إما أن أستمتع بلحظتي الحاضرة ، وإما أن أطوف في معابد الماضي !
قد أدمنت تلك المعابد ، حتى صارت قبلتي التي لا أنفك عنها لحظة ، فارتيادها صار إدمانا ، وصرت فيها كالمتيم ، ولست بمتية ، إلا أنه جنون الفراغ الذي يقودنا إلى أي شيء ، وها هي أفكاري تطوف معابد متهالكة !!!
وأما استمتاع اللحظة ، والإحساس بمتعة كل فعل ، حتى لو كان صمتا خالصا ، فهو كالأعياد ، لا يزورني إلا مرة أو مرتين في العام !
من أين أبدأ ؟ وكيف أنطلق إلى فيافي الاستمتاع ، وروعة الإحساس باللحظة ؟!
بدأت بالوعي ، أن أذكر نفسي في كل لحظة بأن هذه اللحظة ممتعة بما فيها ، كيف ؟
أن أستمتع بالنعم التي أسبح فيها ، من الأنفاس التي تتردد وضربات القلب التي تتابع بلا كلل ،
إلى
تلك العينين المبصرتين لكل مباهج الحياة وألوانها ،
وتلك الأذنين اللتين أنصت بهما إلى خرير الماء وهدير البحر وزقزقة العصافير وتغريد البلابل وصفير الرياح . إنني أتذوق الحلو والمالح ، وأستشعر نعومة الورد ، وخشونة الرمل والحصى ، وبرودة الماء ودفئه ، وأجلس تحت دفء الشمس ، وأستشعر رذاذ الغيث . إنني أنعم بلحظة صمت رائعة بلا خوف ولا إزعاج ولا كدر ، فكل ما حولي خاشع هادئ ، إنني أفهم الآخرين من حولي ، وأتواصل معهم وأجد منهم الحب والأنس والمرح ، أستطيع أن أبتسم بسهولة وأن أضحك من الأعماق ، إنني أجري بسرعة وأشعر بطاقتي وهي تتحرر وتتدفق ، أستنشق عبير الزهور ونفحات الفجر الندية ، وأغمض جفني وأحلم .. وأتخيل.. وأستمتع بآمالي وأهدافي وهي ترتسم في ذهني كحقيقة . إنني أتكلم وأترنم بالأناشيد العذبة وأحكي لأمي حكاية وأطلق صوتي عاليا لأعبر عن مشاعري ، وأجيد ترتيل القرآن . إنني أحرك يديّ ، وأحمل بهما أشيائي ، وأحتضن من أحب ، وأمسح على رأس طفل ، وأتقن صنع الكثير من المهارات بهما . إلهي.. القائمة تطول وتطول وتطول ، فأين أنا من عالمي الممتع ؟! أين إحساسي ؟! هل تخدر وفقد ميزته ؟! هل حـُجـِبَ عني هذا النعيم لانعزالي في معابد الماضي الخـَرِبـَة ؟!
نعم ، نعم..
في كل لحظاتي متع ، وحياتي مليئة بالأشياء الجميلة ، وكي أستشعرها ، سأردد كل صباح : الحمد لله الحمد لله ، أرددها والنعم تتقافز حولي ، سأتددبر معناها العظيم وأنا أمشي وأقطع المسافات بقوة ، وأنا أتأمل صفحة السماء الصافية ، وأنا أشم نسائم الصباح العبقة بشذا الورد ، وأنا أتنفس بعمق ، وأنا أنصت إلى الأصوات من حولي ، وأنا أحرك لساني بذكر الله تعالى…
حياتي جنة من النعم ، والنعم جنة من السعادة حين نستشعرها بكل أحاسيسنا ، وبكل حواسنا ، وحين نعترف بوجودها ، ونقرّ بأنها هبات عظيمة تغمرنا بالرضا والامتنان العميق بأن جعل الله لنا من الحياة نصيبا ، فسبحان الله العظيم وبحمده !