(الصباحية)! صباح أعقب فجرا هادئا.
الأيام عادية، والساعات محايدة. إحساسنا بالوقت هو المتغيّر. ليس اليوم كما أمس، وليس المساء كما الصباح...فهل أنا أنا في الصباح كما في المساء ؟!!
صباح الأسئلة.
أسئلة تغطي وضوح الأفق الذي يجذب ناظريّ وأفكاري وخيالي.
الأسئلة بداية المعرفة، الخطوة الأولى في طريق طويل. قالوا (طريق الألف ميل)، ألا يوجد مسافة أبد؟
أميل إلى ضرورة مراجعة بعض المسلّمات، والأقوال، والمفاهيم.
سألني زميل (لئيم) أيام الطلب الجامعي: ما هي السعادة في رأيك؟
قلت مفلسفا الأمر ببساطة: كل ما يجلب الشعور بالسعادة ! فحين أتناول وجبة لذيذة قد تكون لحظة سعادة...ودار نقاش، وحوار، وتنظير.
يومها كنت مقبلا على الحياة، شابا يمتلئ بالنشاط والأمل، وحب الناس.
أسئلة هذا الصباح تراجع مفاهيم، وعلاقات، ونوايا، وأحاديث...فتعمّق الشعور بالاغتراب. الاغتراب مفهوم، وشعور...الاغتراب يطحن النفس ويلقي بظلاله السوداء على جدار النفس، واللغة، والجغرافيا، جغرافيا الروح.
صديقي (عاشق المياه والجغرافيا، جاد دراوشة) حدثني اليوم حديث الجغرافيا، جغرافيا الفضاء، والرمز المادي الذي يحرص مهندسو الأبنية، ومهندسو الفكر والسياسة على إعلائه، والتباهي به، وضمان رؤيته من أماكن عديدة...وضرب أمثلة على واقع بناء قائم في جامعات، ودور عبادة،....
للروح جغرافيا، كما للفكر جغرافيته، ولهذا الصباح جغرافيته.
يؤلمني الجهل بأنواعه، وألوانه. الجهل الأكثر إيلاما ذاك الذي يلبس لبوس الحرص، والواقعية، والتبرير...ف (الأرض مائلة !!).
حين دخلنا غرفة المعلمين في واحدة من مدارس رام الله ذات مرة، كان المعلمون يناقشون مسألة نحوية....
اليوم ناقشنا الكلمات وتأثيرها، والشعر وأنواعه.
للكلمة ذاكرة، للكلمة مرايا، توارد المعاني مرايا الكلمة. اليوم قلت لطلابي: هيّا (نلعب) لعبة (توارد المعاني)، حين أذكر كلمة (عصفور) اكتبوا ما يخطر لكم من معاني، ومتعلّقات به...فكانت كلمات: عش، شجرة، فراخ، قطة، جمال، تغريد، تعاون، صياد....
(في مكان آخر سيكون معنى آخر، وكلمات أخرى، وحياة، ولعب,,,)
الحياة لعبة، لعبة أسئلة، ولعبة اغتراب، وجنون، ووجع.
لا أحد يفهم معنى (الوجع) غير من جرّبه، أو يتوقعه بخيال مسؤول.
هل بتّ أخفي ( وجعي ) وراء الرمز، والذاكرة، وتداعي المعاني ؟؟؟
(أنا لست لي)، اختيار ذو دلالة لنشاط مدرسي يقف وراءه وعي ثقافي للطالبة الطموحة (مريانا دخل الله) ابنة الصف التاسع الأساسي.
زميلاتها سيعرفن (درويش) والشعر، والأنا بمعناها الفني لا الأناني السائد...
فكّر بغيرك، قالها الدرويش، وفصّل: لا تنس قوت الحمام،
لا تنس من يطلبون السلام،
من يرضعون الغمام....الخ.
(من يرضعون الغمام)، هل قصد المعنيين؟ من يرضع الغمام (بفتح الياء وضمّها)؟؟
أشعر في يومي أنني أرضع الأسئلة، والضياع....(قل: ليتني شمعة في الظلام ).