هبت ريح خفيفة، على
إثرها اهتزت بلطف أوراق الدرة الخضراء، تداعب خيوط الحرير
الزاهية.
في لحظة رجعت بي الذاكرة
إلى زمن الطفولة بكل براءتها. زمن كان
فيه الخاطر ينعم، إلى حد ما بالهدوء والسكينة.
طالما نشعر بدفء اعز الأحباب، شعور
الاطمئنان بحنان الأم والأب.لعله إحساس طبيعي نابع من ذكريات الطفولة البريئة.
انه الزمن الذي أصبح فيه البال شاردا من كثرة الهموم، غير منتبه إلى همس الرياح التي تداعب أوراق الدرة اليابسة وتحرك تلك الخيوط الذابلة، خيوط الحرير التي كانت بالأمس القريب ناعمة.
على كل حال ما تزال حبوب الدرة عالقة، وما تزال الريح عابرة كمالا تزال ذكرياتي راسخة. سعيا من اجل وضوح صورة الذكريات الجميلة مع تعمد اللامبالاة بالتي كانت قاتمة،
أو على الأقل المرور بها مر الكرام وفي أسرع وقت حتى لا تؤثر على ما تبقى من أجمل الذكريات.
أنها مجرد هبات رياح
عابرة على أوراق درة يابسة؛ و التي حركت مجريات ذكريات عابرة، ما تزال إلى اليوم في عمق القرص متشبثة، في محاولة لوضع حد فاصل، بينها وبين تلك التي، لمستقبل باهت ما تزال راسخة.
على همس الريح الدافئة
في ليلة مقمرة، وسط أكوام الدرة في البيدر صحبة الأب والإخوة، نتبادل الكلام مع فرز حبات الدرة على نور القمر.ألقمر الذي اكتمل ، القمر الذي كان بالأمس بدرا بالكاد ينير الأفق ويختفي من وراء الهضاب التي كانت مزروعة بالدرة.
فوق ألأوراق اليابسة،
التي بالطل أصبحت مرنة، ننام في الهواء الطلق نتأمل الكون قبل أن تغفو الجفون لاستقبال شمس الغد الحارقة.
الشمس التي أرسلت
بالأمس أشعتها على أوراق خضراء، على أغصان أصلها حبات درة، على ارض جرداء. ألأرض التي لا تزال بكل
سخاء تعطي رغم تعاقب السنوات العجاف ونكران الجميل. الأرض التي لا تبالي بجحود الإخوة في خصامهم حول الحدود. إنها أرض الله الواسعة
التي لم تعد مند سنوات، تتحمل برفق أقدام دوي العقول المنيرة. ولعل هبات الريح على تلك الأوراق في فدان الدرة خير شاهد على جحود وتخاذل الإخوة. كما أن استمرار هبوب الريح على هده الأرض الحنون، من شأنه إيقاظ الذكريات النائمة.