الخط العربي وأهمية المحافظة عليه إعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
بسم الله الرحمن الرحيم
إن مصادر دراسة الخط العربي تنحدر من أصلين:
1. الأصل النظري: وهي الكتابات الإسلامية عن الخط وتاريخه وتطوره وأشكاله، وقد جاءت في ذلك نصوص كثيرة، وهذه النصوص كثيرًا ما تعتمد على الافتراضات والاجتهادات والآراء المتوارثة، وإذا كان أكثرها صحيحًا، فإن فيه ما لا يقبله العقل.
2. الأصل الثاني: وهو الأهم والأوثق، هو الأصول المادية الأثرية، ما كتب على الحجر والنحاس والنسيج والرق والبردي، من نقوش ورسائل ووصايا ومعاهدات وصكوك وغيرها.
وإذا كان الخط العربي لا يُعرف إلا بنماذجه المادية، فإن صور الخط وأنواعه ورسومه لا تعرف إلا بالنموذج، فمهما وصف الخط الكوفي نظريًّا لا يجدي إن لم يكن معه نموذج من صورة على حجر أو ورق أو نسيج، ولا شك أن دراسة النماذج الخطية تعين على معرفة تاريخ الخط وأصله وتطوره أكثر من النصوص النظرية التي لا تستند إلا على الرأي والنقل، وكل رأي له رأي آخر يخالفه ويضاده، والنقل عرضة للوهم والخطأ والزيادة والنقص، ولذلك لا بد في الدراسة العلمية من الرجوع إلى أصلين، ومع اعتبار الأصول المادية هي الأصل الأول والأوثق.
فبالإضافة إلى المصادر النظرية كالرسائل التي ألفت عن الخط العربي خلال العصور، والكتب التي ألفت عن الخط، أو أفردت له فصولًا خاصة، نرى أن ينصبّ الاهتمام على كل ما تركه الإسلام من نماذج مكتوبة، ويتمثل ذلك في:
1. الكتابات التي وجدت على المباني والنصب والجدران وشواهد القبور والأضرحة والمنابر، سواء كتبت على الحجر أو الجص أو الخشب.
2. الكتابات على أوراق البردي.
3. المصاحف القديمة على اختلاف العصور.
4. الكتابات التي ظهرت على المسكوكات والنقود.
5. الكتابات التي ظهرت في الآثار المنقولة كالفخار (الأطباق والسرج والأواني)، والموازين والزجاج والأخشاب والأواني النحاسية والسيوف والدروع، وغيرها.
6. الكتابات التي ظهرت في الأقمشة والطروز.
7. الكتابات في الآلات العلمية كالإسطرلاب.
وقد انتشر الخط العربي في بيئات شاسعة، انتشر حيث انتشرت اللغة العربية، فشمل الجزيرة العربية، والعراق، والشام، وفارس، وخراسان، وما وراء النهر، والسند شرقًا، وانتشر في أرمينية، والقوقاز، وديار بكر، وآسية الصغرى شمالًا، وانتشر في مصر، وأفريقية (تونس)، والمغرب الأقصى، والسودان غربًا، وكذلك في الأندلس وصقلية، وجنوب فرنسا، ولذلك فإن الدراسة ينبغي أن تشمل كل الكتابات في هذه البيئات، وبديهي أن يتخذ في كل بيئة طابعًا متميزًا، ويصطبغ بالأثر المحلي، فالخط الكوفي الأندلسي يختلف عن الخط الكوفي القيرواني، وهذان يختلفان عن الخط الكوفي في العراق والشام، هذا مع ملاحظة الأثر الشخصي للخطاط المسلم، وما لكل منهم من شخصية تعكس ذوقه ومهارته وأثر البيئة فيه.
إن الآراء في أصل الخط المعتمد على النظريات والدلائل النظرية، تستند إلى أسس دينية غيبية، أو أسطورية، تجعل اختراع الخط منسوبًا إلى شخص أو مجموعة أشخاص، وهناك رأيان في هذا:
الرأي الأول: ما ذكره الإخباريون من أن الكتابة توقيف من عند الله تعالى، وقيل: (إن أول من وضع الخط العربي السرياني وسائر الكتب آدم عليه السلام)، وقيل: إن أول من خط بالقلم بعد آدم هو إدريس، وسمي إدريس في بعض المصادر القديمة (ابن خنوخ)، وفي الطبري: (وخنوخ أول من خط بالقلم)، وفي رواية عن ابن عباس أن أول من وضع الكتابة العربية هو إسماعيل بن إبراهيم، وقيل: إن إسماعيل وضع الكتاب موصولًا حتى فرق بينه ولداه هميسع وقيذر، ويفصل في هذه الرواية ابن عبد ربه فيقول: (إن أول من وضع الخط نفيس ونصر وتيما بنو إسماعيل بن إبراهيم، وضعوه متصل الحروف بعضها ببعض، حتى فرقه نبت وهميسع وقيذر).
والرأي الثاني: هو رأي الإخباريين أيضًا، يقول: إن الخط نشأ في الحجاز وإن عبد ضخم بن إرم بن سام بن نوح، وولده ومن تبعه، نزلوا الطائف وإنهم أول من كتب بالعربية ووضع حروف المعجم وهي حروف أ ب ت ث، وهي التسعة والعشرون حرفًا، وفي الطبري أن أول من كتب بالخط العربي هم ملوك جبابرة، وهم أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت، وضعوا الكتاب على أسمائهم، ولما وجدوا حروفًا في الألفاظ ليست في أسمائهم ألحقوها بها، وسموها الروادف، وقيل: إن هؤلاء ملوك في الحجاز، وإن (أبجد)كان ملكًا على مكة وما جاورها، و(هوز) كان ملكًا على الطائف وما اتصل بذلك من أرض نجد، وكلمن وسعفص وقرشت كانوا ملوكا بمدين.
وواضح أن هذه الروايات أسطورية لا تستند إلى حقيقة، وأن حروف (أبجد هوز) هو الترتيب القديم عند الأمم السامية، وقد أريد بهذه الألفاظ جمع الحروف في كلمات، وقد كان هذا الترتيب الأبجدي معروفًا في صدر الإسلام، فيروى أن عمر بن الخطاب لقي أعرابيًّا فسأله: هل تحسن القراءة؟ فقال: نعم، قال: فاقرأ القرآن، فقال الأعرابي: والله ما أحسن البنات فكيف الأم؟ فضربه عمر بالدرة وأسلمه إلى الكُتاب ليتعلم، فمكث حينًا ثم هرب، ولما رجع إلى أهله أنشدهم:
أتيتُ مهاجرين فعلموني
ثلاثة أحرف متتابعاتِ
وخطوا لي أبا جادٍ وقالوا
تعلم سعفصا وقريشاتِ
وما أنا والكتابة والتهجي
وما حظ البنين مع البنات