اجتمعت حمير الغابة على اتخاذ قرار جاد، على أن يرشح أحدهم ليكون عضوا فاعلا في المجلس الجديد، وذلك بسبب ما يُمارس عليها من ضغوط، وظلم، داعية إلى رفع وصفها من الحيوانات التي لا تفقه، أو القابلة للانقراض والمد جنة.
دعموا من كان أفضلهم منطقا حموريا، علقوا عليه الآمال، في كسب بعض الحقوق، تلك التي يعولون عليها، وجعلِهم يمتازون ببعض الأمكنة، تؤهلهم ليكونوا في مناصب مهمة، كانت الدعاية الاعلامية، والمحادثات الجانبية، تعمل على ضم أكبر عدد من التوافقات، لكسب أكثر المقاعد، كان عدد الحمير كبير جدا، خاصة بعد أن ضمت كل قواهم، وشارك فيها كل من يمكن أن يدلي بدلوه، فتجمعت كلها للنهيق على قلب الموازين، في جلب انتباه، كان ذلك عبر استخدام أبواق ذات صناعة حمورية، أصمت آذان القاصي، والداني، استغربت!! بل تخوفت كل الفئات الباقية، من عدد وكم الحمير التابعين لسياستَهِم ذات التخطيط المعلن، أسرعت القوى على استقطاب ذلك الحمار، بعد أن لبس بدلته المخططة، وحمل على صدره شعار يقول: نعم للوحدة والأقلية، في ظل السيادة الممنوحة ورقيا، الجميع كان لا يفهم هذا الشعار الحموري، فلم تألف بقية الحيوانات شعارا كهذا، فكيف تكون وحدة، وللأقلية؟! إلى جانب سيادة ممنوحة ورقيا، لابد أن يكون هذا الحمار على قدر من الحنكة في الاستيعاب، والفراسة، لعله قرأ ما بين السطور، لذا وجب احتوائه وضمه إلى التحالف، بدل جعله منفردا، يحمل رؤية جديدة قد تقلب الحسابات، كانت الحمير قد عملت على تكوين قاعدة كبيرة، جمعت فيها كل الحيوانات المضطهدة الأخرى، فانضوت تحت لواءهم بأنواعها، فأول من أنضم إليهم البغال، ومن ثم الخراف، البقر، ثم الدواجن، ذاك بعد أن شعرت بمعاناة الحمير لا تفرق عن معاناتهم، واحتياجاتهم، كونهم أقلية ليس بالعدد فقط، لكن بالتهميش القمعي، حاولت القوى الحيوانية الأخرى أن تنفذ إلى ذلك الرأس الكبير، والإنصات إلى كل وجهات النظر، التي بعثرت الحقوق، ورفعت كل الشعارات الرنانة دون أي إصلاح يذكر، فبعد اجتماعه بمستشاريه، قالوا له:
عليك أن لا تقبل بأقل مما أشرنا عليك به، إضافة إلى المطالبة بحقوق البغال والأقليات الأخرى، الذين كونوا معنا وحدة كبيرة، فأصبحنا بهم قوة لا يستهان بها، فكن حذرا من مكائد أصحاب التكتلات، ذوي المبادرات، والمساومات بحقوق الآخرين، على حساب الفوز بأرفع المناصب، كانت القوى المتسلطة، قد دأبت على فتح ملفات كل من شارك في هذه الانتخابات الجديدة، وشرعت بفتح قاذورات دعائية، لتمزيق صورة المرشحين، وحين جاؤوا إلى سيرة ذاك الحمار، لم يجدوا أي ثغرة يمكن أن يساوموه عليها، أو استخدامها عتلة لرفعه من مقعد الترشيح، فحاكوا له صياغة شيء جديد، عبر دستور رسم الخطوط العريضة، ثم ترك النقاط بلا حروف، استخداما لوقت تشريع، لفتح ثغرات، وهكذا اجتمعت القوى مع صاحب الشعار الجديد وذو الرفد الجماعي الكبير، لتسوية ترضي جميع الأطراف، وأول ما نوقش فيه، هو ذاك الشعار الذي يحمله على صدره، فقال كبير السلطة... أننا سعداء باللقاء معكم، لا شك أن مصلحة الجميع، والأرض التي نتشارك عليها عيشا، هي من أول المسلمات لدى الجميع، إن تأمين صيانتها، وحفظ سيادتها عمليا لا ورقيا، عذرا لم أقصد الطعن في شعارك، لكني أجده غريبا بعض الشيء!! أتمنى أن تقوم حضرتك بشرحه، حتى نفهم كلنا القصد من رفعكم هذا الشعار الحموري، والبغلي أيضا، فقد علمنا أن هناك توأمة بينكم وبينهم، ضحك الحمار بصوت حتى نهق، فأصم آذان من حضروا اللقاء، بعدها قال:
نحن لنا رؤية بعيدة المنظور، حيث نرى أن الفلك يدور، دخلت الحرية، حمدنا الخالق على ذلك، لكننا لا زلنا نسكن وحولنا نفس السور، ناهيك عن تغير اسم المعمور، فتاه فينا من أصله حمار أو محمور، كما أن الغزل كثر، وأضاع البلبول والعرعور، وارى إننا تائهون ندور، وندور، كالثور مع الناعور، إن ما نراه دوامة في وسط بحور، هل تفهموا ما أقول، أم لا زال الشعار يشغلكم عن فحوى ما يدور، ربما تجدونها غريبة بعض الشيء!! ولكن من خلال المنظار العام، الذي نراه نحن، نجد انه من الأجدى أن تكون السيادة ورقية، تحملها الأقليات، لما لها من ميول ضعيفة، في البقاء حية لمدة طويلة، كوننا من الحيوانات الغير مفترسة، والتي لا تعيش كالعوالق على رقاب ومصائر الآخرين، شأننا شأن الضعاف من هم على شاكلتنا من الأقليات، رسمنا هذا الشعار على أن تكون الوحدة للجميع، ولكن الأقليات هي التي تحكم، فقد أتضح أن القوى السائدة، والمسيطرة، حين أمسكت بزمام الأمور، ضاعت كل الوعود التي عقدت العزم على تفعيلها، أهمها الحفاظ على حقوق الآخرين، الأقلية منها والغير أقلية، بعدما امتهنت، وفُعلت مسميات دخيلة، جلبت الوبال على جميع من يعيش على هذه الأرض، بعدها أخذت تحصن نفسها لتمليك مع القوى الأخرى، في توزيع الخيرات، تحت بنود لم ندري أننا قد بعنا أنفسنا لها، فوقعنا على أوراق حُسبت وبالا علينا، كما إننا نشعر أن سيادتنا ورقية، كون المفهوم العام من يحكم صاحب السيادة، أم من وقع على منح السيادة، وجدنا ومن منطلقنا الحموري الذي نحمله، أننا تحت وطأة الاحتلال الغير معلن، الذي يمكن أن يفترسنا في أي لحظة، تكون فيها اختلاف مصالح، كوننا ممزقين، وغير أصحاب سيادة فعلية، لذا وجدنا وأخوتي وأخواتي البغال والحمير، إننا على مفترق الطرق، كوننا المستضعفين، ويمكن التضحية بنا لإبقاء ذوي النفوذ، أحياء في الحياة والحكم، لذا ترانا قَدِمنا نُعَبر عن رؤية السيادة الورقية، والوحدة للأقلية كتجربة، قد تنجح، فيما إذا شرع الجميع أن ينضم تحت هذه الوحدة بحق، ومصداقية، لا أن يُقَسم الأرض بملفات مستقبلية، تحت بنود بيع وشراء، أو بمسمى الأقاليم، كما نرى إننا في متاهة، لابد أن نستنصر كل الضعفاء، وجلب الحقوق لهم، هذا ما سنقوم بالعمل عليه، أن يكون لنا مِثلَ ما علينا، شعر كل الجمع إن صاحب الأذان الطويلة، سيخلق بلبلة، تعكس إرهاصات وُثِقت، وفتق جيوب رُتقت وأُغلقت بمساومات، قال كبير الحاضرين في الجلسة ...
لا شك إن وجهة نظركم هذه هي رؤية مستقبلية، صعب العمل بها الآن، كوننا حديثي العهد ومسيرة التقدم، التي نروم جميعنا أن نحققها، كما لا تنسى إننا قد عدمنا الحياة عقود منصرمة، جعلت منا لقمة سائغة لكل من يحيط بنا، ولا شك انك تعلم أنه لا يمكن لهذا الضبع مثلا أن يقوم بحراستك، أو حراسة منزلك، وطرد من يهددك دون أعطائه مكافئة أو ثمن، وهذا ما يحدث نحن لا زلنا ندفع الثمن لذلك الضبع، حتى وأن عكسنا رغبتنا بعدم ذلك، المهم يجب عليك أن تفهم، إن الديمومة لا يمكن أن تستمر، ولكن كيفية البقاء والاستمرار بمسماها هو صمام الأمان للبقاء حيا، وعلى كل حال أنت مرحب بك للخوض معنا التجربة الديمقراطية، ولكن عليك أن تفهم وتًفهِم رعيتك، أنه لا يمكن لك أن تكون غير ما أنت عليه، حتى وأن ركبت البحر، أو وصلت القمر، كما عليكم أن تقنعوا بما يمكن أن تحظوا به، كونكم من الأقليات، ولا ضير من ضم الجميع تحت شعاركم أسوة بالأغلبية، لذا نرى أنه لا مانع أن تحظى ببعض السلطة، بعد أن تحسن من شكلك ومظهرك، لتكون قريبا من واجهات الحياة الأخرى، فالكثير منا دخل عمليات التجميل، ليصبح كما تراه الآن .. لذا سأكشف لك سرا، هو أننا لا يمكن أن نبتعد عن هذه الحظيرة، والتي هي جزء من الحظائر العربية الأخرى، بعد أن عملت القوى العظمى عليها، وجعلت كل من فيها يلبس قناعا غير شكله، ومفهوم ومنطق الحياة السياسية، وكوننا من تلك الأشكال، فكلنا تابعون تحت شعارك هذا الذي أطلقته وحملته، وكم نتمنى أن تكون لنا الجرأة بحمله على صدورنا، لكننا سنؤخذ بجريرة ما لبسنا، أما انتم فلستم مشمولين بتلك الجريرة لأنكم من صنف الحمير والبغال، التي كنا ننتمي لها، ولكن بعد الدخول في مساومات وتسويات، غيرت أشكالنا ولبسنا غير الذي تلبسه أنت الآن، وكن على ثقة إنني اشتاق إلى الزى الحقيقي، الذي كنت أرتدي، حتى أعيش كما أنت الآن، وأصدقك القول إن كل من مسك زمام الأمور أو تسلم أحد المناصب إلا وأصله حمار، وإلا كيف يكون له أن يقبل بالمساومات على بيع ونهب ثروات من هم من بني جلدته، ما لم يكون قد أدخل صالات العمليات الجراحية، وغسل الأدمغة للتغير، أحيي فيك هذه الروح وأتأمل أن لا تصيبك الخيبة، حين تدرك أنك لن تتغير، ما دمت تحمل النفس الحموري، فهنيئا لك المنعطف الجديد، أستغرب صاحب الأذان الطويلة مما سمع، خرج مسرعا إلى بقية الحمير فقال لهم: لقد شعرت بل أيقنت أننا بلا عقل، بعد أن أفرغت رؤوسنا وملئت بصور تُرينا الحرية في المطالبة، أو التعبير، فكلنا أسوة ببعض، فالغابة مليئة بالحمير، ولكن بوجوه مختلفة، تحت وطأة الهيمنة العالمية، فلا ضير أن نبقى كما نحن حتى لا نساوم على بيع البقية، التي نعيش عليها لمجرد التغيير.