الفرق بين الجرأة والوقاحة عند المراهق
«أنتم لا تفهمون شيئًا»، «أنتم ظالمون مملون»... يطلق المراهق عبارات جريئة تصل إلى حد الوقاحة أحيانًا، فهو ينعت أهلّه بالظالمين والمملين عندما لا يوافقون على طلبه. وتذكّر وقاحة المراهق بمرحلة الطفولة حين كان يعبّر عن اعتراضه بـ«لا». وبعد سنوات يعود إلى إيقاع الاعتراض ولكن بمفردات تبدو أحيانًا وقحة. وهكذا يواجه الأهل مرحلة اعتراض جديدة تتصف بالاستفزازية. فهل العبارات والسلوك الوقح من مظاهر المراهقة؟ وما أسباب وقاحة المراهق؟ وإلى ماذا تشير؟ وما دور الأهل في تعزيز هذه الوقاحة أو في تقليصها؟ «لها» التقت الاختصاصية في التربية الدكتورة نجوى جريديني التي أجابت عن هذه الأسئلة.
ترى جريديني أن الوقاحة ظاهرة منتشرة بين العديد من المراهقين ولكنها متفاوتة ، فمن المعلوم أن المراهق يميل إلى التمرّد ورفض وصاية الأهل ونصائحهم، فهو يعيش في عالمه الخاص ويحاول بشتى الوسائل الانفصال و الاستقلال عن العلاقة التبعية التي تربطه بوالديه. وتشغل باله هويته الشخصية الناشئة التي تتحوّل إلى محور اهتمامه بل حتى تصبح هاجسًا بالنسبة إليه. فالمراهق بدأ يكتشف تميزه وتفرّده بعدما كان بالأمس القريب في حالة انصهارية مع والديه، مما يجعله في مواجهة مع ذاته ومع البيئة الاجتماعية المحيطة به. ولعل محاولته الانسلاخ عن مبادئ عائلته وقوانينها إحدى وسائله لتأكيد تميّزه عن باقي أفراد العائلة وإثبات هويته المستقلّة. وهذا أمر طبيعي لأنه بدأ يدخل مرحلة جديدة من تطوّره النفسي يريد من خلالها إثبات كيانه كشخص راشد مستقل يمكنه تحمّل المسؤولية والاعتماد على نفسه في مجالات مختلفة، فلا يقبل تدخل الأهل في شؤونه الخاصة.
وتضيف الاختصاصية: «في خضّم هذه النزعة إلى الاستقلالية يعتبر المراهق أن مساعدة الأهل تدخل، والنصيحة تسلّط، وتوجيه النقد إليه إهانة. فيعترض على أهله في كل ما يقولونه، وإذا لم يوافقوه الرأي أو ينفذوا رغبته يصفهم بأنهم جيل قديم وغير منطقيين لا يحسنون الحكم على الأشياء إلى حد الغباء. فمن المعلوم أن التغيّرات الجسدية والنفسية والفكرية التي تحدث في مرحلة المراهقة، يصاحبها الكثير من الاضطرابات التي يعبّر عنها بسلوك إما عدواني أو فوضوي وإما تهكّمي مبالغ فيه. و تكون وقاحة المراهق تعبيرًا عن توقه إلى التحرر وإثبات وجوده ولكن بشكل سلبي، وبالتالي تشير هذه الوقاحة إلى شعوره بالألم والحزن واليأس و الصراعات الداخلية التي يعيشها . وما سلوك التمرد والمكابرة والعناد والعدوانية سوى رد فعل على سلطة الأهل الذين يرى المراهق أنهم يستخفّون بقدراته التي يعتبرها مساوية لقدرات الراشد. فيبادلهم الانتقاد ويجادلهم في أمور تافهة، وقد يصل إلى حد الصراخ في وجههم وأحيانًا الشتم. ومن المؤكد أن هذه الطريقة فوضوية وغير لائقة لكنه يريد أن يعبّر عن مشاعره بوضوح فيستعمل الاستفزاز كلغة خاصة به. وهو بذلك يضع مسافة بينه وبين أهله، لأنه يبحث عن استقلاليته ولكنه في الوقت نفسه في حاجة إلى الشعور بالأمان. وهكذا فإن المراهقين الأكثر وقاحة غالبًا ما ينتابهم شعور بالصراع الداخلي وهم أيضًا الأكثر اعتمادًا على الآخرين».
وتشير جريديني إلى أن الوقاحة قد تشكل بالنسبة إلى المراهق «متراسًا» ضد المشاعر المعقّدة التي تجتاحه وهي أيضًا طريقة لتطوير الإحساس بهويته الخاصة، ويريد التحرر من التربية التي تلقّاها من أهله. أريد أن أتكلم بالطريقة التي أريدها، وأريد أن أفعل ما يحلو لي...». وهو باستعماله هذه العبارات الاستفزازية يختبر قدرة أهله على مقاومة أهوائه واحترامهم للقوانين العائلية التي وضعوها.
- هل هذا يعني أن الوقاحة ظاهرة طبيعية وعابرة في سن المراهقة؟إلى حد ما، تعكس اللغة والحوار والكلمات التي يتفوّه بها المراهق مشاعره الدفينة. فمن خلال هذه الطريقة في التعبير يحدّد رغبته في تشكيل هويته، وتعزيز شعوره بأن لديه كيانًا خارج إطار العائلة. ولكن في غالب الأحيان يقول عبارات لا تعبّر عما يريده، فيجد صعوبة في معرفة ماذا يريد وفي فهم ما يشعر به، فلا يجد الكلمات والحجج ليدافع عن وجهة نظره في مواجهة والديه، فتصبح الوقاحة والكلمات المستفزة الطريق الأسهل بالنسبة إليه لتجنيب نفسه الانقياد لمشاعره وعدوانيته المستترة. فالعبارات التي يطلقها على والديه أثناء احتدام الحوار معهم مثل «أنتم ظالمون، مملون...». والعبارات الهدّامة التي تصدر من الأهل غالبًا ما تنهي المحادثة بطريقة قاسية، لذا فعند أقل ملاحظة من الأهل أو حدوث توتر يمكن أن يثار تصرف وقح. ويرى بعض الاختصاصيين أن إطلاق العبارات أو المفردات الوقحة طريقة بديلة للسلوك أو التصرف العنيف. فأحيانًا شتم زميل في المدرسة أو في النادي الرياضي يسمح بتجنب التحول إلى الفعل العنيف.