لو
لو كنتُ من ميكا، ولي عين ميكا وأذن ميكا... لو كانت حبيبتي في الواقع كما رسمتها لي في الخيال... لو كان صديقي هو الآخر من ميكا... لو كنت أفهم منطق الطير وأشعار الأزهار... لو لم تكن في قاموسنا السياسي كلمة (سوف)... لو تشرق الشمس من الغرب أحيانا... لو لديَّ يدٌ ثالثة وعينٌ إضافية في قفاي وقلبٌ احتياطي... لو أقدر على رؤية نفسي كما ترى الفراشة الزاهية نفسها؛ من دون ألوان... لو كانت لي حريّة الاختيار المطلقة... لو لم يكن ذلك القردُ/اللصُّ ممثلي في البرلمان... لو بيدي آلة تحذف الإشهار من التلفزيون وترسم آذان الحمير على حمير المشاهير... لو تقبل الحمير اعتذاري لها عن هذه المقارنة... لو نسير على نظام الشمس الملتزمة بمواعيدها بدل نظام القمر المخلف بها... لو تبقى صديقتي ليلى حلوة على الدوام... لو تبقى معي أيّها القارئ/القارئة...
وأنا لا أتمنّى أن أكون قاضيا، امرأة أفغانية تحت حكم طالبان، صحافيا مهزلة، سياسيا مزبلة، فنّاناً مرتزقة، رياضياً إمّعة، عاملا على عمالة، أستاذاً ظُحَكَة، وزيرة ثقافة غارقة في الأمّية والزندقة...
أتمنى لو كنتُ امرأة شابّة، جميلة، ذكية، ثرية، عزباء، سليمة، مشفقة على الحيوان والأدباء.
أتمنّى لو كنتُ ذلك الحيوان الذي تشفق عليه.
لو أنّني كنتُ القبطان كريستو، الأديب غارسيا ماكيز، الرياضي القافز بالزانة سيرج بوبكا، الأم تيريزا، الشاعر المغني البلجيكي الذميم جاك بريل، الممثل الساخر شارلي شابلين، شيخ المتصوفة محيي الدين بن عربي، الصحافي المغربي يونس مجاهد، العدّاء المغربي سعيد عويطة، الجاحظ، عبد الجبار النفري، فريد الدين العطّار، عمر الخيام، إسمهان، عبد الله بن المقفّع، نبيّاً بدون دين أو رسالة عدا الدعوة إلى السلم وتحديد النسل...
أتمنى لو كنتُ أنا.
لو كان الإنسان يغذي نفسه بنفسه انطلاقا من الماء والكربون كما تفعل النباتات اليخضورية... لو بيدي آلة تسكتُ الأصوات الضوضائية بما فيها صوت حماتي، قرص طاقي بحجم بطارية الساعة اليدوية أستنير منه وأطهو به بدل قنينة الغاز الثقيلة المبلّدة، آلة تصفّر متى مرّ بي لص انتخابات أو مرتشي أو متخاذل عن نضالات الشعب... لو يصوم الناس عن الكلام... لو ينتبه سكّان قرية (عين عْتيق) أنّ لديهم ثروة لا تقدّر بثمن؛ أسراب اللقالق التي بنت أعشاشها على كلّ مرتفع...
لو أتصوّر فتوغرافياً ولا تظهر عليَّ علاماتُ البلادة والزهوّ والتملّق والجشع...
لو كنتُ نارا، ماءً، ترابا، وهواء...
لو أنني كنتُ مغربيا مائة بالمئة، وعندما أموت، يُسمعُ إلى دفاعي... لو أنني من برج الميزان فعلا... لو للغدر لون... لو أنّ المساجد فسيحة من دون أعمدة وأضواء تعيق الرؤية... لو معي (دنقلا) أسمر، (سيّابا) أصفر، (راجعا) أبيض لليوم الأسود... لو يسنّوا (اليوم العالمي للهدوء)، (اليوم العالمي للسلم)، (اليوم العالمي للجدّة)...
لو تُمنعُ كروش الحرام من بناء شالهاتها على شواطئنا... لو يقدر كلّ أصلع على تحمّل مسؤولية صلعته والمفاخرة بها... لو نخترع سبحةً ببضع حبّات فقط...
لو المرأة تنظر إلى قلب الرجل لا إلى جيبه... والرجل ينظر إلى المرأة بما هي بعضه أو نصفه أو كلّه لا إلى شيءٍ آخر فيها...
لو أنّ المجنونة تنساني... لو تقبل بي عائشة رئيسة اتحاد النساء قِطّاً تقرأني... لو يُعدمُ الحكم بالإعدام... لو أنّ للدجاج طعم الخروف، للسردين مذاق الجمبري، للبيض نكهة جبن الماعز، للخبز الحافي لذة البيتزا، للرتابة ذوق التجديد...
لو لا مُقدّس...
لو يقدر أحدهم على رسم كاتالوغ للجنّة... لو تروها عارية... الحقية، لو لم أعلم لما شقيت.
لو تسافر زوجتي مرّة حتى أرى ما إذا سألعب بذيلي أم لا... لو يقرأ ابني كتابا... لو تكفَّ طفلتي الضخمة عن السطو على ما في مثلجتي من أغذية...
لو يحبّني أبي ويغفر لي... لو تغفر لي أمّي ما أذنبت في حقها وهي في التراب... لو أعيش حتى أرى فلسطين حرّة، وابني في مهنة، وبنتي في أسرة، وزوجتي غافرة لي وسعيدة، وشعبي علمٌ وعملٌ وسكنٌ كرامةٌ وغيرة...