الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن أحبه واتبع هديه، وبعد:ـ
في برنامجه "بكرة أحلى"، يتحدث عمرو خالد في كل شيء، ومن الأشياء التي تحدث فيها "الفتنة الطائفية". جلس "عمرو خالد"، وأمسك بحزمة من الأوراق ودار بعينيه ومطَّ شفتيه، وقال:نريد حلَّ المشكلة من جذرها.
يريد عمرو قلعها من جذرها في نصف ساعة.!!
وجلس عمرو على مكتبه الفخم، تدور حوله ثلاث كاميرات أو أربع، وعبس وبسر، وفكر وقدر، ثم عبس وبسر، وفكر وقدر، وقال: المشكلة عاطفية!!، واحتاط لنفسه بأن قال:أن هذا سبب رئيسي وليس سبباً وحيداً.!!
و"عمرو خالد" خفيف، لو تدبر قليلاً ما تكلم بشيءٍ من هذا. لو نظر للمشهد من كل جوانبه ما وجد قراءة واحدة تعطيه أن سبباً رئيسياً للفتنة الطائفية وجود علاقات عاطفية !!، ودعنا نضرب مثالاً بما اشتهر :
الكل يعرف أن الكريمة "وفاء قسطنطين" لم تقع في قصة غرامية فتركت زوجها، وأبناءها، بل والدنيا كلها، ودخلتِ إلى الأقبية الموحشة وهي على مشارف الخمسين ، وقد ذهبت دواعي الصبا، ووهن العظم منها، واشتعل الرأس شيباً. لم تكابد الوحشة و"الموت" من أجل "قصة غرامية".
وكذا الكريمة "كامليا شحاته"، ما تركت زوجها الشاب، ورضيعها الوحيد، وأهلها وعشيرتها، وهي في العشرين (على أبواب الحياة)،وواجهت كلَّ هذه المخاوف من أجل عيونٍ أحبتها.
ولا تسمع لمن يقل أنهن لم يسلمن، لو كان أمرهن طبعي لاُخرجن إلى بيوتهن ودَرَجْنَ بين الناس بشكلٍ طبعي، فما حُبِسْنَ وهن كافراتٍ ، بل لو كنَّ كافرات لأخرجوهن إلي الطرقات يحدثن الناس بأن في الكفر خير.
وإن كانت قصصاً عاطفية، فمن البطل؟، من الذي أحبت الكريمة "وفاء"، ومَن الذي أحبت الكريمة "كامليا"؟!، هل يعرف عمرو؟!
لا يعرف.. يقيناً لا يعرف..
والألوف التي تُسلم كل عام: أيضاً لمشاكل عاطفية؟!
والانفصال عن الزوج في النصرانية: هل يلزم فيه أن تخرج المرأة إلى الإسلام أم يكفي فقط التحول لملة أخرى من ملل النصرانية كما فعلت هالة صدقي؟!
عمرو خالد خفيف، فقط يبحث عن حجة تبدو مقبولة شيئاً ما ليلقي بها على الناس في موسٍ الهيجان الطائفي هذا لينصرف الناس، تماماً كما فعل الوليد بن المغيرة حين أقبل موسم الحج.!!
والمشكلة أعمق وأوسع من "تهريج" عمرو. وبما أني من المقيمين بين ظهراني النصارى أعرض طرفاً من حالهم ليعرف من يقرأ حال القوم، وكيف أنهم جادون ، وكيف أننا أمام سياق تاريخي ولسنا أمام حالات فردية، وكيف أننا أمام حركة اجتماعية جادة بل ثائرة تريد قلعنا والجلوس مكاننا، ولسنا أمام فرد أو فردين أو عددٍ من القصص الغرامية كما يقول هذا الخفيف.
الصف النصراني مرتب ويسير على خطة إلى هدفٍ محددٍ، ومعلنٍ، وهو إقامة "كنيسة الرب التي سينزل عليها المسيح في آخر الزمان" على أرض مصر والمغرب العربي بل والجزيرة العربية ـ بزعمهم ـ.
وقد اتخذ النصارى لتحقيق هذا الهدف الكلي تدابيراً "علمية" و"عملية". فتمثلت التدابير العلمية في خطابٍ كاذبٍ عن الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، وخطابٍ كاذبٍ عن حال "الأقباط" في مصر وكيف أنهم أصحاب "حقٍ تاريخي" و"مظلومون" ولا منتصر، أَوْقَدَ هذا الخطاب الجائر صدور الأقلية النصرانية، واستعداهم على الأغلبية المسلمة. فالحالة النصرانية الآن مستعلية بكفرها، ومستخفة بمن حولها، تنطوي صدروهم على بغضٍ لنا واحتقارٍ للدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ بفعلِ الخطاب الكنسي المستمر من عقود من الزمان. وسلْ عن "مدارس الأحد"، وعن الخطاب النصراني في الشبكة العنكبوتية، والقنوات الفضائية، وما يتبع ذلك من مطبوعات.
وتمثلت التدابير العملية في تكوينِ ذراعٍ خارجية، طويلة، وقوية، وقاسية، وبذيئة، وهي ما يعرف بـ (أقباط المهجر)،ـ وقد كان هؤلاء يأتمرون فقط في الخارج، واليوم دخلوا يأتمرون بمصر، وعمرو خالد فرح مسرورو بهذا يقول يتكلمون من الداخل!!، ويعد هذا إنجازاً ومن الأمور التي تعجبه. أليست خفة؟؟ـ .وذراعٍ داخلية تمثلت في تشيدِ غير قليلٍ من المنابر الإعلامية المقروءة والمرئية، وتفعيل عديد من المحادين لله ورسوله من خلال هذه المنابر، ليس أشهرهم "يحى الجمل"، الذي يعلن محبته لشنودة الثالث، ورغبته ـ بل حرصه ـ في تقبيل يد شنوده، ولا " سيد القمني"، ولا وزير الأوقاف الأسبق ( زقزوق)،وإنما: القائمة طويلة،ويجتمعون في مستنقع "الحوار المتمدن" وبعض "الأوكار" الفضائية.
وتمثلت التدابير العملية في السيطرة على جزءٍ كبير من الاقتصاد في مصر، أو توفير المال اللازم للكنيسة بأكثر مما تحتاج إليه من نفقه كما صرح الأستاذ نظير جيد (شنودة الثالث) أكثر من مرة.
وتمثلت التدابير العملية في تبني سياسة التغلغل داخل مؤسسات الدولة، ويظهر ذلك في تطويع القرارات والتدابير الحكومية لصالحهم، وطال ذلك المؤسسة الدينية ( الأزهر) في شخص وزير الأوقاف الأسبق (زقزوق)، فقد كان يسابق في هواهم.
وتمثلت تدابيرهم العملية في صبغ مصر بالصبغة النصرانية، عن طريق القلاع والحصون ( الكنائس والأديرة) التي تشيد عاليةً واسعةً في كل مكان، على مشارف المدن وقارعة الطرق الرئيسية، حتى يخال لمن يسير أنها نصرانية. ولن تكون بحول الله وقوته.
وتمثلت التدابير العملية في تسليم قيادة الكنيسة لعددٍ من "البلطجية"، ولم أقصد التطاول أو التعدي باللفظ، ولكنها حقيقة واضحة لمن يتدبر حال القوم،فحين تستعرض حال ومقال القائمين على الكنيسة في مصر كنظير جيد (شنودة الثالث), وزكريا بطرس، ومرقص عزيز، ومتياس نصر، ومنقريوس، وبيشوي، وفلوبيتير، تجد أن هذه الشخصيات ليست علمية، ولا وعظية روحية، أو لا يظهر عليها الصبغة العلمية والوعظية ـ كما هو المفترض ـ وبالتالي لا يمكن أن تؤدي دورها المنوط بها في دينها. وبدهي أن العمل بالقائمين عليه.فتجمع هؤلاء يعطي إشارة واضحة للأفعال ولما يراد منا وبنا.
فنحن أمام حركة اجتماعية ـ أو جماعية ـ نصرانية جادة تعمل على محورين: عملي ونظري .. تجادل وتقاتل، للغلبة والسيطرة. ونحن أمام سياقٍ تاريخ طويل، وقومٍ منظمين، لا يريدون غيرهم إلا تحتهم ..
فليست أبداً مشكلةً فردية بدوافع عاطفية، بل سياق تاريخي وحركة فكرية واجتماعية جادة تريد قلعنا لتجلس مكاننا، فهل يعقل هذا الخفيف؟!
بعد هذا العرض الموجز لحال النصارى دعني أسأل: لماذا يشخص عمرو خالد المشكلة بأنها عاطفية؟، أو : ما أمارة تشخيص عمرو خالد للمشكلة بأنها عاطفية؟
يشخص "عمرو خالد" المشكلة بأنها عاطفية لأنه لا يتدبر، لأنه يتحدث في كل شيء، لأنه عامي حقيقة، يتعامل مع "أم القضايا" بطريقة ساذجة؛ وكأن المطلوب هو البحث عن سبب نضحك به على أنفسنا، وينصرف كلٌّ من حيث جاء.
المطلوب هو تفكيك هذه الحالة الاجتماعية والفكرية الظالمة والتي تتدحرج ككرة الثلج ( تكبر شيئا فشيئاً).
المطلوب هو إرجاع الأقلية إلى وضعها الطبعي.. أن يفهم هؤلاء أن الأقلية لا تحكم الأغلبية... أننا لا نرضى أبداً أن يسب الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
المطلوب هو رجوع الكريمة "كامليا شحاته" والكريمة "وفاء قسطنطين" والكريمة "ماريان" وغيرهن إلى بيوتهن.
المطلوب هو حل المشاكل وليس البحث عن سبب تافه له شاهد وعليه ملايين الشهود.
ويشخص "الداعية" عمرو خالد المشكلة بأنها عاطفية،وحالات فردية، لأنه لا يؤمن ـ عملياً ـ بدعوة الناس إلى الإسلام، هذه هي الحقيقة ، فقد ترك عمرو خالد الدعوة إلى دين الله الإسلام وتحول للدعوة "للتعايش" و"الالتقاء على المشترك"، ويسمي الدعوة إلى الله بـ"الاستقطاب"، ويقف ـ عملياً ـ ضد "الاستقطاب"، هذا مع أن "الآخر" لا يكف عن "استقطاب" الناس لدينه؛ هذا مع أن سنة الله الجارية في الناس منذ خلقوا هي "التدافع" ، ولا زالوا يتدافعون، ولن ينفعك التدافع أبداً.
وتوصيفه للمشكلة بأنها في الأساس عاطفية، يسحب ـ ضمناً ـ من الإسلام صفة الخيرية، وكأن الناس لا تسلم حباً في الدين ـ وهي الحقيقة التي جعلت هؤلاء يتحملون هذه العذابات ـ وإنما اتباعاً لشهوةٍ رخيصة.!!
بالطبع أقف مع المخلصين ضد "الفتنة الطائفية"، ولكن بنظرة عميقة وصحيحة للأحداث، وبحلول جدية،لا بتسطيح وخفة في التعاطي مع الحدث كما يفعل عمرو خالد.