الحلقة الخامسة:
الفائدة من القصص والهدف الأسمى أن نستعد ونأخذ طريقاً واضحاً لمعاداة إبليس لنا وكيف نرد عليه. وكيف يسلم الواحد منا من محاولاته المستمرة لإيقاعنا في المعاصي. عندما أنزل الله تعالى هذا الكتاب وهذا المنهج، في عرض المولى عز وجل (قصة آدم وقعت في أكثر من سورة (7 سور)) كانت ترتيب نزول السور في القرآن عندما كان قرآناً غير ترتيب الكتاب وقصة آدم بدأت في سورة ص حسب ترتيب التنزيل لكن لا تفيد أن تكون الأولى في ترتيب الكتاب. وآخر قصة وردت في قصة آدم u جاءت في سورة البقرة بحسب ترتيب التنزيل ولكنها أهم سورة في عرض الهدف. في سورة البقرة يخبرنا الله تعالى الهدف من القصة ومن الواقعة التي حصلت، من خلق آدم u وفي طريقة سجود الملائكة ورفض إبليس للسجود وسماع آدم لكلام إبليس. يحدد المولى تعالى لنا في سورة البقرة (قلنا اهبطوا منها جميعاً) هنا الطريقة التي سنحاسب فيها والتي تنفاعل مع بعض نحن البشر ومع الإله الحق في التلقّي عنه (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة) من ساعة ومن لحظة الخروج من الجنة إلى الدنيا أنت خارج على توجيه إلهي واضح (فمن تبع هداي) وفي سورة طه (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)) . نحن للأسف نأخذ الكلمة في القرآن دون أن نعلم توصيفها وتوقيعها. ما هو الضنك؟ الضنط هو الشدة وإن بدا حالك على ما يرام فأثرى الأثرياء يعيش في ضنك وإن كان لديه كل متاع الدنيا. الضنك هو الشِدّة المعنوية وليس الفقر إنما مع كل أسباب السعادة لا يشعر بها الإنسان فهو في ضنك.
أعمى: أعمى هنا هل هي أعمى بصر أو بصيرة؟ لما يسأل المولى عز وجل يوم القيامة (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)) يجب أن نفهم الكلمة. قال تعالى (قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)) نسيه الله تعالى؟ سمعت البعض يسأل كيف ينساه الله تعالى؟ المولى لا ينسى حاشاه. لما يحشر الله تعالى الإنسان أعمى وقد كان بصيراً هذا يدل على قمة التذكّر لكنه تعالى نسيه من رحمته. فكلمة تُنسى تعني تُنسى من رحمة الله تبارك وتعالى. كل الألفاظ في الآيات تحتاج إلى شرح لأنها تتصف بكُنه الواقعة.
إبليس لما قال (رب بما أغويتني) الكثيرين يدافعون عن هذه القضية أن إبليس كان مجبراً على التصرف لكنها قدرة الخالق. هل الله تعالى يغوي الكل؟ الغواية هي جِبِلّة لكنها ليست إطلاقاً وليست فرضاً بدليل قوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) تخيّل إلهاً يقول هذا الكلام. نحن لا نفهم ولا نتلقى القرآن كما يجب وعلى مراد الله تعالى. هناك ألفاظ في القرآن الكريم تبيّن أن هذا الكتاب لا يمكن لأي أحد أن يتناوله!!. البعض يسأل هل يجب الوضوء عند قراءة القرآن؟ والبعض يردّ مندفعاً: أنه ليس ضرورياً. صحيح أنه يجوز قراءة القرآن بلا وضوء لكن هل سأفهمه كالمتوضيء؟ يجب الإستعداد للتلقي عند القراءة. الرسول r يعلّمنا أنه يا ليتنا نكون على وضوء دائماً. عندما نقرأ قوله تعالى (فألهمها فجورها وتقواها) يقولون الله تعالى ألهم النفوس الفجور فنسأله ما هو الإلهام؟ إلهام الفجور لو أخذنا اللفظ على ظاهره هل ألهم الله تعالى الفجور أو بيّنه؟ هو سبحانه وتعالى بيّن الفجور لنجتنبه وبيّن التقوى لنتّبعها. ألهمها: الإلهام يجب أن يُشرح والفجور يجب أن يُشرح. هل ألهم الإله الحق بالفجور بالمعنى الذي يقوله البعض؟ كلا. ألهمها أي بيّن لها. وقوله تعالى (وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة) أعطاه سبحانه وتعالى الطريقين والإنسان هو الذي اقتحم العقبة.
سؤال: ما الفرق بين هوى النفس والنفس الأمارة بالسوء ووسوسة الشيطان؟
النفس على الإطلاق أمارة بدليل قوله تعالى (إن النفس لأمارة بالسوء) فالنفس بإطلاقها أمارة لكن الذي يرحمه الله تعالى هو الذي ينتبه ألى تصنيف النفس وليس لتقسيم النفس كما يقولون (نفس أمارة بالسوء، نفس لوامة ونفس مطمئنة) وهذا تقسيم أرفضه تماماً لأن النفس المطمئنة لو اطمأنت في الدنيا لضاعت. النفس المطمئنة هي نتيجة النفس اللوامة بدليل قوله تعالى (يا أيها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك) إرجعي تدل على أن الكلام ساعة الموت تطمئن لأعمالها. يأني ساعة الموت فريقان من الملائكة كما في الحديث الصحيح الأوحد في هذا الباب أجمع أهل الجرح والتعديل على صحته
عن البراءبن عازب خرجنا مع النبي - صلىا لله عليه وسلم - في جنازةرجل من الأنصار،فانتهينا إلى القبرولما يلحد،فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛وجلسناحوله كأن على رؤوسناالطير،وفي يده عودينكتبه في ا
لأرض،فرفع رأسه فقال : استعيذوابالله من عذاب القبر،مرتين أوثلاثا، (وفي روايةأعوذبالله من عذاب القبر،ثلاث مرات) ثم قال : إن العبدالمؤمن إذاكان في ا نقطاع من الدنيا،وإقبال من الآخرة؛نزل إليه ملائكةمن السماء،بيض الوجوه،كأن وجوههم الشمس،معهم كفن من أكفان الجنة،وحنوط من حنوط الجنة،حتىيجلسوامنه مد البصر،ثم يجيءملك الموت – عليه السلام – ؛حتى يجلس عندرأسه،فيقول : أيتهاالنفس الطيبةوفي رواية : المطمئنة! اخرجي إلى مغفرةمن الله ورضوان،قال : فتخرج تسيل كماتسيل القطرةمن السقاء،فيأخذها،فإذاأخذهالم يدعوهافي يده طرفةعين،حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط،ويخرج منهاكأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض،قال : فيصعدون بها،فلايمرون – يعني – بهاعلى ملأمن الملائكة؛ – إلاقالوا : ماهذاالروح الطيب؟! فيقولون : فلان بن فلان – بأحسن أسمائه التي كانوايسمونه بها في الدنيا -،حتى ينتهوابهاإلى السماءالدنيا،فيستفتحون له،فيفتحلهم،فيشيعه من كل سماء مقربوهاإلى السماءالتي تليها،حتى ينتهي بهإلى السماءالسابعة،فيقول الله – عزوجل : اكتبوا كتاب عبدي في عليين،وأعيدوه إلى الأرض؛فإني منها خلقتهم،وفيها أعيدهم،ومنها أخرجهم تارةأخرى،قال : فتعاد روحه في جسده،فيأتيه ملكان،فيجلسانه،فيقولان له : من ربك؟! فيقول : ربي الله،فيقولان له : مادينك؟! فيقول : ديني الإسلام،فيقولان له : ماهذاالرجل الذي بعث فيكم؟! فيقول : هورسول الله - صلى الله عليه وسلم -،فيقولان له : وماعلمك؟! فيقول : قرأت كتاب الله؛فآمنت به وصدقت،فينادي مناد من السماء : أن قد صدق عبدي؛فأفرشوه من الجنة،وألبسوه من الجنة،وافتحوا له باباإلى الجنة،قال : فيأتيه من روحهاوطيبها،فيفسح له في قبره مد بصره،قال : ويأتيه رجل حسن الوجه،حسن الثياب،طيب ا لريح،فيقول : أبشربالذي يسرك،هذايوم كالذي كنت توعد،فيقول له : من أنت؟! فوجه كالوجه يجيء بالخير! فيقول : أناعملك الصالح،فيقول : رب! أقم الساعة،رب! أقم الساعة؛حتى أرجع الى أهلي ومالي.قال : وإن العبد الكافروفي رواية : الفاجر إذاكان في انقطاع من الدنيا،وإقبال من الآخرة؛نزل إليه من السماءملائكة سود الوجوه،معهم المسوح،فيجلسون منه مدالبصر،ثم يجيءملك الموت،حتى يجلس عند رأسه،فيقول : أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله،قال : فتفرق في جسده،فينتزعها كما ينزع السفود منا لصوف المبلول،فيأخذها،فإذاأخذها لم يدعوهافي يده طرفة عين،حتى يجعلوها في تلك المسوح،وتخرج منها كأن تنريح جيفة وجدت على وجه الأرض،فيصعدون بها،فلايمرون بها على ملإ من الملائكة؛ إلاقالوا : ماهذا الروح الخبيث؟! فيقولون : فلان بن فلان – بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا -،حتى ينتهي بهإ الى السماء الدنيا،فيستفتح له،فلايفتحله – ثم قرأ رسول الله - صلى ا لله عليه وسلم - :{لاتفتح لهم أبواب السماءولايدخلون الجنةحتى يلج الجمل في سم الخياط} -،فيقول الله – عزوجل- : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى ،فتطرح روحه طرحا-ثم قرأ : {ومن يشرك بالله فكأنما خرمن السماءفتخطفه الطيرأوتهوي به الريح في مكان سحيق}-،فتعاد روحه في جسده،ويأتيه ملكان،فيجلسانه،فيقولان له : من ربك؟! فيقول : هاه هاه،لاأدري! فيقولان له : مادينك؟! فيقول : هاه هاه،لاأدري! فيقولان له : ماهذاالرجل الذي بعث فيكم؟! فيقول : هاه هاه لاأدري! فينادي مناد من السماء : أن كذب،فأفرشوه من النار،وافتحوا له بابا إلى النار،فيأتيه من حرها وسمومها،ويضيق عليه قبره؛حتى تختلف فيه أضلاعه،ويأتيه رجل قبيح الوجه،قبيح الثياب،منتن الريح،فيقول : أبشربالذي يسؤوك،هذايومك الذي كنت توعد،فيقول : من أنت؟! فوجهك الوجهي جيءبالشر! فيقول : أناعملك الخبيث،فيقول : رب! لاتقم الساعة (إسنادالروايةالأولى صحيح وأماالأخرى ففيه ايونسب نخب ابوهوضعيف) المحدّث: الألباني،المصدر: مشكاةالمصابيح رقم 1573
ساعة ما ينظر ملك الموت إلى المتوفي إما يطمئن الإنسان إذا كان من الصالحين في الدنيا الذي كانت نفسه لوامة في الدنيا أو لا يطمئن إذا كانت تفسه أمارة بالسوء في الدنيا. فالنفس الأمارة تأمرك بشيء لأنها تابعة لشهوة تقول لك إسرق مثلاً فإذا ترددت تبرر لك السرقة أو المعصية فإذا أصرّت الوسوسة على معصية بعينها فهي من النفس. لكن إذا لم تصر الوسوسة على معصية معينة فتكون من الشيطان لأن الشيطان لا يهمه نوع المعصية وإنما يتمنى أن يقع العبد في أي معصية ويتمنى أيضاً أن تكون الأخيرة على أمل أن يُقبض العبد على المعصية فالمهم عند الشيطان أن يعصي إبن آدم. أما إصرار الوسوسة على معصية بعينها فهي من النفس ودائماً غالباً ما تكون في شهوة.
مسالك الشيطان في غواية بني آدم تختلف صورها في القرآن فما هي هذه المسالك والطرق التي ينفذ بها إلى الإنسان؟