بعد أن استخرجا شهادة الإجازة العلمية من مارستان ابن زهر، رقصا فرحاً على إقاعات الريغي المنبعثة من مئذنة مسجد أبي بكر الصديق، وسارا متعانقين راقصين على حصى وادي «الحوار» حتى بلغا الشاطئ الرملي لخليج أكادير. هناك؛ حيث الأجساد العارية بعدد حبات البطيخ الأصفر في «بْحيرة» من «بْحيرات» منطقة الحَوز؛ رقصا رقصاً آخر وغنّيا كلماتٍ من وحي ملاعب كرة القدم، احتفالا بالحاضر والمستقبل:[هيي هوو... هاذي البداية...وْ مازال ما زال...] فتاة عزباء ملونة، جميلة، وطويلة عرضاً، استنهضت جثتها من الرمل بصعوبة، وانضمتْ إلى طربهما. لكنها سمينة مثل فقمة وسوداء مثل ظهر مقلاة سمك، وهما شابّان وسيمان بغض النظر على ملابسهما المتواضعة. وبالرغم من ذلك، شدّاها ـ ما استطاعا ـ من يديها البادنجانيتين، ورقصا معها على الرمل الحارق، ثم المبلل، ثم الحارق، ثم في البصمة التي تركتها جثتُها آنفا، ليسقطا، لتسقط عليهما... لحظتها، أخرجتْ والدتها من خلفها خلاطاً كهربائياً بضخامة «خالوط» الإسمنت المقطور، محاولة خلط «رضوان» الأكثر نحافة من صديقه «علاء» بابنتها الدينصورية؛ لولا تدخل عناصر الوقاية المدنية والقوات المساعدة والبوليس ورجال الدرك... بعد نجاح عملية الإنقاذ وتنازلهما عن دعوى محاولة «الإخفاء القسري»، ذهب الصديقان الناجحان إلى بقالة الحاج «محمّاد»، واقتنيا من عنده «ماء حياة» لا غبار عليها موسومة بالطابع اليهودي «كاشير»؛ ومنه إلى سوق «الأحد»: رأس خروف مسلوق مبتسم وسعيد بالسلق وما يلزم من خضراوات ومكسّرات ومخللات للمتعة الذوقية، وفتاتان لذيذتان في مقتبل العمر الأخير... في شقتهما المتواضعة... في منتصف الليل أخرجا الهرمتين ببعض الركلات في أدبارهنّ، ثم أغلقا الباب. ـ ماذا سنفعل بعدما بدأنا في النجاح؟ سأل «رضوان». ـ البحث عن الشغل، ثم الزواج. ردَّ «علاء». الأمر بسيط للغاية. هما شابّان على قدر من الوسامة. ما ينقص هو بعض الشامبو «هيدن شولدر» للشعر، علكة «كلوريتس» بنكهة النعناع للفم، ومبيّض أسنان كاذب من نوع «كول جيت». بيد أن الحكومة الحالية قررت عدم تشغيل أيٍّ كان إلا بمباراة. لذا، وجد الصديقان نفسيهما بالملعب الكروي الأولمبي المتاخم لجبل «أدْرارْ» والأضواء الصاخبة ضاربة مضرب الشمس، وحرّاس المرمى يتجولون بين صفوف المتبارين لمنع الغش. لتكسير صمت الحراسة، ولضمان نجاحه من بين عشرة آلاف مترشح أمام ستين ألف من المتفرجين، أخرج «رضوان» قرطاسَ رقائق بطاطس مقلية بالفلفل الحار، وقذف لصديقه قرطاساً مماثلا. آنذاك، ارتمى الحراس على الرقائق، وشرعوا «يقرمشونها» في فورة من النيران، وأعلنوا من «عنديتهم» فوز الصديقين. ليلتها تسلمّا مهامهما في مديرية «عدم الاحتجاج» بسكن وظيفي وأجر شهري أزرق. في صباح اليوم الموالي، حول فطور من طبق «الكرشة واللفت وما جاورها»؛ انطرح السؤال: ـ ما العمل الآن؟ وجاء الجوابُ الفوري: ـ الزواج. وقال قائل: ـ بسيطة! تشتري سيارة «كِيّة» ذات طلاء معدني، وتلوك من جديد علكة مطاطية لتعطي فمك النكهة، وتشرب عصير ماء بطعم «والو»، وتغمض عينيك، وتفتحهما؛ فتجد بجنبك زوجة تشبه إلى حدّ كبير الدميات اللبنانيات؛ وهات يا سعادة ما عندك! ولا تخف؛ ففي عالمنا هذا لا وجود للمشاكل الزوجية، وحتى إذا ما وجدتْ فالحلول كثيرة: صابونة، علكة، بطاطا مقلية، شامبو، غازوزة، شكولاطة، مانع تدخين يساعد على الابتلاء بالتدخين، زيارة خاطفة لـِ«ماك دونالد»، مطالعة مجلة خليجية... وفي حال تعذر هذه الحلول، يكفيك أن تضع على عينيك نظارتين سوداوين من طراز «راي بن» فترى الحياة مثل الجنّة... وأمّا الأطفال فمن المستحيل ألا يكونواْ سعداء؛ يكفي حليب كذا، وحفاظات كذا، وجبن كذا... فتراهم يكبرون بسرعة البرق، ويصيرواْ من رجال الأعمال الناجحين أو من الطيّارين... والضمان الاجتماعي سهل للغاية: توفر لدى البنك بضعة ورقات نقدية زرقاوات في الشهر وتتمتّع بتقاعد أكثر من مريح. والحج للاغتسال من الذنوب؟ تشارك في مسابقة تلفزيونية تشهر لمادة استهلاكية لا علاقة لها بالإسلام. وقضاء أيام عسلية بالمجان في أحد الفنادق الراقية: مسابقة. والعمرة: مسابقة. والنوم المريح: مسابقة. ففي عالم هذه الصفحة لا وجود للجهد أو العمل أو الفقر؛ والفقر مجرد وهم في أذهان الفقراء.