جاءَ سرحان إلى قومه يسعى كالثعبان، بخيلاء وتعالي عجيب وهو يهتف بكبرياء لا يعود له ولم يحسن تمثيله! فصاح بأعلى صوته وبغرور دونَ مناسبة، كالسكران، فقال: أنا الأول في كل شيء... أنا العارف والعالم والصادق والزاهد والحكيم الذي لم يتخذ من الشرور أي مذهب في حياته... ثم توقف للحظة ليسترد أنفاسه الضائعة وتابع بنفس الرنة المجنونة قائلاً: أنا الريح فوق البحر، والمطر حين يدر والقمر عندما تغرب الشمس والشمس عندما يختفي القمر وأنا السميع البصير العليم... لقد كان سرحان المغرور المتكبر غارقاً في صياحه، وكأنه قضاء محتوم، والذي بدا ليس له من نهاية، والزبد يخرج من فمه أكواما...
عندها قاطعه قومه وهم خافضو البصر في حياء وأدب، ورددوا جميعهم بصوتٍ واحد، وكأنهم يصلون: نحن نعلم يا هذا من أنت وما تكون، ولا نحتاج لمن يقول لنا ذلك!! ثم واصلوا دعاءهم( أقصد كلامهم) قائلين باستخفاف:
أنت الذي ولدت قبل أن يكون الله، لأنك الأول في كل شيء!! ثم رددوا في تسليم، وكأنهم يستغفرون ربهم: اللهم لطفك وعطفك... اللهم أبعدنا عن زلات اللسان، ولا تصبنا مما أصبت به الشيطان من غرور أخرق وتكبر أجلف... واقض بما أنت قاض؛ ثم رددوا بجرأة غير متكلفة: انظروا له... لا أحد يصدقه، وكأنه يمثل دور الخرافة علينا، أثقل الله رأسه بالهموم.
اللعب البريء
دعا محمد صديقه عدنان الذي يشاركه الصف في المدرسة، بعد أن أنهيا واجباتهما المدرسية على أكمل وجه؛ فرحب عدنان بالعرض المقدم له وقبل الدعوة، خاصة بعد أن اعتدل الجو وانخفضت الحرارة قليلاً...
رحب محمد بصديقة بابتسامة صادقة وهو يقول له: هيا لنستمتع بوقتنا ولنلعب كما نشاء وهذه هي فرصتنا والدار كما ترى ليس فيها سوانا وأختي سمر التي تراها أمامك...
لم يلق عدنان بالاً لأخته وركز جل اهتمامه باللعب مع صديقه الحميم، وسرعان ما نسوا أنفسهم تحت وطأة سحر اللهو الطفولي البريء الرائع، وهما اللذان لم تتجاوز أعمارهما الثانية عشر بعد.
توسطت سمر التي تجاوزت الرابعة عشر من عمرها باحة الدار وهي في كامل زينتها البراقة، بعد أن جلست على كرسي خشبي عريض، يسع لشخصين على الأقل! واضعة رجلاً على رجل وكأنها في مقهى؛ ولم يكن لها من هم أو شاغل سوى قصف صديق أخيها بنظرات إغراء ذات مغزى واضح، وبقيت هكذا لا يزوغ نظرها ولا يهن أو يتعب! حتى دخل عليهم أخيها الكبير علاوي كالأسد وهو يزمجر بأعلى صوته وبأقصى قوة تملكها حنجرته:
ما هذا الذي أراه أمامي؟! لتأخذكم مصيبة ولتلتهمكم العفاريت الزرق التي لا ترحم... اغربوا عن وجهي... هيا... وهو يقذف بكيس الفاكهة الذي كان يحمله بيده نحو أخته بعد أن طفرت الشتائم من فمه كالرذاذ...
جفل عدنان من منظر علاوي الغريب وجعله يتراجع إلى الوراء خائفاً وأطرافه ترتجف، وإذا به ينسحب بهدوء كالسارق من دار صديقه دون أن يودعه، ثم أطلق ساقيه للريح وهرب دون أن يأتي بجناية أو يفهم الموقف، ليبدو كالأعمى الذي لا يرى ما بين يديه!!
وعندما تذكر عدنان الموقف وهو في الحلقة الرابعة... ضحك بملء فمه ما كان يعنيه علاوي وما الذي جعله يغضب هكذا كالثور المجروح، ولماذا كانت أخته تجلس كالتمثال في حينها وهي في كامل زينتها التي لم تثر فيه وقتها أي شعور أو رغبه نحو الجنس الآخر وهو يلعب مع صديقه ببراءة في ذلك العمر.