دخل الشاب موسى إلى بيت والديه لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، عائدا من المدينة، المجاورة حيث يشتغل سائقا بإحدى الشركات العائلية. في تقديره الخاص يعتبر نفسه جد محظوظ، إذ أتاحت له هذه المهنة الاحتكاك بهذه الأسرة والاطلاع على بعض أساليب الحياة الكريمة، وطريقة النظر إليها والتفاعل معها بشكل إيجابي، حتى أصبح يبدي نوعا من النفور الإيجابي تجاه الكثير من الممارسات والمعتقدات داخل أسرته. اقتعد المصطبة بالقرب من والده الذي يقضي معظم أوقاته يشاهد الشاشة، يستمتع بالبرنامج الغنائي الشعبي«الشيخات»، يحاور إبريق الشاي، يغازل «السبسي» (غليون لتدخين الكيف) يُصلي العشبة جحيما داخل «الشقفّ» كي يعدل مزاجه المخروب كما يدعي...
لحظة من فضلك يا والدي
أرهف الشاب السمع دون أن يولي كلام وا لده اهتماما،وهو يهمس :أشش..أشش...
أخبار فارغة، لا تشغل بالك
ماذا هناك، إني أرى صورة مسجد القدس، والجنود يحيطون به
كارثة يا والدي،إنهم يحفرون الخنادق تحت المسجد،إحدى خطوات المشروع الصهيوني الرامي إلى انهدام المسجد الأقصى
ماذا تقول أيها المخبول؟
ما سمعت للتو يا عاقل
وأين يقع هذا المسجد؟
في قلب المسلمين، بل المؤمنين
يبدو أن المدينة لم تعلمك غير البلادة،رغم القسط المهم الذي نلته من التعليم،لا تستطيع فهم الأمور على حقيقتها
نورني يا والدي،
أنظر إلى والدك، لم يلج يوما المدرسة ، لا يميز بين الألف والعصا ومع ذلك يستطيع فهم ما يدور حوله من أحداث،
تقول إن الإسرائليين يسعون لهدم المسجد الأقصى.وهو يقع في قلب المؤمنين، إذن لن يستطيع أحد هدمه
يا والدي المسجد تقع بنايته على ارض مدينة القدس التي يحتلها الصهاينة، أفهمت؟ والصهاينة في يجدون المسجد أكبر عائق لهم. باعتبار قدسيته، لا بالنسبة للمسلمين فحسب...
لا تهتم يا بني ،لازلت صغيرا على فهم مثل هذه الأمور،أليس للعرب ملك يخدم الحرمين ويحمي هذا الحرم، ويؤم المؤمنين؟ألم تر أن المؤمنين يزورونه من كل بقاع العالم حتى من إسرائيل عفوا من فلسطين؟
بلى
إذن لن يقدم اليهود على التأسيس لانهدام المسجد الأقصى
كيف ذلك يا والدي؟
إن شاؤوا أن يفعلوا، ولن يفعلوا، لابد لهم من إذن من الملك
عما تتحدث يا والدي؟
بكل بساطة يا بني وهذا ما لم تستطع فهمه،اليهود كباقي الشعوب مثلنا لا يجرؤون على إغضاب الملك،فإغضابه إغضاب للخالق وهم لا يغضبونه لكي لا يسلط الله عليهم غضبه،ومن ثمة فهم يسعون لاستدرار رضا الله عن طريق رضا الملك عليهم. وبالتالي لا يمكنهم الاستغناء عن تقبيل الأعتاب، و هدم المسجد يساوي إبادتهم، وهذا ما يخشونه.أفهمت؟
قام الشاب من مكانه، دخل غرفته وأخذ يفحص نفسه،" أأكون من هذه الطينة؟ أجل ومع كامل الأسف. ترى ما الذي أحمله في عقل الباطني من رواسب ستطفو يوما وأسمع غيري مثلما سمعت من أبي.
بحركات سريعة، أخذ الشاب يلقي في حقيبة كيس يد، وصابون وكثيرا من الغاسول، وفرشاة ومعجون أسنان، خرج مسرعا وهو يقول" أنا في حاجة لحمام بخاري جد ساخن