ابحثو عن الفرص
لم يمر على الناس زمان استخدموا فيه كلمات (فرصة) كما هو حاصل اليوم , وهذا إن دل على شيء , فإنما يدل على كثرة الفرص وكثرة المهتمين بها . إن الله تباركت أسماؤه جعل تطور مجالات الحياة وأنواع التغير التي تطرأ على أوضاع البشر من أسباب تجدد الفرص والإمكانات التي يمكن للبشر أن يستفيدوا منها , ولهذا فإني أود من أبنائي وبناتي أن يؤمنوا على نحو جازم أنه ما دام هناك حياة وأحياء , إذن هناك فرص للعمل والسعادة والنجاح والعطاء والترقي ....
لكن لابد من القول : إن الفرص أشبه بالأسماك , فالفرص الصغيرة وغير القيِّمة أشبه بالأسماك الصغيرة التي نجدها قرب الشواطئ في المياه الضحلة . أما الفرص العظيمة , فهي أشبه بالأسماك الضخمة وأشبه باللآليء العظيمة التي تحتاج إلى الذهاب إلى لجج البحر وإلى الغوص في أعماقه .
من النادر أن تطرق الفرصة باب أحد إلا إذا كان متميزاً ومشهوراً جداً . أما الشباب والفتيات وحديثو التخرج , فإن عليهم هم أن يبحثوا عن الفرص بجدية وحسب الأصول .
بعض أبنائي وبناتي يبحثون عن عمل عشرة أيام أو عشرين يوماً فإذا لم يجدوا بغيتهم جلسوا يندبون حظهم , ويشكون من سوء الأحوال , وهذا ليس بالشيء الجيد . هناك أناس بحاجة إليك وإلى خبرتك وتخصصك , وهناك جامعات ستكون مسروراً إذا درست فيها , وهناك مشروعات في إمكانك أن تنفذها بنجاح كبير , لكن من غير بحث دؤوب , فقد لا تصل إلى أي شيء من ذلك .
وهذه بعض الملحوظات في مسألة الفرص :
1- الفرصة رزق الله تعالى وإن ما عند الله ينال بطاعته , ولهذا فإن على طالب فضل الله تعالى أن يتقيه ويستقيم على أمره ,
وقد قال عز وجل : { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً } .
العلاقات الحسنة بالناس والتواصل معهم وتقديم الخدمة لهم والتعاطف معهم من الأعمال التي ترضي الله تعالى وهي مصدر رزق ؛ ولدينا ما لا يحصى من الوقائع الدالة على ذلك . وإن سوء الخلق والعزلة والأنانية , لها تأثير مضاد , وهو شح الفرص , ولدينا أيضاً ما لا يحصى من الوقائع الدالة على هذا .
الصدقة أيضاً باب من أبواب الرزق ؛ وقد كان أحد الأخيار الأجواد يقول لأولاده : إذا اشتدت عليكم الكروب , وضاقت الأحوال , فتصدقوا ولو بالقليل , فإن الله يعوض عليكم ما أنفقتموه أضعافاً مضاعفة , ويوسع عليكم . ولا تنسوا بر الوالدين وصلة الرحم , فهما أيضاً من أسباب الرزق ,
وقد قال عليه الصلاة والسلام : " من أحب أن يبسط له في رزقه , وينسأ له في أثره (أي يؤخر أجله) فليصل رحمه " .
2- الفرص موجودة وغير موجودة في آن واحد : موجودة أمام المؤهلين لها , وغير موجودة أما الكسالى والمهملين والفوضويين ,
ولهذا فإني آمل أن تمضوا في حياتكم وفق هذه القاعدة :
" كلما كان المرء أقوى وأفضل استعداداً وتأهيلاً كثر المحتاجون إليه , والباحثون عنه ؛ وكلما كان المرء ضعيفاً في تأهيله واستعداداته ومهاراته , عظمت حاجته إلى الناس , وعظم استغناء الناس عنه " . ولكم أن تلمسوا هذا في الطالب الذي نال الدرجة النهائية في (الثانوية) واختبارات القبول في الجامعات , فإنه يجد أبواب كل الكليات مشرعة أمامه ,كذلك الشاب الذي تخرج من جامعة ممتازة , فإنه يحصل على عقد قبل أن يتخرج , وهذا أمر واضح جداً .
3- إذا خُيرِّ أحدكم بين أن يجلس في بيته وبين أن يعمل مجاناً , فإنه عليه ألاّ يتردد في أن يعمل مجانا؛ لأن عمله يشكل بحثاً عن عمل مأجور , حيث يتعرب أرباب العمل عليه , ويكتسب خبرة إضافية ....
4- حاول دائماً أن تكون لك ميزة على أقرانك , مثل أن تتقن لغة أجنبية , أو تحسن استخدام الحاسب الآلي , أو يكون لك تخصص دقيق في فرع من فروع المعرفة , أو في شيء مهني أو تقني , أو يكون معك شهادة عليا مميزة ...
5- إذا لم تجد العمل المناسب لك , فلا تقعد في بيتك , واقبل بما تيسر , ثم ابحث عمّا هو أفضل وأليق بك .
6- تعلم كيف تعبر عن نفسك من خلال كتابة سيرة ذاتية بأسلوب جيد , أو من خلال الاستعداد لامتحان المقابلة للتوظيف , أو من خلال تقديم نموذج ممتاز في فترة التجربة قبل تثبيت العقد .
7- شيء طبيعي ألاّ يجد المرء في مقتبل عمره الوظيفة المناسبة , لكن بعد مدة أربع أو خمس سنوات تستقر الأمور , وتنتهي المشكلة .