من هم العلويون؟
ساهمت الثورات العربية التي تجتاح دول المنطقة والتحركات الشعبية المطالبة بالديمقراطية والحرية، في تسليط الأضواء على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لهذه الدول. وأعادت الثورة السورية المستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر ذكرى الصراع الطائفي القديم على السلطة بين الطائفة العلوية التي تنتمي اليها عائلة الأسد، وبين الأكثرية السنية التي حكمت سوريا لعقود سابقة وتعتبر نفسها اليوم مهمشة ومضطهدة من نظام الأسد.
هناك محاولة لتصوير الصراع الدائر في سوريا بأنه صراع طائفي ما بين الأقلية العلوية الحاكمة المتمثلة بنظام الأسد والحركات الأصولية التي تمثل الأكثرية السنية البلاد، وفي هذا اجتزاء لما يحدث وافتئات على الثورة وعلى أبناء الطائفة العلوية، التي يجري اليوم اختصارها بعائلة الأسد الحاكمة. من هنا الحاجة الى التعرف من كثب الى هذه الطائفة معتقداتها وأفكارها وتاريخها في المنطقة.
هل العلويون مسلمون؟
أدى الطابع السري للديانة العلوية، وعدم وفرة الكتب التي تتحدث بوضوح عنها وتشرح معتقداتها، الى صعوبة التعرف عليها، لا سيما في ظل التشكيك بحقيقة انتساب هذه الطائفة الى الإسلام. ففي حين يشدد فقهاء الطائفة العلوية، ومعهم مؤرخون وباحثون، على أن "العلويين مسلمون، إماميون، جعفريون، يعتمدون الشريعة الإسلامية عقيدة لهم ويطبقون أحكامها، وفقاً لمذهب الإمام السادس أبي عبد الله جعفر الصادق"، فإن هناك من يعتبرهم هراطقة خارجين على الإسلام، مثل ابن تيمية (1263-1328) الذي أصدر فتوى كفّرهم فيها واعتبرهم من "أصناف القرامطة الباطنية وهم أكفر من اليهود والنصارى". ومثل كل الأقليات عانى العلويون عبر تاريخهم الطويل الاضطهاد الديني من الحكام، مما دفعهم الى الانغلاق داخل مجتمعهم والانسحاب للعيش في سلسلة الجبال الممتدة من عكار جنوباً الى طوروس شمالاً. ويعيش القسم الأكبر من العلويين اليوم في تركيا وسوريا، كما يتوزعون في العراق وفلسطين، بالاضافة الى وجودهم في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
وقديماً كان يطلق على العلويين إسم النصيرية نسبة الى محمد بن نصير (عاش حوالي 850 ميلادية) الذي يعود اليه فضل وضع أسس هذا المذهب في بغداد بوصفها طائفة انفصلت عن االشيعة. وقد عاصر ثلاثة من أئمة الشيعة، هم عبد الهادي والحسن العسكري والإمام الموهوم. وظلت هذه التسمية تطلق عليهم حتى السنة 1920، حين قام الفرنسيون أيام الانتداب بتغيير إسمهم الى العلويين لتمييزهم عن النصارى، أوالمسيحيين.
يتفق العلويون مع الشيعة عامة بالرواية التاريخية لمرحلة الرسول وما بعدها، لكنهم يختلفون في النظريات الدينية والتفاسير القرآنية، ويزعمون قدرتهم على معرفة الحقيقة بالتواتر عن الأئمة المعصومين. وأكثر ما يركز عليه العلويون هو العقل الذي يرمز عندهم الى الرسول. وهم مثل الشيعة يعطون مكانة كبيرة للإمام علي، لكنهم يختلفون عنهم بأن بعض غلاتهم يقدسون علياً ويرفعونه الى درجة الألوهة. وأكثر ما يختلف به العلويون عن السنة والشيعة في آن معاً هو إيمانهم بالثالوث المقدس الذي يتجلى بسحبهم في: الله – محمد – علي. مما يقربهم من فكرة الثالوث المقدس عند المسيحيين. كما يعتقد العلويون بنظرية الحلولية الإلهية، وبأن الله يتجلى في صورة الإنسان وقد تجلى في النبي محمد والإمام علي وعدد من الأئمة والصالحين والأشخاص الذي يختارهم الله من هنا ظهور شخصيات في التاريخ العلوي ادعوا النبؤة وآمنوا بالإمام المنتظر.
تقوم الديانة العلوية على الايمان بنظرية التقمص، أو التناسخ، الأمر الذي يقربهم من أبناء الطائفة الدرزية. وللعلويين موقف خاص من تطبيق أركان الإسلام الخمسة، فكونهم من أصحاب الاعتقاد بالظاهر والباطن، ويرون أن روح العبادات ليست سلوكاً خارجياً ينفذه الانسان بعناية وتكرار، وأن بواطن الأمور تمكن معرفتها من خلال الأئمة المعصومين، وأن الله يعطي هذه المعرفة لمن يشاء من عباده الذين يتصفون بالبصيرة والعقل، فهم لا يعتبرون الصيام في شهر رمضان أمراً ملزماً. أما الصلاة فلا ضرورة لإقامتها في المساجد، ويمكن أن تجري في منازل وأماكن خاصة. ويدافع العلويون عن عدم تشييدهم المساجد كونها لم تكن موجودة أيام الرسول والإمام علي، ولأن علياً قتل داخل المسجد. ولا يحّرم العلويون شرب الخمر، مما يجعلهم يشبهون، بالاضافة الى أمور أخرى، المسيحيين. وقد دفعت أوجه الشبه بين العلويين والمسيحيين المستشرق البلجيكي هنري لامنس(1862-1937) الى كتابة في بحث له بعنوان "هل العلويون مسيحيون؟" "العلويون هم من المسيحيين الذين أخفوا ديانتهم وادعوا أنهم مسلمون كي لا يتعرضوا للاضطهاد الديني".
وثمة تشابه آخر ما بين العلويين والدروز في سرية التعليم الديني. فبالاستناد الى رسالة الدكتوراه التي أعدتها فابريس بلانش عن الموضوع عندما يبلغ الفتى العلوي سن المراهقة يقوم والده بتعريفه على شيخ يطلعه على أسرار الدين، ويصبح هذا الشيخ الأب الروحي للتلميذ. ويدين له بالطاعة حتى الموت. لكن ليس كل أبناء الطائفة يحق لهم التعرف على ديانتهم، من هنا يقسم الناس الى قسمين: العالمون بالدين والجاهلون به.
لا يفرض العلويون الحجاب على المرأة لأنه ليس فريضة إسلامية ولكنه نوع من الحشمة المحببة. ولكن لا يحق للمرأة الاطلاع على أسرار الدين، ورغم الدور المهم الذي كانت تقوم به في مجتمع الريف فإن هذا لا يعطيها حقوقاً، وهي أقل مرتبة من الرجل.
في رأي المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (1883- 1963) إن الديانة العلوية هي مزيج من الإسلام المتأثر بالديانة المسيحية والديانة الغنوصية المشرقية القديمة (تيار عقائدي ذو فلسفة حلولية نشأ في القرن الأول الميلادي وحاربته الكنيسة المسيحية) والتيارات الصوفية. كا يبرز تأثر الديانة العلوية أيضاً بالمعتقدات الفارسية القديمة. ويحتفل العلويون بعيد الميلاد والغطاس، بالاضافة الى احيائهم لعاشوراء واحتفالهم بعيدي الفطر والأضحى.
العلويون في تركيا
يعيش في تركيا اليوم ما بين 20 الى 23 مليون علوي، نحو 35 في المئة منهم من الأكراد، وهناك أيضاً علويون تركمان، ويتوزع هؤلاء في صورة خاصة في داخل الأناضول وفي غربه وبالقرب من البحر الأسود.
هناك اختلاف ما بين العلويين في تركيا والعلويين في سوريا. فالعلوية التركية تعود الى الفرقة الصوفية القزلباشية (ذوو الطاقيات الحمر) التي نشأت في القرن السادس عشر في أذربيجان وانتشرت في جنوب تركيا، ومنها نشأت الدولة الصفوية، ومن الفرقة الصوفية البكتاشية (طريقة صوفية شيعية المنشأ نسبة الى الشيخ بكتاش المتوفي السنة 1336). أما العلوية في سوريا فأقدم من ذلك بقرون عدة. لكن القاسم المشترك ما بين العلويين في تركيا وسوريا معاناتهم الكبيرة من الاضطهاد الديني أيام السطنة العثمانية. من هنا رأى العلويون في تركيا في مجيء أتاتورك الى الحكم الذي عمل على علمنة الدولة، خشبة خلاص لهم. وبدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين دخل العلويون في نسيج الدولة والمجتمع، وأخذت غالبيتهم تؤيد الأحزاب العلمانية. ولوحظ أنه منذ مجيء حزب العدالة والتنمية الى الحكم عاد العلويون الى ممارسة شعائرهم الدينية بحرية أكبر، وبدأت مطالبتهم بتمثيل أكثر عدالة في وظائف الدولة، لا سيما الحساسة منها. لكن اجمالاً يظهر العلويون باختلاف انتماءاتهم العرقية منسجمين ومندمجين داخل نسيج الدولة والمجتمع التركيين.
العلويون في سوريا
هم أقدم العلويين في المنطقة تاريخياً، ويشكلون اليوم الطائفة الأكبر في سوريا بعد السنة ويبلغ حجمهم 13 في المئة من تعداد الشعب السوري.
مرّ العلويون السوريون بمراحل طويلة من الاضطهاد أيام السلطنة العثمانية، التي لم تعترف بهم كمسلمين وفرضت عليهم الجزية بدءاً من السنة 1571، لأنهم لا يصلون في المساجد ولا يؤدون الفرائض الإسلامية، ومنعتهم عن ممارسة أي شعائر خاصة بهم. هذا الأمر أجج مشاعر الكراهية لدى العلويين ضد السنة، ودفعهم الى التخندق داخل منطقة الجبال والانغلاق على أنفسهم. وقد ثار العلويون غير مرة ضد العثمانيين في 1806 و1811 و1852. ولم يتحسن الوضع إلا مع نهاية القرن التاسع عشر، عندما قام العثمانيون ببعض الإصلاحات ومنحوهم شيئاً من الاستقلال الذاتي.
شكل مجيء الانتداب الفرنسي مرحلة جديدة في تاريخ العلويين لأنه حررهم من اضطهاد العثمانيين، ولأن السلطات الفرنسية وافقت على منحهم الاستقلال الذاتي. فأعلن في تموز 1922 عن قيام الدولة العلوية في اللاذقية. وصدر قرار بالغاء الضرائب المفروضة على العلويين وانهاء عمل المحاكم السنية ونقل صلاحياتها الى قضاة علويين. وقد ساعد هذا كله في تغيير وضع العلويين بصورة كبيرة وأدى الى بداية نهضة هذه الطائفة. في المقابل تعاون هؤلاء مع السلطات الفرنسية وشاركوا في فرقها العسكرية وخدموا في جهاز الشرطة والاستخبارات. لكن هذا لم يمنع من نشوب ثورات ضد الفرنسيين، أبرزها ثورة الشيخ صالح العلي الذي أعلن العصيان على الفرنسيين في نهاية 1918 وقاتلهم حتى 1921.
لكن مخاوف العلويين تجددت مع انتهاء الانتداب الفرنسي والاعلان عن استقلال سوريا والغاء الدولة العلوية في كانون الأول السنة 1936. وبرزت المقاومة العلوية للحكم السني في ثورة سليمان المرشد السنة 1939 و1946 وثورة ابنه 1952.
تعتبر الحقبة الزمنية ما بين 1946-1963 فترة السيطرة السنية على الحكم في سوريا، وبدء اندماج الطائفة العلوية بالدولة وصعودها. والمفارقة هنا أن تخلي العلويين عن توجهاتهم الانفصالية وانضواءهم الى الدولة شكلا بداية مرحلة نهوضهم الحقيقي.
فمنذ وصولهم الى الحكم بذل السنّة جهوداً كبيرة لدمج العلويين في كيان الدولة القومية، لاسيما ان اللاذقية كانت تشكل أهم منفذ للدولة على البحر. وقد ألغى هؤلاء الفرق العسكرية العلوية ودمجوها بالجيش الوطني. وعندما أيقن العلويون أن مصيرهم بات مربوطاً بمستقبل سوريا الجديدة بدأ سعيهم الى السلطة من خلال طريقين: الجيش وحزب البعث.
صعود الطائفة العلوية
ابتعد أبناء الطائفة السنية من الجيش لأسباب ثلاثة، هي كره النخبة السنية للحياة العسكرية، ومحاولة السياسيين تقليص دور الجيش في الحياة السياسية، وعدم قدرة أبناء الأقليات بصورة عامة على دفع بدل مالي لإعفائهم من الخدمة العسكرية، في المقابل رأى العلويون في الجيش فرصة للإرتقاء الاجتماعي وللخروج من حياة الريف الفقير والدخول في حياة المدن السورية، ناهيك عما يقدمه الجيش من حياة لائقة بالمقارنة مع ظروف حياتهم الصعبة. في السنة 1949 شكل العلويون أكثرية الجنود في الجيش وثلثي الضباط، وكان القادة العسكريون من السنة يعتقدون أنهم باحتكارهم المناصب الرفيعة في الجيش، يستطيعون السيطرة عليه. لكن الصراع على السلطة ما بين الضباط السنة والانقلابات العسكرية التي كانت تؤدي الى الغاء بعضهم البعض ساهمت بصورة كبيرة في تعزيز مواقع العلويين الذين بقوا موحدين داخل الجيش.
أدت حقبة الانقلابات العسكرية والصراعات داخل السنة في الجيش وخوفهم من الخيانات الى اعتماد بعض هؤلاء على ولاء الضباط من الأقليات في الجيش، الأمر الذي عزز من جديد موقع الضباط العلويين، بالاضافة الى أن السنة كانوا يدخلون الجيش كأفراد، اما العلويون فكانوا يدخلونه كجماعة متضامنة.
أما العامل الثاني الذي ساهم كثيراً في صعود الطائفة العلوية فهو حزب البعث الذي جذب بأفكاره العلمانية الاشتراكية جموع العلويين من الفلاحين وأهالي الأرياف الذين عانوا من التمييز وكانوا يعيشون في حال من الفقر المدقع. كما ساهمت هجرة أهل الريف الى المدن في تعزيز هذه الظاهرة، اضافة الى انتقال أبناء الريف الى المدن للدراسة. فانضم العلويون بأعداد كبيرة الى صفوف حزب البعث، لا سيما في فرع الحزب في اللاذقية وفي فروع جامعتي دمشق وحلب.
لعب العلويون دوراً مهماً في انقلاب آذار السنة 1963، وتولوا مناصب حساسة في النظام، كما قاموا بانقلاب 1966، لكن نفوذهم تجلى مع الانقلاب الذي قام به الرئيس حافظ الأسد السنة 1973، والذي شكل بداية حكم عائلة الأسد التي من خلاله ضمنت استمرار سيطرة الطائفة العلوية على الحكم حتى اليوم. ويذكر أن الرئيس حافظ الأسد طلب من الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان اصدار فتوى تقول ان العلويين هم من الشيعة، وذلك لإسكات المعارضين لانتخابه رئيساً للجمهورية، بحجة ان الدستور يفرض أن يكون الرئيس مسلماً. وقد أصدر الإمام هذه الفتوى في السنة 1974. يقول باتريك سيل في كتابه "الصراع على الشرق الأوسط": "اصدار هذه الفتوى أزال العقبة الأخيرة التي كانت تعترض طريق حافظ الأسد الى الرئاسة".
ويواجه النظام في سوريا اليوم أكبر تحد داخلي بدأ يزعزع سيطرته شبه المطلقة على الحياة السياسية في سوريا، وذلك في مواجهة مطالبة مكونات أخرى في المجتمع السوري بالتخلص من نظام الحزب الواحد وقيام نظام سياسي تعددي جديد يضمن اجراء انتخابات حرة تمثل بصورة حقيقية ما آال اليه المجتمع السوري اليوم وتعكس تطلعاته نحو حياة سياسية حرة وعادلة.
أرقام العلويين في الخارج
وفق التقديرات يعيش في أوروبا أكثر من مليوني علوي. ويقطن العدد الأكبر منهم ألمانيا حيث يبلغ عددهم 600 ألف شخص. وهناك نحو 150 ألف آخرين في فرنسا. وقد اعترفت السلطات في النمسا رسمياً في العام الماضي بهم كطائفة دينية مستقلة، ويبلغ عدد العلويين هناك نحو 60 ألف شخص.
وتشير بعض الأرقام الى أن مجموع عدد العلويين في العالم يبلغ 80 مليوناً.
رندة حيدر