لا أجد خلافاً بين فصائل التيار الإسلامى وبين القوى المدنية حول مرجعية الأزهر الحاكمة فى الشؤون الدينية.. على الأقل يصرح قيادات الأحزاب الدينية علنا بما يؤكد احترامهم للأزهر كمرجعية فى التفسير والفتوى، حتى الأكثر تشدداً من الرموز السلفية، لا ينكر ضرورة الاحتكام لهذه المؤسسة الدينية العريقة فى كل خلاف حول تفسير نصوص الشريعة الإسلامية، ومناط أحكامها، وعلاقة هذه الأحكام بالزمان والمكان وبالمصالح المرسلة لجمهور المسلمين، ربما يفسر ذلك هذا الإلحاح من قيادات حزب «الحرية والعدالة» على استعادة ممثلى الأزهر فى اللجنة التأسيسية لتعويض شرعيتها المنقوصة تحت تأثير مدفعية الاحتكار السلطوى على تركيبتها الداخلية.
المهم هنا أن يكون إلحاح «الحرية والعدالة» ناتجاً عن فهم حقيقى ومخلص لمكانة هذه المؤسسة ومرجعيتها فى كل ما يتعلق بالتشريع الإسلامى، لأن الخطر الحقيقى فى حالة ما إذا أراد حزب الإخوان أو غيره من الأحزاب الدينية أن يستند إلى الأزهر بشكل مرحلى، وفق تكيكات السيطرة الشاملة التى كشفت عنها سلوكيات الإخوان، ثم تكون الخطوة التالية هى إقصاء هذه المؤسسة عن عمليات التشريع، أو إحكام السيطرة على الأزهر من قبل عناصر الجماعة المنتشرين فى كل موقع، الجماعة تؤمن بالعمل المرحلى، ومن ثم يمكن أن تقول كلاماً اليوم ثم تجد ما يبرر الانقلاب عليه غداً، والفرق هائل بين احترام الأزهر كمرجعية مستقلة لا يهمها سوى الدين وأهله، وبين السيطرة عليه لاحقاً لتحقيق مصالح حزب واحد، أو جماعة محددة.
شخصياً.. أتمنى أن تكون التصريحات العلنية لقيادات الأحزاب السياسية الدينية حول الأزهر ومكانته، نابعة من هذا الإخلاص للدين ولصحيح التشريع الإسلامى، وألا تكون هذه التصريحات ضمن خطط العمل المرحلى للاستحواذ على صناعة القرار الفقهى، وآليات إصدار الفتاوى فى وقت لاحق ضمن استراتيجيات الاستحواذ على جميع المؤسسات، ومن ثم أتصور حتمية أن يضع الدستور الجديد، بعد الخروج من مأزق الجمعية التأسيسية، نصوصاً صريحة حول استقلال الأزهر عن مختلف المؤسسات، ليس فقط مؤسسات السلطة التنفيذية، ولكن عن الجماعات والأحزاب السياسية الدينية.
نحن نحتاج للأزهر الذى يؤمن بأن رسالته هى تطبيق صحيح الإسلام، وإعلاء وسطية هذا الدين، والتمييز بين التشريع الإسلامى لتحقيق مصالح المسلمين، وبين استخدام التشريع الإسلامى لتحقيق مصالح حزب أو جماعة.
الله وشريعته ثم مصر ودستورها من وراء القصد.