وأخيرا عادت وعيناها مسجونتان في محجريهما وشفتاها ناشفتان جافتان وخداها صفراوان وابتسامتها منهكة وشعرها أبيض وقلبها لم يعد قادرا على الخفقان.
بعد عشرين عاما رأيتها تجر وراءها أطفالها وعربة من الذكريات الأليمة الحزينة وعلى كتفيها هموم الدنيا وعفونة وحموضة جسد تآكل وترهل وذاب نشاطه وعنفوانه. رأيتها جثة تتحرك بصعوبة أذهلتني أنا الذي كنت أعجز عن مجاراتها في الرقص على إيقاع فرحنا وحبنا للحياة. وقفت أمامي. لم أتعرف عليها. وضعت يدها في يدي .لم أتذكرها.
بعد عشرين عاما رأيت أمامي امرأة بل قطعة قماش تقطع من كثرة الاستعمال. رأيتها وليتني ما كنت رأيتها. وقع نظري عليها فتعجبت كيف لقلبي لم ينبض بقوة.
بعد عشرين عاما شممت رائحة حبيبتي فإذا بي أرى امرأة ذابلة الملامح موجهة عينيها الغائرتين صوبي. وجدتني وجها لوجه مع حبيبتي لكن مشيتي لم تتغير ولم أشعر بزلزال كتلك الزلازل التي كنت أحس بها أيام الحب والعذاب.
ها هي حبيبتي أمامي بعد غياب طويل لكن بعينين لا حياة فيهما وابتسامة تقزز لها عندليب قصائدي وشعر مقرف وبشرة أرعبت صغار الحمامة في العش. لم أرتبك ولم أرتعش بل وضعت يدي على قلبي وقلت بصمت: سامحني يا قلبي اللطيف فقد أنهكتك وذهبت دقاته سدى وهباء منثورا. سامحيني يا نجوم فقد عذبتك كثيرا. سامحني يا قمر فقد سهرت معي الليالي ومسحت دموعي مدة سنين وسنين. سامحني يا قلمي لأني عصرتك وقهرتك بدون رحمة. سامحني يا عندليبي لأني أتعبتك بالشكوى وأرغمتك على الإنصات إلى آهاتي ردحا طويلا من الزمان.
سامحوني يا أصدقائي عن الساعات التي كنتم تستمعون فيها إلي وأنتم تجففون دموعي. سامحني يا والدي فلقد نهرتك مرارا وقلت لك أف عندما كنت تتحدث لي عن الزواج محاولا معرفة سبب عزوفي عنه و تهربي منه.
سامحيني أيتها الحمامة الجميلة (نزهة) أيتها الفتاة الساحرة (سعاد) أيتها السمراء ذات الشامة الحلوة (نزهة 2 ) أيتها المرأة الرائعة ذات الابتسامة الدافئة (لطيفة).
سامحيني أيتها الزميلة التي كانت تحس بسعادة لا حدود لها كلما دخلت قاعة الأساتذة والتي كنت أتهرب منها بطريقة فجة (ميشيل). سامحيني أيتها الزميلة الأخرى التي كانت مستعدة للتضحية بكل شيء مقابل كلمة مني (....) وسامحيني حتى أنت يا حبيبتي إذا أنا اكتشفت بعد عشرين عاما أنك امرأة عادية ككل النساء اللواتي دمرن حقول وحياة وقلوب العاشقين.