جمعة للغموض، والاستفزاز المدروس، والخيام الواثقة...
لم أسمع في صباحها سوى أصوات عصافير الزرعي البلدية التي تلونت بلون أرضنا، واكتسبت ثقافتنا اليومية في مواصلة الحديث وإن كان بلا معنى، والصراخ والإزعاج. أحبها فقط لأنها بريئة، ولأنها من لون بلادنا وهويتها.
الحمامة لم تعد إلى شباكي، والبلبل ربما وجد مكانا أكثر أمنا. قلت: ليت غير المرغوب بتواجدهم يستعيرون كرامة الحمامة، وأخلاق البلبل.
الجو خماسيني غير واضح. حائر بين بين. اشتدت حركة الرياح في ساعات ما بعد الظهر، الرياح لم تؤثر على خيمة (أبي العبد) التي نصبت هذا المساء في بيت صفافا.
مساء ذهبت إلى قاعة المدرسة الأساسية في بيت صفافا حيث تقيم جمعية (نماء) حفلها الثقافي على وقع صفحة ايار السوداء، والهموم المقدسية.
هناك كان الشعر، والدبكة الشعبية. وكانت مسرحية (خيمة، خيمة، المهم في القدس) للفرقة الشبابية (فناكيش) والنص المسرحي من كتابة صديقي المحامي (محمد خليل عليان).
المسرحية بأسلوبها المميز في الطرح عزفت على وتر المعاناة للمواطن المقدسي، وتعرضت لواقع هدم البيوت، والضرائب، والواقع الاقتصادي الضاغط، وتغيير المناهج. أسلوب التمثيل والنص اعتمدا على المزاوجة بين الكوميدي والتراجيدي في الوقت نفسه، وفي الموقف الواحد أحيانا. وكأن النص يقول: هذه حياتنا في القدس بين دمعة وابتسامة، وبحث عن هوية واستقرار... لكن أبا العبد قرر واختار ؛ راح يبحث عن (القدس) في القلب، وفي المكان، والإنسان.
الممثلون الشباب أجادوا في التعامل مع النص والموقف والرسالة، ونوّعوا في التقديم بين الأغنية، والموسيقى، والصوت، والديكور المعبّر في بساطته.
(أعرف مسرحيات أنفق على إخراجها وتمثيلها ونصّها الكثير من أموال الداعمين...ولم تؤثّر في المتلقي كما فعلت (خيمة القدس ؛ خيمة أبي العبد)
خيمة أبي العبد ؛ خيمة صمود، ودعوة تثقيف، وتعزيز انتماء ؛ درس مقدسي بامتياز. خيمة القدس ؛ خيمة وحدة وطنية ترفع شعار " تأبى العصيّ إذا اجتمعن تكسّرا "، والشعار نفسه يرفعها عمودا أساسيا للنهوض بحالة التفرق اللئيمة، من أجل الاقتراب من حلم مشتهى يضيع بين تنافس الإخوة الأعداء، وغياب ثقافة التضحية والتنازل للأخ القريب لصالح (التنازل) السياسي! والمبدئي!!
جاءت افتتاحية جريدة (القدس) اليوم حول الاستفزاز الاستيطاني للقدس، وحملت صفحة المقالات مشاعر شاعرية لوزير الأسرى (عيسى قراقع) في انتصار الأمعاء الخاوية على آلام الجوع لصالح فضاء الحقوق والإرادة،
وبحث صديقي (هاني أبو غضيب) عن (نضال!!) محمد رشيد (خالد اسلام) في التاريخ الفلسطيني،
وبأسلوبه (الجبراني) كتب صديقي الأديب (يوسف ناصر) عن جارته الحمامة التي حطت على شباكه...
(أسأل الآن: لماذا يستجير الحمام بنا؟ لماذا تلاحقنا سكاكين الحمام؟!!!
على إيقاع حركة الريح العاصفة بخيمة أبي العبد هذا المساء أنبأني صديقي الشاعر (رفعت زيتون) بأنه بصدد إصدار ديوانه الثاني بعنوان (نوافذ). وقال إنه كتب قصيدة مطوّلة بعنوان (لم يبق إلا الكلمة ) ذات نفس ملحمي فيها تجديد في الأداء والتناول.
: نوافذ،
وحمائم،
واستفزاز،
وخيام،
وأيار،
وانتصار الأمعاء الخاوية على السياسة الخاوية، وعلى الكلمات الخاوية، ...هل ما زال الحال غامضا؟؟
الكلمة شفاء. الكلمة روح وانتماء ووعي وهوية.