 .
(6) سورة ص ، الآية : 30 .
(7) سورة ص ، الآية : 41 .
(Cool سورة ص ، الآية : 45 .
(9) سورة ص ، الآيتان : 46 ، 47 .
(10) سورة ص ، الآية : 48 .
(11) سورة الأنعام ، الآيات : 83 ـ 90 .
(12) سورة يوسف ، الآية : 108 .
(13) سورة النساء ، الآية : 125 .
(14) سورة يوسف ، الآية : 38 .
(15) سورة الحجر ، الآية : 42 .
(16) سورة الأنفال ، الآية : 64 .
(17) سورة آل عمران ، الآية : 20 .
(18) سورة الأنعام ، الآية : 56 .
(19) سورة الكهف ، الآية : 66 .
(20) سورة القصص ، الآية : 50 .
(21) سورة الكهف ، الآية : 28 .
(22) سورة طه ، الآية : 16 .
(23) سورة المائدة ، الآية : 48 .
(24) سورة المائدة ، الآية : 49 .
(25) سورة الأعراف ، الآية : 157 .
(26) سورة آل عمران ، الآية : 55 .
(27) سورة إبراهيم ، الآية : 36 .
(28) سورة طه ، الآية : 47 .
(29) سورة طه ، الآية : 123 .
(30) سورة القصص ، الآية : 50 .
(31) سورة طه ، الآية : 16 .
(32) سورة طه ، الآيات : 124 ـ 126 .
(33) سورة الحجر ، الآية : 42 .
(34) سورة البقرة ، الآيتان : 166 ، 167 .






الصاحب ـ كما يقولون ـ ساحب .
قلْ لي مَنْ تصاحب أقل لك من أنت . . مقولة مشهورة أثبتت الأيام صدقها ، وقد جاء في الأثر : (( المؤمن مرآة أخيه المؤمن )) .
وقديماً قالوا : (( صاحب السعيد تسعد ، وصاحب الشقيَّ تشقَ )) .
ويؤكد هذا القول ويعضده قولُ الله سبحانه وتعالى : (( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) ))(الفرقان).
فقد دعا عقبة بن أبي معيط جيرانه إلى وليمة ، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بينهم ، فأبى قبولها إلا أن يشهد عقبة شهادة الإسلام ، ففعل ، فأجاب رسول الله دعوته . . وفي اليوم التالي سمع أبيُّ بن خلف بما فعل عقبة ـ وكان صاحبَه ـ فجاءه يلومه ، ويقول له : وجهي من وجهك حرام إلا أن تكفر بمحمد ، فقال له عقبة : ما قلتُ ما قلت إلا ليقبل دعوتي ، ولست بصابىء ، فقال له : وتذهب إليه فتشتمه وتبصق في وجهه الكريم . . .
ذهب ذلك المشؤوم ، وأسمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هُجر القول وسفيهه ، ثم لما بصق ارتدَّ إلى وجهه ، فأحرقه . . ثم إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسر عقبة يوم بدر ، وأمر بقطع عنقه ، فبترها علي رضي الله عنه قبل العودة إلى المدينة المنورة .
هذان الكافران عقبة وأبيُّ يندم كلٌّ منهما على مصاحبة الآخر يوم القيامة ، ولات ساعة مندم . . وفيهما نزلت هذه الآيات ، تحذر من اتخاذ الأصحاب الفاسدين .
هؤلاء الأصحاب الذين يلازم بعضهم بعضاً في الدنيا ، ويؤازر كل منهم صاحبه في شهواته ، وملذّاته ، وفساده ، يتعادَون حين تأتي الساعة ، ويتبرأ كل منهم من صاحبه ، إلا الصحبة في الله ، والأخوة في الدين .
قال تعالى : (( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ))(الزخرف) .
وما أضلَّ مَنْ يصاحب من لا دين له ، ولا خلاق ، يأمر صاحبه بالخنا والفجور ، وينهاه عن التقوى ، ويكذّبُ بالدين ويكفر بالله ، ويطغى حين يصير غنياً ناسياً أنّ مرجعه إلى الله وأنه محاسب بين يديه .
قال تعالى : (( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (Cool أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى(13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) ))(العلق) .
ويخاطب الله سبحانه نبيّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ ونحن من ورائه ـ آمراً أن نتبع هذه الشريعة الغرّاء ، التي أنزلها على نبيه الكريم ، وأن ننأى بأنفسنا عن الأهواء ، وأهل البدع والفساد ، فأهل الهوى لا يعلمون حقيقة الحياة ، ويقودون من تبعهم إلى الهلاك والثبور ، وحين تحق الحقيقة يتبرأون ممن تبعهم (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) ))(البقرة) . ويتبرأ التابعون بدورهم من السادة أهل الأهواء دون أن يفيد البراءُ الطرفين ((وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) ))(البقرة) .
نعم ، وحين تحق الحقيقة لن يغنوا عمّن تبعهم شيئاً . قال تعالى : ((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) ))(الجاثية) .
ولكنّ أي ولاء يثبت في الآخرة . . إنه ولاء صاحب الآخرة ، وخالق الدنيا والآخرة . . الله وليُّ الذين آمنوا . فلْنكنْ أولياء الله تعالى ومن والاه فقط .
كما أن الصحبة والولاء للذين آمنوا بالله ورسوله ، أما مَنْ غضب الله عليهم لكفرهم بالله واليوم الآخر فلا ينبغي لنا صحبتهم ، ولا موالاتهم (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13) ))(الممتحنة) .
وقد قصَّ الله ـ تعالى ـ علينا قصّة ذلك الرجل المؤمن ، الذي دخل الجنّة ، فجلس مع إخوانه يأنسون ، ويطربون ، ويتجاذبون أطراف الحديث ، ثم تحدثوا عن الدنيا وما جرى لهم ، فيها يتذاكرون نعيمهم ، وحال الدنيا ، وثمرة الإيمان . فقال الرجل : لقد كان لي جليس في الدنيا ، ينكر البعث والجزاء ، ويتندَّر قائلاً : أتصدِّقُ أننا إذا متنا ، وأصبحنا ذرات من التراب ، وعظاماً نخرة أننا محاسبون ومجزيون بأعمالنا ، ما الذي جرى له أيها الأصحاب ، تعالوا نطّلع إلى النار ، لنرى حال ذلك الجليس ، فنظر وأصحابه إلى ذلك الرجل ، فأبصره يتلظّى بنار جهنّم ، ويُشوى بسعيرها ، فخاطبه المؤمن شامتاً وقال له : والله لقد قاربت أن تهلكني بإغوائك ، ولولا فضل الله عليَّ بتثبيتي على الإيمان لكنت معك في نار جهنم ، أُكوى بنارها . ثم خاطبه مستهزئاً ساخراً به كما كان ذاك الفاجر يسخر بالمؤمن في الدنيا : ألا تزال على اعتقادك بأننا لن نموت إلا موتتنا الأولى ، وأنْ لا بعث ولا جزاء ولا حساب ولا عذاب ؟! ثم التفت إلى أصحابه وقال : الحمد لله الذي تفضّل علينا ، فأدخلنا نعيم الجنّة . وهذا هو النجاح والفلاح الأبديان . (( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) ))(الصافات) .[/size:a9
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبة الرحمن
المشرفين
المشرفين
حبيبة الرحمن


عدد المساهمات : 1575
تاريخ التسجيل : 09/03/2012
الموقع : سجادتى

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم   سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالسبت مايو 12, 2012 12:13 pm

ماذا يفعل القولُ الحسن بمن يسمعه أو يُوَجّهُ إليه ؟ .
ما موقفك حين ترى مَنْ يقول هجراً ؟ ومَنْ يغلظ في حديثه ؟ .
كيف تنظر إلى من يتلطف في القول ، ولا يُسمِعك إلا ما تحب وتأنس إليه ؟ .

إن الكلام الطيب كماء نزل من السماء على أرض عطشى ، فأنبت الله به زرعاً وثمراً ، وجعلها فتنة للناظرين ، قال تعالى :
(( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ))(سورة إبراهيم) فهي تفعل فعل السحر في السامع ، وتأخذ بمجامع قلبه ، فينفتح إليك ، ويأنس بك .
أما الداعية فيعمل ، ليصل كلامه إلى أعماق الناس ، بما أمر الله من قول حسن (( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا )) (البقرة) ، وترتاح قلوب الناس وعقولهم للكلام الطيب ، كما يرتاحون للفاكهة الطيبة الحلوة ، فيستمتعون بأطايب الكلام ، كما يتلذذون بأطايب الطعام .

والله أمر الدعاة أن يقولوا في محاورتهم ، ومخاطبتهم ، الكلمة الطيبة ، ويختاروا من الكلام ألطفه وأحسنه ، وينطقوا دائماً بالحسنى ، فالكلمة الخشنة سلاح الشيطان ، يُسَعِّرُ بها نار الفتنة ، ويؤججها ((وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) )) (الإسراء) .

ويأمر الله سبحانه وتعالى الداعية ، باللطف ، واتخاذ الأسلوب المناسب ، لاجتذاب السامعين فقال : (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) )) (النحل).

وإذا جادلتم أهل الكتاب ، ودعوتموهم إلى الإسلام ، فليكن ذلك بالحسنى ، كالدعاء إلى الله بالحجج والبراهين ، والحَسَن من الكلام ، وأعلموهم أنكم تؤمنون بالإله الذي يؤمنون به ، إلا المحاربين الظالمين ، المجاهرين في عداوتهم ، فجدالهم بالغلظة والشدّة ، لتوهين حجمهم ، وتهجين مذهبهم ، وهذا ما يليق بالمجرم المشرك الغليظ .

قال تعالى : (( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) )) (العنكبوت) .
ويأمرنا الله سبحانه وتعالى ، أن نكافىء المحسن في تحيته ، بتحيّة أفضل ليشعر بالأمان ، وليرى أن المسلمين ، أهل حب وودٍّ ، فيتقرّب إلينا ، ولا ننسَ أن الله رقيب علينا ، يجازينا بما نعمل من خير أفضلَ الثواب ، فقال سبحانه : (( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) )) (النساء) .
وتعال معي ـ أخي الكريم ـ إلى رؤية ثواب مَنْ يقول أفضل كلمة يحبها الله وهي : (( الله ربي )) فها هو القرآن الكريم يفصّل في ذلك . . يقول سبحانه :
(( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا
أ ـ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ
أَلَّا تَخَافُوا
وَلَا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
ب ـ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ
دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا
وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
جـ ـ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ
د ـ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ(34)
هـ ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) )) (فصلت).

ما أعظم ثواب الكلمة الطيبة ، ينمّيه الله ، حتى يصير أعظم من جبل أحد ، كما جاء في الأثر.
وانظر إلى العلاقة الطيبة بين إخوة الإسلام ، هذه العلاقة التي شدَّ من عروتها ، الحب في الله ، فترى الخلف يدعو للسلف ، ويسألون الله صفاء القلب من الغل والحسد ، لإخوانهم في الله :
(( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ
أ ـ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ
ب ـ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) )) (الحشر).

أتدرون ما قوتنا وأسوتنا في القول الحسن ؟ إنه قول الله تعالى ، القرآن الكريم : (( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ . . )) (الزمر) .


نقصد به القول والفعل اللذين إن اتصف بهما المرء كان من المروءة بمكان ، ونال من الله تعالى الحظوة والقبول ، وإن خلا المرء منهما ناله ذم وقدح ، وابتعد عن دائرة النُّبل والمروءة .
ولئن كان خلوُّ المرء من بعض هذه الصفات لا يعد كَبير إثم ، إلا أن بعضها الآخر ـ إن خلت ـ منه كان من أهل الكبائر . . لكنها جميعاً آداب اجتماعية ، وأخلاقية دينية ، لا بد للمسلم النبيه أن يحوزها .
من هذه الصفات :

ـ ردُّ التحية ردّّاً له أثره الإيجابي في النفوس .
قال تعالى : (( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) )) (سورة النساء) .
فالأفضل أن تردّ التحيّة بأفضل منها ، فإن قيل لك : السلامُ عليكم ، قلت : وعليكم السلام ، ورحمة الله وبركاته ، ومغفرته ، ورضوانه .
وقد جاءت الملائكةُ إبراهيم فحيَّوْه بالجملة الفعلية ، والفعل يدلُّ على الحدوث ، فأجابهم بتحيّة دلّت على الثبوت ، وذلك بالجملة الاسمية ، فكان رده أحسنَ (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ... )) (الذاريات) .

وقد نعى الله تعالى على اليهود الذين يحرفون الكلم ، فإذا دخلوا على رسول الله أوهموه أنهم يسلمون ، فيقولون : (( السام عليكم )) ، والسامُ هو الموت . فهم ـ إذاً ـ يدعون عليه ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعرف مرادهم فيردُّ قائلاً : (( وعليكم )) فيكون ردّه أبلغ ، لأنهم يدعون فلا يستجاب لهم ، وهو عليه الصلاة والسلام يدعو عليهم ، فيستجاب له . قال تعالى : (( وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ . . )) (المجادلة) .

ومن هذه الصفات أيضاً إكرام اليتيم ، والحضُّ على إطعام المسكين ، وقد مدح الله تعالى الأنصار ، الذين أكرموا إخوانهم المهاجرين إليهم فقال : (( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (Cool إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) )) (الإنسان).

كما نعى القرآن على الكفار ، الذين لا يحضون على إطعام الفقراء والمحتاجين ، ويأكلون مال اليتيم ، والمرأة ، والضعيف ، فلا يعطونهم ميراثهم ، ولا يهتمون في أكل المال ، أَمِنْ حرام كان ، أم من حلال ؟ قال تعالى : (( كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) )) (الفجر) .

ويأمر الله تعالى نبيه الكريم ـ وهو القدوة لنا ـ فنحن مأمورون بما أمر به ـ أن يراعي بؤس اليتيم فلا يقهره ، وأن يعطي السائل ، فإن لم يستطع ، ردّه ردّاً جميلاً . قال تعالى : (( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) )) (الضحى) .

كما هدد القرآن الكريم من يعيب الناس ، ويغتابهم ، ويطعن في أعراضهم ، أو يلمزهم سراً بعينه ، أو حاجبه . ويوقع بين الناس ، ولا يهتم إلا بجمع المال ، يحصيه ويعدُه بالنار والإحراق ، فهذا جزاؤه المناسب (( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) )) (الهمزة) .

ـ وقد نهى القرآن الكريم عن النجوى ؛ وغمز المؤمنين ، ومعصية الرسول الكريم ، (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ .... ( 8 ) )) (المجادلة) .
فإذا تحدثوا سراً وتناجوا ، فلا يكون ذلك بما فيه إثم من قبيح القول ، أو بما هو عدوان على الغير ، أو مخالفة ومعصية لأمر الرسول الكريم ، وليتحدثوا بما فيه خير وطاعة وإحسان ، وليخافوا الله فيمتثلوا أوامره ، ويجتنبوا نواهيه ، فسوف يجمعهم للحساب ، ويوفيهم أجورهم ، ويجازي كلاّ بعمله . . قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)))(المجادلة).

ـ وكان المسلمون يتنافسون في مجلس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أو غيره من المجالس . فأمرهم الله بالتواضع والإيثار ، وأن يفسحوا في المجلس لمن أراد الجلوس عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ليتساوى الناس في الأخذ من حظهم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . وفي الحديث : (( لا يقيمنّ أحدكم رجلاً من مجلسه ، ثم يجلس فيه ، ولكنْ توسعوا ، وتفسّحوا، يفسح الله لكم )) ،وقد تكون الفسحة للمطيع في الرزق ، والصدر ، والقبر ، والجنة . وهذا يوضح فضل الله علينا حين يوسع لنا في خيرات الدنيا والآخرة ، كما أنّه إذا قيل لنا انهضوا من المجلس ، وقوموا لتوسعوا لغيركم فعلينا السمع والطاعة ، وهذا درس عمليٌّ في التواضع ، بدءاً من التوسعة وانتهاءً بالقيام . . قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ... (11) )) (المجادلة) .

ـ ومن الصفات حفظ السر ، لما فيه من فائدة السلامة والصيانة فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر أمراً لزوجته عائشة ، وحفصة واستكتمهما إياه ، فلم تحفظاه فعوتبتا على ذلك ، فما ينبغي لأحد أن يكشف سرَّ أحدٍ إن سأله أن يحفظه . (( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ....)) (التحريم).

ـ وهذا سيدنا إبراهيم حين جاءته الملائكة ، فلم يعرفهم وحسبهم بشراً ، فماذا فعل ؟ :
1ـ ذهب إلى أهله مسرعاً ، في خفية عن ضيفه ، لأن من أدب المضيف أن يبادر بإحضار الضيافة ، من غير أن يشعر به الضيف حذراً أن يشعر الضيف أنّه أثقل عليه ، فيمنعه من إحضارها ، وأسرع بالعودة حتى يؤنس ضيفه ، فلا يتركه وحده .
2ـ وجاء بعجل مشوي ، وهذا إمعان في إكرام الضيف .
3ـ ومن الأدب أن يقدَّم الطعام إلى الضيف مكان جلوسه ، فهذا أوجَهُ وأكرم .
4ـ ومن الأدب التلطف بالدعوة إلى الطعام ، فلم يقل لهم (( كلوا )) إنما قال متودداً : (( أَلَا تَأكُلُونَ )) .
قال تعالى : (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) )) (الذاريات) .

وهذا لقمان الحكيم يوصي ابنه ـ ونحن من ورائه ـ بأمور عدة آمراً وناهياً :
(( يَا بُنَيَّ
أ ـ أَقِمِ الصَّلَاةَ
ب ـ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
جـ ـ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
د ـ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
هـ ـ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
و ـ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)
ح ـ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) )) (لقمان).

وفي سورة الإسراء آداب عدة :

1ـ ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) )) (الإسراء) .
2ـ أ ـ ((وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا(26)
ب ـ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا(27)
جـ ـ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) )) (الإسراء) .
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) .
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) .
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا(36).
10ـ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) )) (الإسراء) .

إنها آداب رائعة ، وشرائع راقية ، تبني مجتمعاً متماسكاً ، وأُمّةً حضارية .

وانظر معي إلى الأدب القرآني الرفيع ، ففي سورة يوسف (الآية 69 ـ 71) نرى هذه الصورة المعلمة للأدب الراقي.
1ـ أمر يوسف عليه السلام أن توضع السقاية ، وهي من ذهب مرصع بالجواهر في متاع أخيه بنيامين ليبقيه عنده .
2ـ نادى منادٍ إخوة يوسف ، إنكم سرقتم .
3ـ جاء إخوة يوسف إليهم يسألنوهم ! ماذا فقدتم ؟
4ـ قالوا لهم : فقدنا سقاية الملك ، وأنتم أخذتموها ، ألم نكرمكم ، ونحسن ضيافتكم ؟ ونوفِّ إليكم الكيل ، إنا لا نتهم عليها غيركم . . . فأين الأدب هنا ؟ . .
إنه من إخوة يوسف ، فالمنادون اتهموهم بالسرقة ، فردَّ عليهم هؤلاء : (( ماذا تفقدون )) بدل : (( ماذا سرقنا )) إرشاد لهم إلى مراعاة حسن الأدب ، وعدم المجازفة باتهام البريئين الغافلين بالسرقة ، ولهذا التزموا معهم الأدب فأجابوهم : (( نفقد صواع الملك )) بدل قولهم : (( سرقتم صواع الملك )) .
والأمثلة كثيرة ، وسبحان الله معلم الأدب ، الدال على الصواب .


قال تعالى : { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ } (من الآية 99 ـ المائدة) ، ويبدأ الرسول ومَن تبعه يبلغون الناس رسالات ربهم ، فإن وجدوا مناخاً مناسباً ، ازدهرت دعوتهم ، لأنها دعوة الفطرة ، وإن وجدوا محاربة وإيذاء صبروا ، فدرب الدعوة مليء بالشوك والمصاعب ، فإن ازداد الإرهاب ، وكثر القتل ، والسجن ، والعذاب ، انتقلوا بدعوتهم المباركة إلى مكان أكثر أمناً ، وأوسع حريّة .
هذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يترك مكة بعد ثلاثة عشر عاماً إلى المدينة المنوّرة ، لأن أهل مكة ساموه وأصحابه سوء العذاب ، ووجد المدينة تمدّ إليه أيدي أبنائها الذين آمنوا بدعوته ، فخرج من مكة قائلاً : (( والله إنك لأحب أرض الله إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجتُ )) ثم يعود إليها بعد ثماني سنوات فاتحاً ، ليرسي فيها دعائم التوحيد والإيمان .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو بمكة يرى أصحابه وهم يعذبون ، ويفتنون ، فيأمرهم بالهجرة إلى الحبشة (( فإن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد )) .

صور من الهجر قبل الإسلام :
ـ هذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام يكسر أصنام قومه ، ويعلن ملّة التوحيد ، ويدعو الناس إليها ، فيجادله قومه ، فيحاجُّهم ويخرسهم ، فيرون موقفهم أمامه ضعيفاً ، ويخافون أن يؤمن به الدهماء ، فيقررون التخلص منه بالإحراق . لكن الله تعالى ينقذه من النار ، وتزداد شدّة الوطء عليه ، فيقرر الهجرة إلى الشمال ـ إلى حرّان ـ { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي } (من الآية 26 ـ العنكبوت) ، ثم تبدأ الهجرة الثانية إلى فلسطين { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) }(الصافات) ، وهناك تنتشر الدعوة ويقوى عودها .

ـ وهذا موسى نبي الله الكليمُ يقتل نفساً من الأقباط دون قصد ، فيأتيه رجل يقول له : { وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) }(القصص) . ويتوجه تلقاء مدين ويسقي للفتاتين ، ويستدعيه أبوهما ، فيقص موسى عليه خبره ، فيقول له الرجل الصالح : { لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }(من الآية 25 ـ القصص) . ويجد الحرية والأمان في مدين ، ويربّيه الله تعالى على عينه ، ليعود إلى فرعون داعياً ، وإلى بني إسرائيل منقذاً .
ويرى موسى عليه السلام وقومُه ، الصدَّ والإيذاء والاستعباد ، فيقرر الهجرة إلى الشام مرة أخرى ، ولكن مع قومه من بني إسرائيل ، لأنه هذه المرّة لم يعد مسؤولاً عن نفسه فقط ، بل عن قومه أيضاً ، فهو النبي المرسل إليهم . . والله تعالى هو الذي أمره بالهجرة الآن ، فما عاد فرعون وقومه يطاقون ، قال تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) }(الشعراء) وينجي الله موسى وقومه ، ثم يُغرِقُ فرعون وجنده .

ـ وأهل الكهف أعلنوا كفرهم بالأوثان ، وإيمانهم بهدى الرحمن ، وتوحيد الديّان ، فاغتاظ الملك ، وأمرهم أن يعودوا إلى الكفر أو يقتلوا . . فتبدأ هجرتهم إلى الله تعالى ، ويلجأون سراً إلى كهف قريب من مدينتهم ، كي ينطلقوا بعد ذلك في أرض الله الواسعة ، ويبحث عنهم الملك وأعوانه ، فلا يرونهم ، ويلقي الله تعالى عليهم النوم { ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا }(من الآية 25 ـ الكهف) فتكون هذه هي هجرتهم الطويلة ، التي ضربها الله مثلاً رائعاً لمن كان يرجو الله واليوم الآخر . ويكون الكهف أماناً لهم ، ورحمة من الله تكتنفهم ، وتنشر عليهم ظلالها ، وتهيء لهم الأمان ، والهدوء ، والسكينة : { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)}(الكهف) .

فوائد الأمان والحرية :
1ـ إمكانية العبادة لله سبحانه دون عوائق تُذكر، قال الله تعالى محدداً فائدة الانتقال إلى المكان الآخر : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)}(العنكبوت) .
2ـ الحصول على الرزق الواسع ، وإغاظة العدو الذي لم يستطع كبح الدعاة المؤمنين : { وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً }(من الآية 100ـ النساء) .
3ـ رضى الله عنهم ، لأنهم تركوا ديارهم ليأمنوا على دينهم ، تركوا الارض التي أحبوها ليمارسوا شعائر دينهم ، بحرية ، ويدعوا إليه دون رقيب وإيذاء ، أفلا يستحقون فضل الله وعفوه وكرمه ؟ { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (Cool}(الحشر) .
4ـ كما أن لهؤلاء الخير في الدنيا ـ وهذه مثوبة سريعة ـ ولهم في الآخرة الأجر الكبير: { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}(النحل) .
5ـ تكفير السيئات ، ودخول الجنة ، والثواب الجزيل فيها ، قال تعالى : { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } (من الآية 195ـ آل عمران) .

ـ بل إن الملائكة المكلفة بأخذ الأرواح تقول للذين استكانوا إلى الظلمة ، ولم يخرجوا إلى أرض أخرى يقيمون فيها شعائر دينهم ، فصاروا أداة قمع في أيدي هؤلاء الظلام ، هؤلاء الملائكة يوبخونهم : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)} (النساء) .

ـ ومن الجدير بالذكر أن الذين آمنوا ولم يهاجروا في سبيل الله ، ورضوا أن يعيشوا في ظل القهر ، لا ينبغي أن نواليهم أو نصادق منهم أحداً ، حتى يحققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد في سبيل الله . قال تعالى : { فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ }(من الآية 89 ـ النساء) ، فالمؤمن لا يكتمل إيمانه حتى يفاصل الأعداء ويكون قادراً على التعبير عما في نفسه ، محققاً أوامر الله ، منتهياً عما نهيَ عنه حين يكون في دار الأمان والحريّة ، ، وتاريخ الأنبياء والرسالات أوضح أمثلة على ذلك وعلى هذا نفهم قول الله تعالى : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }(من الآية 72ـ الأنفال) .

فالمسلمون ثلاثة أقسام :
المهاجرون : فهم الأصل، لأنهم هجروا الديار والاوطان ابتغاء رضوان الله .
الأنصار : فهم نصروا الله ورسوله ، وجاهدوا بالنفس والمال ، وبين هذين الطرفين الولاء والنصرة .
المؤمنون الذين لم يهاجروا : حُرِموا الولاية حتى يهاجروا في سبيل الله .
إن البحث عن دار الأمان ، والإنتقال إليها ، ليمارس الإنسان حريته في عبادة الله تعالى أساس لرضوان الله تعالى ، ذلك الرضوان والقبول عظيم لم يحدّده رب العزة إنما جعل تقديره ـ وهو عظيم ـ في علمه ، وكرمه وجوده سبحانه وتعالى حين قال : { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }(من الآية 100 ـ النساء) .

1ـ تركُ البيت ـ وهو ملاذ الإنسان الذي بناه ، وأتعب نفسه للحصول عليه ـ دليل على بيع الدنيا ولذاتها ، والانتقال إلى أرض غريبة بعيدة عن الوطن والأهل والذكريات لإقامة منهج الله سبحانه في دار الأمان والاطمئنان .
2ـ واللجوء إلى الله تعالى ، ومتابعة رسوله الكريم ، دليل آخر على الطاعة والولاء ، وبيع النفس والنفيس لهذه الدعوة المعطاة .
3ـ الثواب بناءً على هذا عظيم جليل ، يوازي هذا العطاء ، الذي بذله المؤمن عن رغبة وطواعية ، إنه ترَك متاع الحياة الزائلة ، فحق له أن ينال الأجر الكبير ، الذي يصدر عن الإله الكبير ، وما بعطبه الجليل لا شك أنه جليل .




هو التجلد وحسن الاحتمال . . . . ، وصبرَ على الأمر : احتمله دون جزع ، وصبر عن الشيء : منع نفسه عنه وحبسها ، واصْطَبَر بمعنى صَبَرَ .
والداعية الصابر من يتحمل الجهد والمكابدة ، وصلف المدعوين وجهالتهم ، وأذاهم قولاً وفعلاً ، في سبيل الله ونشر دعوته .
وهذا ما فعله الأنبياء أولو العزم ، فاستحقوا مدح الله سبحانه وتعالى ، وبه أمر الله نبيّه الكريم تأسّياً بهم وسيراً على طريقتهم : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } (من الآية 35 الأحقاف) .
وقال أيضاً مواسياً نبيَّهُ الكريم عليه الصلاة والسلام : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) }(الأنعام) .
وكان سيدنا يعقوب من الصابرين ، فسجّل الله سبحانه ذلك له ، فقال : { وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) }(يوسف)، وقال : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ . . . } (من الآية 83 يوسف) .
والصبر الجميل : التسليم لقضاء الله دون تذمّر ولا فزع ، والرضا به انتظاراً لفَرَجه سبحانه .
وعلى هذا النوع من الصبر حث الإلهُ العظيم نبيَّهُ الكريم . . . فقال : {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)} (المعارج) .
وللصبر فوائد جمّةٌ أذكر بعضاً منها :

1ـ إنه من الأسباب المعنوية المؤدية إلى النصر ، قال تعالى : { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ... }(البقرة) .
وقال في ذلك أيضاً : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) } (الأنفال) .
ويقول سبحانه أيضاً ، آمراً بالصبر في القتال على مناجزة العدو ، كي نحظى بالنصر : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) }(آل عمران) .

2ـ إنه يعين على البلاء والتحمل ، قال تعالى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ . . . } (من الآية 45 البقرة) .
فالصلاة حين يؤديها المصلي بإتقان ، وإحسان ، فقد أدّى نوعاً من الصبر ، يرفع معنوياته .
وهؤلاء الرسل الكرام ، يقولون للكفار ، الذين يؤذونهم ومن آمن : { . . . وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } (من الآية 12 إبراهيم) .
وقال تعالى : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } (الشورى) .

3ـ وفي الصبر والتحمل خير لصاحبه من أن يثأر لنفسه . . فهو مسلم داعية . قال تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) } (النحل) .
وبعض المسلمين لم ينتظروا خروج الرسول الكريم من حجرته إلى المسجد ، فنادَوه بصوت عال ، وقد أُمروا أن يغضوا من أصواتهم في حضرته ، فقال تعالى معلّماً الصبر والأناة والأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم واحترامه : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) } (الحجرات) .

4ـ وعاقبة الصبر محمودة (( الجنّة )) ، قال تعالى يبشر المؤمنين الصابرين بالجنة والمآل الطيب : { . . وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23)سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) } (الرعد) .

5ـ والصبر يقلب الموازين ، فصبرك على أذى الآخرين ، ودفع السيئة بالحسنة يجعل العدو صديقاً ، ويستلُّ منه سخيمة صدره فينقلب محباً ودوداً . . قال تعالى : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) } (فصلت) .

6ـ والصبر يورث الأجر ، قال تعالى : { إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) } (هود) .
وحين كشف يوسف لإخوته عن نفسه ، فرأوا ما هو فيه من عزٍّ ومجدٍ ـ وقد كانوا يظنون به الموت أو الأذى ـ قال لهم منبهاً ومعلّماً : { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } (من الآية 90 يوسف) .
ويقول سبحانه مقرراً الأجر الكبير للصابرين المتوكلين على الله في صبرهم : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) } (النحل) .
وحين يشتد العذاب على المؤمنين في بلد ما ، عليهم أن يهجروه إلى أرض الله الواسعة ، ويصبروا على الغربة : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (من الآية 10 الزمر) .

7ـ والصبر على الدعوة يرفع الداعية ، ويجعله قدوة وإماماً ، قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ(24) } (السجدة) .
وهذا الرجل الصالح صار معلماً لسيدنا موسى عليه السلام ـ في سورة الكهف ـ واشترط عليه أن يصبر عليه ، فلا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكراً ، ويجيبه موسى : { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا }(من الآية 69 الكهف) ولو لم يكن الرجل صابراً ، لما صار معلماً له ، ولا أمكن أن يأمره بالصبر .

8ـ والصبر يقرب العبد من مولاه ، ويرفع مقامه ، قال تعالى للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمره بالصبر ، والاستعانة بالله ، والاعتماد عليه : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) } (النحل) .
وأول المتقين ، والمحسنين ، وسيدهم ، رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأين مكان من صبر لحكم ربّه ، وسبّح بحمده في قيامه وصلواته ، في ليله وسَحَرٍه ؟ إنه في رعاية الله ومعيّته ، قال تعالى : {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) } (الطور) .

9ـ وبالصبر النجاحُ والنصرُ والحفظُ ، قال تعالى واصفاً المنافقين وكرههم للمسلمين ، ومؤكداً نصره للمسلمين إن صبروا واتقوا :{ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) } (آل عمران) .
وسيكون النصر للرسول الكريم ، الذي حقق الصبر ، والتزم التقوى ، وهو أهل لها :
{ فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } (من الآية 49 هود) .
وماذا قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله ـ إن استشهدوا في سبيل الله ـ والحائزون على نصره إن صبروا { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } (من الآية 246 البقرة) .
ويأمر الله تعالى نبيه الكريم ، وصحبه الأبرار أن يصبروا في القتال ، فما بعد الصبر إلا الظفر : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) } (الأنفال) .

10ـ ومدَدُ الله تعالى للمؤمنين بصبرهم وتقواهم ، قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) } (آل عمران) .
وحين صبر المسلمون في معركة بدر ، واستغاثوا ربهم ، وسألوه العون والمدد ، لبّاهم ، وكان عند حسن ظنهم سبحانه جل شأنه ، قال تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) } (الأنفال) .

11ـ والمسلم الصابر ممدوح . . ومن الذي مدحه ؟ إنه الله تعالى ومَنْ مدحه الله تعالى رفعه ، قال تعالى : {

الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
(35) } (الحج) .
وقال تعالى يمدح الصابرين على ما أصابهم فيمن مدح : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (من الآية 177 البقرة) .
وقال تعالى يمدح الصابرين الذين قاتلوا مع أنبيائهم في سبيل الله ، وبذلوا كل ما في وسعهم ، ورفضوا الخنوع للعدو الكافر ، فقال سبحانه : { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) } (آل عمران) .
ومدح الله تعالى بعض أنبيائه لصبرهم ـ وكلهم صابرون ـ : {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) } (الأنبياء) .
ومدح أيوب عليه السلام بصبره على ما ابتلاه الله به : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (من الآية 44 ـ ص ) .

وقد يصير الصابر إلى مقامات عليّة بصبره ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين .





يقال : غفر له ذنبه : غطّى عليه وعفى عنه . وصفح عن ذنبه : أعرض عنه .
فالغفران أكثر تسامحاً وعفواً من الصفح ، وفي كلٍّ خيرٌ .
والقرآن الكريم يعلمنا الصفح والغفران ، وأن لا نحمل لأحد في قلوبنا ضغينة ، ولا في نفوسنا كشحاً ، فالدعاة إلى الله أسوتهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي ما كان يغضب لنفسه أبداً ، وكان أبشَّ الناس وجهاً ، لا يقابل الإساءة بالإساءة ، بل يقابلها بالعفو والغفران ما لم تكن في جنب الله سبحانه .
1ـ والله سبحانه وتعالى غفّار الذنوب وستار العيوب ، يعلمنا الغفران فيبدأ بنفسه ، وهو الذي لا يعجزه شيء ، لكنّه يحب أن يغفر لنا .
يقول لنا سبحانه : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(من الآية 53 الزمر) .
وأمرنا أن نغفر للناس ، ونتشبّه به سبحانه فقال : { وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (من الآية 14 التغابن) .
2ـ بل إنه سبحانه أمر ملائكته الكرام أن يستغفروا لنا ، وهذا من كرمه وفضله سبحانه ، فيقول : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (Cool} (غافر) .
ويقول سبحانه في استغفار الملائكة للمؤمنين أيضاً : {. . . . وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (من الآية 5 الشورى) .
وهذا يعقوب عليه السلام يعتذر إليه أبناؤه لخطئهم في حقه ، وحق يوسف عليه السلام ، فيقول : { . . . . سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (من الآيةـ98 يوسف) .

وهذا سيدنا أبو بكر الصدّيق حين يرى مِسطحاً نال من السيدة عائشة رضي الله عنها ، وكان يتصدق عليه ، فأقسم أن لا ينفعه بنافعة أبداً ، ولكنَّ الله سبحانه يعلمنا أن نعفو ونغفر ، فينزل آية يَأمره وغيره أن يعفوَ ويصفحَ ، فهذا أولى بالمسلم : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} (النور) . فقال الصدّيق : بلى يارب ؛ أحب أن تغفر لي .

وفي معركة أحد خالف الرماة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فأمره الله سبحانه أن يعفو عنهم ، ويستغفر لهم ، فهم بشر يخطئون ، والعفو عنهم يجمعهم على حب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والطاعة له ، وتصحيح أخطائهم { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ . . . . } (من الآية 159ـ آل عمران) .

والإنسان إذا عفا عن أخيه ، وصفح عنه ، أحبّه أخوه ، وعظم في عينه ، وكذلك أُمِرَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقبل بيعة النساء ، ويستغفر لهن إذا التزمن التوحيد ، وامتنعن عن السرقة والزنا ، وقتل الأولاد ـ حين تطرح المرأة جنينها أو تمنع نفسها فلا تحبل ـ ويمتنعن عن إلحاق لقيط برجل ليس أباه ، ويلزمن أنفسهن بطاعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال تعالى: { . . . . فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (من الآية 12ـ الممتحنة) .

وسيدنا يوسف عليه السلام ، كان إخوته سبب بلائه ، وبُعدِه عن والده مدة أربعين سنة ، فلما كشف نفسه لهم ، ورأوا مكانته السامية في مصر ، اعتذروا له طالبين الصفح والغفران ، فعفا عنهم وسأل الله تعالى المغفرة لهم { قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ(91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(92)} (يوسف) .

وما أجمل أن يدعو المسلم لأخيه بظهر الغيب ، ويسأل الله أن يغفر لهما ويجمعهما على ما يحب ويرضى . . إنه الدين الذي جمع قلوب العباد : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبة الرحمن
المشرفين
المشرفين
حبيبة الرحمن


عدد المساهمات : 1575
تاريخ التسجيل : 09/03/2012
الموقع : سجادتى

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم   سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالسبت مايو 12, 2012 12:15 pm

يقول الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا . . . . }(إبراهيم) .

هكذا تفعل الكلمة الطيبة في نفوس السامعين ، تدخل القلوب دون استئذان ، ويتبوأ صاحبها المكانة المقبولة في نفوسهم ، ويستمعون له ، ويحبونه ، أما الكلمة الخبيثة ، فعلى العكس من ذلك تنفـّر الناس من صاحبها ، ويجدونه ثقيلاً على أنفسهم ، ثقيلاً على قلوبهم .

فحين عاتب الله عزّ وجلّ نبيّه وحبيبه محمداً عليه الصلاة والسلام حين أذن للمنافقين أن لا يخرجوا معه في غزوة تبوك بدأه بكلمة يفيفة على النفس ، محببة لدى المخاطَب ، فقال سبحانه : { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)} (التوبة) فكان العفو قبل العتاب .

وحين عاتبه في أمر ابن أم مكتوم ، لم يخاطبه مباشرة بل حدّثه بضمير الغائب ، فقال :
{ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) }(عبس) ، ولم يقل عبستَ وتوليتَ أن جاءك الأعمى . . . فإذا كان رب العزّة يتحبب إلى خلقه ، ويتودد إليهم ـ وهو الودود الرحيم ـ أفلا ينبغي لنا أن نسلك هذا الطريق الذلول لنصل إلى قلوب الناس ؟ ، والمؤمن ألوف مألوف .

والله سبحانه رؤوف بعباده حريص على إيمانهم ، يتحبب إليهم برفقٍ قائلاً : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }(الزمر) .

ويقول : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ(56)}(العنكبوت) .

ويخاطب رسوله الكريم : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)}(الحجر) ، { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(من الآية 53 الإسراء) . وهل أروع من تحبب المولى إلى عباده؟!

ويخاطب موسى عليه السلام حين أمره أن يترك مصر إلى سيناء بالمؤمنين: { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)}(الدخان) . فتجيب إلينا بكلمة { عبادي } .

وهذا لقمان الحكيم الذي أكرمه الله سبحانه وتعالى بالهداية ، فشكره على نعمته ، فزاده منها ، يقول لولده متحبباً متقرباً ينصحه : { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }(من الآية 13 لقمان) ،
{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) ،
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)}(لقمان) .
فكرَّرَ كلمة { يا بُنَيَّ } وهي كلمة لطيفة أنيسةٌ تدخل القلوب وتستقرّ بها .

وحين يأمرنا الله تعالى ببرّ الوالدين ، يتلطف معنا ، فلا يستعمل صيغة الأمر كي لا يستثقله الإنسان فينفر منه ، بل يأتي بصيغة الماضي والتذكير بالفضل : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ . . . } (من الآية 14 لقمان) ،
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا . . . . }(من الآية 15 الأحقاف) .
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا . . . . }(من الآية 8 العنكبوت) .
وتراه سبحانه وتعالى كثيراً ما يستعيض عن الأمر بالوصية :
een]ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }(من الآية 151 الأنعام) ،
{ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(من الآية 152 الأنعام) ،
{ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }(من الآية 153 الأنعام) ] .

ـ هذا يوسف عليه السلام يخاطب أباه بأدب ولطف وتحبب ، فيستعمل كلمة { أَبَتِ } { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا . . . } (من الآية 4 يوسف) .
{ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ . . . } (من الآية 100 يوسف) .

ـ وإبراهيم الخليل يتلفظ بالكلمة نفسها لأبيه الكافر ، متقرباً إليه ، يدعوه إلى الإيمان ويتحبب مكرراً هذه الكلمة التي يعشقها الآباء ، ناصحاً وواعظاً :
{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ
أ ـ { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)}
ب ـ { يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)} .
جـ ـ { يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)} .
د ـ { يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)} (مريم) .

ـ وهذا ابنه إسماعيل الذبيح يخفف عن أبيه لواعجه ، ويساعده على الاستسلام لأمر الله ، وطاعته .
{ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }(من الآية 102 الصافات) .

وهذه البنت الواعية ، الموقّرة لأبيها تعرض عليه بأدب أن يستأجر موسى عليه السلام بالكلمة نفسها .
{ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }(من الآية 26 القصص) .

والأمثلة في هذا الباب كثيرة .

كما أن الأنبياء عليهم الصلوات والسلام جميعاً ، على الرغم من أذى أقوامهم لهم ، وسوء معاملتهم إياهم ، تجدهم حين يخاطبونهم ، يتوددون إليهم ويتقربون بقولهم : (( يا قوم )) ، وفي القرآن عشرات الأمثلة من هذا التودد منها :

أ ـ قول موسى عليه السلام : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ
فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ
(20)}(المائدة) .

ب ـ قول إبراهيم عليه السلام : { فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ }(من الآية 78 الأنعام) .

جـ ـ قول نوح عليه السلام : { فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } (من الآية 59 الأعراف) .

د ـ قول هود عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ } (من الآية 65 الأعراف) .

هـ ـ قول صالح عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ
} (من الآية 73 الأعراف) .

و ـ قول شعيب عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ
. . }(من الآية 26 الأعراف) .

ز ـ الرجل الصالح في سورة يس : { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا
الْمُرْسَلِينَ
(20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) }(يس) .

حتى إنَّ فرعون ذلك المتكبر المتغطرس ، حين أراد أن يتقرب إلى الغوغاء من شعبه ليضلهم { قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ }(من الآية 51 الزخرف} .

فحريٌّ بنا أن نكون من أتباع الأنبياء ، محبين لقومنا ، ندعوهم إلى العودة إلى الله سبحانه وتعالى بلطف وتحبب .

وهذا ربُّ العزة يمدح النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}(القلم) ، { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }(من الآية 159 آل عمران) .

ولنا فيه عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة ، وفي إخوانه عليهم الصلوات جميعاً .


يقول الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . . )) .
هذه دعوة إلى الخير ، ومساعدة الناس ، لما في المساعدة من إغاثة للملهوف ، وتخفيفٍ عن المكروب ، وعونٍ للمحتاج . وهي تدل على الأخوّة الصادقة في المجتمع الموحّد . وعلى التماسك القوي بين أفراده ، واللّحمة المتينة بين أنسجته ، فتزيد أواصره قوّةً ، وروابطه شدة .
والقرآن الكريم سرد لنا بعضاً من صور المساعدة الفردية ، والمساعدة الجماعية ، لتكون لنا قدوة ودافعاً إلى التكاتف والمحبة .

ـ فهذا سيدنا موسى عليه السلام يفرُّ هارباً من الظالمين الفراعنة ، ويسأل الله تعالى أن ينجيه منهم ، وينطلق متجهاً إلى الشام ، يرجو ربّه أن يهديه سواء السبيل ، فيصل آمناً إلى مدين ......{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24)}(القصص) .
فشهامته على الرغم من خوفه ، وغربته ، وجوعه ، أبت أن يرى فتاتين تنزويان عن الرجال ، منتظرتين أن ينتهوا من سقاية أغنامهم ومواشيهم ، فتسقيان . وتعجَّب أن لا يكون لهما راعٍ ، فسألهما ، فعرف أنهما ابنتان لرجل هرم ، لا يقوى على السرح بالماشية ورعيها ، وليس في الأسرة رجال ، وليس في المقدور استئجار الرعيان ، فاضطرتا إلى فعل ذلك ، فتقدّم موسى فسقى الماشية بهمة وقوة ونشاط قبل الرعاة ، ودفع بها إلى الفتاتين ، فعادتا مبكرتين على غير عادتهما ، فسألهما والدهما عن السبب ، فأخبرتاه بما جرى ، فاستدعاه وزوّجه إحداهما ، ليعمل عنده في رعي الغنم . . .

ـ وبذل المساعدة تتأثر بها النفوس ، والتصرف الحكيم يعدّل الموازين ، فتصفو القلوب ، وتأرز الأفئدة لصانع المعروف ، وتنقلب العداوة قرباً وصداقة ، والبغض محبة ووداداً . . قال تعالى :
أ ـ { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ
ب ـ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
جـ ـ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
د ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا
هـ ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)}(فصلت) .

فالحسنة فعل تستحسنه النفوس وترجوه ، وتأنس إليه وتعظم صاحبه ، والسيئة فعل تستقبحه وتنفر منه ، وتكرهه وصاحبَه ، فإذا العدوّ القالي يصبح صاحباً ، وحبيباً ، مما تقدم له من عون ، وصفح ، ووجه بشوش ، وابتسامة جذّابة .

ـ وهذا ذو القرنين ـ رضي الله عنه ـ مكّن الله له في الأرض ، شرقها وغربها ، فلم يتكبر ويتجبّر ، إنما كان مثالاً يُحتذى في البرّ والخير ، فلما فرغ من نشر الدعوة في الشرق والغرب ، انطلق إلى الشمال ، حيث الجبال الشاهقة ، حتى إذا وصل إلى منطقة بين حاجزين عظيمين ، بمنقطع بلاد الترك وجد قوماً متخلفين ، لا يكادون يعرفون لساناً غير لسانهم ، إلا بمشقة وعسر ، لبعدهم عن مخالطة غيرهم ، ولم يفهم كلامهم إلا بترجمان ، ولعل اعتداء قبيلتي يأجوج مأجوج الدائم وتجبرهم كان يخيف هؤلاء فلما رأوا ذا القرنين قادماً بجيشه العظيم حسبوه غازيا متجبراً كتلكما القبيلتين فانعقد لسان القوم من الخوف ابتداءً ، فلما اطمأنوا إليه أخبروه أن قبيلتي (( يأجوج ومأجوج )) قوم مفسدون ، بالقتل والسلب والنهب ، يخرجون في الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ، ولا يابساً إلا احتملوه ، وسألوه أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سداً يمنع غائلة المفسدين ، وأعلنوا أنهم سيتحملون التكلفة .
فلم يأخذ منهم شيئاً ، فالله تعالى بسط له القدرة والمال ، فما يحتاجهم إلا بالرجال العاملين ، وبنى لهم السدَّ الحصين العالي المتين من الحديد المصهور ، والنحاس المذاب ، الذي صبه عليه فصار جبلاً صلداً ملتصقاً بعضه ببعض ، فما استطاعوا نقبه لصلابته وثخانته ، ولا أن يعلوه ويتسوّروه لملاسته ونعومته ،قال تعالى: { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا(93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}(الكهف) . إن الأمان بسط ألسنتهم وحرك بالتفكير عقولهم .

ـ وهؤلاء الأنصار أهل المدينة المنوّرة من الأوس والخزرج ـ رضي الله عنهم ـ يحجون مكة ، ويؤمن العشرات منهم برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويبايعونه على نصرته ، ونصرة المؤمنين من أهل مكة وغيرهم ، إن أقبل إليهم . . وهكذا كان . . فانتقل الرسول الكريم وأصحابه إلى المدينة ، فاستقبلهم إخوانهم من أهلها إستقبالاً حسناً ، شهد به القرآن الكريم ومدحهم بذلك ، فقد آمنوا بالله ورسوله ، وأكرموا المسلمين المهاجرين فأسكنوهم ديارهم ، وقاسموهم أموالهم ، وفضّلوهم في الغنائم على أنفسهم دون شحّ ، ولم يجدوا في أنفسهم غيظاً وحسداً مما أخذوا فاشتدت الألفة بينهم ، والحب والأخوة ، فأسسوا مجتمعاً طيباً ، ينتشر عبقه على مدى الدهور وكرَّ العصور {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (الحشر) .

ـ وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بأداء زكاة أموالهم للمحتاجين من إخوانهم ، وجعل أداءها ركناً من أركان الإسلام ، فأفاد أموراً كثيرة منها :
1ـ بناء مجتمع متكامل متراحم ، تسوده مشاعر المحبّة والالفة .
2ـ مَحْوُ الضغائن من قلوب الفقراء نحو الأغنياء . . .
3ـ تقليص الهوّة بين أفراد المجتمع وطبقاتهم ، فلا يكون أغنياءُ مترفون ولا فقراءُ مُعْدَمون .

فأمر الله تعالى أن تدفع الزكاة في عديد من المصارف ، وحدّد الأهم فالأقل أهميّة لتحقّق وجود ذلك المجتمع المتجانس المتآلف { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(60)}(التوبة) .
وأمرنا أن نعطي الأقرب أولاً ـ فالأقربون أولى بالمعروف ـ ثم المسكين ، فهو عفيف اليد واللسان ، لا يسأل أحداً ، لكنَّ حياته ناطقة بمعاناته ، ثم ابن السبيل الذي انقطع عن بلده ولم يجد ما يبلّغه دياره ، قال تعالى : { فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } ثم أعقبه بقوله : {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}(الروم) .

وهذا الرجل الصالح معلم سيدنا موسى ، يساعد الناس بأمر من الله تعالى ، وبطريقة لا نعرفها ، فهو يخرق السفينة ، وأهلها لا يعرفون ، فحين تقع في يد الملك ، ويريد أخذها منهم يرى الخرق ، فتعافها نفسه ويتركها .
ويقتل الغلام ، لأن الله يعلم أن هذا الفتى إن عاش وصار رجلاً فسيرهق أبويه طغياناً وكفراً ، فيبدلهما الله خيراً منه فتاة تصير زوجة نبي من أنبياء الله ،
ثم يبني الجدار في القرية على الرغم من امتناع أهلها أن يَقْروهما لأن صاحبي هذا الجدار ما يزالان طفلين ، وقد ينهدم الجدار وتحته كنز لهما ، فيضيع هذا الكنز بأيدي الجشعين . ويبقى الجدار ويظل الكنز خبيئاً تحته ، حتى يكبرا ، ويشتد عودهما ، وينتفعا بالمال . . سبحان الله . . . (عد الى القصة في سورة الكهف)

إن المسلم يبذل ما في جهده لمساعدة إخوانه في بقاع الأرض كلها ليحقق معنى الأخوّة الإسلامية .





النصيحة ، الوعظ بودٍّ وإخلاص .. والحضُّ : الحمل على الشيء والإغراء به ، والحث عليه

والقرآن الكريم حرص على النصيحة ، فهي أسلوب يدفع إلى فعل الخير ، وركوب الطريق الصحيح ، فعلاً كان أم تفكيراً ، بطريقة تدع المنصوح راغباً دون شعور بالمساءة .
وللنصيحة والحضّ عليها أساليب عدة ، سلكها القرآن ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

1ـ الشرط : قال تعالى : وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }(البقرة) ، وقال سبحانه : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(134)} (النساء) .
فالقرآن في هاتين الآيتين الكريمتين ينبه إلى أن النفس العظيمة تطلب الشيء النفيس الباقي ، وذلك باللجوء إلى الله تعالى وحده سبحانه ، والإيمان به ، وطلب الدار الآخرة .
ونرى موسى عليه السلام ، ينصح قومه بالتوكل على الله : { إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ }(من الآية 84 يونس) ،
وعلى هذا الأساس نرى الله سبحانه وتعالى يحضّ نبيه الكريم ، على التوكل على الله ، والاكتفاء به حسيباً : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} (التوبة ) .
وأسلوب الشرط في إسداء النصيحة والحضّ على الخير كثير في القرآن الكريم .

2ـ لولا التحضيضيّة : { فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ }(من الآية 16 هود) .
فهلاّ . . . ولكنْ كان أولئك بعيدين عن التعقل والفهم ، ولم يكن منهم أول ألباب وعقول .
. . . وفي حديث الإفك ، حضّ على التفكير للوصول إلى معرفة الحقيقة : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)} (النور) .
وحضهم على التزام شرع الله في الوصول إلى الحق ،
وعودة إلى أول السورة نجد أنه ينبغي المجيء بأربعة شهداء لإثبات زنا المرأة : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) }(النور) .

3ـ النداء والأمر والنهي : وقد تجتمع في كثير من الآيات ، بل في أكثرها . . ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}(البقرة) .
فاليهود يقصدون من كلمة " راعنا " المسبّة ، والشتيمة ، كما أنها قد توهم الجفاء ، أو التنقيص في مقام يقتضي إظهار المودّة والتعظيم .
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)}(الأنفال) .
وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(21)}(الأنفال) .
4ـ ويجتمع النداء والنهي في القرآن كثيراً : ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }(من الآية 11 الحجرات) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ . . . }(من الآية 264 البقرة) .

5ـ ويجتمع النداء والأمر أيضاً : ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}(البقرة) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ . .}(من الآية 6 التحريم} .

6ـ ونرى المقارنة والاستفهام مجتمعَيْن : كقوله تعالى : { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(24)}(هود) ، وكأنه سبحانه يقول لأهل العقول : تذكروا وعوا . . .
ومنها الاستفهام بـ (( هل )) كقوله تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}(هود) .
ومنها الاستفهام بـ (( مَنْ )) كقوله تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً . . . . }(من الآية 245 البقرة) .
ومنها الاستفهام بـ (( الهمزة )) كقوله تعالى : { أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)}(المائدة) .

7ـ وقد نجد الأمر وحده : كقوله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) }(البقرة) .

8ـ وقد نرى النهي والأمر معاً : كقوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)}(النساء) .

9ـ الإخبار: في قصة السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت نجد الأفكار التالية التي يسمعها الرجل العاقل اللبيب فيمتنع أن يكون مثل أصحابها :
أ ـ نبذ فريق من الذين أوتوا كتاب الله وراء ظهورهم .
ب ـ جاءهم الحق ، فتناسوه كأنهم لا يعلمون .
جـ ـ اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان .
د ـ لم يكفر سليمان ، والشياطين كفروا .
هـ ـ المتعامل بالسحر ما له في الآخرة من خلاق .
فكان هذا الإخبار نصيحة وحضاً على التزام الطريق الصحيح .
قال تعالى : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) }(البقرة) .
وكذلك الإخبار في قوله تعالى : (( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) ))(آل عمران) .

10ـ الوصية : وهي أسلوب رفيع في النصيحة والحضّ عليها .
وقد ذكرت في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرة في صيغ عديدة فيها الأدب العالي والأخلاق الرفيعة . . فمن أمثلتها :
أ ـ ما وصى به الأنبياء أولادهم في التزام التوحيد . . قال تعالى : {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)}(البقرة) .

ب ـ ما وصّى به الله تعالى أولي العزم من الرسل حين شرع لهم ، قال تعالى: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ . . . }(من الآية 13 الشورى) .

جـ ـ وفي ثلاث آيات من سورة الأنعام نجد وصايا متتالية ، مصابيحَ هداية تنير للسالكين دروب الهداية ، وسبل النجاة ، قال تعالى :
{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} .
6ـ { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) } .
10ـ { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
(153)} (الأنعام) .

وأساليب النصح في القرأن الكريم كثيرة ، كثيرة . . . بحسب اللبيب أن يراجع الآيات الكريمة بتفحص وإمعان ، ليجد فيها ما يساعده على الوصول إلى قلب السامع والمخاطب . . .


لماذا يستشير أحدنا غيره ، وهل من فائدة في المشورة ؟ .
إذا استشرت فقد طلبت النصح ، لتصل إلى وجه الصواب ، وتستنير برأي الآخرين .
ففي الاستشارة ـ إذاً ـ فوائد كثيرة منها :

1ـ الاستنصاح للوصول إلى الوجه الأكثر كمالاً .
2ـ عدم الانفراد بالرأي ، فالانفراد يعدُّ خطلاً وضعفاً .
3ـ تحميل الآخرين مسؤولية اتخاذ القرار ، والمشاركة فيه .
4ـ بناء مجتمع متماسك ، يشعر كل واحد فيه أنه لبنة مفيدة .

والشورى ركن مهم من أركان المجتمع الإسلامي ، حضّ عليه ديننا العظيم ، فقال تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }(من الآية 38 الشورى) فلا ينفرد في القرار أحد ، ويتعاون الجميع على إنضاجه وإبرامه ، ليكون أكثر إحكاماً وسداداً .

ـ وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة المشورة لأصحابه ، في أمور الحياة سلمِها وحربها وقد مدح الله تعالى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، باللطف في معاملة أصحابه ، فالتفّوا حوله واجتمعوا عليه ، على الرغم من أخطاء الكثيرين منهم ، ولو لم يكن كذلك لتركوه ونفروا منه ، وقد أمره الله سبحانه ـ والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوتنا ـ أن يعفو عنهم ويتجاوز عن إساءاتهم ، ويطلب لهم المغفرة من الله تعالى ، ويستشيرهم في جميع أموره ، ليقتدي بفعله الناس { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}(آل عمران) .

ـ وكان التشاور ـ وما يزال ـ من شيم المجتمع الإسلامي حتى في الأمور العادية ، فإن طلق رجل امرأته ، وله منها ولد ترضعه ، فاتفقا ـ ليذهب كل واحد في سبيله فتتزوج هذه المطلقة ـ على فطامه قبل انقضاء الحولين، ورأيا في ذلك مصلحة للولد بعد التشاور لم يكونا آثمين { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا }(من الآية 233 البقرة) (الفصال:الفطام).
فهذا مثال وإن كان مهماً فهو بالنسبة إلى غيره من الأمور يعتبر عادياً ، ومع ذلك فقد استحسن فيه التشاور ، فما خاب من استشار .

ـ والمشورة ترتفع بالمستوى الإنساني إلى درجة عالية ، لا ينفرد بها المسلمون فقط ، إنما هي سمة عامة بالمجتمع الذي يريد أفراده الحياة الطيبة ، والوصول إلى المكانة اللائقة ، والطريق الصحيح الموصل إلى الغاية الصحيحة .
فهذه ملكة سبأ ، يأتيها من سليمان عليه السلام ، كتاب يلقيه عليها الهدهد ، ففتحه فإذا أوله بسم الله الرحمن الرحيم ، ومضمونه دعوة إلى توحيد الله والانقياد لأمره وطرح التكبر ، والسفر إلى الشام مع وجهاء قومها مسلمين طائعين موحدين فجمعت كبار قومها وأهل الرأي والمشورة قائلة : { يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُاْ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ }(من الآية 32 النمل).
فبغير حضورهم ومشورتهم لا تقطع بأمر ، ولا تقضي بتصرف وعمل .
قال القرطبي : ( أخذَتْ في حسن الأدب مع قومها ، ومشاورتهم في أمرها في كل ما يعرض لها ، فراجعها الملأ بما يُقر عينها ، فأعلموها بقوتهم وبأسهم ، ثم سلموا الأمر بعد المشورة إليها ، وهذه محاورة حسنة من الجميع ) .
قال الحسن البصري : ( فوضوا أمرهم إلى امرأة ـ نعم إلى امرأة ـ فلما قالوا لها ما قالوا كانت هي أحزم منهم رأياً وعلماً ، فقالت : { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(34)}(النمل) وهكذا فعلت ثم رأت الحقَّ أحقَّ أن يُتبع ، فذهبت إليه ، وآمنت به ، وتزوجته ، فكانت من الناجين في الدنيا والآخرة ، وكانت فألاً حسناً لقومها ، وهادية لهم إلى الإيمان بحسن عملها .

ـ وفعل فرعون ما فعلت ملكة سبأ من المشورة ، لكنّه بجبروته وتكبّره حاد عن الطريق وسقط في الحضيض .
فحين جاء موسى وهارون يدعوانه وقومَه وبني إسرائيل إلى الإيمان بالله ، جادلهما فرعون ، وحاول إرهابهما وتخويفهما ، فردّ عليه موسى ردّاً عقلانياً يدلُّ على الإيمان العميق بالرسالة التي كُلّف بها ، وقارعه الحجةَ بالحجة . فلما أفلس هدّدَه بالاعتقال والسجن . . فما كان من موسى إلا أن أظهر آيتيه اللتين زوّده الله تعالى بهما ـ إلقاء العصا ، فتنقلب حيّة تسعى ، وإدخال اليد في فتحة القميص وإخراجها بيضاء تلمع وتضيء ـ ، فلما رأى فرعون هاتين الآيتين بُهِتَ أول الأمر ، ثم استعان بالأعوان ، لا ليدلّوه على الطريق الصحيح ، والدين القويم ، إنما ليعينوه بمكرهم ، ودهائهم على التصدي لهذا النبي الذي يملك سلاحاً قوياً كاد يعصف بفرعون وعرشه ، فلم يقل ما قالته ملكة سبأ : { أَفْتُونِي فِي أَمْرِي } ، طالبة النصح والرشاد بل أعلن كفره بموسى ابتداءً ، فحرّض هؤلاء عليه حين قال : { قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)}(الشعراء) ، فكان كما أراد فرعون ، فقد فهموا أنّه لا يريد نصيحة حين أوهم أنه يستشيرهم ، وعرفوا مرماه ، وكانوا كما قال تعالى ذامّاً إياهم : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)}(الزخرف) ، فقالوا له ما وافقه وأرضاه وزاد في طغيانه وضلاله { قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)}(الشعراء) .
وكانت النتيجة أن الله سبحانه وتعالى أغرقه وجنوده في اليم ، جزاءً وفاقاً على كفره وطغيانه وفساده { وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)}(الذاريات) ، فآمن ساعة لا ينفع الإيمان ، آمن وهو يغرق { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}(يونس) فكان من الهالكين . . .

ـ وهذان سيّدانا إبراهيم وإسماعيل يضربان المثل الأعلى ، في الاستشارة وإن لم تكن استشارة حقيقية . . . فكيف ؟ .
لما ترعرع إسماعيل وشبَّ وبلغ السنّ الذي يمكنه أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه قال له حين أُمر في المنام بذبحه : { يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى }(من الآية 102 الصافات) .
ورؤيا الأنبياء وحيٌ فعيونهم تنام ، ولا تنام قلوبهم ، فلما سأل إبراهيم ابنه : ما رأيك في الذي رأيت ، لم يكن يشاوره ليرجع إلى رأيه فهذا أمرٌ حتمٌ من الله وما سأله إلا ليعلم ما عنده ، فيثبت قلبه ، ويوطن نفسه على الصبر ، فأجابه ابنه بأحسن جواب : { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }(من الآية 102 الصافات) . وهذا جواب أولي الحلم والصبر والامتثال إلى أمر الله والرضا بقضاء الله . .

جعلنا الله تعالى من أهل هؤلاء الكرام لتفوز برضا الله سبحانه وننجو من عذابه ، بل قل : لنكون من أهل الله .



يستطيع الإنسان أن يأخذ باللطف ما لا يستطيع أخذه بالعنفوان . وبالكلمة الطيبة ، والابتسامة اللطيفة ، يصل الإنسان إلى مأربه .

والله سبحانه وتعالى خلق سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام ليناً هيناً مع الناس ليكون نموذجاً حسناً حياً للدعاة ، ولو كان عصبياً سريع الغضب ما ألفوه وتبعوه { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ . . . }(من الآية 159 آل عمران) .

وأمره سبحانه أن يقبل من الناس ما عفا وتيسَّر من أخلاقهم ، وأن يحضَّ على فعل ما هو حسن ، وأن يتناسى جفاء الجاهلين ذوي القلوب القاسية { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}(الأعراف) .

بل إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يستغفر للمنافقين ، وظلَّ على هذا إلى أن نهاه ربه عن ذلك ، حين قال سبحانه : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}(التوبة) .

وأمره سبحانه وتعالى أن يتلطف في الدعوة إلى الله سبحانه : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(من الآية 125 النحل) . فالإنسان عقل وكتلة مشاعر ، يحسن بالداعية أن يراعيها ويدخل إلى أصحابها من الباب المفتوح والطريق السهلة .

ـ وحين شعر إخوة يوسف بضعف موقفهم ، حين استُخْرِجَتِ السقايةُ من رحل أخيه وأخذه ـ ظاهرياً ـ رقيقاً بشرع يعقوب ، فالسارق يُستعبد ، جاءوه بطرف منكسر ، ولطف حزين ، فقالوا يستعطفونه ويتزلفون إليه : {. . . يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}(يوسف) .
وما عكموا حين رأوا أباهم عمي من شدة حزنه على يوسف من قبل ، وبنيامين من بعد ، إلا أن أعادوا الكرة ودخلوا على يوسف مستعطفين بما وصلت إليه حال أبيهم وبفقرهم { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)} (يوسف) .
وحين سقط في أيديهم وانكشفوا أمام أبيهم ، وكانوا قد انكشفوا أمام أخيهم ، فسامحهم ، قالوا لأبيهم معتذرين : {. . . . يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ(97)}(يوسف) .
فنسي الأب أو تناسى إساءتهم - والأب عطوف رحيم بأبنائه - سامحهم فوراً فـ {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)}(يوسف) .

ـ وهذا سيدنا موسى يقابل الرجل الصالح ، الذي آتاه الله تعالى رحمة من عنده ، وعلّمه من لدنه علماً . فيسأله أن يرافقه ليتعلّم منه ما علمه الله ، فيشترط عليه الرجل الصالح أن لا يسأله عن شيء حتى يخبره هو به ، فلما ركبا في السفينة وخرقها أنكر عليه موسى فعلته ، إذ كيف يبادي خيرهم بشرٍّ ؟ !! ، فذكّره الرجل الصالح بما اشترط فقال موسى معتذراً : { ..لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)}(الكهف) ، فالاعتذار تعبير عما في النفس من شعور بالذنب ، والكريم يغفر للكريم .

ـ ودخل رجل على الخليفة هارون الرشيد ينصحه ، ويذكره بالآخرة ، فكان في نصحه عنفٌ ، فقال له هارون : لقد أرسل الله تعالى موسى وهارون ـ وهما خير منك ـ إلى فرعون ، وهو شرٌّ مني ، فقال لهما : {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44)} (طه) فخجل الرجل من هارون الرشيد وانقلب الواعظ موعوظاً ، والموعوظ واعظاً . . فالقول الهين اللين يفعل الكثير ويفتح مغاليق القلوب .

ـ وحين عاد موسى إلى قومه بعد أن كلّمه ربـُّه تعالى وجد بعضهم يعبدون العجل من دون الله ، ولم يستطع هارون أن يثنيهم ، فلم يكن قوياً ذا بأس كموسى فالتفت موسى إلى أخيه غاضباً ممسكاً بلحيته ورأسه و { قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)}(طه) فناداه : { يا ابن أم } متلطفاً معتذراً ، فسكت عنه غضب موسى ، ثم حرّق العجل ونسفه نسفاً .

ـ وهذه بلقيس زوجة سليمان عليه السلام يأتيها الهدهد برسالة منه يأمرها أن تسلم وتأتيه خاضعة ، فاستشارت أهل الرأي وأصحاب الحلّ والعقد من أهل مملكتها ، فقالوا لها : نحن أقوياء ، وأولو بأس شديد ، ونحن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبة الرحمن
المشرفين
المشرفين
حبيبة الرحمن


عدد المساهمات : 1575
تاريخ التسجيل : 09/03/2012
الموقع : سجادتى

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم   سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالسبت مايو 12, 2012 12:17 pm


عتب عليه وعاتبه : لامه وخاطبه مخاطبة الإدلال ، طالباً حُسْن مراجعته ، ومذكّراً إياه بما كرهه منه .
ويقال : يُعاتَب مَنْ تـُرجَى عنده العتبى : مَنْ يرجى عنده الرجوع عن الذنب والإساءة . والعتاب الذي عوتب به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم يدل دلالة قاطعة ـ من ضمن الدلائل الأخرى ـ على أن هذا الكتاب العظيم من عند الله سبحانه وتعالى ـ { لمن كان له قلب أوألقى السمع وهو شهيد }( من الأية 37 ق )ـ وإلا فكيف يعاتب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا كان القرآن ـ كما يدّعي السفهاء ـ من عند رسول الله ؟! .

والعتاب أسلوب من أساليب التربية فيه :

1ـ إظهار عدم الرضا من تصرف ، كان غيره أولى أن يُتصرَّف به .
2ـ فيه مسحة كبيرة من حب واحترام صادرةٌ ممن عاتب .
3ـ فيه استمرار للعلاقة بين مَنْ عاتب ومن عوتب .
4ـ فيه رغبة في تصحيح الخطأ دون جرح مشاعر المعاتَب .

وسأقدّم إن شاء الله صوراً من عتاب الله تعالى نبيّه الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم صوراً من عتاب الله سبحانه المؤمنين الصالحين :

1ـ فقد قال الله سبحانه وتعالى معاتباً نبيّه الكريم متلطفاً في عتابه :
{ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ(43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)}(التوبة) .
ففي غزوة تبوك استثقل المنافقون الخروج مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبعد الشُقّة ، فقال أناس منهم : استأذنوا رسول الله فإن أذن لكم فاقعدوا ، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا . . فقد كانوا مصرّين على القعود عن الغزو ، وإن لم يؤذن لهم . . . وقدّم الله تعالى العفو على العتاب إكراماً لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلاً : عفا الله عنك ، ثم قال : هلا تركتهم حتى يظهر لك الصادقُ منهم في عذره من الكاذب المنافق ، ولم أذنت لهؤلاء المنافقين في التخلف عن الخروج لمجرّد الاعتذار ؟ .
ثم أكد الله سبحانه وتعالى أن الذي يستأذن كراهية الجهاد في سبيل الله ليس مؤمناً بالله واليوم الآخر ، فالمؤمن يجود بالنفس والنفيس في سبيل الله ، مخلص في إيمانه مُتقٍ للرحمن .

ـ ويقول الله سبحانه وتعالى في قصة أسرى بدر حين اختلفت آراء المسلمين في مصيرهم ، فقال بعضهم نقتلهم ، وكان منهم الفاروق عمر ـ رضي الله عنه ـ حتى يعلم المشركون أنْ لا هوادة مع الكافرين الذين يحادون الله ورسوله ، وقال بعض المسلمين ـ ومنهم الصديق رضي الله عنه ـ بل نـُبقي عليهم فيفتدون أنفسهم ، ولعلّ الله يهديهم إلى الدين القويم ، ويخرج من أصلابهم من يجاهد في سبيل الله .
وكان الرسول الكريم الرحيم بالناس مع الفريق الثاني ، ثم نزلت الآيات تعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم لإبقائه على الأسرى : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) }(الأنفال) ، فلا ينبغي للنبي أن يأخذ الفداء من الأسرى إلا بعد أن يكثر القتل في المشركين ، ويبالغ فيهم ، فالفداء حطام الدنيا الزائل ، والله يريد لنا العز الباقي ، ثواب الآخرة . ولولا أن الله تعالى كتب على نفسه أن لا يأخذ المجتهد في خطئه لمسَّ المسلمين عذابٌ أليم .
وروي أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله صلى الله علبه وسلم : ( لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر ) .
ويقول الله تعالى مؤكداً ما سبق المعنى نفسَه في سورة القتال : { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا . .}((من الآية 4(محمد/القتال)) .

ـ جاء عبد الله بن أم مكتوم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشغول مع جماعة من كبراء قريش يدعوهم إلى الإسلام ، فعبس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجهُهُ وأعرض عنه فنزل القرآن الكريم بالعتاب : { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (Cool وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) . . . }(عبس) .
وجاء الحديث بلغة الغائب تلطفاً برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن الأعمى ـ ابن أم مكتوم ـ حين جاءه وهو يحاور المشركين كره الرسول مجيئه حتى لا يقطع حديثاً كان يظن أن المشركين ـ من ورائه ـ يمكن أن يؤمنوا .
وابن أم مكتوم كان يريد أن يتعلم ، ويتطهر من ذنوبه بما يتلقّاه من موعظة الرسول الكريم . ولعله يريد أن يتعظ بما يسمع فكان الأولى أن يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه ويهتم به ، أما الكفار فهؤلاء لا يريدون الإيمان والتطهر من دنس الكفر والعصيان ، وليس الرسول صلى الله عليه وسلم مطالباً بهدايتهم إنما عليه البلاغ فقط .

2ـ وفي حديث الإفك يعاتب الله سبحانه وتعالى المؤمنين ، حين سمعوا هذا الافتراء على الصدّيقة عائشة زوجة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم ينفوا هذه التهمة ـ وكان أولى بهم أن يظنوا الخير فيها ـ وهي المرأة الحصان الطاهرة زوجة نبيهم ، وهلاّ قاسوا الأمر عليهم ؟ فهل يفعل الرجل المسلم ما ظنوه في أخيهم صفوان بن المعطل ؟! وهل تفعل المرأة المسلمة ما ظنوه في أمهم عائشة ؟!! .
والله تعالى أمرهم أن لا ينشروا أمثال هذه الافتراءات ، بل عليهم أن يسألوا المفترين الطاعنين عن أربعة شهداء ، يشهدون أنهم رأوا رأي العين ما افترَوه على السيدة عائشة ، وإلا فهم كاذبون ، والله تعالى يشهد على كذبهم ، قال تعالى :
{ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)}(النور) .

وأترك للأخ القارىء أن يعود للآيات التي تلي الآيتين السابقتين ، ليرى ذلك العتاب الذي ساقه الله تعالى مرشداً وهادياً المسلمين أن لا يتأثروا بالشائعات ، وأن يتحكموا بعاطفتهم وأن يحكّموا عقولهم قبل أن يُصدِروا آراءهم وينغمسوا فيما أراد المنافقون لهم من سوء .

ـ وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر يخطب يوم الجمعة ، فأقبلت عير من الشام بطعام قدم بها ( دحية الكلبي ) وكان أصاب أهلَ المدينة جوعٌ وغلاء سِعْر ـ وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والصياح سروراً بها ـ فلما دخلت العير كذلكَّ انفضَّ أهل المسجد إليها ، وتركوا رسول الله قائماً على المنبر ، لم يبقَ معه سوى اثني عشر رجلاً ، فنزلت الآية تدل على أن ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ، فليطلبوا الرزق من الله وليبتغوا مرضاته :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا
قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(11)}(الجمعة) .
فكانت هذه الآيات عتاباً مرشداً ، وتأنيباً خفيفاً مناسباً ، يعلّم المسلمين ملازمة الخير الأبدي والفضل الدائم .

ـ نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى. . . لما تطاول عليهم الزمن بدّلوا كتاب الله الذي بين أيديهم ، ونبذوه وراء ظهورهم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، فعند ذلك قست قلوبهم ، فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد ، فعاتبهم قائلاً : أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم وتلين لمواعظ الله ، ولما نزل به الكتاب من الآيات الواضحة ؟ . . . { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)}(الحديد) .
فقال المؤمنون الصادقون : (( لقد آنَ لنا يا رب لقد آنَ )) .

والعتاب من المحب للمحبوب يفتح القلوب للخير ، والأفئدة للصواب والعقول للحق ، دون استثارة أو حنق .


ما أبلغ القول : (( رحم الله امرأ عرف حدّه ، فوقف عنده )) .
هذا دعاء لإنسان حفظ نفسه ، وُجودَه وغيبته ، وامتنع عن الخوض في أمر لا يخصه ، فاستراح من تجريح الناس وانتقاداتهم ، سلبيّة كانت أم إيجابيّة ، ولم يترك لهم مجالاً ينفذون منه إليه . وقد قيل قديماً : ( من تدخّل فيما لا يعنيه وجد ما لا يرضيه ) .
ولكننا هنا ـ أيضاً ـ نلفت النظر إلى آداب إسلامية ، وقيم إيمانيّة هي :

1ـ أن يفكر الإنسان فيما حوله ، ويتدبّر ما يراه دون أن يقحم نفسه في أمور لم تطلب منه ، ولا تعود بالنفع على مجتمعه .
2ـ أن ينأى بنفسه عن المواقف المحرجة ، فإن كان لا بد فاعلاً كأنْ يناط به مهمّة ما ، فليتدخل بمقدار ما تسمح له الحاجة ، على أن يتسلح بالأسباب ، ويقدّم الأعذار التي توضح موقفه .
3ـ أن يوطن نفسه على ردود فعل قد تناله بما لا يسرّه ، فيتحمَّلُها بصبر ويستوعبها بحكمة ، ويمتصها بوعي ، ثم يوجهها الوجهة المناسبة ، أو يتغاضى عنها كأْنْ لم تكنْ ، فهو إذ ذاك يمتلك الموقف مبرئاً نفسه أو موضحاً موقفه .

وباب هذا الأسلوب القرآني التعليمي قوله تعالى : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}(الإسراء) .
وقوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ }(من الآية 101 المائدة) فكل شيء يأتي في الوقت المناسب للأمر المناسب .
ولا ينبغي أن نفرض رأينا فيما لا نعرفه فهؤلاء المشركون استنكروا أن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً واقترحوا أحد هذين الرجلين (( الوليد بن المغيرة )) في مكة ، أو (( عروة بن مسعود الثقفي )) في الطائف رسولاً إليهم من ربهم فهما من كبار عظماء مكة والطائف ، ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقير يتيم ، ظناً منهم أن العظيم ذو الجاه والمال ، وفاتهم أن العظيم عند الله له مقاييس العظمة التي تؤهله لرضى الله سبحانه وتعالى من سموٍّ الروح ، وعظمة النفس ، وامتلاك نواصي الخير ، وليس لأحد أن يقترح الرجل الذي يريده ،قال تعالى :
{ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)}(الزخرف) .
وليس لأحد حتى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزيد فيما كلّف به أو يتقوّل ما لم يؤمر به { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)(الحاقة) .
ولم يدّع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يفعل ما يشاء ، أو يعلم الغيب فله حدود لا يتخطاها { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ }(من الآية 50 الأنعام) ،
{ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)}(ص) .
ولما كذّبوا بما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَوعدهم العذابَ ، فتحدَّوْه قائلين قل لربك يرسل علينا عذابه ، فكان جواب القرآن الكريم : { قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}(الأنعام) .
فليس لرسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ أن يحاسبهم ، أو يستعجل لهم العذاب ، أو ينأى عنهم ويهجرهم ، فهو مرسل يفعل ما يؤمر ، وينفذ أوامر ربه ، قال تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ . . }(من الآية 128 آل عمران) ، وقال سبحانه : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّاالْبَلَاغُ }(من الآية 48 الشورى) ، وقال سبحانه منبهاً رسوله أنه منذر ومبلغ فقط : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)}(الأحقاف) .
وما دور الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا الإنذار فهو مرسل فقط لا يستطيع أن يفرض على الناس الإيمان ، فهو هبة من الله سبحانه وتعالى للناس ، قال تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)}(الغاشية) ،
وقال سبحانه : { قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)}(الجن) ،
وقال سبحانه : { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ }(من الآية 6 الشورى) ،
وقال تعالى: (( إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)}(فاطر) .
وحين رأى المشركون أن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين آمنوا به ، من ضعفاء مكة وعبيدها قالوا له : اطردهم من مجلسك لنأتيك ، فنحن لا نجلس مع هؤلاء !! فما كان من القرآن الكريم إلا أن أعلن عكس ما يريدون فقال سبحانه :
{ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
أ ـ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
ب ـ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ
جـ ـ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)} (الأنعام) .
بل إنه سبحانه عظّم هؤلاء المؤمنين وأمر رسوله الكريم أن يتباسط لهم ، ويكرمهم فقال :
{ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ . . .}(من الآية 54 الأنعام) .
وأمر الله رسوله ـ وهو قدوتنا وعلينا أن نفعل مثلما يفعل لنكون قريبين منه ـ أن لا ينظر إلى متاع الدنيا وان لا يتمنّاه فهو فتنة فقال : (( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)}(طه) .
وهؤلاء الناس تجادلوا في عدد أهل الكهف ، وما يُجدي معرفة عددهم ؟ وهل ترفع هذه المعرفة صاحبها ؟ لا . . . ما هو إلا مراء لا غنىّ فيه ((سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}(الكهف) .
ولعلَّ من الإعظام لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أن ننوّه إلى أنه عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على إيمان الجميع ، خوفاً عليهم من نار جهنّم وراغباً أن يكونوا من أهل الجنّة فهو رؤوف بالمسلمين ، رحيم بهم { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}(التوبة) .
فتراه يهتم إن رآهم معرضين ، حزيناً كاسف البال ، فينبه الله سبحانه بلطف إلى أنه لن يؤمن إلا القليل ، فلا يهلك نفسه حزناً عليهم ، ولا يتحسر عليهم { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}(الكهف) ، { فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ }(من الآية 8 فاطر) .

وأعظِم بهذا الرسول الحبيب ،
اللهم شفـّعه فينا واحشرنا تحت لوائه اللهم آمين .


قولون : إذا ذاع السر بين اثنين فقد فشا .
ويقولون : إذا لم تستطع حفظ سرك في صدرك ، فلا تلومنَّ على بثّه أحداً .
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول :
(( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان )) .
ولحفظ السر فوائد عديدة منها :

1ـ أن عدوّك لا يعرف ما نويته أو خططت له ، فهو منك دائماً على حذر .
2ـ أن أمرك يظل في يديك ما دمت تحفظ سرك فإن ذاع انكشفت .
3ـ أن أصدقاءك يأتمنونك على أسرارهم فأنت ثقة عندهم .

وفي القرآن الكريم عدة مواضع فها أمر بالكتمان ليظل الموقف سليماً مستوراً .
فقد رأى يوسف في المنام رؤيا قصها على أبيه يعقوب . . فما هي ؟ {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}(يوسف) ، فعلم الأب أن يوسف سيكون نبياً ، يبلّغه الله مبلغ الحكمة ، ويجعله ممن اصطفاهم ، ويعلمه تفسير الأحلام ، وأن إخوته حين يعلمون أنه سيكون نبياً من دونهم سيحتالون لإهلاكه حسداً وغيرةً منه فـ { قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) }(يوسف).
وقد دعته امرأة العزيز وراودته عن نفسه فأبى ، فحاولت أن تكيد له فادّعت أنه هو الذي راودها ، فبرّأه من كيدها إن كان قميصه قُدَّ من دبر ، وأنّ واحداً من أهلها شهد ببراءته ، وأن النساء قطَّعْنَ أيديهن دهشة لجماله ، وما عُدْنَ يصبرن عن لقائه ، فقال العزيز : نسجنه كتماناً للقصّة أن تشيع في العامة { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) }(يوسف) .
وتمر الأيام وتنقضي السنون ، ويصير يوسف عليه السلام الوزير المؤتمن على خزائن الأرض ، ويأتيه الناس من أصقاع الأرض للميرة ، ومن بينهم إخوته أولادُ أبيه الذين أرادوا إهلاكه ، فأكرمهم ، لكنّه أخبرهم أنه لن يميرهم في المرة القادمة إلا ومعهم أخوهم بنيامين ، وهو أخوه الشقيق ، واستعجالاً لعودتهم جعل ثمن البضاعة داخلها ، وكأنّه نسيها معهم فاضطروا للعودة ومعهم بنيامين بعد أن أخذ منهم أبوهم العهد أن يحافظوا عليه فلا يغدروا به . . { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)}(يوسف) فاستكتمه ، ذلك أنه أراد أن يعلّم إخوته أنهم أخطأوا في حقه .
وقد أحسن يوسف إذ وصّى أخاه أن يكتم سرّهما ، فما علموا أن أخاهم سرق حتى افتروا على يوسف قائلين : { إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.. }(يوسف من الآية 77) فهل أظهر يوسف لهم حقيقته يوبخهم ويعريهم بكذبهم هذا ؟ لا فما تزال القصة في أولها { ...فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ }( يوسف من الآية 77 ) وهذا يدل على فكر سديد وحكمة بالغة وصبر على المكاره .

ـ وهؤلاء أصحاب الكهف الذين فروا بدينهم إلى الله ينامون فيه ثلاث مئة وتسع سنوات ، وحين يأذن الله بيقظتهم يشعرون بالجوع ويقولون بعضهم لبعض : { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)}(الكهف) .
إذاً فللسرية والكتمان :
1ـ يرسلون واحداً فقط لشراء الطعام .
2ـ ويتلطف في دخول المدينة .
3ـ ويتصرف بهدوء وحكمة حتى لا يتعرف عليه أحد .
وهكذا نجدهم حذرين ، راغبين أن لا يعرفهم أحد فيوصِل خبَرَهم إلى الملك الكافر المتجبر .

ـ وحين وُلِد موسى خافت عليه أمه أن يقتله فرعون فأوحى الله تعالى إليهما أن ترضعه وتلقيه في اليم ، وهو سبحانه المتكفل بإرجاعه إليها . . فلما وقع بيد فرعون كاد يقتله لولا أن زوجة فرعون أحبته ، ورجته أن يكون قرّة عين لها ، وسمعت أم موسى بوصول الوليد إلى قصر فرعون ، فجزعت خوفاً وشفقة على ابنها وكادت تبوح بأنها أمه ، لكن الله تعالى ثبَّتها وألهمها الصبر ، وهذا نوع من أنواع الكتمان وحفظ السر{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)}(القصص) .
وتتبعه أخته على الشاطىء الآخر ، تقص أثره مستخفيةً ، فرأته اتجه إلى قصر فرعون ، وعُرِضَتْ على موسى المراضع فأباهن ، فلما خرج الخدم يبحثون عن مرضع له خارج القصر دلّتهم أخته على أمه ، فجاءت ، فلما وجد ريح أمه أقبل على ثديها فقال فرعون : مَن أنتِ فقد أبى كل ثديٍ إلا ثديك ؟ فكتمت سرّها وقالت : إني امرأة طيّبة الريح ، طيّبة اللبن ، لا أكاد أوتى بصبي إلا قبلني . فدفعه إليها ، فرجعت إلى بيتها ومعها ابنها { وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)}(القصص) .

ـ أما المنافقون في المدينة فقد كان كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحده يعرفهم بأعيانهم ، أمة بقية الصحابة والمسلمين فكانوا يشعرون بهم غير متأكدين منهم ، يشعرون بهم من تصرفاتهم المريبة ونشرهم للأراجيف ، والأكاذيب لبلبلة الأفكار ، وخلخلة الصفوف ، ونشر أخبار السوء ، وينضم إلى هؤلاء المنافقين ضعافُ الإيمان ، أصحابُ الفجور .
فهل يترك هؤلاء يعيثون فساداً في مدينة الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ لا . . فقد هددّهم الله بكشف خباياهم وفضحهم على الملأ ثم إخراجهم من المدينة ، وقتالهم لأنهم يظهرون الإيمان ، ويبطنون الكفر . . . لم يفضحهم الله عزَّ وجلَّ بل كتم حالتهم عساهم يؤمنون . . . والله بعباده رحيم { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا(60)}(الأحزاب) .

والكتمان يدل على الإرادة الحازمة لصاحبه ، والقدرة على تحمل المسؤولية ، ومن ثمَّ التصرف السليم في الأحوال العادية والعصيبة




لن تكون ظالماً إذا عاملت المسيء بمثل ما عاملك به من سوء ، بل تكون عادلاً،قال تعالى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }(من الآية 194 البقرة) .
فإذا ما كلت له الصاع صاعين دونما حاجة إلى ذلك كنت ظالماً ، أما إذا نويت أن تردعه عن غيّه وفساده ، وزجَره عن إساءته فلا بأس في ذلك .
أما إذا أحسن إليك أحدهم فرددت عليه إحسانه دونما زيادة كنت عادلاً كذلك ، فإن زدته في الخير وأكرمتَه كنت محسناً . . والإسلام يحثنا على ذلك : قال تعالى:
{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }(من الآية 86 النساء) ،
وقال سبحانه: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } (من الآية 26 يونس) .
والقرآن الكريم مليء بكثير من هذه الآيات التي تدعو الإنسان أن يتفكر ويتدبّر ، فلا يقدم على الإساءة إلى نفسه والآخرين كيلا يرى جزاءً وفاقاً لما قدَّمت يداه ، وليقدم على الإيمان وفعل الخير والإحسان لينال الفضل والرضوان .
قال تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }(من الآية 20 المزمل) .
وقال سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)}(المدثر) ، فإن كسبت خيراً لقيت خيراً وإن كسبت شراً لقيت شراً ، وقال سبحانه : {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)}(الأحقاف) .

وتأمل هاتين الآيتين الكريمتين ، تصف الأولى المنافقين والمنافقات ونسيانهم الحقَّ ، وتصف الثانية المؤمنين والمؤمنات وعملهم الذي يثابون عليه :
1ـ { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
أ ـ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ
ب ـ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ
جـ ـ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ
د ـ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ
هـ ـ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)}(التوبة) .
إذاً نسي المنافقون الله فنسيهم . . .
ووعدهم النار ولعنهم فهم مقيمون فيها خالدين .
2ـ { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
أ ـ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
ب ـ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
جـ ـ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
د ـ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
هـ ـ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}(التوبة) .

إذاً فالمؤمنين أولياء لله سبحانه يطيعونه وهو سبحانه سيرحمهم . . . ووعدهم الجنات الرائعة والمساكن الطيبة بالإضافة إلى ما هو أكبر من ذلك . . رضوان الله سبحانه . وهل هناك أعظم من هذا الفوز ؟ لا والله ، فلكلٍ جزاؤه حسب عمله . . .

وهاتان الآيتان صريحتان في مبدأ المعاملة بالمثل . قال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا
(124)}(النساء)
فلماذا ؟ . . لأن الله تعالى العادل الذي لا يظلم أحداً قرّر ، وأمره نافذ :
أ ـ { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)
ب ـ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
جـ ـ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)
د ـ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)}(النجم) .

وإليك الأمثلة تترى :
قال تعالى : { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}(النساء) .
وقال سبحانه : { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}(الأنعام) .

إنَّ الذين يمكرون بالمؤمنين ، ويكذبون دين الله ورسله يهددهم الله سبحانه أن يكون عقابهم شديداً ، بل قد يكون متنوعاً على قدر سوء أعمالهم سواءً بسواء .
قال تعالى : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ
أ ـ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ
ب ـ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45)
جـ ـ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46)
د ـ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)}(النحل) .

وهذا ذو القرنين حين خيّره الله سبحانه وتعالى تعذيب من قاتله أو الإحسان إليهم سار على القاعدة نفسها ، قال تعالى:
{ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}(الكهف) .
فهناك إذاً إكرامان : في الدنيا القول الحسن وما يناسب ، وفي الآخرة الجنة والحسنى . وعذابان : في الدنيا عذابٌ بيد المؤمنين ، وفي الآخرة عذاب الله تعالى .

ـ ماذا حلَّ بمن خالف نبيَّ الله صالحاً عليه السلام ، فكفر به ، وقتل الناقة ، وتآمر على قتل النبي نفسه وأهله . . إنه الجزاء من جنس العمل :
{ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)
قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)
وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)} (النمل) .
فقد أصر هؤلاء المجرمون على :
أ ـ قتل النبي وآله .
ب ـ وإنكار فعلتهم الشنيعة .
فماذا كان من أمرهم ؟ . . . هم يدبرون والله تعالى يدبّر وينفّذ ويحمي رسوله الكريم صالحاً وأهله المؤمنين .
أرسل على ثمود صيحة قويّة دمّرتهم جميعاً ، وما تزال بيوتهم خاوية تشهد على ظلمهم أنفسهم ، وعلى قدرة الله فيما يريد . . ولا رادَّ لقضائه .

ويقول سبحانه :
{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا
وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ
(89)
وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ
هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
(90)}(النمل) .

فصاحب الحسنة :
1ـ يأخذ أفضل مما عمل .
2ـ لا يخاف العذاب يوم الآخرة حين يخاف الناس .

وصاحب السيئة :
1ـ يلقى في النار على وجهه خائباً خاسراً .
2ـ يوبّخ على سيئته ويقرّعُ عليها .

وقال تعالى :
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ
وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا
ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
(15)}(الجاثية) .
وقال سبحانه :
{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ
(30)}(الشورى)
فهو الغفور الرحيم .

ـ وحادثة الإفك مشهورة تولّى كبرَها المنافقُ عبد الله بن أبي بن سلول الأب ، كبيرُ المنافقين ، حين قال كلمته الفاسقة عن زوجة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، تلك الزوجة الطاهرة الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ وعن الصحابي الفاضل صفوان بن المعطل ، وكل مَنْ خاض في هذه الحادثة له نصيب مما فعل . . وقد كانت درساً كبيراً تعلم فيه المسلمون أن يعتقدوا الخير في الرسول وآله ، والخيرَ في المسلمين عامة وأن يمحِّصوا كلَّ ما يسمعون قبل إذاعته . .
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ
(11)}(النور) .

أما اليهود أخزاهم الله تعالى فقد أكرمهم الله عزّ وجل ، فأرسل إليهم سيدنا موسى عليه السلام وأخرجهم من الذل الذي كانوا فيه عند الفراعنة في مصر ، وهيألهم دخول القدس ، وبذل لهم من نعمائه الشيء الكثير فما كانوا ليؤمنوا ، فعاقبهم بما يستحقون .

وعودة إلى سورة الأعراف الآيات [ 160 ـ 165 ] تجد هذه النعم الكريمة الوافرة التي وهبهم الله تعالى إياها ، فما رعوها حقَّ رعايتها فعاقبهم بما يستحقون ، قال عز وجل:
{ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }(من الآية 160 الأعراف) .
{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}(الأعراف) .
{ . . . . كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } (الأعراف) ، { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)} (الأعراف) .

وأخيراً يأمرنا الله تعالى إذا عاقبنا أن يكون العقاب مساوياً للجريمة ، وينبهنا إلى أن العفو خير وأجدى ، ولأنّ الله سبحانه يجزي الصابرين الأجر الجزيل ، ويعوض العافين الخير الوفير .
أ ـ { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ
ب ـ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)
جـ ـ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ
د ـ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)
هـ ـ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}(النحل) .
فالعفو عند المقدرة شيء رائع فهو :

1ـ استعلاء على تفاهات الحياة .
2ـ تعظيم للمسلم في أعين الناس .
3ـ تشجيع للآخرين أن يكونوا مثله ويتبعوه .

ولكنْ لا تثريب عليك أن تعامل الآخرين بالمثل .
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وردة الربيع
عضو
عضو



عدد المساهمات : 9
تاريخ التسجيل : 30/03/2012
الموقع : لا يوجد

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم   سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالسبت مايو 12, 2012 2:39 pm

موصوع قيم جدا شكرا لكى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
**نغـم**
الإدارة
الإدارة
**نغـم**


عدد المساهمات : 2165
تاريخ التسجيل : 29/08/2010

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم   سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالسبت مايو 12, 2012 8:32 pm

بوست رااااااااااائع جداااااااااااااا محبتى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
دموع حائرة
عضو
عضو
دموع حائرة


عدد المساهمات : 48
تاريخ التسجيل : 19/03/2012
الموقع : السويس

سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم   سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم Emptyالأحد مايو 13, 2012 1:28 pm

يعطيك ربي الف ع ــآفيه
دمتي ودام عطآئـــكـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سلسلة العلم النافع لتجويد القرآن الكريم الشرح بالصور
» لفظ القرية في القرآن الكريم
» لفظ الحرج فى القرآن الكريم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شباب الوطن العربى  :: منتدى شباب الوطنى العربى الإسلامى والديانات الأخرى :: القرآن الكريم والحديث الشريف-
انتقل الى: