دعني أمر أيها الخسيس. أتركني أسير كما أريد وكما يشتهي القدر ولا تحاول سد المنافذ في وجهي. أتركني أيها الرقيب فغرضي الوصول إلى عش العندليب لألقي أمامه قصيدة هي الدواءالوحيد لدائه ودائي.
أتركني فأنا لا هدف لي إلا التفرج على الحمامة وهي تتدلل وتهدل أمام ذكرها ولا وقت لدي لمزاحمتك على امتيازاتك. همي الوحيد النوم بجانب الزهرة العذراء والتبرك بأحلام الفراشة الخضراء.
لا تحاول زرع طريقي بالأشواك فما أريده هو مغازلة أشواك الوردة لإقناعها أنها حتى هي مهمة لي وللوردة.
أتركني أيها الحارس المريض، أيها الخادم الغبي، أيها الأمي فلا وقت لدي لإزعاج أسيادك لأن أعز لحظاتي أقضيها وأنا أفكر في الابتسامة الحلوة لتلميذتي الحلوة.
ابتعد عني. ارم بمقصك وسوطك وأنيابك وكراهيتك فأنا لا أخطط للهجوم على مصالحك ومصالح من يرمي لك بفتات الحياة. أخطط فقط لالتهام لحظات ممتعة مع امرأة تحسن الرقص على إيقاع قصائدي.
لا تشحذ مخالبك. لا تضع الفخاخ أمامي. لا تؤلب علي كلابك فأنا لا أبحث عن موقع ولا أفتش عن كرسي ولا أحلم بمنصب. موقعي أعرفه ويعرفه الجميع. مكاني المفضل واحة ترقص وسطها العرائس على إيقاع رقصات العندليب. كرسيي؟ صخرة على الشاطئ هي عرشي لأن البحر مملكتي. منصبي؟ أحلم بمنصب واحد: أن أصبح حاكم جزيرة لا تسكنها إلا الفراشات ذات الأجنحة الذهبية.
ابتعد عني. لا تتعب نفسك في كيفية إيذائي فقصائدي لا تحمل ألغاما ولا مناشير سياسية ولا بلاغات عسكرية. لا تخفي لا إيديولوجيا ولا مذهب ولا ولاء لأحد. قصائدي لا تخفي بين ثناياها إلا هدايا للأطفال المتيمين بزميلاتهم في القسم. لا تحمل إلا جمل الحب من العاشقين السذج إلى حبيباتهم. تحمل العطور التي تضعها عذراء الجبل تحت إبطيها قبل أن تهدي جسدها لعريسها الراعي السعيد.
ابتعد عني أيها التافه. ابتعد عن طريقي ورائحتي وظلي وأوراقي فأنا لا أهتم لا بمهرجاناتكم ولا بجلساتكم ولا باجتماعاتكم ولا بقراراتكم.
مهرجاناتكم معروفة تقاليدها وخفاياها. جلساتكم أشاهدها على شاشة تلفزتكم عندما تتحدثون وأنتم تنظرون إلى حركات أسيادكم وطريقة ضحكهم. اجتماعاتكم تصلني أخبارها وهي ليست للنشر لذا سأعفي نفسي من الحديث عنها. أما تقاريركم ومقررات مؤتمراتكم فلا يحتاج أحد لدراستها لأنها مكتوبة بأقلام غير أقلامكم.
من فضلك ابتعد عني. أتركني أمر أيها الناقد الفقير، أيها الكاتب الصغير، أيها الشاعر الحقير، أيها الرقيب، أيها المرتزق، أيها السفيه، أيها المكبوت، أيها المهزوم، أيها الجائع دوما وأبدا. أتركني أيها النائم تحت سرير سيده لخدمته في أي لحظة أراد، أيها الواقف بجانب وسادة سيده لمساعدته على الذهاب للمرحاض كلما أحس بألم المخاض، أيها الجالس وراء سيده ساعة الأكل لتنظيف المائدة بلسانه في نهاية المأدبة.
ابتعد عني أيها الراقص أمام سيده لإزالة الكرب عنه بعد ليلة فاشلة مع زوجته، أيها السابح في بول سيده، أيها الحامل لأمتعة زوجة سيده بمناسبة ذهابها ﺇلى حمام عمومي لقضاء بعض الوقت مع نساء حيها القديم قبيل الانتخابات.
لا تقربني. لا تمس شعرة من شعري. لا تدنس ورقتي، لا تداعب كلماتي، لا توسخ قلمي، لا تفسد علي جو الكتابة فأنا لا علاقة لي بعالمكم. لا رغبة لدي بالعيش بين ظهرانيكم. لا طموح لدي لولوج ناديكم المفضل. ما أنا إلا كاتب قصائد.
ما أنا إلا شاعر أهوى كتابة الشعر وأكل الشعر وشرب الشعر وإنشاد الشعر ورسم الشعر وقوله. أنا شاعر شعري شارع طويل تتجول فيه الأزهار والفراشات والعاشقات. شعري ما يشعر به الطفل والكهل والشيخ. شعري تكتبه دقات قلبي ورموش عيني فاتنة الجبل ورقصة عروس الوادي الأخضر.
أنا شاعر شعري يرتوي منه العندليب وفيه تحب الوردة العيش والخلود. وما أود معرفته هو من أنت؟ شاعر؟ تقول إنك شاعر؟ تقولها ولا تخجل؟ تقولها بكل يقين وبرودة دم؟ شاعر؟ أتمزح؟ أتهذي؟ أأصابك الخرف؟ شاعر شاعر كبير؟ شاعر طور الشعر؟ شاعر مجدد؟ إذن لنسأل العندليب. لنسأل عذراء الجبل.. لنسأل النهر والحجر.
يقول لك العندليب أيها الششعععررر: ليس بشاعر من يشرب الكأس ويزيد فيها من لعاب سيده. ليس بشاعر من يبصق على ورقته لأن شعره لم يدر عليه مالا وشهرة. ليس بشاعر من يقرأ قصائده أمام ناس يأكلون ويشربون ويتجشأون. ليس بشاعر من يكتب الشعر ولا يسقي وردة كل صباح.
وتقول لك عذراء الجبل أيها الشا..عر عر عر: ليس شاعرا من لم يقل في الشعر ساعة بعد بلوغي سن النضج والغنج. ليس شاعرا من وقفت أمامه فتاة مثلي ولم يفقد عقله بصفة نهائية. ليس شاعرا من رأى امرأة جميلة ولم يهتف: لتسقط كل الثورات. ليس شاعرا من لم يعزف عن حلاوة الحياة بعد فراق الحبيبة.
ويقول لك النهر أيها الـ..شـ..ررر: من قطع النهر ولم يكتب شعرا على جبهة الجبل ليس بشاعر. من سبح في النهر ثم غادره من دون أن يتذكر لون أزهار ضفتيه ليس بشاعر. من غرقت حبيبته في النهر ولم يحرق كل الأنهار ليس بشاعر.
ويقول لك الحجر أيها الشاعيييير: من كان قلبه من حجر., من كان قلبه من نار وحديد.. من كان قلبه ميتا.. من كان قلبه يخفق لرنين المال والذهب ولا يجيب صرخة العندليب ولا يهتف باسم عذراء الجبل ولا يحزن لمصير النهر ساعة الجفاف..
من كان قلبه من حجر فلا حق له في تسجيل اسمه في نادي الشعراء.