من المعلوم أن الفعل هو أحد طرفي الجملة وهو الحكم على الطرف الأخر فيها ، وذلك الطرف المحكوم عليه بالفعل هو الفاعل أو نائبة ، وقد يكون المبتدأ إذا جاء الفعل في موقع الخبر .
ومكونات الفعل هي الحدث وصانعه وزمن وقوعه فهو ينتظم المصدر والفاعل والظرف ومن المعلوم أن الأفعال مساوقة للزمان وهذه المساوقة تفتضي أمرين أولهما : أن يكون الزمان مقوماً من مقومات الأفعال وعنصراً من عناصرها ، بحيث يوجد عند وجودها وتنعدم عند عدمه .
وثانيهما : أن يكون كل من الزمان والافعال متماثلاً في أنواعه وعلاقات هذه الأنواع بعضها ببعض . وعلاقات أنواع الأفعال بأنواع الزمان وكذلك العكس .
ومرجعية هذا التلازم والتماثل بين الأفعال والزمان عند النحاة هي إلى منهجهم في التحليل ، هذا المنهج الذي لا يستند إلى دراسة الصيغ والأنماط والوظائف فحسب وإنما يبدأ قبل دراسة هذه الصيغ والأنماط من نظرة فلسفية تحكم هذه الدراسة وتعيد تشكيل النتائج فيها .
ونقطة البدء التي انطلق منها النحاة تقول : إن الأفعال أحداث ، وكل حدث لابد له من زمن ، وهكذا كان منطقياً أن ينتهي النحاة إلى نتيجتين :
الأولى : أنه لابد لكل فعل من زمن يقع فيه .
الثانية : أنه لابد لكل زمن من صيغة فعلية تعبر عنه .
وتطبيقاً لهذا المنهج الفلسفي المنطقي نرى جمهور النحاة يرى أن أنواع الأفعال في العربية ثلاثة هي : الماضي والمضارع والأمر . تطبيقاً للنظرية الثلاثية للزمن . وبذلك جعلوا لكل قسم من الزمن نوعاً من الأفعال ، حتى أن بعضهم رأى أن دلالة المضارع على الزمن الحاضر هي حين تجرده من الصيغ التي تحدد زمنه مثل / السين وسوف ولم ولن ، أولى من دلالته على الأستقبال رعاية لهذه المطابقة بين الزمن والفعل . ومعنى هذا أن الفعل الماضي مرتبط بالزمن الماضي والأمر مرتبط بالمستقبل والمضارع يدل على الحاضر ، ولكن بما أن لحظة الحال قصيرة وممتدة للمستقبل وبما أن المستقبل أمتداد للحاضر فقد رأى النحاة أنه من الممكن أن يشمل زمن المضارع المستقبل ايضاً لهذا الإعتبار .
والكوفيون ومعهم الأخفش قد رفضوا هذا التقسيم للأفعال مستندين في ذلك إلى النظرية الثنائية للزمن تلك التي تقرر تقسيم الزمن إلى مرحلتين فقط هما : الماضي والمستقبل ومن ثم ترفض هذه النظرية مايسمى بالزمن الحاضر ، وقد إضطرهم هذا التقسيم إلى القول بأن مايسمى بفعل الأمر ليس فعلاً مستقلاً من الأفعال وإنما هو صورة من صور المضارع ومتقطع منه .
وعلى هذا فإن أصل " قم " لتقم . وقد حذفت منه لام الامر لكثرة الأستعمال ، وحذف حرف المضارعة تخفيفاً ، واستدل هذا الفريق بكثير من النصوص التي تشير إلى أن أصل الأمر هو المضارع إذ نجد في هذه النصوص امراً للمخاطب ليس بصيغة الأمر المعروفة وإنما بصيغة المضارع المسبوقة بلام الأمر . ومن ذلك قوله تعالى " فبذلك فلتفرحوا " وفي الحديث : " ولتقوموا إلى مصافكم " أي قوموا .
ومن المؤكد أن هذا الموقف من النحاة ليس نتيجة للتحليل اللغوي وإنما بتأثير التفكير الفلسفي المنطقي ولذلك لم يُسلم أي من الفريقين للأخر . وإنما وقف كل منهم عند حد النتيجة التي وصل اليها .
وبهذا يكون النحاة قد تناقضوا مع الواقع اللغوي الذي يقرر أن كثيراً من الأفعال لا يتضمن حدثاً كنعم وبئس وعسى واخلولق......وغيرها . وبذلك يصبح الربط بالزمن مخالفاً للمنظور من الواقع اللغوي ، وهذا ايضاً يمكن أن يتناقض من الواقع الذي يقرر أن الفعل الواحد يمكن أن يعبر عن أزمنه مختلفة لا يحددها سوى السياق ، كدلالة الماضي على الحاضر في ألفاظ العقود نحو ( بعت واشتريت وزوجتك وقبلت ) . وقد يعبر عن المستقبل إذا وقع في سياق الشرط نحو / إن حضر محمد فأكرمه .
والمضارع بدوره يمكن أن يعبر عن الماضي في نحو / لم يحضر خالد ، فإذا قلنا إن الزمن الذي تغير في التعبير مرده إلى صيغ أخرى في التركيب كان معنى ذلك أن الجملة الواحدة في الموقف الواحد تحمل زمانين متناقضين وذلك محال . وإذا انتقلنا إلى موقف الكوفيين وإلى الحسن الأخفش القائلين بالتقسيم الثنائي للأفعال ، وجدنا صورة صارخة من التناقض مع مايسلم اليه الواقع من وجود ثلاث صيغ من الأفعال ، وما أستشهد به هؤلاء النحاة من نماذج تدل على أستخدام صيغة المضارع المقترن بلام الأمر في أمر المخاطب لا يسلم إلى ما قرروه من انتفاء الوجود المستقل لصيغة فعل الأمر في اللغة بل هذه النصوص والادلة السماعية لا تقدم دليلاً كافياً على تطور صيغة الأمر عن صيغة المضارع المقترن بلام الأمر .
وأقصى ما يمكن الوصول إليه من تبرير هو أن هذا الأسلوب من أساليب الأمر قد أستخدم في اللغة ايضاً مع قلته بالمقارنة مع الصيغة الشائعة في الأمر وهي الصيغة التي اصطلح عليها بصيغة ( فعل الأمر ).
وحتى لو أفترضنا أن هذه القلة في أستخدام صيغة المضارع المقترن بلام الأمر تشير إلى إنقراض إستخدامها ، أو أن تلك النصوص تشير إلى حدوث تطور في الدلالة اللغوية تم فيه الأنتقال من صيغة إلى أخرى فإنه يكون من قبل التناقض أن نقرر بأنه لا وجود لفعل الأمر المستقل في اللغة .
نخلص من ذلك كله إلى القول بأن أساس تقسيم الأفعال وتحديد أنواعها لا ينبغي أن يكون الزمان وإنما يجب أن يكون العلامات الخاصة التي تميز كل نوع من الأخر فهذا هو المقياس الموضوعي للوقوف على أنواع الأفعال .