لا تسألنى كم عمركِ أيتها الصبية، فالعمر لا ينبغى أن يقاس بعنصر الزمن الآن، بل يجب أن يقاس بحجم المعاناة وهول المحن التى يتعرض لها الإنسان... لن أطيل حتى لا يتسرب إلى نفوسكم الملل الذى أذلنى، مللته ولم يملنى!
وكعادة المسلسلات التلفزيونية، التى أراها خلسة من داخل الأسوار المنزلية، أبدأ بمشهد خارجى لحديقة غناء تحيط بفيلا رائعة الجمال والبهاء، وتخفى جدرانها عن الأعين الصفراء، ما يدعو للشفقة والحزن والرثاء!
كلاكيت مليون مرة، لم تستطع الابتسامة الاصطناعية، التى طلبها مخرج العرض، أن تخفى ألمى ومعاناتى الداخلية
ـ استوب
هكذا يصيح والدى بانفعال، وتتوالى عبارات التأنيب والتوبيخ، فأصيخ لكلامه، خشية تكرار انفعاله، وأدغدغ نفسى بعصبية، كى تبدو الابتسامة طبيعية! عكست المرآة صورة أنثوية لصبية حسنها فتان، شبيهة فينوس إلهة الجمال عند اليونان، لكنها فشلت فى تصوير ما يعتمل فى داخلى من صراع، وما يعتصرنى من آلام وأوجاع...
بين الواقع والتمثيل مسافة كالتى بين أبى وأمى، أكره التمثيل الذى يفرض علينا خيانة الشعور والإحساس، من أجل ظهور صورتنا الخادعة أمام الناس
أخيراً وبعد اقتناع، ألقيت القناع جانباً، وخرجت إلى الحياة، صافحت ضوء النهار، وداعبت نسيم الهواء بحرية، بعيداً عن الخلافات المنزلية، والجدران العازلة الأسمنتية، وأجهزة التكييف، وكشافات الإضاءة الصناعية...
تعبت من السير، فجلست على أريكة مواجهة لمسجد المرسى أبو العباس، وفى هذه الأثناء، إذا بوالدى يقترب منى، فانتابنى شعور غريب، وخوف رهيب، وانطلقت معه، كعصفورة نتفوا ريشها، وحددوا لها طريقها، إلى البلاتوه القديم الجديد.
Share on facebook Share on favorites Share on google Share on twitter More Sharing Services
0