قدّم الفنان الخلّاق جبران خليل جبران للعالم، كتابات ولوحات ومنحوتات عكست جليّاً نظرته العميقة للحياة وبصيرته المنفتحة على الماورئيّات. وإن سلّط الدارسون الضّوء على كتابات جبران المبدع فكريّاً، فلا بدّ من تسليط الضّوء على جبران الرسّام الّذي ترك خمسماية وستّا وعشرين لوحة ورسماً أوصى بها مع أغراضه الشّخصية ومكتبته الخاصّة لماري هاسكل في تحيّة وفاء لما قدّمته له، قائلاً لها (إذا ما وجدت مناسباً إرسال الأغراض إلى بلدتي بشرّي هذا يعود إليك).
ماري هاسكل احتفظت بـأربع وثمانين لوحة ورسمة، وأرسلت أربعمائة واثنين وأربعين لوحة ورسماً إلى بشرّي في لبنان، لتفتتح بالأربع والثّمانين لوحة متحفاً خاصاً حمل اسم Tel Fair Museum of Art، في مدينة سافانا بولاية جورجيا الاميركية. فيما اللوحات التي وصلت الى متحفه في بشري في لبنان يعرض منها القليل.
لوحات جبران أشبه بأيقونات نقرأها، فوكأنّ ريشته تكتب الألوان فتبدع نصوصاً تقرأها البصيرة. وهي أشبه برؤى تتجلّى حقيقة في خطوط بسيطة تظهر حنّيّة شخصه الشّاعريّ فيلتقي في اللّوحة جبران الشّاعر والرّسّام.
وجبران الّذي ارتبط فكره ومضمون كتاباته بالرّوح، إلّا أن الجسدانية تُغرِق لوحاته التي عبّر فيها عن فلسفته ونظرته في الوجود. لم يجد جبران سوى الجسد مطيّةً يركّب عليها مفاهيمه الروحيّة الّتي طار بها إلى الأعلى وغاص بها في الأسفل. بل إنّه لم يجد سوى العري شكلاً يقترب، من خلاله، مما أراد أن يقول. كما تظهر أبرز اللّوحات امتداداً للطّبيعة من خلال الجسد العاري وارتباط الإنسان بها كمبدأ أساسيّ. فهي تحتضنه منذ البدء وما يلبث أن يعود إليها. محور لوحات جبران خليل جبران هي الإنسانيّة الّتي تصبو نحو الحرّيّة والكمال، والمتأرجحة بين كمال بلغته وكمال تبتغيه. لوحات تقرأها ألوانها البصيرة فتغرق في تأمّل أسرار الحياة لتنطلق منها نحو المطلق.