شيخ في مرقص
قال لي:
كان في حارتنا مسجد صغير يؤم الناس فيه شيخ كبير قضى حياته في الصلاة والتعليم .. لاحظ أن عدد المصلين
يتناقص .. كان مهتم بهم ويشعر إنهم أولاده. ذات يوم التفت الشيخ إلى المصلين وقال لهم: ما بال أكثر الناس
خاصة الشباب لايقربون المسجد ولا يعرفونه.. فأجابه المصلون: إنهم في المراقص والملاهي..
قال الشيخ: مراقص!! وما المراقص؟ فقال احد المصلين: المرقص صالة كبيره فيها خشبه مرتفعه تصعد عليها
الفتيات يرقصن والناس حولهن ينظرون إليهن.. قال الشيخ: أعوذ بالله والذين ينظرون إليهن مسلمون ..قالوا:
نعم.
فقال بكل براءة: لا حول الله ولا قوة إلا بالله يجب أن ننصح الناس.. قالوا: ياشيخ تعظ الناس وتنصحهم في
المرقص..؟ فقال: نعم .. ثم نهض خارجا من المسجد وهو يقول: هيا بنا إلى المرقص. حاولوا أن يثنوه عن
عزمه اخبروه إنهم سيواجهون بالسخرية والاستهزاء وسينالهم الأذى فقال: وهل نحن خير من محمد صلى الله
عليه وسلم!!
ثم امسك الشيخ بيد احد المصلين وقال: دلني على المرقص.. مضى الشيخ يمشي.. بكل صدق وثبات حتى وصلوا
المرقص رآهم صاحب المرقص من بعيد ظن إنهم ذاهبون لدرس أو محاضرة فلما اقبلوا عليه..تعجب!! فلما
توجهوا إلى باب المرقص سألهم: ماذا تريدون؟ قال الشيخ: نريد أن ننصح من في المرقص. تعجب صاحب
المرقص واخذ ينظر إليهم ويعتذر عن قبولهم . اخذ الشيخ يساومه بالمال ليأذن لهم حتى دفعوا له مبلغا من المال
يعادل دخله اليومي فوافق صاحب المرقص وطلب منهم أن يحضروا في الغد عند بدء العرض اليومي! فلما كان
الغد والناس في المرقص وخشبة المسرح تعج بالمنكرات والشياطين تحف الناس وتصفق لهم وفجاءة أسدل
الستار .. ثم فتح.. فإذا شيخ وقور يجلس على كرسي .. دهش الناس وتعجبوا ظن بعضهم إنها فقرة فكاهية بدا
الشيخ بالبسملة والحمد الله والثناء عليه وصلى على النبي عليه الصلاة والسلام.. ثم بدا في وعظ الناس.. نظر
الناس بعضهم لبعض منهم من يضحك ومنهم من ينتقد ومنهم من يعلق بسخرية والشيخ ماض في موعظته ولا
يلتفت إليهم حتى قام احد الحضور واسكت الناس وطلب منهم الإنصات بدا الهدوء يحيط بالناس والسكينة تنزل
على القلوب حتى هدأت الأصوات فلا تسمع إلا صوت الشيخ .. قال كلاما ما سمعوه من قبل ..آيات تهز الجبال..
وأحاديث وأمثال.. وقصص لتوبة بعض العصاة.. واخذ يدافع عبراته ويقول.. يا أيها الناس إنكم عشتم طويلا
وعصيتم الله كثيرا فأين ذهبت لذة المعصية .. لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء ستسألون عنه يوم القيامة
سيأتي يوم يفنى فيه كل شيء إلا الله الواحد القهار أيها الناس هل نظرتم إلى أعمالكم والى أين ستؤدي بكم؟؟ إنكم
لا تتحملون النار في الدنيا وهي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم فبادروا بالتوبة قبل فوات الأوان أيها الناس
ماذا فعل الله لتواجهوا بالعصيان أليس خيره عليكم نازل وشركم إليه صاعد ويتحبب إليكم بالنعم وتتبغضون إليه
بالمعاصي وبدا الشيخ متأثرا وهو يعظ كانت كلماته قد خرجت من القلب فوصلت إلى القلب.. بكى الناس .. فزاد
في موعظته.. ثم دعا لهم بالرحمة والمغفرة .. وهم يرددون: آمين.. آمين.. ثم قام من على كرسيه .. تجلله
المهابة والوقار.. وخرج الجميع وراءه.. نعم الجميع.. وكانت توبتهم على يده.. عرفوا سر وجودهم في الحياة..
وما تغني عنهم الرقصات واللذات.. إذا تطايرت الصحف وكبرت السيئات.. حتى صاحب المرقص.. تاب وندم على ما كان منه..