في غابة عجيبة، تعيش الحيوانات في سعادة. ذلك لأنها تقبل بجميع بنود القانون الغابوي الذي يحكمها؛ ولا اعتراض منها على أي بند من البنود، حتى ذلك الذي ينص على «أن التآكل بين الحيوانات واجب أخلاقي». هكذا، لما لا يجد حيوانٌ قوتَ يومه، فإنه يذهب إلى الملك، وهو فيل مهيب، ويشكو له جوعه، فيصدر الملك أمر نشر خبر الحيوان الجائع، فتهُبُّ الحيوانات متطوعة لتهبَ نفسها أكلا شهيا، وهي سعيدة بين مخالب الحيوان الذي يفترسها.وتقول: «إن التآكل شكل من أشكال التكافل، وممارسة تجعل من الغابة مجتمعا آمنا مستقرا».
وحده الحمار غير سعيد. إذ وقف في حضرة الملك، وقال: ــ أنا لا أصلح لأي شيء في هذا البلد السعيد. ولا حيوانَ رضِي بأن أكون طعاما له ، وأنا مع مبدأ التكافل، ولكن الجميع يعافني... ـ تألّم الملك لحال الحمار، وقال: ــ نحن في غابة ديموقراطية، ولا يمكنني أن أفرض على أيّ حيوان أن يأكلك. تألّم الحمار من ردِّ الملك، وقال: ــ لماذا لا ترضى أنتَ بأكلي؟ أليس فيَ لحم، وشحم، وعظم؟ ألستُ أكفي لسدِّ جوع عشرة ثعالب مثلا؟ أو خمسة ذئاب؟ أو أسد؟ فردَّ الملك: ــ تعلم أن الأسود، والذئاب، والثعالب لا تجوع في بلدي. ــ وما العمل إذن؟ ــ ثق بي أيها الحمار المحترم؛ فلو كنتُ لاحِماً لأكلتك بكلِّ فرح، ولكني عاشبٌ كما تعلم، ولا يمكن لي أن أدخل إلى معدتي لحم حمار، إلا أن يُصيبَني مكروه؛ فهل تشاء لملكك أن يصيبه الأذى؟ ــ حاشا أن أشاء؛ ولتدم صحتك وعافيتك! وعلى الله العوض.
وانصرف الحمار إلى شجرة منخورة الجذع ليحتمي بظلها، وليشكو لها همومه. والحيوانات تمرُّ بجانبه، ولا تعيره اهتماما. فصدرت عنه تنهيدة مديدة سُمعت عبر الثقب الذي في الشجرة كزئير حيوان شرس. فقفز مذعورا من تنهيدته المضخّمة. ولما أدرك ما جرى، عمد إلى التسلّي بنهيقه في ذلك البوق الخشبي. آه! ودخل الرعبُ قلوب الحيوانات لاعتقادها أن وحشا رهيبا حلَّ بالبلد. وهبَّ الملكُ وجُندُه إلى مكان الإزعاج: ــ إذن أنت من يقلق أمن البلد؟ ــ كنت أتسلّى عن ألمي بالنهيق في هذا البوق الخشبي. ضحك الملك، والحيوانات غاضبة متأهبّة للفتك بالحمار: ــ لا تؤذوه! لقد وجدنا له مهمّة، وهو الذي ما انفكَّ يشتكي من عدم جدواه بيننا. سنعطيك هذا البوق ومنه ستنشر أوامرنا، وتعلن عن أخبارنا وتنادي من نناديه... إلى آخره. هل فهمتَ دورك الآن؟ ولما انصرف الحشد الملكي، رقص الحمار وغنى من الفرح. وصار له صوتٌ، وحظوة، واحترام.
وذات يوم جاءته مجموعة من السباع على رأسها سبع أعور يشع الشرُّ من عينه الباقية، وقالت له: ــ إن تخبر من بوقك ساكنة الغابة بأن الفيل لا يليق بالملك، وأن الذي يليق به هو رئيسنا هذا، جعلنا منك وزيرا. تخيّل الحمار نفسه وزيرا بين السباع وشخصيةً مُهابة؛ وقبل بالفكرة، وانقلب الحكم إلى ذلك السبع الشرير. وفي مجلسه الجديد قال الحمار: ــ لقد مكّنتك من الحكم، فأين الوزارة؟ فقهقهت السباع، والنمور، والفهود، والذئاب، والثعالب، وسائر الحيوانات الشريرة، وقال الملك الجديد: ــ علمتُ أنك كنت في الماضي تبحث عمّن يأكلك ولم تجده. وها نحن هنا، أنا ورفاقي لتلبية رغبتك القديمة، فما قولك؟ فتفكّر الحمار لحظة في نفسه،وقال: ــ كنتُ غبيّا لمّا وافقتكم على مبتغاكم. ورنا بعين حزينة إلى قمر في سماء شاحبة، ثم أغمض عينيه الكبيرتين على حزن، وقال: ــ أيها المغرِّرون بي؛ كلوا قلبي ـ أولا ـ لأنه سمح بالطمع أن يدخله! ثم لساني لأنه دعا من البوق إلى الخيانة! ثم عينيَّ لأنهما لم تريا الخطر قادما إليَّ وإلى البلد! ثم كلوا كما شئتم ما بقي من جسدي الغبي! فهل تردّدت الحيوانات الخائنة عن الفتك بذي الأذنين الكبيرتين و اللسان الطويل؟...