قد سمعنا كثيرون في أوصاف الغيرة وبتّ أنانيتهم في المحبوب، كما جاء عند الأستاذ علي الجارم في رائعته "مالي فتنت بلحظك الفتّك" وقد غنتها له فقيدة الفنّ العربي الأصيل أم كلثوم، عندما ذكر في بيت من الأبيات يقول فيه:
[/color]
[size=18]
إنّي أغار من الكؤوس فجنبي .. كأس المدامة أن تقبّل فاك.
كما ذكر أيضا يزيد بن معاوية في رائعته "أراك طروبا" حين قال:
أغار عليها من أبيها وأمها .. ومن حظوة المسواك حين دار في الفم
وآغار على أعطافها من ثيابها .. إذا ألبستها فوق جسم منعم
وأحسد أقداحا تقبّل ثغرها .. إذا أوضعتها موضع اللثم بالفم
ولكن أن يأتي كشاعرنا القاسم بن هتيمل الضمدي ليقول:
أنا من ناظري عليك أغار .. وارى عني ما زال عنه الخمار
صن محياك بالنقـــاب وإلا .. نهبته القلوب والأبصــــار
فمن الغبن أن يماط لثــــام .. عن ثناياك أو يحـــــل إزار
فتلك لعمري قصيّة الغيرة التي ذهبت بصاحبها إلى أن يغير على محبوبته حتى من نفسه ومن ناظريه..
وفي هذه القصيدة أيضا أجمل وألطف عبارات تشبيه الشيب إذ يصف محبوبته وفزعها عندما رأت شعر رأسه وقد غزا الشيب جانبيه .. فتمعنّوا بهذا التشبيه الذي وصف به الشاعر ما تبقى من شعر أسود على رأسه بالليل والشيب الأبيض الذي غزا عارضيه بالنهار في قوله:
فلمّا أن رأت مفرقي فأفزعها .. ليل تمشّى بجانبيه نهار
وبيت لم تفتني حلاوة مذاقه من بن هتيمل عندما أعلن عن شهوة النفس لغرام الشباب دون أن يكون للمشيب تأثير على ذلك برأيه وقوله الصريح:
وغرام الشباب أشهى إلى النفـس .. وإن كان في المشيب الوقار
ولا ينسى شاعرنا أن يختم قصيدته في ندب ذلك الزمان الأول وتلك الديار البالية وحنينه لذلك العهد القديم عندما يقول:
[color=green]لا الزمان الزمان فيما عهدناه .. قديما ولا الديار الديار.
بعض هذا يبلي الجديد ويفني .. المرء لو أن عمره أعمار