ما أن فتحتُ لها الباب حتى انقضّت عليّ كالمسعورة، بعد أن رمَتْ بإهمال حقيبتَها اليدوية التي تشتَّتَ محتواها هنا وهناك. عانقتني وقبلتني بحرارة نادرة ثم استلقت قبالتي على الكنبة. قالت وهي تتنهد:
ـ كم اشتقتُ إليك يا حبيبي!
ضحكتُ:
ـ أنت مجنونة يا "إيزابيلا"... كعادتك... البارحة فقط كنتُ عندك في البيت!
ـ البارحة بارحة يا عزيزي... والآن نحن الآن... هه... هه... هه... مالك حمار؟
تغاضيْتُ عن هذا التفسير الذي ألِفتُ منها أمثالَه ونظرتُ بعفوية إلى حقيبتها اليدوية التي تبعثرت أوصالُها. قمتُ بأدب وصواب لجمع شتاتها وإعادة ما تبعثر إلى مكانه. تجمّدتْ يدي على بطاقة مزركشة تحمل ختم واسم المستشفى الجامعي. تأملتها والفضول يغمرني: "بطاقة مُتبرِّع بالأعضاء من أجل العِلْم... تشهد حاملة هذه البطاقة السيدة "إيزابيلا بنت فلان" أنها... بعد موتها... التوقيع...".
رفعتُ بصري نحوها مندهشا لسخائها وشجاعتها. بدأتُ أتخيل أعضاءها وهي مزروعة في جسد آخر أو في أجساد أخرى بعد موتها. توقفْتُ عند نهديها: "مَن هي سعيدة الحظ تلك التي سيكونان من نصيبها؟ (سأبحث عنها في كل مكان!)".
مسحتْ نظراتي جسدَها وأنا أفكر رغما عني في أعضائه التي ستذهب "هباء منثورا". توقّفتْ عيناي وانغرزتا في "عضو مُعَيّن". اجتاحني تساؤل مجنون (هل ستتبرع به هو الآخَر؟).
وبينما ضحكتي تكاد تفلت منّي رفعتُ بصري نحوها. كانت تراقبني وتبتسم بخبث وكأنها خمّنت ما يروج في ذهني من أفكار نزقة. ما أن فتحتُ شفتيَّ لأبادرها بالسؤال حتى قاطعتني محركةً رأسها علامة الإيجاب:
ـ نعم. نعم أيها الماكر... حتّى هو!... لا شيء فيك يتغير!
وبحركة رياضية استلقتْ على ظهرها فوق الكنبة وسحَبتْ تنورتها القصيرة إلى أعلى، مدّدت أطرافها العليا والسفلى على هيئة مقص مفتوح عن آخره، مستعد للفتك بمن يدخل بين فكيه ثم قالت:
ـ تعال! خُذهُ أيها العفريت! كل شيء مِلكٌ لك ما دمتُ قيد الحياة. اقطف وافترس كما تشاء. و... و... و...
و... (املأ الفراغ بما يلائم!)