الطــــــــــب النبـــــــــــوي
من حديث أبى الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله عز وجل).
وفي الصحيحين : عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء).
وفي مسند الإمام أحمد : من حديث زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك، قال: كنت عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله ! أنتداوى؟ فقال: (نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهرم).
وفي لفظ: (إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله).
وفي المسند : من حديث ابن مسعود يرفعه: (إن الله ـ عز وجل ـ لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله) وفي المسند و السنن : عن أبي خزامة، قال: قلت: يا رسول الله ! أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ فقال: (هي من قدر الله).
فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها، ويجوز أن يكون قوله: (لكل داء دواء)، على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة، والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يبرئها، ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها، ولكن طوى علمها عن البشر، ولم يجعل لهم إليه سبيلًا، لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله، ولهذا علق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشفاء على مصادفة الدواء للداء، فإنه لا شيء من المخلوقات إلا له ضد، وكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده، فعلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ البرء بموافقة الداء للدواء، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده، فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية،أو زاد في الكمية على ما ينبغي، نقله إلى داء آخر، ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته، وكان العلاج قاصرًا، ومتى لم يقع المداوي على الدواء، أو لم يقع الدواء على الداء، لم يحصل الشفاء، ومتى لم يكن الزمان صالحًا لذلك الدواء، لم ينفع، ومتى كان البدن غير قابل له، أو القوة عاجزة عن حمله، أو ثم مانع يمنع من تأثيره، لم يحصل البرء لعدم المصادفة، ومتى تمت المصادفة حصل البرء بإذن الله ولا بد، وهذا أحسن المحملين في الحديث.
والثاني: أن يكون من العام المراد به الخاص، لا سيما والداخل في اللفظ أضعاف أضعاف الخارج منه، وهذا يستعمل في كل لسان، ويكون المراد أن الله لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء، فلا يدخل في هذا الأدواء التي لا تقبل الدواء، وهذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد: {تدمر كل شيء بأمر ربها} [الأحقاف: 25] أي كل شيء يقبل التدمير، ومن شأن الريح أن تدمره، ونظائره كثيرة.
من تأمل خلق الأضداد في هذا العالم، ومقاومة بعضها لبعض، ودفع بعضها ببعض، وتسليط بعضها على بعض، تبين له كمال قدرة الرب تعالى، وحكمته، وإتقانه ما صنعه، وتفرده بالربوبية، والوحدانية، والقهر، وأن كل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه، كما أنه الغني بذاته، وكل ما سواه محتاج بذاته.
في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع، والعطش، والحر، والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزًا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد مع هذا الإعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلًا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلًا، ولا توكله عجزًا.
فيها رد على من أنكر التداوي، وقال: إن كان الشفاء قد قدر، فالتداوي لا يفيد، وإن لم يكن قد قدر، فكذلك. وأيضًا، فإن المرض حصل بقدر الله، وقدر الله لا يدفع ولا يرد، وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وأما أفاضل الصحابة، فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا، وقد أجابهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما شفى وكفى، فقال: هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله، فما خرج شيء عن قدره، بل يرد قدره بقدره، وهذا الرد من قدره، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما، وهذا كرد قدر الجوع، والعطش والحر، والبرد بأضدادها، وكرد قدر العدو بالجهاد وكل من قدر الله: الدافع، والمدفوع والدفع.
ويقال لمورد هذا السؤال: هذا يوجب عليك أن لا تباشر سببًا من الأسباب التي تجلب بها منفعة، أو تدفع بها مضرة، لأن المنفعة والمضرة إن قدرتا، لم يكن بد من وقوعهما، وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما، وفي ذلك خراب الدين والدنيا، وفساد العالم، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق، معاند له، فيذكر القدر ليدفع حجة المحق عليه، كالمشركين الذين قالوا: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} [الأنعام: 148]، و {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا} [النحل: 35]، فهذا قالوه دفعًا لحجة الله عليهم بالرسل.
جواب هذا السائل أن يقال: بقي قسم ثالث لم تذكره، هو أن الله قدر كذا وكذا بهذا السبب، فإن أتيت بالسبب حصل المسبب، وإلا فلا، فإن قال: إن كان قدر لي السبب، فعلته، وإن لم يقدره لي لم أتمكن من فعله.
قيل: فهل تقبل هذا الإحتجاج من عبدك، وولدك، وأجيرك إذا احتج به عليك فيما أمرته به، ونهيته عنه فخالفك؟ فإن قبلته، فلا تلم من عصاك، وأخذ مالك، وقذف عرضك، وضيع حقوقك، وإن لم تقبله، فكيف يكون مقبولًا منك في دفع حقوق الله عليك. وقد روي في أثر إسرائيلي: أن إبراهيم الخليل قال: يا رب ممن الداء؟ قال: مني . قال: فممن الدواء؟ قال: مني. قال: فما بال الطبيب؟. قال: رجل أرسل الدواء على يديه.
وفي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لكل داء دواء)، تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله، تعلق قلبه بروح الرجاء، وبردت عنده حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية، وكان ذلك سببها لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية، ومتى قويت هذه الأرواح، قويت القوى التي هي حاملة لها، فقهرت المرض ودفعته.
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه. وأمراض الأبدان على وزان أمراض القلوب، وما جعل الله للقلب مرضًا إلا جعل له شفاء بضده، فإن علمه صاحب الداء واستعمله، وصادف داء قلبه، أبرأه بإذن الله تعالى.
الأمراض نوعان
أمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية، وهي الأمراض الأكثرية، وسببها إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن، وتناول الأغذية القليلة النفع، البطيئة الهضم، والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة، فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية، واعتاد ذلك، أورثته أمراضًا متنوعة، منها بطيء الزوال وسريعه، فإذا توسط في الغذاء، وتناول منه قدر الحاجة، وكان معتدلًا في كميته وكيفيته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير.
مراتب الغذاء ثلاثة: أحدها: مرتبة الحاجة. والثانية: مرتبة الكفاية. والثالثة: مرتبة الفضلة. فأخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته، ولا تضف معها، فإن تجاوزها، فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع. فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن.
هذا إذا كان دائمًا أو أكثريًا. وأما إذا كان في الأحيان، فلا بأس به، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من اللبن، حتى قال: والذي بعثك بالحق، لا أجد له مسلكًا. وأكل الصحابة بحضرته مرارًا حتى شبعوا.
الشبع المفرط يضعف القوى والبدن، وإن أخصبه، وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء، لا بحسب كثرته.
ولما كان في الإنسان جزء أرضي، وجزء هوائي، وجزء مائي، قسم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طعامه وشرابه ونفسه على الأجزاء الثلاثة. فإن قيل: فأين حظ الجزء الناري؟
قيل: هذه مسألة تكلم فيها الأطباء، وقالوا: إن في البدن جزءًا ناريًا بالفعل، وهو أحد أركانه واسطقساته. ونازعهم في ذلك آخرون من العقلاء من الأطباء وغيرهم، وقالوا: ليس في البدن جزء ناري بالفعل، واستدلوا بوجوه:
أحدها: أن ذلك الجزء الناري إما أن يدعى أنه نزل عن الأثير، واختلط بهذه الأجزاء المائية والأرضية، أو يقال: إنه تولد فيها وتكون، والأول مستبعد لوجهين، أحدهما: أن النار بالطبع صاعدة، فلو نزلت، لكانت بقاسر من مركزها إلى هذا العالم. الثاني: أن تلك الأجزاء النارية لا بد في نزولها أن تعبر على كرة الزمهرير التي هي في غاية البرد، ونحن نشاهد في هذا العالم أن النار العظيمة تنطفئ بالماء القليل، فتلك الأجزاء الصغيرة عند مرورها بكرة الزمهرير التي هي في غاية البرد، ونهاية العظم أولى بالانطفاء.
وأما الثاني: ـ وهو أن يقال: إنها تكونت ها هنا ـ فهو أبعد وأبعد، لأن الجسم الذي صار نارًا بعد أن لم يكن كذلك، قد كان قبل صيرورته إما أرضًا، وإما ماء، وإما هواء لانحصار الأركان في هذه الأربعة، وهذا الذي قد صار نارًا أولًا، كان مختلطًا بأحد هذه الأجسام، ومتصلًا بها، والجسم الذي لا يكون نارًا إذا اختلط بأجسام عظيمة ليست بنار ولا واحد منها، لا يكون مستعدًا لأن ينقلب نارًا لأنه في نفسه ليس بنار، والأجسام المختلطة باردة، فكيف يكون مستعدًا لانقلابه نارًا؟
فإن قلتم: لم لا تكون هناك أجزاء نارية تقلب هذه الأجسام، وتجعلها نارًا بسبب مخالطتها إياها؟
قلنا: الكلام في حصول تلك الأجزاء النارية كالكلام في الأول، فإن قلتم: إنا نرى من رش الماء على النورة المطفأة تنفصل منها نار، وإذا وقع شعاع الشمس على البلورة، ظهرت النار منها، وإذا ضربنا الحجر على الحديد، ظهرت النار، وكل هذه النارية حدثت عند الإختلاط، وذلك يبطل ما قررتموه في القسم الأول أيضًا.
قال المنكرون: نحن لا ننكر أن تكون المصاكة الشديدة محدثة للنار، كما في ضرب الحجارة على الحديد، أو تكون قوة تسخين الشمس محدثة للنار، كما في البلورة، لكنا نستبعد ذلك جدًا في أجرام النبات والحيوان، إذ ليس في أجرامها من الإصطكاك ما يوجب حدوث النار، ولا فيها من الصفاء والصقال ما يبلغ إلى حد البلورة، كيف وشعاع الشمس يقع على ظاهرها، فلا تتولد النار البتة، فالشعاع الذي يصل إلى باطنها كيف يولد النار؟
الوجه الثاني: في أصل المسألة: أن الأطباء مجمعون على أن الشراب العتيق في غاية السخونة بالطبع، فلو كانت تلك السخونة بسبب الأجزاء النارية، لكانت محالًا إذ تلك الأجزاء النارية مع حقارتها كيف يعقل بقاؤها في الأجزاء المائية الغالبة دهرًا طويلًا، بحيث لا تنطفئ مع أنا نرى النار العظيمة تطفأ بالماء القليل.
الوجه الثالث: أنه لو كان في الحيوان والنبات جزء ناري بالفعل، لكان مغلوبًا بالجزء المائي الذي فيه، وكان الجزء الناري مقهورًا به، وغلبة بعض الطبائع والعناصر على بعض يقتضي انقلاب طبيعة المغلوب إلى طبيعة الغالب، فكان يلزم بالضرورة انقلاب تلك الأجزاء النارية القليلة جدًا إلى طبيعة الماء الذي هو ضد النار الوجه الرابع: أن الله سبحانه وتعالى ذكر خلق الإنسان في كتابه في مواضع متعددة، يخبر في بعضها أنه خلقه من ماء، وفي بعضها أنه خلقه من تراب، وفي بعضها أنه خلقه من المركب منهما وهو الطين، وفي بعضها أنه خلقه من صلصال كالفخار، وهو الطين الذي ضربته الشمس والريح حتى صار صلصالًا كالفخار، ولم يخبر في موضع واحد أنه خلقه من نار، بل جعل ذلك خاصية إبليس. وثبت في صحيح مسلم : عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم)، وهذا صريح في أنه خلق مما وصفه الله في كتابه فقط، ولم يصف لنا سبحانه أنه خلقه من نار، ولا أن في مادته شيئًا من النار.
الوجه الخامس: أن غاية ما يستدلون به ما يشاهدون من الحرارة في أبدان الحيوان، وهي دليل على الأجزاء النارية، وهذا لا يدل، فإن أسباب الحرارة أعم من النار، فإنها تكون عن النار تارة، وعن الحركة أخرى، وعن انعكاس الأشعة، وعن سخونة الهواء، وعن مجاورة النار، وذلك بواسطة سخونة الهواء أيضًا، وتكون عن أسباب أخر، فلا يلزم من الحرارة النار.
قال أصحاب النار: من المعلوم أن التراب والماء إذا اختلطا فلا بد لهما من حرارة تقتضي طبخهما وامتزاجهما، وإلا كان كل منهما غير ممازج للآخر، ولا متحدًا به، وكذلك إذا ألقينا البذر في الطين بحيث لا يصل إليه الهواء ولا الشمس فسد، فلا يخلو، إما أن يحصل في المركب جسم منضج طابخ بالطبع أو لا، فإن حصل، فهو الجزء الناري، وإن لم يحصل، لم يكن المركب مسخنًا بطبعه، بل إن سخن كان التسخين عرضيًا، فإذا زال التسخين العرضي، لم يكن الشيء حارًا في طبعه، ولا في كيفيته، وكان باردًا مطلقًا، لكن من الأغذية والأدوية ما يكون حارًا بالطبع، فعلمنا أن حرارتها إنما كانت، لأن فيها جوهرًا ناريًا.
وأيضًا فلو لم يكن في البدن جزء مسخن لوجب أن يكون في نهاية البرد، لأن الطبيعة إذا كانت مقتضية للبرد، وكانت خالية عن المعاون والمعارض، وجب انتهاء البرد إلى أقصى الغاية، ولو كان كذلك لما حصل لها الإحساس بالبرد، لأن البرد الواصل إليه إذا كان في الغاية كان مثله، والشيء لا ينفعل عن مثله، وإذا لم ينفعل عنه لم يحس به، وإذا لم يحس به لم يتألم عنه، وإن كان دونه فعدم الإنفعال يكون أولى، فلو لم يكن في البدن جزء مسخن بالطبع لما انفعل عن البرد، ولا تألم به. قالوا: وأدلتكم إنما تبطل قول من يقول: الأجزاء النارية باقية في هذه المركبات على حالها، وطبيعتها النارية، ونحن لا نقول بذلك، بل نقول: إن صورتها النوعية تفسد عند الامتزاج.
قال الآخرون: لم لا يجوز أن يقال: إن الأرض والماء والهواء إذا اختلطت، فالحرارة المنضجة الطابخة لها هي حرارة الشمس وسائر الكواكب، ثم ذلك المركب عند كمال نضجه مستعد لقبول الهيئة التركيبية بواسطة السخونة نباتًا كان أو حيوانًا أو معدنًا، وما المانع أن تلك السخونة والحرارة التي في المركبات هي بسبب خواص وقوى يحدثها الله تعالى عند ذلك الامتزاج لا من أجزاء نارية بالفعل؟ ولا سبيل لكم إلى إبطال هذا الإمكان البتة، وقد اعترف جماعة من فضلاء الأطباء بذلك.
وأما حديث إحساس البدن بالبرد، فنقول: هذا يدل على أن في البدن حرارة وتسخينًا، ومن ينكر ذلك؟ لكن ما الدليل على انحصار المسخن في النار، فإنه وإن كان كل نار مسخنًا، فإن هذه القضية لا تنعكس كلية، بل عكسها الصادق بعض المسخن نار.
وأما قولكم بفساد صورة النار النوعية، فأكثر الأطباء على بقاء صورتها النوعية، والقول بفسادها قول فاسد قد اعترف بفساده أفضل متأخريكم في كتابه المسمى بالشفا، وبرهن على بقاء الأركان أجمع على طبائعها في المركبات. وبالله التوفيق.
المرض: نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان
1مرض القلوب
ومرض القلوب: نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي
وكلاهما في القرآن. قال تعالى في مرض الشبهة: {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا} [البقرة: 110]. وقال تعالى: {وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا} [المدثر: 31]. وقال تعالى في حق من دعي إلى تحكيم القرآن والسنة، فأبى وأعرض: {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون} [النور: 48 :49] فهذا مرض الشبهات والشكوك.
أما مرض الشهوات، فقال تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} [الأحزاب: 32]. فهذا مرض شهوة الزنى، والله أعلم.
فأما طب القلوب، فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها، وفاطرها، وبأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابه، متجنبة لمناهيه ومساخطه، ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم، فغلط ممن يظن ذلك، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية، وصحتها وقوتها، وحياة قلبه وصحته، وقوته عن ذلك بمعزل، ومن لم يميز بين هذا وهذا، فليبك على حياة قلبه، فإنه من الأموات، وعلى نوره، فإنه منغمس في بحار الظلمات.
2مرض الأبدان
قال تعالى: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} [النور: 61]، وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء لسر بديع يبين لك عظمة القرآن، والإستغناء به لمن فهمه وعقله عن سواه، وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: حفظ الصحة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة، فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة.
فقال في آية الصوم: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184]، فأباح الفطر للمريض لعذر المرض، وللمسافر طلبًا لحفظ صحته وقوته لئلا يذهبها الصوم في السفر لاجتماع شدة الحركة، وما يوجبه من التحليل، وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل، فتخور القوة، وتضعف، فأباح للمسافر الفطر حفظًا لصحته وقوته عما يضعفها.
وقال في آية الحج: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196]، فأباح للمريض، ومن به أذى من رأسه، من قمل، أو حكة، أو غيرهما، أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغًا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر، فإذا حلق رأسه، تفتحت المسام، فخرجت تلك الأبخرة منها، فهذا الإستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه.
والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة: الدم إذا هاج، والمني إذا تبيغ، والبول، والغائط، والريح، والقيء، والعطاس، والنوم، والجوع، والعطش. وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحسبه.
وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها، وهو البخار المحتقن في الرأس على استفراغ ما هو أصعب منه، كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وأما الحمية: فقال تعالى في آية الوضوء: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} [النساء: 43]، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه، وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج، فقد أرشد ـ سبحانه ـ عباده إلى أصول الطب ومجامع قواعده، ونحن نذكر هدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك، ونبين أن هديه فيه أكمل هدي.
طب الأبدان
فجاء من تكميل شريعته، ومقصودًا لغيره، بحيث إنما يستعمل عند الحاجة إليه، فإذا قدر على الإستغناء عنه،كان صرف الهمم والقوى إلى علاج القلوب والأرواح، وحفظ صحتها، ودفع أسقامها، وحميتها مما يفسدها هو المقصود بالقصد الأول، وإصلاح البدن بدون إصلاح القلب لا ينفع، وفساد البدن مع إصلاح القلب مضرته يسيرة جدًا، وهي مضرة زائلة تعقبها المنفعة الدائمة التامة، وبالله التوفيق.
طب الأبدان: فإنه نوعان
نوع قد فطر الله عليه الحيوان ناطقه وبهيمه، فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب، كطب الجوع، والعطش، والبرد، والتعب بأضدادها وما يزيلها.
والثاني: ما يحتاج إلى فكر وتأمل، كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج، بحيث يخرج بها عن الاعتدال، إما إلى حرارة، أو برودة، أو يبوسة، أو رطوبة، أو ما يتركب من اثنين منها، وهي نوعان: إما مادية، وإما كيفية، أعني إما أن يكون بانصباب مادة، أو بحدوث كيفية، والفرق بينهما أن أمراض الكيفية تكون بعد زوال المواد التي أوجبتها، فتزول موادها، ويبقى أثرها كيفية في المزاج.
وأمراض المادة أسبابها معها تمدها، وإذا كان سبب المرض معه، فالنظر في السبب ينبغي أن يقع أولًا، ثم في المرض ثانيًا، ثم في الدواء ثالثًا. أو الأمراض الآلية وهي التي تخرج العضو عن هيئته، إما في شكل، أو تجويف، أو مجرى، أو خشونة، أو ملاسة، أو عدد، أو عظم، أو وضع، فإن هذه الأعضاء إذا تألفت وكان منها البدن سمي تألفها اتصالًا، والخروج عن الاعتدال فيه يسمى تفرق الإتصال، أو الأمراض العامة التي تعم المتشابهة والآلية.
والأمراض المتشابهة: هي التي يخرج بها المزاج عن الاعتدال، وهذا الخروج يسمى مرضًا بعد أن يضر بالفعل إضرارًا محسوسًا. وهي على ثمانية أضرب: أربعة بسيطة، وأربعة مركبة، فالبسيطة: البارد، والحار، والرطب، واليابس، والمركبة: الحار الرطب، والحار اليابس، والبارد الرطب، والبارد اليابس، وهي إما أن تكون بانصباب مادة، أو بغير انصباب مادة، وإن لم يضر المرض بالفعل يسمى خروجًا عن الاعتدال صحة.
وللبدن ثلاثة أحوال: حال طبيعية، وحال خارجة عن الطبيعية، وحال متوسطة بين الأمرين. فالأولى: بها يكون البدن صحيحًا، والثانية: بها يكون مريضًا. والحال الثالثة: هي متوسطة بين الحالتين، فإن الضد لا ينتقل إلى ضده إلا بمتوسط، وسبب خروج البدن عن طبيعته، إما من داخله، لأنه مركب من الحار والبارد، والرطب واليابس، وإما من خارج، فلأن ما يلقاه قد يكون موافقًا، وقد يكون غير موافق، والضرر الذي يلحق الإنسان قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن الاعتدال، وقد يكون من فساد في العضو، وقد يكون من ضعف في القوى، أو الأرواح الحاملة لها، ويرجع ذلك إلى زيادة ما الاعتدال في عدم زيادته، أو نقصان ما الاعتدال في عدم نقصانه، أو تفرق ما الاعتدال في اتصاله، أو اتصال ما الاعتدال في تفرقه، أو امتداد ما الاعتدال في انقباضه، أو خروج ذي وضع وشكل عن وضعه وشكله بحيث يخرجه عن اعتداله.
فالطبيب: هو الذي يفرق ما يضر بالإنسان جمعه، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه، أو ينقص منه ما يضره زيادته، أو يزيد فيه ما يضره نقصه، فيجلب الصحة المفقودة، أو يحفظها بالشكل والشبه، ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض، ويخرجها، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية، وسترى هذا كله في هدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شافيًا كافيًا بحول الله وقوته، وفضله ومعونته.
فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج الأبدان
بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم تعتده هذا أصل عظيم من أصول العلاج، وأنفع شيء فيه، وإذا أخطأه الطبيب، أضر المريض من حيث يظن أنه ينفعه، ولا يعدل عنه إلى ما يجده من الأدوية في كتب الطب إلا طبيب جاهل، فإن ملاءمة الأدوية والأغذية للأبدان بحسب استعدادها وقبولها، وهؤلاء أهل البوادي والأكارون وغيرهم لا ينجع فيهم شراب اللينوفر والورد الطري ولا المغلي، ولا يؤثر في طباعهم شيئًا، بل عامة أدوية أهل الحضر وأهل الرفاهية لا تجدي علهم، والتجربة شاهدة بذلك، ومن تأمل ما ذكرناه من العلاج انبوي، رآه كله موافقًا لعادة العليل وأرضه، وما نشأ عليه. فهذا أصل عظيم من أصول العلاج يجب الإعتناء به، وقد صرح به أفاضل أهل الطب حتى قال طبيب العرب بل أطبهم الحارث بن كلدة، وكان فيهم كابقراط في قومه: الحمية رأس الدواء، والمعدة بيت الداء، وعودوا كل بدن ما اعتاد. وفي لفظ عنه: الأزم دواء، والأزم: الإمساك عن الأكل يعني به الجوع، وهو من أكبر الأدوية في شفاء الأمراض الإمتلائية كلها بحيث إنه أفضل في علاجها من المستفرغات إذا لم يخف من كثرة الإمتلاء، وهيجان الأخلاط، وحدتها أو غليانها. وقوله: المعدة بيت الداء. المعدة: عضو عصبي مجوف كالقرعة في شكلها، مركب من ثلاث طبقات، مؤلفة من شظايا دقيقة عصبية تسمى الليف، ويحيط بها لحم، وليف إحدى الطبقات بالطول، والأخرى بالعرض، والثالثة بالورب، وفم المعدة أكثر عصبًا، وقعرها أكثر لحمًا، وفي باطنها خمل، وهي محصورة في وسط البطن، وأميل إلى الجانب الأيمن قليلًا، خلقت على هذه الصفة لحكمة لطيفة من الخالق الحكيم سبحانه، وهي بيت الداء، وكانت محلًا للهضم الأول، وفيها ينضج الغذاء وينحدر منها بعد ذلك إلى الكبد والأمعاء، ويتخلف منه فيها فضلات قد عجزت القوة الهاضمة عن تمام هضمها، إما لكثرة الغذاء، أو لردائته، أو لسوء ترتيب في استعماله، أو لمجموع ذلك، وهذه الأشياء بعضها مما لا يتخلص الإنسان منه غالبًا، فتكون المعدة بيت الداء لذلك، وكأنه يشير بذلك إلى الحث على تقليل الغذاء، ومنع النفس من اتباع الشهوات، والتحرز عن الفضلات.
وأما العادة فلأنها كالطبيعة للإنسان، ولذلك يقال: العادة طبع ثان، وهي قوة عظيمة في البدن، حتى إن أمرًا واحدًا إذا قيس إلى أبدان مختلفة العادات، كان مختلف النسبة إليها. وإن كانت تلك الأبدان متفقة في الوجوه الأخرى مثال ذلك أبدان ثلاثة حارة المزاج في سن الشباب، أحدها: عود تناول الأشياء الحارة، والثاني: عود تناول الأشياء الباردة، والثالث: عود تناول الأشياء المتوسطة، فإن الأول متى تناول عسلًا لم يضر به، والثاني: متى تناوله، أضر به، والثالث: يضر به قليلًا، فالعادة ركن عظيم في حفظ الصحة، ومعالجة الأمراض، ولذلك جاء العلاج النبوي بإجراء كل بدن على عادته في استعمال الأغذية والأدوية وغير ذلك.
هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تضمين من طب الناس
القسم الاول .وهو جاهل بالطب
روى أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك، فهو ضامن). هذا الحديث يتعلق به ثلاثة أمور: أمر لغوي، وأمر فقهي، وأمر طبي.
فأما اللغوي: فالطب بكسر الطاء في لغة العرب، يقال: على معان. منها الإصلاح، يقال: طببته: إذا أصلحته. ويقال: له طب بالأمور. أي: لطف وسياسة. قال الشاعر:
وإذا تغير من تميم أمرها ** كنت الطبيب لها برأي ثاقب
ومنها: الحذق. قال الجوهري: كل حاذق طبيب عند العرب، قال أبو عبيد: أصل الطب: الحذق بالأشياء والمهارة بها. يقال للرجل: طب وطبيب: إذا كان كذلك، وإن كان في غير علاج المريض. وقال غيره: رجل طبيب: أي حاذق، سمي طبيبًا لحذقه وفطنته. قال علقمة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ** خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله ** فليس له من ودهن نصيب
وقا ل عنترة:
إن تغد في دوني القناع فإنني ** رطب بأخذ الفارس المستلئم
أي: إن ترخي عني قناعك، وتستري وجهك رغبة عني، فإني خبير حاذق بأخذ الفارس الذي قد لبس لأمة حربه.
ومنها: العادة، يقال: ليس ذاك بطبي، أي: عادتي، قال فروة بن مسيك:
فما إن طبنا جبن ولكن ** منايانا ودولة آخرينا
وقال أحمد بن الحسين المتنبي:
وما التيه طبي فيهم غير أنني ** بغيض إلي الجاهل المتعاقل
ومنها: السحر، يقال: رجل مطبوب، أي: مسحور، وفي الصحيح في حديث عائشة لما سحرت يهود رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجلس الملكان عند رأسه وعند رجليه، فقال أحدهما: ما بال الرجل؟ قال الآخر: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: فلان اليهودي.
قال أبو عبيد: إنما قالوا للمسحور: مطبوب، لأنهم كنوا بالطب عن السحر، كما كنوا عن اللديغ، فقالوا: سليم تفاولًا بالسلامة، وكما كنوا بالمفازة عن الفلاة المهلكة التي لا ماء فيها، فقالوا: مفازة تفاؤلًا بالفوز من الهلاك. ويقال: الطب لنفس الداء. قال ابن أبي الأسلت:
ألا من مبلغ حسان عني ** أسحر كان طبك أم جنون
وأما قول الحماسي:
فإن كنت مطبوبًا فلا زلت هكذا ** وإن كنت مسحورًا فلا برئ السحر
فإنه أراد بالمطبوب الذي قد سحر، وأراد بالمسحور: العليل بالمرض.
قال الجوهري: ويقال للعليل: مسحور. وأنشد البيت. ومعناه: إن كان هذا الذي قد عراني منك ومن حبك أسأل الله دوامه، ولا أريد زواله، سواء كان سحرًا أو مرضًا.
والطب: مثلث الطاء، فالمفتوح الطاء: هو العالم بالأمور، وكذلك الطبيب يقال له: طب أيضًا. والطب: بكسر الطاء: فعل الطبيب، والطب بضم الطاء: اسم موضع، قاله ابن السيد، وأنشد:
فقلت هل انهلتم بطب ركابكم ** بجائزة الماء التي طاب طينها
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: من تطبب، ولم يقل: من طب، لأن لفظ التفعل يدل على تكلف الشيء والدخول فيه بعسر وكلفه، وأنه ليس من أهله، كتحلم وتشجع وتصبر ونظائرها، وكذلك بنوا تكلف على هذا الوزن، قال الشاعر: وقيس عيلان ومن تقيسا وأما الأمر الشرعي، فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل، فإذا تعاطى علم الطب وعمله، ولم يتقدم له به معرفة، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه، فيكون قد غرر بالعليل، فيلزمه الضمان لذلك، وهذا إجماع من أهل العلم.
قال الخطابي: لا أعلم خلافًا في أن المعالج إذا تعدى، فتلف المريض كان ضامنًا، والمتعاطي علمًا أو عملًا لا يعرفه متعد، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية، وسقط عنه القود، لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته.
قلت: الأقسام خمسة: أحدها: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده، فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع، ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس، أو ذهاب صفة، فهذا لا ضمان عليه اتفاقًا، فإنها سراية مأذون فيه، وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت، وسنه قابل للختان، وأعطى الصنعة حقها، فتلف العضو أو الصبي، لم يضمن، وكذلك إذا بط من عاقل أو غيره ما ينبغي بطه في وقته على الوجه الذي ينبغي فتلف به، لم يضمن، وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في سببها، كسراية الحد بالإتفاق. وسراية القصاص عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة في إيجابه الضمان بها، وسراية التعزير، وضرب الرجل امرأته، والمعلم الصبي، والمستأجر الدابة، خلافًا لأبي حنيفة والشافعي في إيجابهما الضمان في ذلك، واستثنى الشافعي ضرب الدابة.
وقاعدة الباب إجماعًا ونزاعًا: أن سراية الجناية مضمونة بالإتفاق، وسراية الواجب مهدرة بالإتفاق، وما بينهما ففيه النزاع. فأبو حنيفة أوجب ضمانه مطلقًا، وأحمد ومالك أهدرا ضمانه، وفرق الشافعي بين المقدر، فأهدر ضمانه، وبين غير المقدر فأوجب ضمانه. فأبو حنيفة نظر إلى أن الإذن في الفعل إنما وقع مشروطًا بالسلامة، وأحمد ومالك نظرا إلى أن الإذن أسقط الضمان، والشافعي نظر إلى أن المقدر لا يمكن النقصان منه، فهو بمنزلة النص، وأما غير المقدر كالتعزيرات، والتأديبات، فاجتهادية، فإذا تلف بها، ضمن، لأنه في مظنة العدوان.
القسم الثاني: متطبب جاهل باشرت يده من يطبه
فتلف به، فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له، وأذن له في طبه لم يضمن، ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث، فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غر العليل، وأوهمه أنه طبيب، وليس كذلك، وإن ظن المريض أنه طبيب، وأذن له في طبه لأجل معرفته، ضمن الطبيب ما جنت يده، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته وحذقه فتلف به، ضمنه، والحديث ظاهر فيه أو صريح.
القسم الثالث: طبيب حاذق
أذن له، وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده، وتعدت إلى عذضو صحيح فأتلفه، مثل: أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة، فهذا يضمن؛ لأنها جناية خطأ، ثم إن كانت الثلث فما زاد، فهو على عاقلته، فإن لم تكن عاقلة، فهل تكون الدية في ماله، أو في بيت المال؟ على قولين: هما روايتان عن أحمد. وقيل: إن كان الطبيب ذميًا، ففي ماله، وإن كان مسلمًا، ففيه الروايتان، فإن لم يكن بيت مال، أو تعذر تحميله، فهل تسقط الدية، أو تجب في مال الجاني؟ فيه وجهان أشهرهما: سقوطها.
القسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء، فأخطأ في اجتهاده، فقتله، فهذا يخرج على روايتين: إحداهما: أن دية المريض في بيت المال.
والثانية: أنها على عاقلة الطبيب، وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطإ الإمام والحاكم.
القسم الخامس: طبيب حاذق
أعطى الصنعة حقها، فقطع سلعة من رجل أو صبي، أو مجنون بغير إذنه، أو إذن وليه، أو ختن صبيًا بغير إذن وليه فتلف، فقال أصحابنا: يضمن، لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه، وإن أذن له البالغ، أو ولي الصبي والمجنون، لم يضمن، ويحتمل أن لا يضمن مطلقًا لأنه محسن، وما على المحسنين من سبيل. وأيضًا فإنه إن كان متعديًا، فلا أثر لإذن الولي في إسقاط الضمان، وإن لم يكن متعديًا، فلا وجه لضمانه. فإن قلت: هو متعد عند عدم الإذن، غير متعد عند الإذن، قلت: العدوان وعدمه إنما يرجع إلى فعله هو، فلا أثر للإذن وعدمه فيه، وهذا موضع نظر.
الطبيب في هذا الحديث يتناول من يطب بوصفه وقوله وهو الذي يخص باسم الطبائعي، وبمروده، وهو الكحال، وبمبضعه ومراهمه وهو الجرائحي، وبموساه وهو الخاتن، وبريشته وهو الفاصد، وبمحاجمه ومشرطه وهو الحجام، وبخلعه ووصله ورباطه وهو المجبر، وبمكواته وناره وهو الكواء، وبقربته وهو الحاقن، وسواء كان طبه لحيوان بهيم، أو إنسان، فاسم الطبيب يطلق لغة على هؤلاء كلهم، كما تقدم، وتخصيص الناس له ببعض أنواع الأطباء عرف حادث، كتخصيص لفظ الدابة بما يخصها به كل قوم.
الطبيب الحاذق: هو الذي يراعي في علاجه عشرين أمرًا
أحدها: النظر في نوع المرض من أي الأمراض هو؟
الثاني: النظر في سببه من أي شيء حدث، والعلة الفاعلة التي كانت سبب حدوثه ما هي؟ .
الثالث: قوة المريض، وهل هي مقاومة للمرض، أو أضعف منه؟ فإن كانت مقاومة للمرض، مستظهرة عليه، تركها والمرض، ولم يحرك بالدواء ساكنًا.
الرابع: مزاج البدن الطبيعي ما هو؟
الخامس: المزاج الحادث على غير المجرى الطبيعي.
السادس: سن المريض.
السابع: عادته.
الثامن: الوقت الحاضر من فصول السنة وما يليق به.
التاسع: بلد المريض وتربته.
العاشر: حال الهواء في وقت المرض.
الحادي عشر: النظر في الدواء المضاد لتلك العلة.
الثاني عشر: النظر في قوة الدواء ودرجته، والموازنة بينها وبين قوة المريض.
الثالث عشر: ألا يكون كل قصده إزالة تلك العلة فقط، بل إزالتها على وجه يأمن معه حدوث أصعب منها، فمتى كان إزالتها لا يأمن معها حدوث علة أخرى أصعب منها، أبقاها على حالها، وتلطيفها هو الواجب، وهذا كمرض أفواه العروق، فإنه متى عولج بقطعه وحبسه خيف حدوث ما هو أصعب منه.
الرابع عشر: أن يعالج بالأسهل فالأسهل، فلا ينتقل من العلاج بالغذاء إلى الدواء إلا عند تعذره، ولا ينتقل إلى الدواء المركب إلا عند تعذر الدواء البسيط، فمن حذق الطبيب علاجه بالأغذية بدل الأدوية، وبالأدوية البسيطة بدل المركبة.
الخامس عشر: أن ينظر في العلة، هل هي مما يمكن علاجها أو لا؟ فإن لم يمكن علاجها، حفظ صناعته وحرمته، ولا يحمله الطمع على علاج لا يفيد شيئًا. وإن أمكن علاجها، نظر هل يمكن زوالها أو لا؟ فإن علم أنه لا يمكن زوالها، نظر هل يمكن تخفيفها وتقليلها أم لا؟ فإن لم يكن تقليلها، ورأى أن غاية الإمكان إيقافها وقطع زيادتها، قصد بالعلاج ذلك، وأعان القوة، وأضعف المادة.
السادس عشر: ألا يتعرض للخلط قبل نضجه باستفراغ، بل يقصد إنضاجه، فإذا تم نضجه، بادر إلى استفراغه.
السابع عشر: أن يكون له خبرة باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها، وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان، فإن انفعال البدن وطبيعته عن النفس والقلب أمر مشهود، والطبيب إذا كان عارفًا بأمراض القلب والروح وعلاجهما، كان هو الطبيب الكامل، والذي لا خبرة له بذلك وإن كان حاذقًا في علاج الطبيعة وأحوال البدن نصف طبيب. وكل طبيب لا يداوي العليل، بتفقد قلبه وصلاحه، وتقوية روحه وقواه بالصدقة، وفعل الخير، والإحسان، والإقبال على الله والدار الآخرة، فليس بطبيب، بل متطبب قاصر. ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء، والتضرع والابتهال إلى الله، والتوبة، ولهذه الأمور تأثير في دفع العلل، وحصول الشفاء أعظم من الأدوية الطبيعية، ولكن بحسب استعداد النفس وقبولها وعقيدتها في ذلك ونفعه.
الثامن عشر: التلطف بالمريض، والرفق به، كالتلطف بالصبي.
التاسع عشر: أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية، والعلاج بالتخييل، فإن لحذاق الأطباء في التخييل أمورًا عجيبة لا يصل إليها الدواء، فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل معين.
العشرون: ـ وهو ملاك أمر الطبيب ـ أن يجعل علاجه وتدبيره دائرًا على ستة أركان: حفظ الصحة الموجودة، ورد الصحة المفقودة بحسب الإمكان، وإزالة العلة أو تقليلها بحسب الإمكان، واحتمال أدنى المفسدتين؛ لإزالة أعظمهما، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما، فعلى هذه الأصول الستة مدار العلاج، وكل طبيب لا تكون هذه أخيته التي يرجع إليها، فليس بطبيب، والله أعلم.
ولما كان للمرض أربعة أحوال
ابتداء، وصعود، وانتهاء، وانحطاط، تعين على الطبيب مراعاة كل حال من أحوال المرض بما يناسبها ويليق بها، ويستعمل في كل حال ما يجب استعماله فيها. فإذا رأى في ابتداء المرض أن الطبيعة محتاجة إلى ما يحرك الفضلات ويستفرغها لنضجها، بادر إليه، فإن فاته تحريك الطبيعة في ابتداء المرض لعائق منع من ذلك، أو لضعف القوة وعدم احتمالها للاستفراغ، أو لبرودة الفصل، أو لتفريط وقع، فينبغي أن يحذر كل الحذر أن يفعل ذلك في صعود المرض، لأنه إن فعله، تحيرت الطبيعة لاشتغالها بالدواء، وتخلت عن تدبير المرض ومقاومته بالكلية، ومثاله: أن يجيء إلى فارس مشغول بمواقعة عدوه، فيشغله عنه بأمر آخر، ولكن الواجب في هذه الحال أن يعين الطبيعة على حفظ القوة ما أمكنه. فإذا انتهى المرض ووقف وسكن، أخذ في استفراغه، واستئصال أسبابه، فإذا أخذ في الانحطاط، كان أولى بذلك. ومثال هذا مثال العدو إذا انتهت قوته، وفرغ سلاحه، كان أخذه سهلًا، فإذا ولى وأخذ في الهرب، كان أسهل أخذًا، وحدته وشوكته إنما هي في ابتدائه، وحال استفراغه، وسمعة قوته، فهكذا الداء، والدواء سواء.
من حذق الطبيب أنه حيث أمكن التدبير بالأسهل، فلا يعدل إلى الأصعب
ويتدرج من الأضعف إلى الأقوى إلا أن يخاف فوت القوة حينئذ، فيجب أن يبتدئ بالأقوى، ولا يقيم في المعالجة على حال واحدة فتألفها الطبيعة، ويقل انفعالها عنه، ولا تجسر على الأدوية القوية في الفصول القوية، وقد تقدم أنه إذا أمكنه العلاج بالغذاء، فلا يعالج بالدواء، وإذا أشكل عليه المرض أحار هو أم بارد؟ فلا يقدم حتى يتبين له، ولا يجربه بما يخاف عاقبته، ولا بأس بتجربته بما لا يضر أثره. وإذا اجتمعت أمراض، بدأ بما تخصه واحدة من ثلاث خصال: إحداها: أن يكون برء الآخر موقوفًا على برئه كالورم والقرحة، فإنه يبدأ بالورم.
الثانية: أن يكون أحدها سببًا للآخر، كالسدة والحمى العفنة، فإنه يبدأ بإزالة السبب.
الثالثة: أن يكون أحدهما أهم من الآخر، كالحاد والمزمن، فيبدأ بالحاد، ومع هذا فلا يغفل عن الآخر. وإذا اجتمع المرض والعرض، بدأ بالمرض، إلا أن يكون العرض أقوى كالقولنج، فيسكن الوجع أولًا، ثم يعالج السدة، وإذا أمكنه أن يعتاض عن المعالجة بالإستفراغ بالجوع أو الصوم أو النوم، لم يستفرغه، وكل صحة أراد حفظها، حفظها بالمثل أو الشبه، وإن أراد نقلها إلى ما هو أفضل منها، نقلها بالضد.
في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التحرز من الأدواء المعدية
بطبعها وإرشاده الأصحاء إلى مجانبة أهلها ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله، أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ارجع فقد بايعناك).
وروى البخاري في صحيحه تعليقًا من حديث أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (فر من المجذوم كما تفر من الأسد).
وفي سنن ابن ماجه من حديث ابن عباس، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (لا تديموا النظر إلى المجذومين).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا يوردن ممرض على مصح)
ويذكر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (كلم المجذوم، وبيك وبينه قيد رمح أو رمحين).
الجذام: علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله، فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها وشكلها، وربما فسد في آخره اتصالها حتى تتأكل الأعضاء وتسقط، ويسمى داء الأسد. وفي هذه التسمية ثلاثة أقوال للأطباء: أحدها: أنها لكثرة ما تعتري الأسد.
والثاني: لأن هذه العلة تجهم وجه صاحبها وتجعله في سحنة الأسد.
والثالث: أنه يفترس من يقربه، أو يدنو منه بدائه افتراس الأسد.
وهذه العلة عند الأطباء من العلل المعدية المتوارثة، ومقارب المجذوم، وصاحب السل يسقم برائحته، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكمال شفقته على الأمة، ونصحه لهم نهاهم عن الأسباب التي تعرضهم لوصول العيب والفساد إلى أجسامهم وقلوبهم، ولا ريب أنه قد يكون في البدن تهيؤ واستعداد كامن لقبول هذا الداء، وقد تكون الطبيعة سريعة الانفعال قابلة للاكتساب من أبدان من تجاوره وتخالطه، فإنها نقالة، وقد يكون خوفها من ذلك ووهمها من أكبر أسباب إصابة تلك العلة لها، فإن الوهم فعال مستول على القوى والطبائع، وقد تصل رائحة العليل إلى الصحيح فتسقمه، وهذا معاين في بعض الأمراض، والرائحة أحد أسباب العدوى، ومع هذا كله فلا بد من وجود استعداد البدن وقبوله لذلك الداء، وقد تزوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ امرأة، فلما أراد الدخول بها، وجد بكشحها بياضًا، فقال: (الحقي بأهلك). وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الأحاديث معارضة بأحاديث أخر تبطلها وتناقضها، فمنها: ما رواه الترمذي، من حديث جابر، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذ بيد رجل مجذوم، فأدخلها معه في القصعة، وقال: (كل بسم الله ثقة بالله، وتوكلًا عليه)، ورواه ابن ماجه.
وبما ثبت في الصحيح، عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (لا عدوى ولا طيرة).
ونحن نقول: لا تعارض بحمد الله بين أحاديثه الصحيحة. فإذا وقع التعارض، فإما أن يكون أحد الحديثين ليس من كلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد غلط فيه بعض الرواة مع كونه ثقة ثبتًا، فالثقة يغلظ، أو يكون أحد الحديثين ناسخًا للآخر إذا كان مما يقبل النسخ، أو يكون التعارض في فهم السامع، لا في نفس كلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا بد من وجه من هذه الوجوه الثلاثة.
وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه، ليس أحدهما ناسخًا للآخر، فهذا لا يوجد أصلًا، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق، والآفة من التقصير في معرفة المنقول، والتمييز بين صحيحه ومعلوله، أو من القصور في فهم مراده ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحمل كلامه على غير ما عناه به، أو منهما معًا، ومن ها هنا وقع من الإختلاف والفساد ما وقع، وبالله التوفيق.