اعلـم – وفقني اللهُ وإيَّاك – أن العلم بصفات الله عَزَّ وجَلَّ ، والإيمان بها ،
علـى ما يليق به سبحانه ، وتدبرها : يورث ثمرات عظيمة وفوائد جليلة،
تجعل صاحبها يذوق حلاوة الإيمان ، وقد حُرِمها قوم كثيرون
من المعطِّلة والمؤوِّلة والمشبهة ،
وإليك بعضاً منها :
1- فمن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ :
أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلِّي بها على ما يليق به ؛ لأنه من المعلوم
عند أرباب العقول أن المحب يحب أن يتصف بصفات محبوبه ؛
كما أن المحبوب يحب أن يتحلَّى مُحِبُّهُ بصفاته ؛ فهذا يدعو العبد المحب
لأن يتصف بصفات محبوبه ومعبوده كلٌّ على ما يليق به ،
فالله كريم يحب الكرماء ، رحيم يحب الرحماء ، رفيق يحب الرفـق،
فإذا علم العبد ذلك ؛ سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق،
وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله تعالى أن يتحلَّى بها العبد
على ما يليق بذات العبد.
2- ومنها : أن العبد إذا آمن بصفة ( الحب والمحبة ) لله تعالى
وأنه سبحانه ( رحيم ودود ) استأنس لهذا الرب ، وتقرَّب إليه
بما يزيد حبه ووده له ، (( ولا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ))
وسعى إلى أن يكون ممن يقول الله فيهم : ((يا جبريل إني أُحبُّ فلاناً فأحبَّه ،
فيُحبُّه جبريل ، ثم ينادي في السماء : إن الله يحبُّ فلاناً فأحبوه ،
فيُحبُّه أهلُ السماء ثم يوضع له القبول في الأرض))
و من آثار الإيمان بهذه الصفة العظيمة: أن من أراد أن يكون محبوباً عند الله
اتبع نبيه صلى الله عليه وسلم قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ
وحبُّ الله للعبد مرتبطٌ بحبِ العبدِ لله ، وإذا غُرِست شجرةُ المحبة في القلب ،
وسُقيت بماء الإخلاص ، ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم ،
أثمرت أنواعَ الثمار ، وآتت أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربها .
3- ومنها : أنه إذا آمن العبد بصفات (العلم ، والإحاطة ، والمعية) ؛
أورثه ذلك الخوف من الله عَزَّ وجَلَّ المطَّلع عليه الرقيب الشهيد ،
فإذا آمن بصفة (السـمع) ؛ علم أن الله يسمعه ؛ فلا يقول إلا خيراً ،
فإذا آمن بصفات (البصر ، والرؤية ، والنظر ، والعين) ؛ علم أن الله يراه ؛
فلا يفعل إلا خيراً ؛ فما بالك بعبد يعلم أن الله يسمعه ، ويراه ،
ويعلم ما هو قائله وعامله ، أليس حريٌّ بهذا العبد أن لا يجده الله حيث نهاه ،
ولا يفتقده حيث أمره؟! فإذا علم هذا العبد وآمن أن الله (يحبُّ ، ويرضى) ؛
عمل ما يحبُّه معبوده ومحبوبه وما يرضيه ، فإذا آمن أن من صفاته
(الغضب ، والكره ، والسخط ، والمقت ، والأسف ، واللعن) ؛
عمل بما لا يُغْضب مولاه ولا يكرهه حتى لا يسخط علـيه ويمقته ثم يلعنه
ويطرده من رحمته ، فإذا آمن بصفات (الفرح ، والبشبشة ، والضحك) ؛
أنس لهذا الرب الذي يفرح لعباده ويتبشبش لهم ويضحك لهم ؛
ما عدمنا خيراً من ربًّ يضحك.
4- ومنها : أنه إذا علم العبد
وآمن بصفات الله من (الرحمة ، والرأفة ، والتَّوْب ، واللطف ، والعفو ،
والمغفرة ، والستر ، وإجابة الدعاء) ؛ فإنه كلما وقع في ذنب ؛
دعا الله أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه ، وطمع فيما عند الله
من سترٍ ولطفٍ بعباده المؤمنين ، فأكسبه هذا رجعة وأوبة إلى الله
كلما أذنب ، ولا يجد اليأس إلى قلبه سبيلاً ، كيف ييأس من يؤمن
بصفات (الصبر ، والحلم)؟! كيف ييأس من رحمة الله من علم أن الل
ه يتصف بصفة (الكرم ، والجود ، والعطاء)؟!.
5- ومنها : أن العبد الذي يعلم أن الله متصف بصفات :
(القهر ، والغلبة ، والسلطان ، والقدرة ، والهيمنة ، والجبروت) ؛ يعلم أن الله
لا يعجزه شيء ؛ فهو قادر على أن يخسف به الأرض ، وأن يعذبه في الدنيا
قبل الآخرة ؛ فهو القاهر فوق عباده ، وهو الغالب من غالبه ،
وهو المهيمن على عباده ، ذو الملكوت والجبروت والسلطان القديم ؛
فسبحان ربي العظيم.
6-ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ أن يظل العبد دائم السؤال لربه ،
فإن أذنب ؛ سأله بصفات (الرحمة ، والتَّوب ، والعفو ، والمغفــرة)
أن يرحمه ويتوب عليه ويعفو عنه ويغفر له ، وإن خشي على نفسه
من عدو متجهم جبار ؛ سأل الله بصفات (القوة ، والغلبة ، والسلطان ، والقهر ، والجبروت) ؛
رافعاً يديه إلى السـماء ، قائلاً : يا رب! يا ذا القوة والسلطان والقهر والجبروت!
اكفنيه. فإن آمــن أن الله (كفيل ، حفيظ ، حسيب ، وكيل) ؛
قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ، وتوكل على (الواحد ، الأحد ، الصمد) ،
وعلم أن الله ذو (العزة ، والشدة ، والمحال ، والقوة ، والمنعة)
مانعه من أعدائه ، ولن يصلوا إليه بإذنه تعالى ، فإذا أصيب بفقر ؛
دعا الله بصفات (الغنى ، والكرم ، والجود ، والعطاء) ، فإذا أصيب بمرض ؛
دعاه لأنه هو (الطبيب ، الشافي ، الكافي) ، فإن مُنع الذُرِّيَّة ؛ سأل الله
أن يرزقه ويهبه الذرية الصالحة ؛ لأنه هو الرزاق
وهكذا فإنَّ من ثمرات العلم بصفات الله والإيمان بها دعاءه بها.
.
7- ومنها : أن العبد إذا تدبر صفات الله من (العظمة ، والجلال ،
والقوة ، والجبروت ، والهيمنة) ؛ استصغر نفسه ، وعلم حقارتها ،
وإذا علم أن الله مختص بصفة (الكبرياء) ؛ لم يتكبَّر على أحد ، ولم ينازع الله
فيما خصَّ نفسه من الصفات ، وإذا علم أن الله متصف بصفة
(الغنى ، والملك ، والعطاء) ؛ استشعر افتقاره إلى مولاه الغني ،
مالك الملك ، الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء.
.
8- ومنها : أنه إذا علم أن الله يتصف بصفة (القوة ، والعزة ، والغلبة)،
وآمن بها ؛ علم أنه إنما يكتسب قوته من قوة الله ، وعزته من عزة الله ؛
فلا يذل ولا يخنع لكافر ، وعلم أنه إن كان مع الله ؛ كان الله معه ،
ولا غالب لأمر الله.
.
9- ومن ثمرات الإيمان بصفات الله : أن لا ينازع العبدُ اللهَ في صفة
(الحكم ، والألوهية ، والتشريع ، والتحليل ، والتحريم) ؛ فلا يحكم إلا بما أنزل الله ،
ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله . فلا يحرِّم ما أحلَّ الله ،
ولا يحل ما حرَّم الله.
.
10- ومنها : أن صفات (الكيد ، والمكر ، والاستهزاء ، والخداع) إذا آمن بها
العبد على ما يليق بذات الله وجلاله وعظمته ؛ علم أن لا أحد يستطيع
أن يكيد لله أو يمكر به ، وهو خير الماكرين سبحانه ، كما أنه ل
ا أحد من خلقه قادر على أن يستهزئ به أو يخدعه ، لأن الله
سيستهزئ به ويخادعه ومن أثر استهزاء الله بالعبد أن يغضب عليه
ويمقته ويعذبه ، فكان الإيمان بهذه الصفات وقاية للعبد من الوقوع
في مقت الله وغضبه.
11- ومنها : أن العبد يحرص على ألاَّ ينسى ربه ويترك ذكره ،
فإن الله متصف بصفة (النسيان ، والترك) ؛ فالله قادرٌ على أن ينساه –
أي : يتركه، نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ، فتجده دائم التذكر لأوامره ونواهيه.
.
12- ومنها أن العبد الذي يعلم أن الله متصف بصفة
(السلام ، والمؤمن ، والصِّدق) ؛ فإنه يشعر بالطمأنينة والهدوء النفسي ؛
فالله هو السلام،
ويحب السلام ،
فينشر السلام بين المؤمنين ،
وهو المؤمن الذي أمِنَ الخلقُ من ظلمه ،
وإذا اعتقد العبد أن الله متصف بصفة (الصَّدق) ، وأنه وعده إن هو
عمل صالحاً جنات تجري من تحتها الأنهار ؛ علم أن الله صادق في وعده ،
لن يخلفه ، فيدفعه هذا لمزيدٍ من الطاعة ، طاعة عبدٍ عاملٍ يثقُ في سيِّده
وأجيرٍ في مستأجره أنَّه موفيه حقَّه وزيادة.
.
13- ومنها : أن صفات الله الخبرية كـ (الوجه ، واليدين ، والأصابع، والأنامل ،
والقدمين ، والساق ، وغيرها) تكون كالاختبار الصعب للعباد ،
فمن آمن بها وصدق بها على وجه يليق بذات الله عَزَّ وجَلَّ
بلا تمثيل ولا تحريف ولا تكييف ، وقال : كلُّ من عند ربنا ،
ولا فرق بين إثبات صفة العلم والحياة والقدرة وبين هذه الصفات ،
مَن هذا إيمانه ومعتقده؛
فقد فاز فوزاً عظيماً ،
ومن قدَّم عقله السقيم على النقل الصحيح ،
وأوَّل هذه الصفات ، وجعلها من المجاز ، وحرَّف فيها ، وعطَّلها ؛ فقد خسر خسراناً مبيناً ،
إذ فرَّق بين صفة وصفة ، وكذَّب الله فيما وصف به نفسه ،
وكذَّب رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلو لم يكن من ثمرة الإيمان بهذه الصفات
إلا أن تُدخل صاحبها في زمرة المؤمنين الموحِّدين ؛ لكفى بها ثمرة ،
ولو لم يكن من ثمراتها إلا أنها تميِّز المؤمن الحق الموحِّد المصدِّق لله
ورسوله صلى الله عليه وسلم وبين ذاك الذي تجرَّأ عليهما ، وحرَّف نصوصهما ،
واستدرك عليهما ؛لكفى، فكيف إذا علمت أن هناك ثمراتٍ أخرى عظيمةً للإيمان
بهذه الصفات الخبرية ؛ منها أنك إذا آمنت أن لله وجهاً يليق بجلاله وعظمته ،
وأن النظر إليه من أعظم ما ينعم الله على عبده يوم القيامة ، وقد وعد به
عباده الصالحين ؛ سألت الله النظر إلى وجهه الكريم ، فأعطاكه ،
وأنك إذا آمنت أن لله يداً ملأى لا يغيضها نفــقة ، وأن الخير بين يديه سبحانه ؛
سألته مما بين يديه ، وإذا علمت أن قلبك بين إصبعين من أصابع الرحمن ؛
سألت الله أن يثبت قلبك على دينه ... وهكذا
.
14- ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ :
تَنْزِيه الله وتقديسه عن النقائص ، ووصفه بصفات الكمال ،
فمن علم أن من صفاته (القُدُّوس ، السُّبُّوح )؛ نَزَّه الله مـن كلِّ عيبٍ ونقصٍ ،
وعلم أن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء.
15- ومنها : أن من علم أن من صفات الله (الحياة ، والبقاء) ؛
علم أنه يعبد إلهاً لا يموت ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، فأورثه ذلك
محبة وتعظيماً وإجلالاً لهذا الرب الذي هذه صفته.
.
16- ومن ثمرات الإيمان بصفة (العلو ، والفوقية ، والاستواء على العرش ،
والنُّزُول ، والقُرب ، والدُّنُو) ؛
أن العبد يعلم أن الله منـزه عن الحلول بالمخلوقات ،
وأنه فوق كل شيء ، مطَّلع على كل شيء ، بائن عن خلقه ، مستو على عرشه ،
وهو قريب من عبده بعلمه ، فإذا احتاج العبد إلى ربه ؛ وجده قريباً منه ،
فيدعوه ، فيستجيب دعاءه ، وينـزل إلى السماء الدنيا في الثلث الآخـر
من الليل كما يليق به سبحانه ،
فيقول : من يدعوني فأستجب له ،
فيورث ذلك حرصاً عند العبد بتفقد هذه الأوقات التي يخلو فيها
مع ربه القريب منه ، فهو سبحانه قريب في علوه ، بعيد في دنوه.
.
17- ومنها أن الإيمان بصفة (الكلام) وأن القرآن كلام الله
يجعل العبد يستشعر وهو يقرأ القرآن أنه يقرأ كلام الله ،
فإذا قرأ : يا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ؛
أحسَّ أن الله يكلمه ويتحدث إليه ، فيطير قلبه وجلاً ،
وأنه إذا آمن بهذه الصفة ، وقرأ في الحديث الصحيح أن الله سيكلمه
يوم القيامة ، ليس بينه وبينه ترجمان ؛ استحى أن يعصي الله في الدنيا ،
وأعد لذلك الحساب والسؤال جواباً.
وهكذا ؛
فما من صفة لله تعالى ؛
إلا وللإيمان بها ثمرات عظيمة ، وآثار كبيرة مترتبة على ذلك الإيمان ؛
فما أعظم نعم الله على أهل السنة والجماعة الذين
آمنوا بكل ذلك على الوجه الذي يليق بالله تعالى!".