الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على سيِّدِ المرسلينَ وعلى ءالِهِ الطَيِّبينَ الطاهرينَ.
أمَّا بعدُ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: قالَ اللهُ تعالى: "المتحابُّونَ بجلالي أظلُّهم في ظلِّي يومَ لا ظلَّ إلا ظلِّي". معنَى الحديثِ أنَّ اللهَ تعالى أوحى إلى نبيِّهِ عليهِ السَّلامُ وحيًا غيرَ قرءانيٍّ لأنَّ الرسولَ كانَ يوحى إليهِ بالقرءانِ، جبريلُ يقرؤُهُ عليه بأمرِ اللهِ، وجبريلُ يأخذُهُ بأمرِ اللهِ منَ اللَّوحِ المحفوظِ ثمَّ يقرؤُهُ على الرَّسولِ. وهناكَ وحيٌ ءاخرُ ليسَ منَ القرءانِ، فيهِ هذا الوحيُ الذي هوَ منْ غيرِ القرءانِ اللهُ تعالَى أوحَى إلى نبيِّهِ أنَّه تباركَ وتعالى، أخبرَهُ بأنَّ المسلمينَ المتحابينَ لأجلِ اللهِ ليسَ لأجلِ المالِ ولا للقرابةِ بلْ لأجلِ اللهِ تعالَى، يومَ القيامةِ يكونونَ في ظلِّ اللهِ أيْ ظلِّ العرشِ. في ذلكَ الوقتِ البشرُ يقاسونَ شدَّةَ حرِّ شمسِ يومِ القيامةِ، شمسُ ذلكَ اليومِ أقوَى من حيثُ الحرارةِ منْ شمسِ يومِنا في الدُّنيا بكثيرٍ، تكونُ قريبةً من رؤوسِ النَّاسِ بمقدارِ ميلٍ، مسافةَ ميلٍ، مسافةَ نصفِ ساعةٍ تقريبًا منْ رؤوسِ النَّاسِ فيشتدُّ الحرُّ فيقاسي الكفارُ ما لو كانَ هناكَ موتٌ لَماتُوا لكنْ لا موتَ في الآخرةِ، مهما تأذَّوْا يبقونَ أحياءَ. وبعضُ عصاةِ المسلمينَ أيضًا يقاسي منْ حرِّها لكنْ أقلَّ ممَّا تقاسيهِ الكفارُ. أمَّا المسلمانِ اللَّذانِ يتحابَّانِ في اللهِ أيْ لأجلِ اللهِ لأنَّهما يتعاونانِ على البِرِّ والتقوَى، على عملِ البِرِّ على عملِ الخيرِ، هذانِ اللهُ تعالَى يجعلُهما تحتَ ظلِّ العرشِ لا يصيبُهما شىءٌ ولا يصيبُهما مللٌ منْ طولِ ذلكَ اليومِ. يومَ القيامةِ كلُّه قدرُ خمسينَ ألفَ سنةٍ، هذا اليومُ الطويلُ على المؤمنِ الدَّيِّنِ المتمسِّكِ بالدِّينِ يجعلُهُ اللهُ كمَا بينَ العصرِ إلى غروبِ الشَّمسِ يجعلُهُ عليهِ خفيفًا لا يصيبُه مللٌ ولا جوعٌ ولا عطشٌ. ثمَّ بعدَ ذلكَ دخولُه الجنَّةَ ويخفِّفُ اللهُ عليهم طولَ ذلكَ اليومِ الذي هو مِقدارُ خمسينَ ألفَ سنةٍ معْ أنَّ الشمسَ ذلكَ اليومِ لا تطلعُ ولا تغربُ تبقَى فوقَ رؤوسِ النَّاسِ، ليسَ الأمرُ مثلَ اليومِ غروبٌ وشروقٌ، غروبٌ وشروقٌ لا يوجدُ هناكَ، من أوَّلِ ما تقومُ القيامةُ الشمسُ تدنُو إلى رؤوسِ النَّاسِ تنـزِلُ إلى مسافةٍ بعيدةٍ نزولًا. ثمَّ هذا اليومُ الطويلُ على هؤلاءِ الذينَ يكونونَ تحتَ ظلِّ العرشِ اللهُ تعالَى يجعلُهُ خفيفًا عليهم، هذا الزمنُ الطويلُ يجعلُهُ كمَا بينَ العصرِ إلى غروبِ الشَّمسِ، هذا اليومُ الذي طولُهُ خمسونَ ألفَ سنةٍ.