لا إله إلا الله
أعظم شهادة لأعظم مشهود له.
اذا شرعنا بتحليل هذه الشهادة الى أصولها فسنجد ان أصل مكونات الجملة هو:
إله الله
وكون ان الكلمة الاولى نكرة فانه لا يجوز ان تكون مبتدأ ابدا كما تقرره لغة العرب اضافة الى انه لا يوجد في سياق الجملة أي صارف يصرفها الى ذلك وعليه فانه يتوجب على ذلك اعادة ترتيب عناصر هذه الجملة بما تسمح به قوانين اللغة:
اللهُ إلهٌ
ومسوغ التقديم هذا اسناد الخبر(إله) للمسند إليه(الله) هو: التعريف المتمثل بـ (أل)
فالجملة مفيدة -لا شك- ظاهرها الصحة -لغة- لانها اخبار عن الله بانه إله. وبهذا الاخبار لا يمتنع ان يكون آلهة غير الله كما كان في مجتمع مكة ( اللات والعزى ومناة ونائلة...)؛ فلفظ إله ليس خاصًا بالله عز وجل.
ولهذا السبب كان أمر القرآن اعادة انتاج الجملة بطريقة تامة وكاملة لا يشوبها شائبة، تخدم المفهوم العقدي، ويتم إزالة التوهم السابق:
هناك أكثر من أسلوب نتبعه ويتم توظيفه في ذلك بأسلوب التمكين والتثبيت والاختصاص، ومقتضى ذلك ان يتم باستعمال بنائية لغوية تخدم هذا المعنى ولها هذا التأثير.
فنجد ان اسلوب الاستثناء في سياق النفي يحمل في حيثياته هذا الحكم:
تمكين المعنى وتقريره في الذهن إذا كان المخاطب به منكراً أومتردداً
رفع لحكم خاص من حكم عام أي: استخراج بعض ما تناوله اللفظ بصيغة العموم إلى التخصيص،
له ميزة الاختصاص بالشيء دون غيره؛ أي: إخراج جزء من كل.
وأقرب أسلوب لغوي هو:الحصر في سياق النفي ويستدعي تسليط أداتين فيه؛ الاولى للنفي والثانية للحصر؛ وعليه ينتج ترتيبا جديدا اكثر قوة وتماسكا:
لا إله إلا الله
وكون إله نكرة استعمل توكيده بـ (لا) النافية للجنس لأن لا النافية للجنس تعمل عمل إنَّّ في النكرات خاصة، ولا تعمل في المعارف، ولهذا لا يمكن أن نجعل لفظ الجلالة خبر (لا)؛ لأن (لا) لا تعمل إلا في النكرات، لكن نجعله بدلاً من خبر (لا) المحذوف.
ومن استحقاق هذا الترتيب ظهور شرط بركني جملة الاستثناء وهو:الاشتراك بالمعنى أو بمناسبة بين المستثنى والمستثنى منه، فلا يجوز قول : رأيت الناس إلا الكلاب على سبيل المثال، والاشتراك بالمعنى عبارة عن اشتراك بالجنس. ولكن.....
ضبط وتحرير محل الخلاف:
ولأن هذا الاسلوب -كما استقراه العلماء - يكون الخبر محذوفًا؛ هذا هو الغالب، وعليه وجب التقدير؛ وهذا محل الخلاف القائم، قال ابن مالك رحمه الله:
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر إذا المراد مع سقوطه ظهر
يعني الحذف بشرط أن يكون المقام يدل عليه. فإذا دل عليه فلا داعي لمثل هذه المقالة.
فقدره الأشاعرة والمعتزلة بكلمة موجود، فالمعنى عندهم:
لا إله موجود إلا الله
وقدره السلفيون بكلمة حق؛ فالمعنى عندهم:
لا إله بحق إلا الله
اولاً: ليس من المنطق أو المعقول ان يأتي القرآن بنفي وجود آلهة وهي موجودة في الواقع. فمطلق لفظ الإله هذا يصدق على الأصنام وعلى الشمس. وبناء عليه فإن الخبر يدور عن أحقية العبادة ومن يستحق العبادة من جميع الآلهة الموجودة غير الله، بمعنى ان التساؤول المشروع هل عبادتها حق ام باطل؟!
ثانياً: لذا لا بد ان نبحث عن مراد الله في كلمة التوحيد وننظر إلى الدلالات المحتملة لهذا السياق.
واكثر دلالة تظهر بوضوح هي دلالة التضمين الحاصلة من لفظ الجلالة (الله) على صفة الالوهية، فاستعمال (لا) النافية للجنس هي بمثابة توكيد لنفي هذه الصفة عن الآلهة وتثبيتها باداة الاستثناء لله وحده- عز وجل.كما ان نفي الجنس يقتضي نفي جميع صفاته وخصائصه فعندما نثبت الالوهية لله وحده عز وجل فاننا ننفيها عمن سواه
والذي يظهر من هذا السياق انه: يومئ باستحقاق العبادة للمشهود له كما هي المماثلة في قصة ابراهيم الخليل؛ ففي عبارتة الخالدة وذلك بمشهدين أثبتهما ابراهيم :
مشهد البراءة من عبادة كل ما سوى الله
مشهد الاستثناء بأحقية العبادة لله وحده
فلا يكفي في التوحيد دعواه والنطق بكلمة الشهادة من غير مفارقة لدين المشركين وما هم عليه من دعاء غير الله؛ لذلك قالوا انها هي (لا) المبرئة؛ لأنها: تدل على تبرئة جنس اسمها كله من معنى الخبر.
كما ان سيدنا ابراهيم -عليه السلام- تبرأ من آلهة قومه سوى الله:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)الزخرف}
فجملة: {لا إله} هي بمثابة بدل من قول ابراهيم إنني برآء مما تعبدون
وقولنا : {إلا الله}: هي شطر بمثابة بدل لقول ابراهيم: إلا الذي فطرني.
ومن خصائصها ان الله جعلها باقية في نسل ابراهيم
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الممتحنة:28)}