الصكوك الاسلامية والشريعة في بريطانيا
احمد مصطفى
بي بي سي ـ لندن
تضمنت اول ميزانية لوزير الخزانة عزم الحكومة اصدار صكوك اسلامية
عاد الحديث عن الشريعة الاسلامية في بريطانيا الى الصحف مجددا، هذه المرة في صفحات الاقتصاد وتحديدا منذ القاء وزير الخزانة البريطاني اليستير دارلنج بيان الميزانية في مجلس العموم الاسبوع الماضي.
ومع ان الوزير لم يذكر في خطابه البرلماني سوى الخطوط العريضة وبعض التفاصيل حول الضرائب والرسوم التي تهم الناس، الا ان الصحف فتشت في مشروع الميزانية.
الاسطر القليلة في مشروع الميزانية الذي يضمه مجلد ضخم هي عن عزم حكومة رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون اصدار صكوك اسلامية لتمويل الميزانية العامة للدولة.
ومع الزيادة الكبيرة في الدين الحكومي الذي وصل الى 70 مليار دولار تحتاج الحكومة الى بحث سبل تمويل للعجز باشكال مختلفة.
وسبق ان اعلن ان الحكومة البريطانية تبحث اصدار صكوك، لكن الاعلان عن ذلك في الميزانية جاء بعد جدل حامي الوطيس حول تصريحات اسقف كانتربري د. روان ويليامز.
وكان الاسقف قال ان تضمين بعض بنود الشريعة الاسلامية في القوانين واللوائح البريطانية قد يكون امرا لا مفر منه.
وتعرض الاسقف لانتقادات عنيفة، لم تهدأ اثارها حتى الان وهو ما جعل ذكر الصكوك الاسلامية في الميزانية السنوية الرسمية مثار جدل.
سوق صاعدة
قد لا تبدو الصكوك غريبة عن بريطانيا، التي تسعى لان يكون حي المال والاعمال في عاصمتها لندن (سيتي اوف لندن) مركزا لعمليات التمويل الاسلامي الدولية.
ويصل حجم سوق التمويل الاسلامي الى اكثر من ربع تريليون دولار (300 مليار دولار تقريبا) ويتوقع تضاعفه في مدة وجيزة.
لكن اصدار الصكوك ـ سندات الدين المطابقة للشريعة الاسلامية ـ اقتصر على الشركات في الدول الغربية، ومن ثم قد تكون الحكومة البريطانية اول حكومة غربية تصدر صكوكا، ربما تليها اليابان وتايلاند هذا العام.
وتحظى الصكوك، وقضايا التمويل الاسلامي عموما، باهتمام متزايد الان في الاوساط الغربية مع شدة ازمة الانكماش الائتماني العالمي ومخاوف الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وربما في العالم.
وبنهاية الشهر الماضي، فبراير/شباط، ومطلع هذا الشهر اصدرت مؤسستا التصنيف الائتماني ستاندرد اند بورز وموديز تقريرين عن سوق الصكوك يشير الى احتمال تضاعف حجمه في غضون سنوات قليلة.
وذكر تقرير ستاندرد اند بورز، التي تمنح تصنيفا لنحو 22 نوعا من الصكوك اغلبها ايجارة ومشاركة، ان سوق الصكوك تضاعف العام الماضي الى 60 مليار دولار، فيما يقدر تقرير موديز ان اجمالي حجم الصكوك بعد نمو العامين الاخيرين وصل الى 79.3 مليار دولار. وتتوقع موديز نموا في اصدار الصكوك خلال 2008 بما بين 30 و35 في المئة.
ازمة الاقراض
ومع تعمق ازمة الاقراض في العالم، يلجأ مستهدفو التمويل الى ادوات التمويل الاسلامي تلك التي تعد رافعة لاستثمار قدر كبير من الفوائض النفطية في الدول الخليجية.
ومن ثم ينتظر ان يتسع سوقها خارج منطقة الخليج والدول الاسيوية الى الدول الغربية والاقتصادات الرئيسية التقليدية.
وتحظى الصكوك الاسلامية بتصنيف ائتماني جيد، اذ انها تخضع لضوابط هيئات شرعية تضم علماء دين يضمنون ان لا تمر بعمليات توريق للدين تكشفها على مخاطر كتلك التي ادت اليها ازمة القروض العقارية الرديئة في الولايات المتحدة. فتوريق الدين محظور في اطار قواعد التمويل الاسلامي عامة.
الا انه مع زيادة الاهتمام بالصكوك، وخاصة من جانب اسواق دول غير الدول الاسلامية في الخليج واسيا، يتزايد القلق ايضا لدى هيئات العلماء المشرفة على تلك الصكوك.
فالمتمولون الغربيون لا يهمهم كثيرا الالتزام الصارم بقواعد الشريعة بقدر ما يهمهم توفر التمويل الامن طويل المدى. ويرى بعض العلماء ان بعض انواع الصكوك، خاصة في دول الخليج، اصبحت تمر بعلميات توريق لا تطابق القواعد الصارمة للشريعة.
وعلى الرغم من تلك الصورة المتفائلة لسوق الصكوك الاسلامية، لا يمكن تجاهل تعرضها لبعض اثار ازمة الانكماش الائتماني العالمي في الاشهر الاخيرة.
فقد تاجلت عدة اصدارات للصكوك بسبب التضييق في شروط الاقتراض والتمويل عموما في اعقاب انهيار سوق العقار الامريكي وانكشاف البنوك ومؤسسات المال والتمويل على مخاطر القروض العقارية الرديئة في السوق الامريكية.