1- ما إن وقعت أحداث الحادي عشر من شهر سبتمبر الشهير إلا وتكون أول قطرة من مطر السوء الذي جاء به ذلك السعار الكبير الذي أصاب أولئك المفتونين من أتباع تنظيم القاعدة والمتعاطفين معه في الهجوم على علماء الإسلام وأئمة الدين الذين كان موقفهم واضحا وجليا وثابتا في شجب تلك الأحداث وإنكارها وتبرئة الإسلام من نسبتها إليه واعتبارها ضربا من الانحراف في فهم الإسلام وفقه الشريعة وخروجا على جماعة المسلمين وافتئاتا على ولاة أمرهم بنوعيهم العلماء والأمراء .
اشتدت هجمة أولئك المسعورين بالفتن على أهل العلم والفضل وشنعوا عليهم وطعنوا في نياتهم ووصفوهم بأسوأ الأوصاف وأقبحها وفسقوهم بل منهم من كفرهم وأخرجهم عن دائرة الإسلام بالكلية .
أصدر تنظيم القاعدة والمتعاطفون معه عشرات البيانات والنشرات والإصدارات المختلفة بأسماء صريحة ومستعارة في محاولات للإشادة بتلك الأحداث وإلباسها لبوس الشرعية ووصفها بالجهاد في سبيل الله حتى جاوزوا بها اصطلاح المؤرخين وأهل السير فلم يطب لهم أن يسموها معارك كما هي معارك المسلمين على مر التاريخ الإسلامي ووصفوها بالغزوات مساواة لها بغزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل الأمر بأحد كتابهم أن يدبج مقالة بعنوان ( أسامة بن لادن صلى الله عليه وسلم ؟؟)
وحين أعيت الأدلة وفتاوى أهل العلم الراسخين تنظيم القاعدة والمتعاطفين معه وعجزوا عن مقاومتها والصمود أمامها فزعوا إلى خرافات الدجالين والموسوسين عن طريق الرؤى والمنامات والكرامات والتنبؤات والأحاديث الضعيفة والمنكرة كحديث الرايات السود وغيره ليخدعوا بها عوام المسلمين ويلبسوا عليهم بها وخاصة الشباب الصغار الذين استطاعوا تجنيد كثير منهم بهذه الأساليب .
ركب المنتمون إلى القاعدة مركب التحريف كما ركبه الخوارج من قبل وضاربوا نصوص الشرع ببعضها وجعلوا الغاية تبرر الوسيلة تحت شبه متعددة فأجازوا لأتباعهم حلق اللحى والتزوير بشبهة أن الحرب خدعة، وعقوق الوالدين بشبهة أن الجهاد فرض عين، وترك الجماعة والجمع بحجة الحماية الأمنية، واستحلال دماء المسلمين والأبرياء بشبهة مسألة التترس، وقتل النساء والأطفال بشبهة أنهم تابعون لغيرهم، وقتل المعاهدين والمستأمنين بشبهة إخراج المشركين من جزيرة العرب، والطعن في العلماء والدعاة إلى الله بشبهة فضح المنافقين، وقتل أنفسهم بشبهة طلب الشهادة، وتكفير المسلمين والدول الإسلامية والسعي في تقويض أمنها بحجة إقامة الخلافة الإسلامية، إلى غير ذلك من الشبه الكثيرة .
انخدع بهذه الشبهات كثير من شباب المسلمين بل وبعض الحماسيين من طلبة العلم الذين ينقصهم الفقه في مثل هذه المسائل الكبار والذين جرفتهم العاطفة ودفعتهم الغيرة إلى التفاعل مع هذه الأطروحات وهذه الشبهات القاعدية فأخذوا يتلمسون لها الأدلة ويطوعون لها النصوص الشرعية ويسقطونها إسقاطا منحرفا على غير واقعها فصدرت الفتاوى والبيانات الشاذة في تأييد ما تقوم به القاعدة من فساد وإفساد فطار بها المفتونون كل مطار فما تركوا بيت مدر ولا وبر إلا أوصلوها إليه !! وكان من أهم أسباب هذا الجنوح الفكري والانحراف الديني عند هؤلاء الغلاة اعتمادهم على هذه الفتاوى المنحرفة وخروجهم عن منهج علماء الإسلام المعتبرين الثقات .
وهذا الأمر هو ما أشار إليه علماء المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 19-23/10/1424هـ الذي يوافقه: 13-17/12/2003م، حيث نظر في موضوع: (التفجيرات والتهديدات الإرهابية: أسبابها – آثارها – حكمها الشرعي – وسائل الوقاية منها) وذكر أن من أبرز أسبابها ( اتباع الفتاوى الشاذة والأقوال الضعيفة والواهية، وأخذ الفتاوى والتوجيهات ممن لا يوثق بعلمه أو دينه، والتعصب لها. مما يؤدي إلى الإخلال بالأمن وشيوع الفوضى وتوهين أمر السلطان الذي به قوام أمر الناس وصلاح أمور معاشهم وحفظ دينهم).
وقد أدرك بعض منظري هذا الفكر الضال خطورة تلك الفتاوى الشاذة التي كان يصدرها هو ومن كان معه وذلك بعد أن استبان له المنهج الحق ورجوعه إليه وهو ناصر الفهد حيث قال في تراجعه ونصيحته للشباب ( إنه يجب أن يكف عن الفتاوى التي تتعلق بالقضايا المهمة المصيرية وأمر العامة وأمر الدماء والأموال وأن تعاد إلى صاحب المرجعية وهيئة كبار العلماء وأن هذا من فوائد التجارب التي مر بها لا سيما التضارب في الفتاوى والإقدام عليها بدون نظر ولا مراعاة للمصالح العامة للأمة) .
وحذر ناصر الفهد ( الشباب من خطر الفتيا والإقدام عليها وأن الصحابة رضوان الله عليهم وهم خير البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يتدافعون الفتيا وكان يتدافعها العشرة والعشرين كل رجل يريد أن يتحمل أخوه عنه هذه الفتيا ثم هناك مرجعية للفتيا وهم أهل العلم الكبار المعروفين وهذا يكفينا ولله الحمد )
وهذا الذي أشار إليه الفهد في تراجعه قد نبه إليه أهل العلم قديما وحديثا يقول معالي وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ عن خطورة الفتوى (كان الناس من قديم من عهد الصحابة فمن بعدهم يتورّعون عن الفتوى وينزوون عنها، ويحرص المرء إذا أفتى أن لا يسمع بفتواه إلا الواحد وإلا الاثنان؛ لأجل أنه تعظم التّبعة بعظم انتشار الفتوى؛ لأن المفتي موقع عن رب العالمين ) ويقول (ومن يرى في هذا الزمان يجد أن الناس تسارعوا وأسرعوا في الفتيا، حتى أصبح الأمر مختلطا أعظم الاختلاط، من جهة المفتين في العالَم، ومن جهة المستفتين أيضا في عدم مراعاة آداب الاستفتاء وما يُنجي المستفتي أمام ربه جل وعلا في استفتائه.) ثم قال (وهذا يبيّن أن الأمر جدُّ خطير، إذا ظلّ الناس على هذا فإنه يأتي قوم يتسارعون أكثر وأكثر، فحينئذ يحل الحرام ويحرم الحلال والعياذ بالله. )
فضبط الفتوى وحماية الناس من تلك النشرات والبيانات والفتاوى الضالة من أهم الأمور التي يجب الاعتناء بها من أجل تجفيف منابع الانحراف وقطع الطريق على المندسين بين المسلمين ممن لا هم لهم إلا إثارة الفتن والتغرير بشباب المسلمين .
وقد قامت الهيئات العلمية والمؤسسات الدعوية في المملكة وغيرها وكذلك العلماء والدعاة والمثقفون بدور كبير في التصدي لهذا الانحراف الفكري وكشف ضلاله والرد على شبهاته مما كان سببا رئيسا بعد الله تعالى في تراجع كثير من المغرر بهم إلى جادة الصواب ومنهج الحق .
وكما تصدى أهل العلم لهذا الفكر المتطرف يمينا فتصدوا كذلك للمتطرفين يسارا ممن يريدون استغلال الأعمال الإجرامية التي تلصق بالإسلام من قبل الإرهابيين فيطعنون في سياسة المملكة ومناهجها التعليمية ومؤسساتها العلمية ومراكزها الثقافية وجمعياتها الخيرية وكذلك مراكز تحفيظ القرآن الكريم فيها وأنها السبب الرئيس الذي ولد الإرهاب وأنتجه ، ووصل الغلو ببعض هؤلاء إلى اتهام القرآن الكريم ونبي الرحمة ودين الإسلام بأنه دين الإرهاب والدماء واتهام الدعوات الإصلاحية المتمثلة لدعوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى والتي يلمزونها بالوهابية وأنها تحث على الإرهاب وتربي عليه .
جاء في بيان لهيئة كبار العلماء ما نصه: ( وإن المجلس ليستنكر ما يتفوه به بعض الكتاب من ربط هذه الأعمال التخريبية بالمناهج التعليمية كما يستنكر استغلال هذه الأحداث للنيل من ثوابت هذه الدولة المباركة القائمة على عقيدة السلف الصالح والنيل من الدعوة الإصلاحية التي قام بها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله )
يقول الشيخ الدكتور صالح الفوزان حفظه الله: ( وبعض المنافقين أو الجهال يزعم أن مدارس المسلمين هي التي علمتهم هذا الفكر وأن مناهج التدريس تتضمن هذا الفكر المنحرف ويطالبون بتغيير مناهج التعليم . ونقول : إن أصحاب هذا الفكر لم يتخرجوا من مدارس المسلمين ولم يأخذوا العلم عن علماء المسلمين لأنهم يحرمون الدراسة في المدارس والمعاهد والكليات ويحتقرون علماء المسلمين ويجهّلونهم ويصفونهم بالعمالة للسلاطين ويتعلمون عند أصحاب الفكر المنحرف وعند حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام من أمثالهم )
والقاري في فكر القاعدة وأدبيات المتعاطفين معها والفتاوى والبيانات الصادرة عنهم يجد أنها تعتمد على بعض الشبهات المتهافتة في إثبات شرعية ما تقوم به من أعمال إرهابية في أنحاء متفرقة من العالم حيث يلوون أعناق النصوص للاستدلال بها على ضلالهم ، وقد تصدى أهل العلم لهذه الشبهات وكشفوا زيفها وبينوا بطلانها ومخالفتها لدين الإسلام من وجوه كثيرة ، وسوف نعرض لقراءة أبرز الشبهات التي استدلوا بها على أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهير ثم نذكر جواب العلماء عنها .