انتبه الجميع إلى الظلام الذي يلف غزة، وما نجم عن انقطاع التيار الكهربائي من أضرار اقتصادية وصحية وبيئية وحياتية، وانتبه البعض إلى تعطل حركة المواصلات جراء فقدان الوقود، ولكن القليل من الناس تنبه إلى منافع انقطاع الكهرباء، وفوائد انعدام الوقود، وأثر ذلك على حياة الناس.
لقد انعكس انقطاع التيار الكهربائي على حياة الناس في قطاع غزة، فصار أفراد الأسرة أكثر قرباً من بعضهم، وأكثر تحسساً لعواطف بعضهم، ولاسيما مع انغلاق التلفاز، وتعطل أجهزة الكمبيوتر، وتوقف شبكة الانترنت التي اختطفت التواصل الاجتماعي، لقد انتبهت بعض نساء غزة إلى أهمية انقطاع التيار الكهربائي لمدة 12 ساعة متواصلة في اليوم، واكتشفن أن للحياة وجه آخر لا يعتمد على الانتظار، لقد اكتشفن قدرتهن على إشغال الزوج واحتضان الأبناء في جو عائلي حميم، ما كان ليتحقق مع وجود المنافسين من الأجهزة الكهربائية الحديثة، لقد اكتشفت بعض النسوة أن للعتمة نورها المضيء، ولاسيما حين يفترشن الحب، ويفرشن لأزواجهن وسائد الحنان، ويبسطن لأبنائهن سجادة المودة.
لقد اكتشفت نسوة غزة أن 6 ساعات كهرباء تكفي لتشغيل الغسالة، وتشغيل الثلاجة، وانجاز الخبز، وتشغيل السخان، ورتبت معظم النسوة في غزة أوقات عملهن المنزلي مع وصول التيار الكهربائي، وقلة من نساء غزة يتذمرن، ويتأففن، ويلعن الظلام دون أن يشعلن شمعة حب في البيت الذي مل من انتظار وصول التيار الكهربائي.
في شوارع غزة ترى شاباً يمسك بيد خطيبته، ويتهامسان برومانسية، وفي شوارع غزة تنافس عجوز زوجها في المشي، وهما يضحكان من العتمة، فهما يعرفان أن انقطاع التيار الكهربائي يهدف إلى تذويب قضية فلسطين، وإشغال المقاومين عن هدفهم الرئيسي، لقد خرج الشباب إلى شوارع غزة كي يستنشقوا الربيع، وهم يعرفون أنهم صامدون في وجه الضغوط الصهيونية، ويقاومون، وأن بصبرهم على الحصار يردون على عدوهم الذي اغتصب أرضهم، لقد صار المشي في غزة بديلاً عن ركوب السيارات، وفي ذلك صحة لا يدركها من تعود القعود في البيت، لأن في المشي محاربة للسمنة، وفي المشي قضاء على داء السكر، وارتفاع ضغط الدم، وللمشي فوائد تخفيض نسبة الكلسترول في الدم، ومعادلة الدهون الثلاثية بما يفيد الجسم، وللمشي فوائد توفير الطاقة، وتقليل نسبة التلوث في الجو.
من ظلام غزة يتوالد النور، ومن ميت غزة ينبعث الحي، ومن صخب الأوضاع يقطف العقلاء ورد السكون، فإذا بانعدام الوقود في غزة أمل شعب بالحرية، وإذا بانقطاع الكهرباء رومانسية تلف شوارع غزة، بحيث لو عرفت المدن الأوروبية حجم التواصل الاجتماعي، والود العائلي الناجم عن انقطاع الكهرباء، لصامت عواصم العالم في كل عام شهراً كاملاً بلا كهرباء.
وسيندم الإسرائيليون أشد الندم من حصارهم لقطاع غزة، سيندمون حين يكتشفون بعد تسعة أشهر أن نسبة المواليد في قطاع غزة قد تضاعفت عدة مرات!.