باب أَيَّ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلاً
الشرح:
قوله: (باب أية ساعة يحتجم) في رواية الكشميهني " أي ساعة " بلا هاء، والمراد بالساعة في الترجمة مطلق الزمان لا خصوص الساعة المتعارفة.
قوله (واحتجم أبو موسى ليلا) تقدم موصولا في كتاب الصيام، وفيه أن امتناعه من الحجامة نهارا كان بسبب الصيام لئلا يدخله خلل، وإلى ذلك ذهب مالك فكره الحجامة للصائم لئلا يغرر بصومه، لا لكون الحجامة تفطر الصائم.
وقد تقدم البحث في حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " هناك وورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شيء على شرطه، فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج ولا تتقيد بوقت دون وقت، لأنه ذكر الاحتجام ليلا.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ
الشرح:
ذكر حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم " وهو يقتضي كون ذلك وقع منه نهارا، وعند الأطباء أن أنفع الحجامة ما يقع في الساعة الثانية أو الثالثة، وأن لا يقع عقب استفراغ عن جماع أو حمام أو غيرهما ولا عقب شبع ولا جوع.
وقد ورد في تعيين الأيام للحجامة حديث لابن عمر عند ابن ماجه رفعه في أثناء حديث وفيه " فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء؛ واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد " أخرجه من طريقين ضعيفين، وله طريق ثالثة ضعيفة أيضا عند الدار قطني في " الأفراد " وأخرجه بسند جيد عن ابن عمر موقوفا، ونقل الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وأن الحديث لم يثبت، وحكى أن رجلا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث.
وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة أنه كان يكره الحجامة يوم الثلاثاء وقال " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم الثلاثاء يوم الدم، وفيه ساعة لا يرقأ فيها".
وورد في عدد من الشهر أحاديث: منها ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه " من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء " وهو من رواية سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن سهيل بن أبي صالح، وسعيد وثقه الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه.
وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد والترمذي ورجاله ثقات، لكنه معلول.
وشاهد آخر من حديث أنس عند ابن ماجه، وسنده ضعيف.
وهو عند الترمذي من وجه آخر عن أنس لكن من فعله صلى الله عليه وسلم، ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شيء قال حنبل بن إسحاق: كان أحمد يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت.
وقد اتفق الأطباء على أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر ثم في الربع الثالث من أرباعه أنفع من الحجامة في أوله وآخره، قال الموفق البغدادي: وذلك أن الأخلاط في أول الشهر تهيج وفي آخره تسكن، فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه.
والله أعلم.
باب الْحَجْمِ فِي السَّفَرِ وَالْإِحْرَامِ
قَالَهُ ابْنُ بُحَيْنَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (باب الحجم في السفر والإحرام، قاله ابن بحينة عن النبي صلى الله عليه وسلم) كأنه يشير إلى ما أورده في الباب الذي يليه موصولا عن عبيد الله بن بحينة " أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في طريق مكة " وقد تبين في حديث ابن عباس أنه كان حينئذ محرما، فانتزعت الترجمة من الحديثين معا، على أن حديث ابن عباس وحده كاف في ذلك، لأن من لازم كونه صلى الله عليه وسلم كان محرما أن يكون مسافرا، لأنه لم يحرم قط وهو مقيم.
وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بحجامة المحرم في كتاب الحج، وأما الحجامة للمسافر فعلى ما تقدم أنها تفعل عند الاحتياج إليها من هيجان الدم ونحو ذلك فلا يختص ذلك بحالة دون حالة، والله أعلم.