عاشت أمل الزوجة المحبة لزوجها؛ حياة سعيدة تغبطها عليها بنات جنسها، رزقت بثلاثة أبناء خلالها، وهى تعنى بهم، وتهتم بتربيتهم وتعليمهم؛ لينفعوا أنفسهم وأوطانهم، والزوج السعيد يعمل مهندسا بأحد مصانع الغزل والنسيج؛ ويوفر لهم حياة هنية وعيشة راضية مرضية، وقد اعتاد العمل بذمة وهمة ونشاط؛ فهو يستقل سيارة المصنع مبكراً فى الصباح، ثم يعود فى الخامسة مساءاً ليرتاح من عناء عمل يوم شاق؛ فتستقبله زوجته حينها ببشاشة وجه وعناق؛ لتزيل عن كاهله آلام المشقة والتعب والإرهاق....
واستمرت حياتهم السعيدة على هذا المنوال؛ لا يتعكر صفوها بحال من الأحوال ... إلى أن هتف الهاتف الملعون، ظهيرة يوم مشؤوم، بكلمات بدلت الحزن ببسمة، وطبعت على الوجه الباش حيرة ودهشة ...
فى البداية أنكرت على المتحدث ما سمعته، ودعته إلى التريث والحكمة فى الكلام؛ لكنه أكد الخبر بشكل قاطع وتام؛ حاولت التماسك والتحكم فى الانفعال؛ فخانها لونها الذى تحول فى الحال إلى الاصفرار، وخفقان قلبها الذى ازداد حتى كاد يخرج من صدرها، والعرق يتصبب من وجهها، وشعرت أن الدنيا تدور من حولها؛ فألقت بنفسها على المقعد الأقرب لها، لتصارع هذا الكابوس اللعين، الذى فاجأها بلا رحمة ولاهوادة .....
بدأت فى الصراخ والعويل: إنه عمرى .... كيف سلبه الدهر منى .... يا مصيبتى، يامصيبتى
سمع الجيران صراخها؛ فأقبلوا عليها والتفوا حولها، وعلموا منها الخبر الغريب؛ فقد توفى زوجها الحبيب ...
أغمى عليها من شدة الحزن والبكاء؛ فقاموا بحملها إلى سريرها فى حجرة نومها باعتناء، وأخبروا أختها والأقارب بالخبر الذى جاء؛ فتجمع الكل حولها بسرعة فاقت الحسبان، وبدأ الاستعداد لاستقبال الجثمان ....
الدموع تنهمر والحزن يخيم على المكان؛ وفى لحظة الانخراط فى البكاء المرير، والحزن والرثاء الحسير؛ دق جرس الباب من جديد؛ فهرول الجميع لاستقبال جثمان الفقيد؛ فإذا بالزوج واقف على قدميه، ينظر لهذا الجمع حواليه؛ بدهشة واستغراب متساءلاً عما يحدث بارتياب!
فارتبك الجميع أمام المفاجأة غاية الارتباك، وساد الصمت والذهول للحظات، تحول خلالها كل باكٍ إلى شاك مابين تصديق الخبر اللعين، وتكذيب النظر اليقين، وفى تلك الأجواء الغريبة، والأحوال المريبة، والزوجة مازالت على سريرها فى غيبوبة رهيبة؛ أخبر أحد الأقارب الزوج القادم بالمكالمة التليفونية اللعوبة، التى تضمنت خبر وفاته المكذوبة .....
رد الزوج موضحاً للجميع ما حدث من التباس، نتيجة تشابه أسماء الناس: أنا (على محمد إبراهيم) زوج السيدة أمل، والمتوفى هو (على إبراهيم محمد) زميلى فى العمل!