إليكَ أكتب يا سيدي الغريب.. وأعلم أنّك وحدك ستفهم.. وأعلم أيضاً أنّك لن تقرأ.. أكتب وأنا على يقين أنّ الكتابة لن تعيدك إليّ.. أكتب فقط عساني أعود إليّ.. يا رجلاً أحتاج مئات الأعمار كي أكتبَهُ.. وستّون ألفَ حياةٍ كي أقنعه أنّه حياتي.. وهو تكفيه بضع دقائق.. بضعُ دقائقَ فقط ليكتبني ويزرع عشقه ويميتني شوقاً ويحلّق بي شغفاً ثم يهوي بي إلى أسفل درجات الخيبة وينساني.. تنتهي الدقائق ولا يسمح لي حتى بوقتٍ بدل ضائع ألملم فيه أنفاسي لأتعلّم الوقوف من جديد.. فاللعبة انتهت.. والحكم منحاز.. والحظ لم يصفّق يوماً لامرأة مثلي...
لكنّك لم تكن رجلاً عادياً ليكون حبي لك عادياً أيضاً.. كنتَ من ذاك النوع الذي يقتحمني.. يجرّدني من دهائي.. تنهار أمامه حصوني التي كانت منيعةً على سواه.. كنتَ رجلاً يُطيح بكلّ أشيائي.. ينعجن في الجسد.. ذاك النوع الذي لم أصادفه من قبل.. ولن أصادفه بعدك.. إذ أنك أفنَيتَ – بمجرّد مرورك العابر بي – كلّ رجال الأرض...
فقل لي.. أيها البعيد.. كيف أقتلع رائحتك من مساماتي.. أرجوك أخبرني.. كيف أسير دون أن تقودني خطواتك.. كيف أنسى من أراه في كل الوجوه.. أخبرني فقط كيف أفاوض أحلامي لأقنعها أنّ استقبالها لك يُحيلني رماداً كلّ صباح..
أبداً لن أنساك.. أبداً سأبقى محفورةً في أعماقك كما تدّعي.. وأنا أجولُكَ.. أسْبُرُ أغوارَ قلبك.. ولا ألمَحُ أدنى أثر لي.. لا ألقَى طريقاً يعترف أنّنا قد سلكناه.. لا أجد فيك شيئاً يذكّرني بي.. فأين تُراك حفرتَني ؟!!!...
أبداً لن أكرهك.. رغم كل اليأس الذي ألقيتَني فيه.. تبقى ملاكي.. عيدي.. وحلمي المستحيل.. تعلّمتُ معك أبجدية العشق واللهفة.. بدأنا من الألف.. ولم تصِلْ بي إلى الياء.. هبطْتَ بي اضطرارياً قبل الياء بقليل.. وكَمْ كفاني هذا المقدار...
سأطرَحُ أرضاً عزّةَ نفسي كإنسان.. لأقول.. "أشتاقك جداً".. أنا.. سحابةُ صيفك.. أنا.. وعدك المهتوك.. أنا التي بين الألف وما قبل الياء بقليل كانت مسيرتها.. كان مولدها.. وما زال احتضارها...