كان قلقا ومتوثرا، إنها أول مقابلة له، لكن حظوظه كبيرة، لديه العديد من المؤلفات، تجربة طويلة كأستاذ وشهادات جامعية من أعرق الجامعات الأجنبية. المتباري الآخر لم يلج الفصل يوما ولم يكتب إلا كتابا يتيما... لم يكن يعلم أن غريمه هو الذي سيحظى بالمنصب، لقد عرضوا عليه وظائف أخرى، لكنه رفضها لأن هذا المنصب أعجبه. لم يكترث بما سمعه، ملفه العلمي لا غبار عليه، شكله مقبول، هندامه أنيق، وأهم من هذا كله أنه ٱستعد جيدا لهذه المبارة، لأنه قرأ العديد من الكتب البيداغوجية والديداكتيكية والعلمية، حتى أنه ٱشترى مجلات تفسر كيفية ٱجتياز المقابلة. دخل إلى القاعة، فاجأته نظراتهم المتعالية٬ بدأ الحديث أحدهم وأمره أن يحدثهم عن أعماله. كان ذلك أحب شيء إليه، الحديث عن أطروحته، عن كتبه، عن نتائج بحوثه... صدم لأنهم لم يعيروه أدنى ٱهتمام، تلعثم لسانه، وهالته عدم مبالاتهم. تتالت الأسئلة الغريبة، التي كانت تحاصره لتحد من قدراته ولتلجم لسانه: ـ حضرتك كاتب! ونسيت خطأ فاذحا كهذا! ـ أ لم تلاحظ أن تجربتك كأستاذ لن تفيدك في شيء، فهنا نكون الأطر ولاندرس المراهقين؟ ـ ألم تنتبه إلى أن أطروحتك بعيدة كل البعد عن تطلعات مؤسستنا..... أسئلة غريبة، تعلن سلفا أن المقابلة مجرد مسرحية سخيفة تقل من شأنه ومن قدره... كتم غيظه وأجاب على أسئلتهم التي كانت تهدف إلى تدميره وإلى إعلان فشله. خرج من القاعة، كان الآخر يقف في الطرف الآخر من الممر، كان يبتسم في تحد ظاهر، لم تكن بوادر المقابلة تعني له أي شيء. مع ذلك، داعبه الأمل، لكنه لم يصدق نفسه حين ٱتشر خبر نجاح غريمه وخبر رسوبه ولم تعلن نتائج المباريات بعد.