شرح حديث : السّفر قطعة من العذاب
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله
*****************************
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن سُميّ عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله .
****************************
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( عَنْ سُمَيّ )
كَذَا لِأَكْثَر الرُّوَاة عَنْ مَالِك , وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّإ , وَصَرَّحَ يَحْيَى بْن يَحْيَى النَّيْسَابُورِيّ عَنْ مَالِك بِتَحْدِيثِ سُمَيّ لَهُ بِهِ , وَشَذَّ خَالِد بْن مَخْلَد عَنْ مَالِك فَقَالَ " عَنْ سُهَيْل " بَدَل سُمَيّ أَخْرَجَهُ اِبْن عَدِيّ , وَذَكَر الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ اِبْن الْمَاجِشُونِ رَوَاهُ عَنْ مَالِك عَنْ سُهَيْل أَيْضًا فَتَابَعَ خَالِد بْن مَخْلَد , لَكِنْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ . إِنَّ أَبَا عَلْقَمَة الْقَرَوِيّ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ اِبْن الْمَاجِشُونِ وَأَنَّهُ وَهَمَ فِيهِ , وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَحْمَد عَنْ بَشِير الطَّيَالِسِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر الْوَرْكَانِيّ عَنْ مَالِك عَنْ سُهَيْل , وَخَالَفَهُ مُوسَى بْن هَارُون فَرَوَاهُ عَنْ الْوَرْكَانِيّ عَنْ مَالِك عَنْ سُمَيّ , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ حَدَّثَنَا بِهِ دَعْلَج عَنْ مُوسَى , قَالَ : وَالْوَهْم فِي هَذَا مِنْ الطَّبَرَانِيِّ أَوْ مِنْ شَيْخه ; وَسُمَيّ هُوَ الْمَحْفُوظ فِي رِوَايَة مَالِك قَالَهُ اِبْن عَدِيّ , وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرهمَا وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُمَيّ غَيْر مَالِك قَالَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ , ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن الْمَاجِشُونِ قَالَ قَالَ مَالِك : مَا لِأَهْلِ الْعِرَاق يَسْأَلُونَنِي عَنْ حَدِيث " السَّفَر قِطْعَة مِنْ الْعَذَاب " ؟ فَقِيلَ لَهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُمَيّ أَحَد غَيْرك , فَقَالَ : لَوْ عَرَفْت مَا حَدَّثْت بِهِ , وَكَانَ مَالِك رُبَّمَا أَرْسَلَهُ لِذَلِكَ , وَرَوَاهُ عَتِيق بْن يَعْقُوب عَنْ مَالِك عَنْ أَبِي النَّضْر عَنْ أَبِي صَالِح , وَوَهَمَ فِيهِ أَيْضًا عَلَى مَالِك أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ , وَرَوَاهُ رَوَّاد بْن الْجَرَّاح عَنْ مَالِك فَزَادَ فِيهِ إِسْنَادًا آخَر فَقَالَ عَنْ رَبِيعَة عَنْ الْقَاسِم عَنْ عَائِشَة , وَعَنْ سُمَيّ بِإِسْنَادِهِ فَذَكَرَهُ , قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَخْطَأَ فِيهِ رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , وَأَخْرَجَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ مِنْ طَرِيق أَبِي مُصْعَب عَنْ عَبْد الْعَزِيز الدَّرَاوَرْدِيّ عَنْ سُهَيْل عَنْ أَبِيهِ , هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ لَهُ فِي حَدِيث سُهَيْل أَصْلًا وَأَنَّ سُمَيًّا لَمْ يَنْفَرِد بِهِ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده مِنْ طَرِيق سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَأَخْرَجَهُ اِبْن عَدِيّ مِنْ طَرِيق جَمْهَان عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَيْضًا فَلَمْ يَنْفَرِد بِهِ أَبُو صَالِح , وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِم مِنْ طَرِيق هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة بِإِسْنَادٍ جَيِّد فَلَمْ يَنْفَرِد بِهِ أَبُو هُرَيْرَة , بَلْ فِي الْبَاب عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن عُمَر وَأَبِي سَعِيد وَجَابِر عِنْد اِبْن عَدِيّ بِأَسَانِيد ضَعِيفَة .
قَوْله : ( السَّفَر قِطْعَة مِنْ الْعَذَاب )
أَيْ جُزْء مِنْهُ , وَالْمُرَاد بِالْعَذَابِ الْأَلَم النَّاشِئ عَنْ الْمَشَقَّة لِمَا يَحْصُل فِي الرُّكُوب وَالْمَشْي مِنْ تَرْك الْمَأْلُوف .
قَوْله : ( يَمْنَع أَحَدكُمْ )
كَأَنَّهُ فَصَلَهُ عَمَّا قَبْله بَيَانًا لِذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِئْنَاف كَالْجَوَابِ لِمَنْ قَالَ كَانَ كَذَلِكَ فَقَالَ : يَمْنَع أَحَدكُمْ نَوْمه إِلَخْ أَيْ وَجْه التَّشْبِيه الِاشْتِمَال عَلَى الْمَشَقَّة , وَقَدْ وَرَدَ التَّعْلِيل فِي رِوَايَة سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ وَلَفْظه " السَّفَر قِطْعَة مِنْ الْعَذَاب , لِأَنَّ الرَّجُل يَشْتَغِل فِيهِ عَنْ صَلَاته وَصِيَامه " فَذَكَر الْحَدِيث , وَالْمُرَاد بِالْمَنْعِ فِي الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة مَنْع كَمَالِهَا لَا أَصْلهَا , وَقَدْ وَقَعَ عِنْد الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ " لَا يَهْنَأ أَحَدكُمْ بِنَوْمِهِ وَلَا طَعَامه وَلَا شَرَابه " وَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر عِنْد اِبْن عَدِيّ " وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَوَاء إِلَّا سُرْعَة السَّيْر "
قَوْله : ( نَهْمَته )
بِفَتْحِ النُّون وَسُكُون الْهَاء أَيْ حَاجَته مِنْ وَجْهه أَيْ مِنْ مَقْصِده وَبَيَانه فِي حَدِيث اِبْن عَدِيّ بِلَفْظِ " إِذَا قَضَى أَحَدكُمْ وَطَره مِنْ سَفَره " وَفِي رِوَايَة رَوَّاد بْن الْجَرَّاح " فَإِذَا فَرَغَ أَحَدكُمْ مِنْ حَاجَته " .
قَوْله : ( فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْله )
فِي رِوَايَة عَتِيق وَسَعِيد الْمَقْبُرِيِّ " فَلْيُعَجِّلْ الرُّجُوع إِلَى أَهْله " وَفِي رِوَايَة أَبِي مُصْعَب " فَلْيُعَجِّلْ الْكَرَّة إِلَى أَهْله " وَفِي حَدِيث عَائِشَة " فَلْيُعَجِّلْ الرِّحْلَة إِلَى أَهْله " فَإِنَّهُ أَعْظَم لِأَجْرِهِ " قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : زَادَ فِيهِ بَعْض الضُّعَفَاء عَنْ مَالِك " وَلْيَتَّخِذْ لِأَهْلِهِ هَدِيَّة وَإِنْ لَمْ يَجِد إِلَّا حَجَرًا " يَعْنِي حَجَر الزِّنَاد , قَالَ : وَهِيَ زِيَادَة مُنْكَرَة , وَفِي الْحَدِيث كَرَاهَة التَّغَرُّب عَنْ الْأَهْل لِغَيْرِ حَاجَة , وَاسْتِحْبَاب اِسْتِعْجَال الرُّجُوع وَلَا سِيَّمَا مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِمْ الضَّيْعَة بِالْغَيْبَةِ , وَلِمَا فِي الْإِقَامَة فِي الْأَهْل مِنْ الرَّاحَة الْمُعِينَة عَلَى صَلَاح الدِّين وَالدُّنْيَا , وَلِمَا فِي الْإِقَامَة مِنْ تَحْصِيل الْجَمَاعَات وَالْقُوَّة عَلَى الْعِبَادَة . قَالَ اِبْن بَطَّال : وَلَا تَعَارُض بَيْن هَذَا الْحَدِيث وَحَدِيث اِبْن عُمَر مَرْفُوعًا " سَافِرُوا تَصِحُّوا " فَإِنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ الصِّحَّة بِالسَّفَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّيَاضَة أَنْ لَا يَكُون قِطْعَة مِنْ الْعَذَاب لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّة , فَصَارَ كَالدَّوَاءِ الْمَرّ الْمُعْقِب لِلصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي تَنَاوُله الْكَرَاهَة , وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْخَطَّابِيُّ تَغْرِيب الزَّانِي لِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِتَعْذِيبِهِ - وَالسَّفَر مِنْ جُمْلَة الْعَذَاب - وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ .
( لَطِيفَة ) :
سُئِلَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ حِين جَلَسَ مَوْضِع أَبِيهِ : لِمَ كَانَ السَّفَر قِطْعَة مِنْ الْعَذَاب ؟ فَأَجَابَ عَلَى الْفَوْر : لِأَنَّ فِيهِ فِرَاق الْأَحْبَاب .
********************
والحمد لله رب العالمين