ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها نساء الأنصار، فأثنت عليهن خيراً، وقالت لهن معروفاً. وقالت: لما نزلت سورة النور عمدن إلى حجوز مناطقهن فشققنها، فجعلن منهما خمراً، وأنه دخلت منهن امرأة على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فسألته عن الاغتسال من المحيض، فقال لها: خذي فرصة ممسكة فتطهري بها.
واحد الحجوز حجز - بكسر الحاء، وهو الحجزة، ويجوز أن يكون واحدها حجزة على تقدير إسقاط التاء، كبرج وبروج.
الفرصة: قطعة قطن أو صوف، من فرص: إذا قطع.
الممسكة الخلق التي أُمسكت كثيراً، كأنه أراد ألا يستعمل الجديد للارتفاق به في الغزل وغيره؛ ولأن الخلق أصلح لذلك وأوفق.
وقيل: هي المطيبة من المسك.
* * * * رأى رجلا محتجزاً بحبل أبرق وهو محرم، فقال: ويحك ألقه! هو الذي يشد ثوبه في وسطه، مأخوذ من الحجزة.
الأبرق: الذي فيه سواد وبياض، ومنه للعين: برقاء.
* * * * عمر رضي الله تعالى عنه - قال لبلال بن الحارث: ما أقطعك رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم العقيق لتحتجنه؛ فأقطعه الناس.
احتجان الشيء: اجتذابه إلى نفسك، من المحجن.
والمعنى هاهنا الامتلاك والحيازة لنفسه، أراد أن الاقطاع ليس بتمليك، إنما هو إرفاق إلى مدة.
* * * * علي عليه السلام - سُئل عن بني أمية فقال: هم أشدنا حُجزاً، وأطلبنا للأمر لا ينال فينالونه.
شدة الحجزة عبارة عن الصبر على الشدة والجهد.
* * * * ابن مسعود رضي الله عنه - إنكم معاشر همدان من أحجى حيٍ بالكوفة، يموت أحدكم فلا يترك عصبة، فإذا كان كذلك فليوص بماله كله.
يقال: هو حج بكذا وحجي به: أي حريّ وخليق؛ وهو أحجى به. قال الأعشى:
أَمِ الصَّبْرُ أَحْجَى فإنّ امْرأَ ... سيَنْفَعُه عِلْمُه إن عَلِم
* * * * أبو الدرداء رضي الله عنه - ترك الغزو عاماً، فبعث مع رجل صرة، فقال: فإذا رأيت رجلا يسير من القوم حجرة، في هيئته بذاذة فادفعها إليه.
الحجرة: الناحية.
* * * * معاوية رضي الله عنه - قال رجل: خاصمت إليه ابن أخي، فجعلت أحجّ خصمي؛ فقال: أنت كما قال أبو داود:
أنّي أُتِيح لها حِرْبَاءُ تَنْضَبةٍ ... لا يُرْسِلُ السَّاقَ إلاَّ مُمْسِكاً سَاقَا
أحَجّه: غلبه في المحاجة، شبهة في تعلقه بحجه بعد انقضاء أخرى بفعل الحرباء في إمساكه ساق شجرة عند إرسال غيرها.
* * * * في الحديث: تزوجوا في الحُجز الصالح، فإن العِرق دساس.
هو الأصل والمنبت. وقيل: هو فضل ما بين فخذ الرجل والفخذ الأخرى من عشيرته؛ سمي بذلك لأنه يحتجز بهم، أي يمتنع، وإن روي بالكسر فهو بمعنى الحجزة، كناية عن العفة وطيب الإزار.
* * * * رأيت علجا يوم القادسية قد تكنى وتحجى، فقتلته.
أي زمزم، والحجاء - ممدود: الزمزمة.
* * * * حجرتا الطريق في " بو " . حجراء في " طم " . من وراء الحجزة في " فر " . كالجمل المحجوم في " صع " . كالحجفة في " ذر " . فيستحجي في " غد " . واحتجانه في " نو " . الحواجب في " شذ " . بمحجته في " فز " . تحجّى في " كن " .
* * * *
الحاء مع الدال
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ألم تروا إلى ميتكم حين يحدج ببصره، فإنما ينظر إلى المعراج من حُسنه.
أي يرمي ببصره ويحدّ نظره.
ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه: حدَّث القوم ما حدجوك بأبصارهم.
أي ما داموا نشيطين لسماع حديثك مُقبلين عليك.
* * * * في قصة حنين: إن مالك بن عوف النصري قال لغلام له حاد البصر: ما ترى؟ فقال: أرى كتيبة حرشف، كأنهم قد تشذروا للحملة، ثم قال له: ويلك! صف لي، قال: قد جاء جيش لا يُكتُّ ولا ينكف.
يقال: رجل حديد البصر وحادُّه، كقولهم: كليل البصر وكالُّه.
الحرشف: الرجَّالة.
تشذَّروا: تهيئوا.
لا يُكت: لا يُحصى.
لا ينكف: لا يُقطع، ولا يبلغ آخره، يقولون: رأينا غيثاً ما نكفه أحد سار يوما ولا يومين.
* * * * قال في السُّنة: في الرأس والجسد قص الشارب والسواك والاستنشاق والمضمضة وتقليم الأظفار ونتف الإبط والختان والاستنجاء بالأحجار والاستحداد وانتقاص الماء.
استحد الرجل: إذا استعان، وهو استفعل من الحديد، كأنه استعمل الحديد على طريق الكناية والتورية.
ومنه حديثه: إنه حين قدم من سفرٍ أراد الناس أن يطرقوا النساء ليلا، فقال: أمهلوا حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة.
قيل في انتقاص الماء: هو أن يغسل مذاكيره ليرتد البول؛ لأنه إذا لم يفعل نزل منه الشيء بعد الشيء؛ فيعسر استبراؤه، فلا يخلو الماء من أن يُراد به البول، فيكون المصدر مضافا إلى المفعول، وأن يُراد به الماء الذي يغسل به، فيكون مضافا إلى الفاعل، على معنى وانتقاص الماء البول، وانتقص بكون متعديا وغير متعد. قال عدي بن الرّعلاء:
لم ينتقص مِنّي المَشِيبُ قُلاَمة ... الآنَ حينَ بَدَا ألبُّ وأَكْيس
وقيل: هو تصحيف، والصواب انتفاض الماء - بالفاء، والمراد نضحه على الذّكر، من قولهم: لنضح الدم القليل: نفص، الواحدة نفصة، قال حميد:
طافت ليالي وانضمَّت ثميلتُها ... وعاد لحمٌ عليها بادن نَخَصا
فجاءها قانص يسعى بضارية ... ترى الدِّماء على أَكتافها نَفَصا
* * * * إن في كل أمة محدَّثين ومروَّعين، فإن يكن في هذه الأمة أحد فإن عمر منهم.
المحدَّث: المصيب فيما يحدس، كأنه حدِّث بالأمر.
قال أوس:
نِقَاب يُحَدِّثُ بالغَائب
والمروَّع: الذي يُلقي الشيء في روعه صدق فراسته.
* * * * خيار أمتي أحدّاؤُها.
هو جمع حديد، كأشداء في جمع شديد، والمراد الذين فيهم حدة وصلابة في الدين.
* * * * قال: إن أُبي بن خلف كان على بعير له وهو يقول: يا حدارها يا حدارها! قال أبو عبيدة: يريد هل أحد رأى مثل هذه! ويجوز أن يريد يا حدراء الإبل، فقصرها، وهو تأنيث الأحدر، وهو الممتلئ الفخذ والعجز الدقيق الأعلى، وأراد بالبعير الناقة. وفي كلامهم حلبت بعيري وصرعتني بعير لي.
* * * * عمر رضي الله عنه - حجَّةَ هاهنا ثم احدج ههنا حتى تفنى.
أي احدج إلى الغزو. والحدج: شدُّ الأحمال وتوسيقها.
تفنى: تهرم، من قولهم للكبير: فانٍ. قال لبيد:
حبائُله مَبْثُوثَةٌ بسبيلهِ ... ويَفْنَى إذَا ما أخطَأْتْهُ الحَبائِلُ
أو أراد حتى تموت. والمعنى: حج حجة واحدة، ثم أقبل على الجهاد ما دامت فيك مسكة أو ما عشت.
* * * * علي عليه السلام - عن أم عطية: وُلد لنا غلام أحدر شيء وأسمنه، فحلف أبوه لا يقرب أمه حتى تفطمه، فارتفعوا إلى علي، فقال: أمن غضب غضبت عليها؟ قال: لا، ولكني أردت أن يصلح ولدي، فقال: ليس في الإصلاح إيلاء.
حدر حدرا فهو حادر: إذا غلظ جسمه.
ليس في الإصلاح إيلاء، أي أن الإيلاء إنما يكون في الضرار والغضب لا في الرضا.
* * * * قال يوم خيبر:
أنا الذي سَمَّتْنِ أُمِّي حَيْدَرَهْ
كليْثٍ غاباتٍ كَرِيهِ المَنْظَرَه
أَوْفِيهم بالصاع كَيْلَ السَّنْدَره
قيل: سمته أمه فاطمة بنت أسد باسم أبيها، وكان أبو طالب غائبا، فلما قدم كرهه وسماه عليا، وإنما لم يقل: سمتني أسدا؛ ذهابا إلى المعنى. والحيدرة: من أسماء الأسد.
السندرة: مكيال كبير كالقنقل. وقيل: امرأة كانت تبيع القمح وتوفي الكيل.
والمعنى: أقتلكم قتلا واسعا. وقيل: السندرة العجلة، والمراد توعدهم بالقتل الذريع.
ووجه الكلام: أنا الذي سمَّته، ليرجع الضمير من الصلة إلى الموصول، ولكنه ذهب إلى المعنى؛ لأن خبر المبتدأ هو، أعني أن الذي هو أنا في المعنى، فرد إليه الضمير على لفظ مردود إلى أنا، كأنه قال: أنا سمتني.
جمع الغابة ليجعل الليث الذي شبه به نفسه حاميا لغياض شتى؛ لفرط قوته ومنعه جانبه.
* * * * صفية بنت أبي عبيد رضي الله عنهما - اشتكت عيناها وهي حادٌّ على ابن عمر زوجها، فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان.
حَدَّ تُحِدُّ حَدًّا، والمعنى أحدّت: إذا تركت الزينة بعد وفاة زوجها وهي حادّ، أي ذات حداد، أو شيء حادّ على الذهبين.
الرمص معروف. وإن روي: ترمصان فالرَّمص الحمى.
* * * * الأحنف رحمه الله تعالى - قدم على عمر في وفد أهل البصرة وقضى حوائجهم، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إن أهل الأمصار نزلوا في مثل حدقة البعير من العيون الهذاب، تأتيهم فواكههم لم تخضد - وروى: لم تخضّد.