منزل أكل عليه الدهر وشرب حتى الثمالة، وانحنى انحناء الذل والمهانة، بطابقين يشبهان ساكنيه فى القِدم، ولولا ستر الله لانهدم، يعيش فى الدور الأول الأب الكبير مع زوجته الأميرة، وتعيش ابنتهما الأثيرة ـ التى لم يرزقا بغيرها من أبناء ـ مع زوجها فى الطابق الذى يرفع أكف الضراعة للسماء ليل نهار، بأن يحفظ البناء من الانهيار
إعتادت الأسرة الطيبة أن تأتنس بالأهل والجيران، حيث يتبادلون معهم مشاعر الحب والحنان، فضلاً عما تدخله تلك الزيارات من سكينة واطمئنان على من يعيش فى هذا البيت العتيق
وقد كان الشيخ زكريا هو الصديق اللصيق بهم، المطلع على أسرارهم، بحكم ثقتهم فيه، وحبهم له ، واعتمادهم عليه، فهو صاحب الرأى والمشورة، التى يطلبونها منه وقت الضرورة، فيتطوع بها فى الحال، وهم طائعين ومنفذين لها بغير جدال...
وبحكم عمله معلماً فى أحد المعاهد الأزهرية، جاءت زيارته المنزلية للزوجة الأميرة، قاصرة على دروس الوعظ والدين، والتوجيه والنصح الأمين....
إلى أن جاء إليها ذات مساء، فأفزعها بأنباء مستقبلية (غيبية لا يعلمها إلا رب الأرض والسماء)، قائلاً لها بصوت خفيض، وثقة لا تحتمل التكذيب، أن هناك حادث رهيب سيقع لها، نتيجة وقوع زوجها فى حب وغرام جديد
فانشغل بالها بما قال، وتبدلت أحوالها إلى غير الحال، وأضحت بين خيارين لا ثالث لهما إما الوثوق فى زوجها أو الوثوق فى كلام شيخها ....
وبعد مرور عدة شهور، وهى على حالة العجز والقصور من أن تتخذ القرار، وتحسم الاختيار، كانت فى طريقها، لشراء بعض احتياجتها، وأثناء مرورها بأحد الكبارى على ضفاف النيل، شاهدت المستحيل الذى لم يكن فى الحسبان، فقد إلتقت عيناها بعينى الشيخ زكريا إلتقاء عتوب، وقد كان راكباً سيارته الصغيرة وبجانبه امرأة لعوب ..
هرع الشيخ بسيارته للاختباء من نظرات تلميذته، فوقع المحظور، واصطدم بالسور، الذى لم يتحمل التهور والاندفاع، فمال ميلة أسقطته إلى القاع .