غالباً ما يكون عمر الشريف متحفظاً في أحاديثه، إلا أنّه وفي حواره مع جريدة الوفد المصرية فجّر مفاجأة من العيار الثقيل جداً وضاع صداها في مهبّ الثورة المصرية فحجب دويّ الثورة صوت الانفجار الذي أحدثه كلام عمر الشريف.
وما كان يُقال دائماً همساً، أو سرّاً، أو في الكواليس الخلفيّة لاسم يوسف شاهين وعالميته لم يجرؤ ممثل يوماً على إطلاقه على الغارب أي فنان من الذين داروا في فلك عالميّة شاهين وأمام عدسة كاميراته، إنها المرّة الأولى التي يتجرّأ فيها نجم متزّن وذو سمعة عالمية أيضاً على زحزحة هذا الستار الكثيف الذي ظلل اسم يوسف شاهين..
سُئل عمر الشريف عن صداقته بيوسف شاهين فأجاب: «صداقتي بيوسف شاهين إنتهت سريعاَ، وهو عرض علي كذا فيلم وأنا رفضت، ومحصلش منه حاجة، بس هو يعني كان عنده حاجات جنسية أنا ما أقدرش عليها مش عايز أقولها».
والصداقة التي تحدّث عنها عمر الشريف ليست عاديّة أبداً، فهي التي قدّمته وجهاً جديداً في السينما المصرية وأوقفته أمام فاتن حمامة في أشهر أفلام صراع في الوادي مع تلك القبلة الساخنة على شفتي عمر غير المكتوبة في السيناريو والتي أصابت كلّ من كان في مكان التصوير بالذهول، وقادتهما لاحقاً إلى الزواج.
ما يقوله عمر الشريف لم يأتِ من فراغ، هو كلام لطالما تردد همساً على الشفاه، وعلت بها الأصوات أحياناً بعدما ثَقُل سمع «جو»، تنحصر في اختيار عمر الشريف وجهاً جديداً على الشاشة الفضية وأمام من؟! فاتن حمامة التي كانت في عنفوان شهرتها وقوة سطوتها ولياقتها الفنية.. فقد رفضت قبل ذلك أن يلعب أمامها الدور شكري سرحان حتى لا تقع في فخ الثنائيات.. لأنها مثلت أمام شكري سرحان فيلم ابن النيل لنفس المخرج يوسف شاهين.. واستعرضوا جميع فتيان الشاشة وقتها.. فلم يجدوا الا شكري سرحان..
ولكن فاتن حمامة رفضت تماماً، بل وأصرت على الرفض.. واسقط في يد المنتج جبرايل تلحمي والمخرج يوسف شاهين.. وفكروا في احلال احدى النجمات في ذاك الوقت بداية من ماجدة أو أو زهرة العلى أو هند رستم.. أو… أو… فلم يجدوا الا فاتن حمامة هي الوحيدة التي تصلح للدور.
وهنا قفز الى خيال يوسف شاهين صورة صديقه وزميل دراسته عمرالشريف.. الذي لعب دور هاملت على مسرح كلية فيكتوريا وأقنع رمسيس نجيب به..وسافر يوسف شاهين الى الاسكندرية لكي يقابل عمر الشريف.. ويعرض عليه العمل بالسينما.
وكان عمر الشريف في ذلك الوقت قد تخرج من الكلية ويعمل في شركات والده بتجارة الخشب.. وأخذها عمر الشريف على أنها مزحة من صديقه يوسف شاهين.. ولكن يوسف شاهين أكدها له.. واصطحبه للقاهرة لاجراء اختبارات الكاميرا والأداء.
وكانت المفاجأة كبيرة عندما أسرع رمسيس نجيب بالتعاقد معه على بطولة فيلم «صراع في الوادي» وكانت المفاجأة أيضاً عندما وافقت فاتن حمامة فور وقوع عيناها على هذا الفتى من النظرة الأولى.. وبدأ الاستعداد التام للتصوير، وكان معروفاً عن فاتن حمامة، انها بارعة في الاصطلاح المسمى بسرقة الكاميرا ممن أمامها.. لكنها لم تفعل ذلك مع عمر الشريف في أي مشهد أو لقطة تضمهما سوياً…وفعلتها مع باقي الممثلين معها بالفيلم سواء فريد شوقي..أو زكي رستم أو حمدي غيث..وهم باقي أبطال الفيلم.. بل كانت تجالس عمر الشريف أثناء الاستراحات لتعطيه من خبرتها وفنها الكثير…
وكان معروفاً ان فاتن حمامة قد انفصلت عن عز الدين ذو الفقار بعدما أنجبت منه ابنتها نادية.. وكانت فاتن ترفض أي مشهد أو لقطة فيها قبلة أو جارحة لصورتها… وكان بسيناريو الفيلم صراع في الوادي لقطة لعمر الشريف وهو ينزف بعد إصابته برصاصة أطلقها عليه حمدي غيث.. ويغمى عليه… وتأتي اليه فاتن حمامة وتحتضنه فقط..ولكن الحب قد وصل الى مداه.. فانكفأت عليه وقبلته قبلة أذهلت الجميع بما فيهم يوسف شاهين..
وكان هذا هو الفيلم الأوّل الذي وضع عمر الشريف على طريق النجوميّة أمام كاميرا يوسف شاهين وتحت إدارته، إلا أنه كان الأخير أيضاً، والتزم عمر الشريف الصمت طوال سنيّن عمره إلى أن كشف سبب انقطاع الصداقة ورفضه العمل مع يوسف شاهين مع أنه صاحب فضل عليه، وربما لهذا التزم يوسف شاهين الصمت فلم يجلد بلسانه عمر الشريف وهو المعروف عنه لسانه السليط الذي جلد الكثير من النجوم… وإذا كان عمر الشريف قد رفض حاجات يوسف شاهين الجنسية ولم يقدر على تقديمها، فهل يعني كلامه أن كثيراً من الوجوه التي أطلقها ثم اختفت واعتزلت وأبرزها الجزائري أحمد محرز، والنجم المميز محسن محيي الدين نجم أسئلته الاسكندرانيّة والتي أفضت إلى تديّنه واعتزاله مع زوجته نسرين؟! وماذا عن أسماء آخرين أمثال: هاني سلامة ونور الشريف وخالد يوسف… بعد حين سيفّجر كلام عمر الشريف عواصف غير مسبوقة في تاريخ اعترافات النجوم التي صارحوا بها الجمهور وهم على قيد الحياة، وقادرون على إيضاحها والردّ على كلّ التساؤلات التي قد تثيرها.