صديقي الذي يحبّ مشاكستي في المجالس، ويحبّ أن يثير فضولي المعرفي والاجتماعي بأسئلته التي لا تنتهي، ولا أخفيكم سرّا إذا قلت لكم: إنّني أشعر بالمتعة والراحة، فمرّة سألني: كيف أوازن بين قناعتي بالأدب ووضوحه ورسالته وقناعة الآخرين الذين يشعرون بعذابي وعذاب الآخرين في التعمية والغموض والخروج عن الرداء العربي صياغة وفكرا و انتماء؟ وسألني مرّة سؤالا لم يكن يخطر على البال: قل لي كيف يصعد الإنسان إلى أعلى المراتب دون أن يقع؟ وأتبعه بالسّؤال الآخر: لماذا الحديث في الأمسيات شيء والحديث خارج الأمسيات يختلف كلّ الاختلاف؟ أهناك خوف أم خجل ومجاملة؟
وخيّلَ لي أنّ الإجابة عن تساؤل واحد يكفي ويغني، ويختصر الإجابات المستورة والإجابات التي يتحكّم بها الظّرف. وهو الذي أردف بالقول بعد سؤاله الثاني: كيف تصعد دون أن تقع؟ وهل للصّعود مزالق ومنحدرات، وأنت أكثر من يتكلّم بهذه الموضوعات؟ كيف يقع المرء إذا كان ثابت الخطا، وإذا كان يحسن التّصرّف، ويعرف تدبير الأمر، ويُعدُّ لكلّ طارئ حلاّ؟
نعم ياصديقي الذي يسعى إلى الصّعود، نعم معك الحقّ في رغبتك الصّعودَ، ومعك كلّ الحقّ في معرفة السبيل السليم المعافى. وبدوري أسألك:
هل فكّرتَ بالهدف المنشود من الصّعود؟ وهل فكّرت بمقوّمات الصّعود وأسسه وثوابته؟ وهل رسمتَ نهجكَ وحدّدتَ سُبُلُكَ المدثّرة والمحميّة بحسن النّوايا، وسلامة الطريق؟
أراك بدأتَ تتذمّرُ من أسئلتي، والردّ على السّؤال بالسّؤال مبعثُ حيويّة وتأمّل. وإنّني أفيدك وأقدّم إليك وجهة نظري بالصعود، هناك صعود هو بالأساس وهمٌ وزيفٌ ونزول إلى الحضيض، وإن بدا للآخرين صعودا، هذا الصّعود دافعه أنانيّ ومصلحيّ بحت، وأدواته شيطانيّة، وفيه الضّياع للفرد وأسرته وما يلوذ به لأنّه لم يُبنَ على المنفعة الجمعية للآخرين، وجاء بكل الأساليب الشرّيرة من غشّ وتدليس وقتل واحتيال والتفاف على المبادئ والقيم والقوانين والأعراف, فإذا كنت تقصد هذا فقد أبنتُ لك. وأمّا الصعود الآخر وهو الذي أعنيه وأتمنّاه لشعبي ووطني وأمّتي، إنّه الصّعود الذي يأتي على متْن الثوابت والمنطق ومسار الحقّ.وعلى أجنحة قويّة تعرف وجهتها. الصّعود الذي يساعد على صعود الآخرين معه، هو صعود واع يمتلك الرؤية والرؤيا، ويتسلّح بالمعايير القانونيّة والأخلاقية، ويكون داعما لاهادما.
لا يوجد كائن على ظهر البسيطة إلا ويسعى للصّعود، والذي أقصده الصعود المعنوي الذي يحفّز المرء على العمل والإنتاج والابتكار. إنّه الصّعود المحميّ بالقيم ونبل المقصد. وهو لازم وواجب علينا. لكن من الأفضل ألاّ نفكّر بالاسم، وأفضّلُ تسميته بالرقيّ والازدهار والتطوّر وتحقيق المنجزات التي تغيب غالبا مع الحالة الأولى التي يتوجّه فيها المرء للصعود على آلام وقهر الآخرين واستغلال حاجاتهم وجهلهم وانحرافاتهم الفطريّة.
أسألك : أيّهما أفضل لنا وللمجتمع؟ أيّة بطولة وفوز أسمى؟ ذاك الذي يأتي بالمنشّطات والغشّ والقوة أم ذاك الذي يأتي بالتدريب والمواظبة والطاعة للمدرّب والامتثال لقرارات الحكام؟ انظر إلى الدّول التي بنت بناء سليما كيف تجاوزت مشاكلها، وانظر إلى زملائك الذين اتجهوا إلى الغشّ والنقل والانتحال، أين صعودهم، فهو نزول إلى الحضيض على المستوى الاجتماعي والأخلاقي مع من يحيط بهم.
ألم يقولوا: "الحفاظ على البطولة أصعب من نيلها " فلك الحقّ أن تصعد وعليّ حقّ النصح والتبيين.
ياصديقي ؛البناء الذي يبنى دون ثوابت وأسس ومؤونة سيهبط مهما ارتفع، فهو آيل للنزول السحيق القاتل مهما طال. وانظر إلى الأبنية القديمة التي بناها الأجداد وبقيت صامدة رغم عاتيات الزمان. أعرفت لماذا؟ لأنها بُنيتْ على التقوى، وسوّرت بالإخلاص.
إنّ الصعود الحقيقيّ عمل جمعيّ ونتاج تراكميّ من الأخلاق والقيم والمعرفة، والسلبيّات التي نراها لا تصنع مجدا، ولا ترتقي بصاحبها الذي سوف يهوي يوما ما، ولن تحميَه ثروتُه وعائلتُه ومكانته. ما تراه عبارةٌ عن أشواك ومسامير ونار خادعة للبصر والبصيرة.
ما رأيك ياصديقي الذي أثقلتُ عليه بالوعظ؟ وأراك في حَيرة والتباس ومراجعة للأمر، وهذا عين الصّواب، وهذا أوّل مصباح في الطريق الصّحيح. فلْنصعدْ معا بمستوى التفكير والأخلاق والقناعات والمشاهدات عن قرب، ولنتألّم معا، ونحن نشاهد تلك الأبنية الإسفنجية أوالكرتونية التي حوتِ الفقراء والمضطرّين من أبناء بلدنا، اعرفتَ ماذا يحلّ بها؟ أم أنّك لا تقرأ ولا تسمع ولا تشاهد؟ وهذه إحدى المقوّمات للصعود الهاوي إلى الجحيم. انظرعواقب هذا الصعود الذي رفعه الاحتيال والرشوة والغشّ.
نعم سوف نجد أنفسنا أمام مفارق طرق عساها تعيدنا إلى رشدنا، عساها توجّهنا إلى الأماكن الطبيعيّة للصعود. وليس إلى تلك الطوابق العالية التي استقرّ أهلها بالحضيض. فلنصعدْ معا إلى أعلى السلالم درجة متينة متبوعة بدرجة أمتن. وليكن شعارُنا " الصعود درجة تلو درجة خير من السّقوط في آخر درجة "