محمود محمدأسد عضو
عدد المساهمات : 2 تاريخ التسجيل : 28/04/2012 الموقع : أديب ومدرس
| موضوع: العربية بين الواقع الراهن والطموح السبت أبريل 28, 2012 3:11 pm | |
| العربية بين الواقع الراهن والطموح محمود أسد حلب – ص.ب 12522 إن الدافع الأساسي لهذا البحث إحساس عميق بأن لغتنا العربية تمرّ في مأزق وامتحانات لا تبشِّرُ بخير إن لم نحسن الاستعداد للخوض في غمارها . . والدافع الأهمُّ إحساس قوميّ بمكانة اللغة العربية ودورها في تطوير الفكر وإنماء شخصية الإنسان العربي وبناء كيانه للخوض في معترك الحياة . أتناول في هذا الموضوع أهمية اللغة ودورها الحضاري والفكري خلال مراحل التاريخ والإشادة بفضلها ومحاسنها وكشف أسرارها والتعرّض لخصومها من قريب أو بعيد والوقوف عند جوانب الضعف وأساليب علاجها . دور اللغة وأهميتها إن للغة أهمية لا تخفى في نشوء الأمم فهي أداة التفاعل بين أفراد المجتمع,والرابطة القوية التي تصهر أبناءه في بوتقة المحبة واللقاء والتفاهم,وهي مستودع تراث الأمة وجسر للعبور من الماضي إلى الحاضر ثم من الحاضر إلى المستقبل . وهذا ما دعا إليه "ماكس مورو" فيقول : " باللغة , وباللغة وحدها يندمج الفرد بالمجتمع ويلتقي كل تراث الأمة الفكري والشعوري والأخلاقي والاجتماعي المنحدر والمنبعث من قرائح الكتاب والشعراء والمفكرين السالفين منهم والمعاصرين " . إذ لا يمكننا إن نتغافل عن دور اللغة الاجتماعي , وأشار إلى ذلك الكاتب الألماني (( هردر )) الذي اعتبر اللغة القومية بمنزلة الوعاء الذي يتشكل به وتحفظ فيه وتنتقل بوساطته أفكار الشعب : (( إن لغة الآباء والأجداد مخزن لكل ما للشعب من ذخائر الفكر والتقليد والتاريخ والفلسفة والدين .ولكن قلب الشعب ينبض في لغته , وروحه تكمن في لغة الآباء والأجداد .)) أمام هذه الإشارات والدلالات يمكننا الحديث عن أهمية لغتنا العربية و دورها الحضاري خلال العصور التاريخية والأزمات العصيبة التي مرت بها الأمة العربية . فيذكر الدكتور عمر الدقاق في كتابه (( الاتجاه القومي في الشعر العربي الحديث )): (( اللغة وسيلة للتفاهم تُوثِّق العلاقات الاجتماعية بين الأفراد وتقرّب بين مفاهيمهم وأنماط تفكيرهم وتحمل إليهم تراث الأجداد وتودِع في ميزاتها سماتِهم المميّزة ووجدانهم الجماعي المشترك )) . فالجانب القومي المحض في لغة الضاد يتجلى في كونها لغة العرب القومية وعماد شخصيتهم المتميزة ولسان أجدادهم القدماء منذ ما قبل الإسلام وحاملة تراثهم وناقلة تاريخهم ومعقل كيانهم . ومن هنا كانت هي السمة الأولى في البناء القومي للعرب ولذلك كانت عرضة للحملات الموجهة من الداخل والخارج . فاللغة العربية تشد العرب بعضهم إلى بعض . وهذا ما جعل الأدباء كتاباً وشعراء يرفعون أصواتهم مدافعين عنها داعين للمحافظة عليها . فأحمد شوقي يتغنى بجمالها وسحرها :
إنَّ الذي ملأ اللغات محاسناً
|
| جعل الجمال وسرَّه في الضاد
| فميّزها عن غيرها من اللغات بما تملك من مواصفات . ومثله الشاعر المهجري أبو الفضل الوليد يعبّر عن هيامه باللغة العربية :
ألا يا حبّذا لغة تصبَّتْ إذا لُفِظت كألحان المثاني طربت لسمعها طفلاً وإنّي
|
| فؤادي في الغدو وفي الرواح وإن خُطّت كأزهار الأقاحي لتطربني وقلبي لانفتاح
| هذا الاهتمام باللغة العربية والاعتزاز بها لم يغب عن بال الأدباء . فكانت صلة الوصل بين أبناء العربية على الرغم من المسافات البعيدة والحدود المصطنعة . فالشاعر المهجري يؤمن بدورها ومكانتها ويخشى عليها من الضياع في المهجر :
وصلتنا بذوينا لغة لم تصلنا ببنينا الظرفاء كلُّ حيوان حقيرٍ عالمٌ بلغاه وبنونا جهلاء إن نقلْ قولاً فصيحاً بينهم ردّدوه بلسان الببغاء
|
| التغني بالعربية والاعتزاز بها لقد تغنى الشعراء والأدباء بجمال العربية وبلاغتها وآمنوا بدورها القومي فهي صلة روحية ومعنوية بين أبناء العروبة تنقل أحاسيسهم وتعبّر عن أمانيهم وتجلو أفكارهم فحليم دموس يرفع من شأن هذا الدور :
لغة إذا وقعت على أسماعنا ستظلُّ رابطةً تؤلِّفُ بيننا
|
| كانت لنا برداً على الأكباد فهي الرجاء لناطق بالضاد
| وهو الداعي لصيانتها وحمايتها لما بها من فضل ومكانة :
وأنتمُ يا بني قومي أناشدكم صونوا حمى اللغة الفصحى فليس لكم
|
| بمن به عزَّ انجيل وقرآن من دونها وطن يعلو له شان
| إنها دعوة لحماية اللغة وصيانتها لأن قوة الأمم تكمن بلغتها إن حفظناها نحفظ جذورنا وتاريخنا ووشائج تواصلنا . وهذه الدعوة أحوج ما نكون إليها الآن وتبقى متجددة ما دامت اللغة تتعثر بين شفاه أبنائها وتتوه أمامهم دون أن يأخذوا بيدها . إن للغتنا العربية دوراً قومياً كبيراً في بناء شخصية الإنسان العربي فهي قادرة على استيعاب أفكار جميع الناس المثقف والمتعلم والبسيط . وهذا ما عبّر عنه المفكر الأرسوزي عندما قال : (( إن اللغة العربية تتألف من صورة صوتية ومن خيال مرئي , ومن معنى هو قوام تآلفهما . والكلمة هي التي تربط بين المفاهيم العقلية والمدلولات الحسية . فاللفظة لا تؤدي دورها عبر جزئياتها الحرفِ والحركةِ والإيقاعِ بل هيَ كيانٌ واحد , والحرف العربي بدوره يتمتع بقدرة بلاغية ويغلب أن يقوم بها الحرف الألف الأوّلُ والأخير )) . وهذه اللغة اعتزّ بها العربي ووقع أسير حرفها , وزادها مكانة وقدراً القرآن الكريم ومعجزته البلاغية الشاملة في عصر اعتزّ فيه العرب ببيانهم وفصاحتهم . فالقرآن كتاب تشريع وأدب وعلم شامل . هذه اللغة نالت الحظوة عندما وجدت رجالاً بارعين مؤمنين بدورها . فانتشرت في بقاع المعمورة لغة عالمية تحمل حضارة العرب وفكرهم . خواص اللغة العربية من خواص اللغة العربية ومحاسنها أنها أقرب من سائر اللغات إلى قواعد المنطق فهي تؤدّي وظيفتها بشكلين متكاملين , أولهما الشكل الوظيفي الذي يأتي بصورة رمزية علمية تقريرية تؤدّيها الكلمات عبر إشارتها إلى حقائق وأشياء معينة . والشكل الآخر وظيفتها الانفعالية لأنها تعبّر عن المشاعر والأحاسيس وتثيرها وتنقلها من إنسان لآخر . وقد أجاب الناقد الأستاذ محيي الدين صبحي عندما سئل :لماذا استطاعت العربية أن تصمد صموداً عنيداً أمام جميع التحديات الاستعمارية التي مرت على الأمة العربية خلال مراحل التاريخ ؟ فأجاب : (( إنها مدينة للحضارة الإسلامية التي تمتاز بالشمول والسموّ والاستمرار . فهي حضارة دينية وأخلاقية وحضارة تشريع وفلسفة واجتماع وسياسة وتربية . حوتها اللغة الغربية . فكلُّ العناصر والأجناس صّبَّتْ في بوتقة اللغة العربية ونهلت منها . وهذا لم يحصل إلا بفضل قاموسها اللغوي وبنائها للكلمات والعبارات واهتمامها بالنحو والصرف . فهي أداة نضال وتطور للمجتمع وهي سجلُّ الأحداث الاجتماعية )) . وإذا أردنا البحث عن أزمة الثقافة والحضارة والمثقفين فعلينا أن نبحث في أمر اللغة ونقف عندها لأنها الحجر الأساسي في بناء صرح الحضارة , فاللغة من عوامل الوحدة الثقافية التي يتفاعل الإنسان معها فيأخذ منها ويعطيها . ولا يمكن للغة أن تنتعش وتؤدي دورها إلاّ في مناخ فكريٍّ سليم لما للفكر من أثر عظيم في اللغة . فالفكر هو الذي يربط الألفاظ بمعانيها فيعمد إليها وهي أصوات فارغة فيردُّها كالأصداف تحمل من دُررَ المعاني ما يبهر العقل , وكالأغصان تحمل من الثمار ما تشتهيه النفس . والفكر يُدخل فيها كلمات جديدة عندما يشعر بحاجة إلى ذلك فلا يرفع شأن اللغة إلا بوجود رجال ذوي عقول نيِّرة وقرائح جيدة , ولا يمكن أن نتغافل عن العلاقة العكسية بين اللغة والفكر . فاللغة تُؤثِّرُ في الفكر من حيث التنسيقُ والشرح والمعاني والاستعانة بها على بسط المعاني بمفردات مناسبة . وهذا ما نلاحظه في أسلوب التدريس بشكل خاص . فاللغة تصوَّر ما يخطر في الفكر من المعاني . والأفكار التي لا تودع في الألفاظ ولا يعبّر عنها كالشرارات التي لا تبرق إلا لتموت . بعد هذه الوقفة عند اللغة وأهميتها ودورها الحضاري والاجتماعي لابد أن نتساءل جميعاً بصراحة : هل لغتنا العربية بخير ؟ هل لغة أجدادنا وتراثنا بخير ؟ يقيني أن الجواب ليس صعباً , وعلى رؤوس ألسنتنا ومعروف لدى الجميع . إن اللغة العربية تتعرّض لهجمات متعددة ومتشعّبة فمن الداخل من أعزّ أبنائها وممن ينطقون بها , وممن يدّعون الدفاع عنها والاعتزاز بها . وهذا يأتي على نحو عفويّ أو على نحو مقصود عبر تلك الحملات التي تُوَجَّه إليها وترميها بالتقصير والجفاف والعقم وعدم قدرتها على مواكبة العصر . وكذلك تتعرض لهجوم من الخارج يزعم أنها لغة تراثيّة سلفيّة لا تتناسب مع روح العصر والمبتكرات العلمية وغير ذلك من الأقاويل التي يأخذ بها الجاهلون بطبيعة لغتنا وغناها. فلغتنا العربية تخوض معاركها على عدة جبهات وفي مقدمتها الجبهة الثقافية والاجتماعية والقومية. تقف في وجه الدعوات الإقليمية التي تنادي بالأخذ باللهجات المحلية.وتحاول أن تثبت وجودها كعنصر أساسي من دعائم أمتنا العربية فلا يمكن أن تنتصر في هذه المعارك إذا لم نحمل عنها العبء الأكبر في التصدي والمواجهة. واجبنا نحو لغتنا ينبغي لنا معشر المعلمين والمثقفين والغيورين أن نرصد بدقة مواطن الضعف , وأن نسرع في وصف العلاج قبل استفحال المرض . فلغتنا بخير منذ تاريخ الأجداد و لا تتحمل مسؤولية ما يجري بل نحن نتحمل مسؤولية ذلك ، فالمشكلة ليست في اللغة بل في رجالها و أبنائها ، و أمام هذه الحقيقة وقف الشاعر حافظ إبراهيم في وجه تلك الدعوات الهدّامة مشيداً بدور اللغة و مكانتها على لسانها :
رجعتُ لنفسي فاتَّهمتُ حصاتي وسعتُ كتاب الله لفظاً و غاية فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة أنا البحر في أحشائه الدُّرُ كامن أرى لرجال الغرب عزّاً و منعَة أيهجرني قومي – عفا الله عنهم - إلى معشر الكتّاب و الجمع حافل
|
| و ناديتُ قومي فاحتسبت حياتي و ما ضقت عن آي به وعظاتِ و تنسيق أسماء لمخترعات فهل سألوا الغوَّاص عن صدفاتي و كم عزَّ أقوام بعزِّ لغات إلى لغة لم تتَّصلْ برواة بسطْتُ رجائي بعد بسط شكاتي
| في هذه الأبيات ردّ قاطع و موضوعي لتلك الحملات الموجهة على اللغة العربية . فاللغة العربية تبدو غريبة عن أبنائنا ، فمظاهر الضعف منتشرة و بادية على أعلى المستويات انطلاقاً من المدرسة و البيت ووصولاً إلى الثانوية و الجامعة ووسائل الإعلام . و لا بدَّ من الصراحة و الجرأة و الاعتراف بأننا نتحمَّل الوزر العظيم في هذا . و أقول : إن الدعوة إلى العامية و ترسيخها هدم للغة العربية و هي دعوة إقليمية تساعد على التفرقة و تحارب الوحدة القومية و تضعف الجانب الروحي و العاطفي بين أبناء العروبة . فلغتنا الفصحى تجمع العرب على اختلاف لهجاتهم و أمصارهم . و هي قادرة على استيعاب معطيات الحضارة و الفكر الإنساني المعاصر . قضية الفصحى تبقى في مقدمة القضايا التي يجب أن تطرح و تأخذ حقها من المناقشة و الطرح الجادّ . لا أعتبر الدفاع عن الفصحى تعصّباً بل هو صُلب الوجود العربي فالقضية اللغوية قضية سياسية قومية بين الأمم و الشعوب . و لِمَ تسعى الدول المستعمرة لإضعاف لغات الشعوب المستعمرة و التابعة لها ثم القضاء عليها ؟ فالمحاولات الفرنسية لفَرْنَسَةِ الشعب العربي الجزائري عن طريق غرس اللغة الفرنسية و كذلك محاولة التتريك في ظل الحكم العثماني للقضاء على اللغة العربية نذكرها جيداً . أقدموا على محاولتهم لأنهم يعرفون جيداً دور اللغة في تكوين الذات و المجتمع . فأتوجه لمن يدعون للعامية و يشجعونها قائلاً : بأنها قاصرة و عاجزة عن تقديم أي شيء للعلم و البحث العلمي ، و لا يمكن أن تقدّم شيئاً ذا شأن لنا فهي ضياع لشخصيتنا القومية و زرع لبوادر الانفصام في الشخصية و السلوك . و لا يمكن أن نرفع من قيمة لغتنا و أن نعيد اعتبارها بعبارات التقريظ و الإفراط بالحديث عنها إذا لم نوظفها في سبيل متطلبات العلم و الحضارة مع الحفاظ على كيانها و مواطن الجمال فيها و لغتنا العربية قادرة على ذلك لأنها مرنة و تملك القدرة على الاستمرار و المواجهة و مواكبة العصر و هذا عائد لتوليد المعاني و المشتقات فيها و جهد المجامع اللغوية التي تلاحق تطور العصر و متطلباته . إن مظاهر إهمال لغتنا الفصحى نجدها في كل مكان و لا تخفى على ذي عقل و غيرة ، فالمرء العاقل المؤمن بدور اللغة و المحب لها يتألم و يصاب بالخيبة مما تعانيه اللغة القومية . فوسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المقروءة لا ترعى الجانب اللغوي و لا تعيره اهتماماً إلا في بعض البرامج الموجهة و المقابلات و نشرات الأخبار . و على الرغم من ذلك تتسرب الأخطاء الكثيرة و تُحْشَرُ العامية . فأغلب الأعمال التمثيلية و المسلسلات تعرض بلهجاتها المحلية و الأحاديث تدار بالعامية بحجة الواقعية و الوصول إلى أذهان الطبقة الشعبية متجاهلين المشاهِدَ المثقفَ و المتعلمَ الذي يجد صعوبة في التفاهم مع الآخرين . إن حاول الحديث بالفصحى يتعرض للسخرية . فقد أثبتت المسلسلات التاريخية و بعض برامج الأطفال عظيمَ دورِ اللغة العربية الفصيحة في جذب الصغار و الكبار و في بقاع واسعة من الدول العربية و نذكر جيداً المسلسل المحبب (( افتح يا سمسم )) فالأطفال أكثروا من تقليده و سمعتهم يقلدون أحاديث الحكواتي في المسلسلات التاريخية و أحاديث الأطفال في مسلسل (( افتح يا سمسم )) و كذلك سمعتهم يرددون أحاديث القهواتي و النادل و غيرهما . إن وسائل الإقناع و الإمتاع في العربية الفصيحة لا تعد و لا تحصى لأنها قادرة على دخول كل بيت عربي و التأثير فيه بعكس اللهجات المحلية التي لا يمكن أن يتفاعل الناس معها في القطر العربي الواحد . فكيف تتفاعل معها الأقطار العربية ؟! فلا يتحقق التفاعل و التواصل إلا باللغة العربية و يقع عبء هذه الرسالة القومية على وسائل الإعلام و الكتّاب و الأدباء المبدعين . فعليهم أم يقوموا بدورهم مدافعين و مرسّخين و عليهم أن يهجروا إلى الأبد اللغات المحكية . فبذلك يرسّخون أركان قوميتهم و يوطدونها و يحققون ما عجزت عنه النظريات . دور وزارة التربية : نتوقف أمام محطة هامة و مؤسسة تقع عليها الأعباء الكبيرة في تحمُّل المسؤولية إنها وزارة التربية . فلا يخفى علينا مقدار ضعف طلابنا . فيصعب على طلابنا الحديث بالفصحى جملاً محدودة ،و من يحسن منهم كتابة موضوع أو خاطرة دون أن يقع في أخطاء فادحة إملائية و نحوية قلّة. و السؤال الذي يفرض نفسه : ما العوامل و الأسباب التي أدت إلى ما يعانيه الطالب من ضعف ؟ و ما السبيل إلى معالجته ؟ الإجابة ليست عسيرة فالمعالجات تقتضي تطوير المناهج تطويراً مستمراً ، و تحديث أساليب التعليم ووسائله ، و النظر في تكوين المربّي و تهيئة ظروف مناسبة لحياته حياة كريمة . و بدون ذلك كله لا نستطيع أن نحمل الطالب إلا الجزء اليسير من المسؤولية عن حالة الضعف التي يعاني منها . و لْنسألْ أنفسنا ماذا يأخذ الطالب من اللغة العربية ؟ إذا كان لا يأخذ حقّه و حظّه من المناقشة بسبب كثافة الأبحاث التي ربما كانت تعنى بالكمّ أكثر من عنايتها بالكيف . أو ربما لاكتظاظ الصفوف بالطلاب حتى أن المعلم قد يقضي سنته الدراسية دون أن يحفظ أسماءهم . من حق الطالب علينا أن نجعل المناهج ترعى تكوينه اللغوي و تزرع في نفسه حب اللغة . فالكثير من طلابنا و المتعلمين لا يفهمون اللغة إلا قواعد صارمة جامدة تُعْرَضُ كنظرية رياضية علمية و هذا خطأ جسيم . فالقواعد وسيلة لفهم الأدب و تذوقه لا يفهم الأدب دونها . فالمناهج الجديدة نظرت إلى هذا الجانب و لم تراع غزارة الأسئلة و كثافتها و ضعف الطلاب و حالة الأستاذ فلغتنا يجب أن تعرض و تدرّس بروح مرنة و محبّبة بعيدة عن التعقيد . و هذا يقع على عاتق المعلم في كافة المراحل . يتأثر الإنسان والكائن الحي بالوسط الذي يعيش فيه . فالبناء لا يأتي ولا يقوى صرحه إلا بتضافر الجهود . للأسف أكثر المدرسين إن لم نقل كلُّهم لا يتعاونون مع مدرس اللغة العربية في تبني اللغة الفصيحة هذا في حال تبنيها من المدرس المختص الذي يجب ألا يتهاون في أمرها وهو المسؤول وحده عن تكوينه وزرع حب اللغة وتعلُّق الطلاب بها . سمعت غير مرة أن بعض الطلاب نبّهوا أساتذتهم لبعض الأخطاء فكان الواحد منهم يجيب : لست مدرساً للعربية . متناسياً أهميتها ودورها في حياته . وهل حصل على إجازته العلمية بغير هذه اللغة ؟ وهل غاب عن ذهنهم أن الأبحاث لا يمكن فهمها إلا باللغة الفصيحة ؟ والعربية أقدر على صياغة المفاهيم . وفهم منطق الرياضيات يعتمد على الصياغة السليمة وكذلك الفلسفة ونظرياتها المنطقية . نقرُّ بضعف طلابنا ولكن لا نقر بترسيخه والتهرب منه ومن مواجهة حقيقته . فأطراف المشكلة وأسباب الضعف متشابكة ويتحمل ذلك تكوين المعلمين والمربين, وسوف نغوص في متاهات التكوين والتأهيل لأننا نعرف كيف يتم التكوين السليم الذي لا يكون إلا من البداية أي من المرحلة الابتدائية جوهر البناء . فمنهاج التعليم وأساليب التربية والمعلمون والأسرة والشارع ووسائل الإعلام تتحمّل نتائج ما يعانيه أبناؤنا وتتحمّل عبء رفع ركام السنين عن كاهل لغتنا . فإذا عرفنا الداء وشخّصنا المرض فعلينا أن نحسن وصف الدواء الناجع . ولا قيمة للدواء إن لم نحسن توظيفه واستعماله ولم نقتنع به . فكل ما يقال ويوصف يحتاج لتطبيق وممارسة فعلية بعيدة عن الارتجال . فمجامع اللغة العربية والمؤتمرات الأدبية والتوصيات أغرقتنا بالحلول ولكن لم تتجاوز صفحات المجلات والصحف فالبناء يجب أن يأتي من الجميع فلا يبلغ البنيان غايته إلا إذا تبنّاه الجميع :
متى يبلغ البنيانُ يوماً تمامهُ
|
| إذا كنت تبنيه وغيرك يهْدم ؟
| إذا عرفنا السبب والمرض فالحل بأيدينا . فمن الممكن أن نعيد اعتبار لغتنا بتجنُّب المعوقات وتجاوز السلبيات . سبيلنا إلى ذلك خطوات جادة لا تأتي من جهة واحدة . فكل واحد منا يتحمل نصيباً من هذه المهمة . لأن البناء السليم نتيجة تضافر الجهود والخبرة . فلا سعي نحو الأفضل إلا إذا آمنا إيماناً عميقاً بدور اللغة العربية وأهميتها القومية وزرعنا ذلك في نفوس أبنائنا . فاللغة بعيدة عن المشكلة وبريئة من التهم الموجهة إلينا. فمأساتها ليست فيها بل من رجالها الذين تبنَّوْها واعتزّوا بها لكنهم تجاهلوها مرة وظلموها في أكثر الأحيان . فاللغة كأيّةِ نبتة مطمورة في جوف الأرض بحاجة لمن يكشفها ويرويها ويخدمها . والحلول ليست مثالية كما نتصوّر وليست مستحيلة فهي مُسْتَنْبطَة من واقع المأساة ومن قلبها . هناك حلول كثيرة تؤدّي الغرض ، ففي الإعلام نحسن تكوين المؤهلين لأداء مهماتهم ونحاسبهم على إهمالهم , ونشجع المواهب الأدبية ونكثر من الندوات والمباريات الثقافية والبرامج الموجهة التي تظهر اللغة وأهميتها ، ونرعى المواهب وهذا يحصل في بعض البرامج والنشاطات ولكنه محصور في المناسبات ويغلب عليه الانفعال والارتجال والتكلف في الأداء . هذه البرامج تتطلّب وقفة تربوية متأنّية . ومطلوب من وزارة الإعلام الوقوف بحزم أمام المسلسلات الفارغة فكرياً ولغوياً وما أكثرها ! . من المفروض أن نختار المسلسلات التي تقرّب المسافات بين أبناء العربية ويتطلب ذلك أن نكثر من هذه البرامج والمسلسلات لتنافس الأعمال الهابطة باللغة المحلية . وأن تتصدّى للدعايات التي تسيء للّغة والقيم . أما في مجال التعليم فالخطوات تحتاج لهدوء وتروّ فنقول من البداية : فاقد الشيء لا يعطيه . وهذا حال المعلم فيجب أن نحسن تكوينه وتوجيهه ونرعاه من كل الجوانب ثم نحاسبه إِنْ أساء . فعلينا أن نكوّنه تكويناً لغوياً متيناً ليُحبِّبَ اللغة إلى نفوس الطلاب . فعلى عاتق المعلم مسؤولية كبيرة فهو مسؤول عن نشاط الصف ولجانه الثقافية والاجتماعية فبإمكانه أن يشجع المبرّزين من الطلاب ويمدّهم بالنصائح ويكثر من المباريات الثقافية بين الطلاب وأن يكثر من المطالعة ويزرع حبها في نفوسهم عن طريق زيارة المكتبات والمراكز الثقافية وإنشاء نواة مكتبة الصف التي كانت موجودة في يوم من الأيام . ويؤدي نشاط المعلم وحبه لمهنته دوراً كبيراً في حب الطلاّب للغتهم , فلديه من الأساليب ما يساعده على تحقيق رسالته . يؤسفني أن أرى مدرساً أو معلماً لا يحمل طوال العام مجلة أو كتاباً بين يديه ولو كان عمله تصنُّعاً للفت الانتباه . والمعلم الذي أذكره يجب أن تحسن الوزارة تعيينه حسب درجاته ومستواه ورغبته ثم تحسن تكوينه وتشجيعه إن أحسن وتعاقبه إن أهمل وأساء . أرجو ألا أجورَ على زملائي المربين . فاللغة العربية لم تحظ بالرعاية من قبلنا فهمناها قواعد ونحواً صِرْفاً فنعاقب الطالب إذا أهمل حفظ القاعدة وهذا خطأ . فاللغة أدب وطُرفة وذوق وقواعد ونموّ إحساس وتوجيه خلقيّ أين هذا من أعمالنا الحالية ؟ ليست اللغة موضوعات منقولة وأحكاماً ثابتة وقوالب جامدة وعبارات جاهزة . اللغة تبنٍّ لموهوبين وتنمية للمدارك فالقواعد وسيلة وليست غاية . فعلينا -معشر المربين - أن نحّبب طلابنا بلغتهم وذلك بترويض للقواعد وتوظيف سليم لها . والمنهاج التربوي يتحمل دوراً في ذلك فأحيلكم إلى الكتب المدرسية المتخصصة بالقواعد والتي ظهرت لتسهيل القواعد حسب ما ذكر لنا ولكنها جاءت لتعقيدها فنفر منه الطالب والأستاذ معاً . لأنها حشْو لقواعد متعددة ومعقّدة وأساليب باتت منسية . إن حسن اختيار النص وحسن معالجته واختيار أسئلته يساعد في أداء المهمة التربوية , فالمناقشة والتعبير الشفوي والنشاط الشخصي وتجديد الأساليب أمور مفيدة تؤدّي الغرض من تدريس اللغة . فعلينا أن نحيط الطالب من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية بلغتنا العربية وأساليبها لغة وحديثاً وإحساساً أي نغرسه ضمن وسط عربي ومناخ عربي ليتكيّف معه ويتلاءم ولا يتحقق ذلك إلا بالتعاون وربط المراحل وتكوين سليم للموكلين بهذه المهمة . وهناك طرف آخر في المشكلة . إنه المحيط الأسري الذي يمكن أن يرعى ويطوّرَ ويرسّخ ما يبنيه المعلم والكتاب في نفوس أبنائها . فتشجيعهم على شراء الكتب والمجلات المفيدة وتقديم الهدايا المناسبة للأطفال ولْيكن الكتابُ هديةً من الهدايا ولنا مآخذ على الأسرة التي أخذت تتخاطب بألفاظ أعجمية دخيلة تغرس في نفس الطفل الميوعة فأخذوا يسمّون أبناءَهم بأسماء لا معنى لها ولا صلة لها بأخلاقنا وقيمنا , فأصبحت أسماؤنا وتحياتنا وسلاماتنا وحاجاتنا نرددها برطانة وعجمة غريبة عن أخلاقنا . فاللغة العربية لا تقوى ولا يشتد عودها وصلبها إلا إذا تعاون الجميع فالعمل الإفرادي لا يجدي نفعاً فيصبح حالنا كمن يزرع فوق بحر أجاج . فهناك مهمات أمام مديرية الإعلان لتغيير الأسماء الغريبة والمصطلحات للمحلات التجارية والسلع وكذلك أمام دائرة الأحوال الشخصية في تحديد طبيعة الأسماء ومعانيها العربية فكم من طفل تعقّد من اسمه عند كبره لأن والده لم يحسن اختيار اسمه بما يناسب مع قيمنا ولغتنا وأخلاقنا . ولا يسعني في الختام إلا أن أؤكد على أهمية اللغة ودورها الحضاري وإن مشكلة اللغة فكريّةٌ ومأساتها برجالها . فأعيدوا معشر الأدباء والمربين بريقها وأعيدوا لها مكانتها وأيقظوها من كبوتها وثقوا بأن بقاء اللغة مرهون ببقائنا وعزّتها مرهونة بعزّتنا . واذكروا جيِّداً فئاتٍ متناثرةٍ هنا وهناك تسعى لإيجاد لغةٍ لها , وتعرِف جيِّداً ماذا تعني هذه اللغة .
| |
|
منة الإدارة
عدد المساهمات : 4047 تاريخ التسجيل : 05/03/2012 الموقع : الوطن العربى
| موضوع: رد: العربية بين الواقع الراهن والطموح السبت أبريل 28, 2012 3:52 pm | |
| شو ها الجمال يا اديب المنتدى والله موضوعك كتير حلو دام نبض قلبك | |
|
**نغـم** الإدارة
عدد المساهمات : 2165 تاريخ التسجيل : 29/08/2010
| موضوع: رد: العربية بين الواقع الراهن والطموح الثلاثاء مايو 01, 2012 4:42 am | |
| معلومات غاية فى الأهمية جزيل الشكرررررررر | |
|