الشبهة: يسوغ أصحاب الفكر الضال ما ذهبوا إليه في القتل والاغتيال بقولهم إن اغتيال أئمة الكفر ورؤوس الظلم أمر شرعه الله وسُنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم , مستدلين بقوله تعالى: { فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ َاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُم وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} قال القرطبي عند هذه الآية:"هذا دليل على جواز اغتيالهم قبل الدعوة". واستدلوا بما روي عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال : " من لكعب بن الأشرف فإنه قد أذى الله ورسوله" وماروي أنه عندما قتلت الأوس كعب بن الأشرف استأذنت الخزرج في قتل سلّام بن أبي الحُقيق لكي يدركوا من الفضل ما أدركه الأوس وندب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قتل خالد الهذلي فانتدب له عبد الله بن أنيس ثم جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبشره فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عصاه لتكون آية بينهما يوم القيامة , واستدلوا أيضا بانتداب محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الأشرف وغير ذلك من القصص التي حصلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الرد على الشبهة:
حادثة قَتْل كعب بن الأشرف و قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق اليهودي صحيحة ثابتة لا شك في ذلك، ولكن هذا الوقائع تختلف عما يجري منكم، وذلك لوجوه:
1-أن الذين قتلوا في هذه الوقائع كانوا من الكفار المحاربين لا عهد لهم ولا أمان، فإن كعبًا كافر بلا نزاع، وهو بعينه محارِبٌ أيضًا، آذى الله ورسوله!! أما أنتم فتقتلون بهذه التفجيرات مسلمين أبرياء، من أطفال ونساء، وشيوخ، وغيرهم!! كما أنكم تقتلون من لم يُكفِّره أهل العلم الكبار!! كما أنكم تقتلون من غير المسلمين وليسوا محاربين، بل هم معاهَدون، ولم ينقضوا عهدهم، ومن نقض منهم عهده؛ فليس يشرع لكم قتله - مع هذه المفاسد التي تحل بالأمة - وهذا يجرُّنا إلى الوجه الثاني:
2- أن الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هو ولي أمر المسلمين، وهو الذي حرض على قتل هؤلاء، فهو رسول الله، وهو ولي الأمر، أما أنتم فلستم بهذا، ولا بذاك!!
فهل أذِن لكم وليّ الأمر بقتل المعاهد الذي نقض عهده ؟ أو بقتل المحارب الذي أُذِنَ له بالدخول في بلاد المسلمين لأمر ما - حقاً كان أم باطلاً - ؟! ألا تعلمون ما في ذلك من مفاسد ؟! ثم هل أنتم أغير من الصحابة الذين كانوا يعلمون حال كعب قبل ذلك، ولم يذهب واحد منهم من عند نفسه ليقتله ؟! إنهم - رضي الله عنهم -لم يفعلوا ذلك إلا عندما أذن لهم من رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو ولي الأمر، فلما أذن لهم؛ فعلوا، فرضي الله عنهم، وهدانا سواء الصراط.
وقد قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله تعالى - جوابًا على من استدل بهذا الدليل: "ليس في قصة قتل كعب دليل على جواز الاغتيالات؛ فإن قتل كعب بن الأشرف كان بأمر الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهو ولي الأمر، وكعْب مِنْ رعيته بموجب العهد، وقد حصلت منه خيانة للعهد، اقتضت جواز قتله؛ كَفًّا لشره عن المسلمين، ولم يكن قتله بتصرف من آحاد الناس، أو بتصرف جماعة منهم من دون ولي الأمر، كما هو حال الاغتيالات المعروفة اليوم في الساحة، فإن هذه فوضى لا يقرها الإسلام؛ لما يترتب عليها من المضار العظيمة في حق الإسلام والمسلمين ".
3- إن قتل كعب بن الأشرف كان فيه عزة للمؤمنين، وانكسرت به شوكة اليهود بعد ذلك، وما أصبح واحد منهم إلا خائفًا. وأعلن المسلمون حينذاك أنهم هم الذين قتلوا كعبًا، وذلك لقوتهم، واستعدادهم لمواجهة اليهود إن أرادوا شيئًا!! أما أنتم فتفعلون التفجيرات والاغتيالات في كثير من البلدان، وتهربون - إن سلمتم - ويتعرض غيركم من الأبرياء للابتلاء الشديد!!
وأيضًا: فالمسلمون ليسوا بأقوياء قادرين على ردة الفعل - كما هو مشاهد هذه الأيام - فهل أحسنتم لدينكم وأمتكم عند ما كنتم سببًا لتسلّط عدوهم عليهم ؟!
4- كعب قتل بدون غدر، قال النووي (1) وإنما يكون الغدر بعد أمان موجود وكان كعب قد نقض عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمنه محمد بن مسلمة ورفقته ولكنه استأنس بهم فتمكنوا منه من غير عهد ولا أمان". وأما ما يجري اليوم؛ فلا يسلم من الغدر. وهذا ظاهر في حادثة محاولة اغتيال سمو الأمير محمد بن نايف ففيها تكفير المسلم، والغدر بعد العهد والأمان!! قال ابن عبد البر (2) :"والغدر أن يؤمن ثم يقتل، وهذا حرام بإجماع". فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن". أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني. قال ابن عبد البر (3) :"والفتك: القتل بعد الأمان والغدر بعد التأمين". وقال المناوي (4) :"(الإيمان قيد الفتك): أي يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان عذراً كما يمنع القيد من التصرف بمنع الإيمان من الغدر". وقال ابن عبد البر (5) :"إذا كان دم الحربي الكافر يحرم بالأمان فما ظنك بالمؤمن الذي يصبح ويمسي في ذمة الله ! كيف ترى في الغدر به والقتل وقد قال صلى الله عليه و سلم :" الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن".
وقال عليه السلام ( يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند إسته هذه غدرة فلان )
وقال ابن الجوزي (6) :"فإن قيل كيف أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل كعب فتكاً وقد قال:"الإيمان قيد الفتك"، فالجواب: أنه نقض العهد فجاز قتله على أي صفة كانت كما يجوز تبييت الكفار على غرة وإنما الفتك بمن لا يحل قتله".
5- كعْبٌ قتله الصحابةُ وحده، لأنه وحده المأذون لهم في قتله، أما هؤلاء فإنهم يبديون الأخضر واليابس، لأن المتفجرات لا خطام لها ولا زمام!!
----------------------------------
(1) شرح صحيح مسلم (12/161).
(2) الاستذكار(5/33).
(3) المصدر السابق.
(4) فيض القدير(3/186)
(5) الاستذكار(5/35)
(6) كشف المشكل (1/704)