يعمل مدرس رياضيات فى إحدى المدارس الخاصة للغات، واشتهر بعصبيته الشديدة، وطبعه الحاد، حتى بات متقلب المزاج، يساوره الشك والارتياب فى جميع الأحوال، قصير النظر، بعيد الخيال؛ تزوج منذ سنوات بإنسانه تتمتع بقلب سليم، وعقل قويم وبصيرة، وهدوء طبع، ونقاء سريرة ....
وفى أحد الأيام التى مرت عليه؛ رجع من عمله ـ الذى أشرت إليه ـ منهك القوى تعبان، فى غاية الإعياء، لا يستطيع التمييز بين الأشياء؛ فصعد إلى الطابق الذى يقطنه؛ سعياً وراء الراحة التى تنقصه؛ فوجد ما أثار حفيظته، وأيقظ شكوكه التى تسكنه؛ وجد على باب شقته قفل من نحاس، وعبارة موجهة له بالأساس، مكتوبة بوضوح حاد؛ (لقد سافرت خارج البلاد).....
ماجت الدنيا به موجها، وزلزل كيانه مفاجأتها، واشتاط غيظاً من فعلها، ولعبت الشياطين بعقله المريض، وذهب خياله إلى بعيد، وأخذ يتساءل من جديد:
ـ إلى أين سافرت تلك المجنونه؟!! ... هل ذهبت مع عشيق لها؟!! ... أم أنى ظلمتها فخرجت على غير هدى وحدها؟!!...
أخرج هاتفه الجوال فى الحال؛ وحاول الاتصال بها؛ إلا أنها كانت قد أغلقته بشكل تام؛ فازدادت شكوكه، وازداد جنونه؛ هبط السلم بسرعة فائقة وانفعال، وأخذ يركل كل شىء أمامه؛ ويتأهب لمصارعة الأهوال ... وماهى إلا لحظات حتى كان فى دكان نجار الحارة؛ فاصطحبه لكسر الباب المقفول بصنعة ومهارة.... وقد سبقه إخوته إلى الدار؛ بعد اتصال بهم وحوار دار حول ما حدث من أخبار (هروب زوجته؛ وقفل باب شقته)...
عندما وصل الزوج وجد الباب مفتوحاً على مصراعيه؛ وبداخل شقته إخوته وزوجته مندهشين مما رواه؛ فأسقط فى يديه، وأصابته حالة من التخبط والارتباك:
ـ ها هو بابى مفتوح بلا أقفال، وهاهى زوجتى لم تغادر البلاد بحال من الأحوال؛ فماذا حدث؟!
أطرق قليلاً ليستعيد الأحداث، فانكشفت أمام عينيه الحقيقة الغائبة عن أعين الناس؛ لقد حن إلى حبيبته فى الطابق الذى يعلوه، وكاد يتوه عن شقته الزوجية، ونسى أن تلك الحبيبه المحظية آثرت الابتعاد؛ وغادرت البلاد .