تجاهلني واِنهمك يمارس الحبَّ على ورقٍ، يترنَّح حيناً ويصبُّ ولهاً في سواقي غريمته حيناً آخر، فتعبَق ريحه، بعد ان اشتعلت فتائل الهيام وارتسمت رياضُ ريحانٍ وجِنان..
كان لحبِّه غروباً أزلياً، مُسْلساً وأبدياً، بهيجَ الألوان متسلِّطاً، متعجرفا لا يكترث لأنوار المساء حوله، وتحت سماء تُثلج قبُلات فضيَّة، عائماً يبعثر عبراتَ شهوته على غدير أبيض فيُسمعني خَواةَ أنِينه..
سِحر لا يفنى، نور خافت يختنق كلّما يرسم لثمة، ليضيء حين يبتعد، فيستجمع أنفاسه المحتكرة، يستنشق شذىً من أحلام، يرسل عبيراً من أوهام. مَلامِس لا تقاوم تجعله يرتِّل أعذب الألحان، ويعزف على أوتار آلته، فتتفتّح الزّنابق ويسجِد له نفرٌ من النّواميس، همْس الجوى، يختال كالفراش مغازلا قطرات النّدى، وذاكَ القلم يمزّق أساطير الأباطرة، صَيَّاح لا يعلو ترانيمه دويّ الرّعود، يكتسي أُبَّهة خالدة، غضوب وأدْكن، تتَّضح مفاتنه وتنعكس على سطح القمر، قانِت، أهْوس يسبح في نهر الحُلم، يستلقِ على ضفّة العرش، يلهث كالفارس المكافح يرمي بزفيره تجاه دِرعه، صهيل ينبعث من هناك، يختلس النَّظر الى خيوله، يتأهَّب، يُبعد السَّتائر ثم يطِّل من شُرفة حِصنه ليلمحني أداعبها ساخرا، غير مُباليا لمجده، فتَنسجل قوته كالدَّمع، يعدو في أجنحة صَرحه بوجه شاحب، ابصرته يقترب وكان كل مرَّة يدنو فيها منِّي، تتثاقل خُطواته الى ان سقط على راحة يدي فأحمله كما الرِّيشة البريئة، يُحتضر بين أناملي ويشكوني هموم التَّجبر، راضخا، ساجداً يطلب عفوي.
ذاكَ القلم، كُتبت قصصه في دواوين العشّاق، تتوارثها أجيال الكتَّاب، لا تمحوها خرافات، ولا تحرِّفها معتقدات، ما دامت راسخة في الذكريات..
جفَّ مدادك، آن الأوان لتلفظ أنفاسك الأخيرة، ها أنا ذا احملك، لا أملك وقتا لتأبينك، محتار حقاً، أَ خائن، ناكر لجميلك، أم أني أخشى لحظات الوداع. فعلا لا أجيدها، عذرا لا أحترفها، تُرى هل تعذرني أم أنك لا تملك وقتا لذلك أيضاً..
ليتك تجيب، هل اصرخ، أو اقذف بك بعيدا عن رؤاي. لا أدري!! غارق في ظلمة من التساؤلات، لا أملك شموعا تمزقها، ولا إجابات. تائه، أتوجَّع لوعة الصَّحوة المنتظرة وهكذا دامت حالتي أصارع طعنات القدر، أسير بخطىً ذابلة، سحب تمطر خناجرا من فوقي، أَ هكذا أحزن؟ أم لست ذاك الشخص المعتاد عليه، لا بل آمنت أن وجودك بجنبي حطم أسوار الضَّباب، نجمة ترشدني في غابات التِّيه. وداعا صديقي..