فتاة فى سن الزهور الصغيرة، تزوجت منذ فترة قصيرة بعد علاقة حب طاهرة، عاشت فيها ليالٍ ساهرة فى سهد وحيرة حائرة، إلى أن تمت بزواج سعيد يرتشف من رحيق الزهور الجميلة كل جديد ومفيد ...
الزوج يتمتع بالأخلاق الطيبة، والطبيعة الحالمة، يعشق الموسيقى وتدفق الخيال، يترنم بالشعر والرقة فى الحال، ويعمل طبيباً فى مستشفى خاص، ويتبادلان مشاعر الحب والود والحنان ...
وفى صباح يوم مشمس من أجمل أيامها، قامت آمنة بجولة لشراء بعض احتياجاتها، وبينما هى فى طريقها باتجاه إحدى المحلات سيطر عليها فجأة شعور غريب، له وقع رهيب؛ وهى تنظر إلى الشارع من قريب؛ فإذا بعربة زوجها البيضاء تمر أمامها بشكل مريب، فقد لمحتها تجرى مسرعة، وبداخلها امرأة ساحرة بارعة الجمال فهمست آمنة وهى مختنقة دامعة على ما آل إليه زوجها من حال إلى حال :
"إنى أحتاج إلى قدرة خارقة للسيطرة على نفسى الآن، لما أراه من مشهد لم يخطر لى على بال... تباً لى على ما انتابنى من حال فإن العفاريت والوساوس ترقص داخلى، وتثير فى رأسى ألف سؤال وسؤال" ....
وبانفعال مكتوم، وغيظ طائش مكظوم، أرادت أن يكون لها رد سريع وحاد :
"ماذا أفعل مع هذا الزوج الخائن؟، ؛ لقد رأيتهما رأى العين، هل أُكذب عينىَّ الاثنتين؟، وما العمل مع هذا الكابوس اللعين؟ ومتى عرف تلك الخائنة وأين؟
وفى لحظة شاردة أمام صمتها الذليل المهين؛ قررت بانفعال أن تكلم أمها؛ لعلها تكون المعين فى هذا الحادث المشين؛ فتخبرها بما جرى من زوجها، وتأخذ برأيها عندما تقول؛ لكن هاتف والدتها مثل بالها كان هو الآخر (مشغولا) !
وقفت آمنة وجسمها يرتعش بشدة، هامسة تحدث نفسها بحدة: ماذا أفعل؟!!
وبدأ شيطان شقائها يوسوس لها مراراً وتكراراً؛ أن تصفعه لطمة قاسية تطلب فيها الانفصال، وقلبها ملتهب يحترق ناراً ....
عزمت على العودة إلى بيتها سائرة ثائرة، بروح مهلهلة منهارة خائرة، وبعقل خاو وأفكار مرتبكة حائرة، والدقائق تمر عليها وكأنها الدهر الطويل ـ فالوقت على النفس فى الضيق ثقيل ـ والحيرة التى أصبحت فيها تزيدها تخبطا وظلمة، وغربة ووحشة....
وصلت آمنة إلى بيتها غير سعيدة، وبعصبية شديدة أخرجت سلسلة المفاتيح؛ ووضعت المفتاح بصعوبة بالغة فى الباب، وهى تجر جسدها المرتعش المرتاب، وقد انتابتها حالة من التخبط والإعياء لم تشعر من قبل بمثلها، فدخلت إلى حجرتها لتلقى بنفسها إلى سريرها يتملكها الحزن والاكتئاب، والهواجس تلعب بعقلها، والخيال كالضباب يكسو فكرها؛ وفجأة سمعت شخير زوجها وهو غارق فى نومه؛ فضربها الذهول كالإعصار، لطمت صدرها بكفها بدهشة وانبهار وهى تصرخ بجنون، شاردة الذهن وقد أذهلتها المفاجأة بشكل صعيق؛ فلم يكون زوجها هو من رأته فى الطريق ...
إستيقظ الزوج على حركة زوجته وتهليلها، وهو يبتسم ابتسامة الرضا لها، فأفاقت آمنة من هذا الكابوس اللعين الذى ملأ عليها حياتها غما وكمدا:
"كيف سمحت لنفسى أن تغزوها هذه الهواجس اللعينة، وتلك الظنون الأثيمة، تباً لامرأة حمقاء لا عقل لها، انتابتها الشكوك فى زوجها الذى تحبه ويحبها، وتخلص له ويخلص لها..... إن زوجى يحبنى وأنعم الله على بنعمة الحب والوفاء، وغيرتى هى التى أوشكت أن تفسد حياتى، فياله من شك قاتل، وخيال باطل، أوهمنى به شيطان الغيرة؛ الذى تملكنى كالأسيرة؛ ثم فى اللحظات الأخيرة أفلت من شره، ونجوت من أسره "