تعني الفكرة العلوية اصطلاحا : شيعة الامام علي بن ابي طالب وسالك نهجه في الحياة بالالتزام بالحق والعدالة ومكارم الاخلاق مع احترام الآخر ( الانسان والحيوان والجماد ) لان الانسان ( خليفة الله على الارض ) وصورة من الامام علي وفاطمة الزهراء – قطبا الائمة الاثنا عشرية - اضافة الى ضرورة المحافظة على الحيوان والجماد ، باعتبارهما من مخلوقات الله . اما من حيث المضمون ، فان العلوية نظرية فلسفية – اخلاقية قائمة بذاتها ، حتى ان الجامعات الالمانية بدأ بتدريسها منذ بداية العام الدراسي 2001 – 2002 في كليات الالهيات جميعها .
ومن هنا فان الامر الاساس الذي يؤكد عليه المثقفون الاتراك - وكان معظمهم من اخواننا الاكراد - في النقاشات حول العلوية والعلويين معهم ، هو : " ان العلوية ليست ديانة ولا مذهباً دينيا وانما هي نظرة شمولية الى الكون والانسان والإله في اطار من التسامح وبايمان مطلق بالعدالة والحق ، نظرا لالتزامها بالديموقراطية كمنهج وبحقوق الانسان كممارسة بعيدا عن العنصرية والعنف ، في ثقافة انسانية تمقت الاستبداد والارهاب والديكتاتورية ويغلفها التراث الشرقي باديانه البدائية والسماوية ، وطرقها الصوفية والابدالية . ومن هنا فاننا نعد البكتاشية والمولوية واهل الحق والبابائية - وليست البهائية - كلها اتجاهات متعددة في هذه النظرة الكلّية الانسانية للوجود التي يمتزج في اطارها العرب والاكراد والاتراك والعجم ".
ونظرًا لتعدد الاراء حول العلوية ومذهبها وفلسفتها وانماطها الصوفية ، فاننا سنتناول العلوية بالدراسة ضمن المباحث الثلاثة التالية :
المبحث الاول - هوية العلويين :
قال النبي محمد لعلي بن ابي طالب مرة " ان فيك لشبها من عيسى بن مريم " و في مرة اخرى " لا يبغضك الا منافق " وقال الرسول في مرة ثالثة ، وقد شكا اليه بعض اصحابه شأنا من شؤون علي : ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من عليّ ؟ ما تريدون من عليّ ؟ عليّ منّي وانا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي " .
ان هذه الاحاديث الصحيحة تؤكد على حقيقة ناصعة ، هي " ان النبي كان يشعر بنوع من الاخاء لعلي بن ابي طالب ، وان عليا كان ممتلئا بهذا الاخاء . ثم ان النبي كان يوجه الانظار الى العظمة الانسانية التي تتمثل في شخصية عليّ ، والى انه خير من يستطيع ان يتمم شروط الرسالة من بعده " . ومن هنا فقد ولدت فكرة التشيع لعليّ ، وتوطدت فكرة الشيعة بخلافه مع معاوية بن ابي سفيان وتوسعت وانتشرت بعد قتله على يد عبدالرحمن بن ملجم ، اما الفكرة العلوية - التي اعتمدت على فكرة التصوف بمؤثراتها الاجنبية - فقد ولدت ايام امامة المهدى صاحب الزمان ، اواخر القرن الثامن - الرابع عشر الميلادي نتيجة الخلاف بين طوائف الشيعة حول قضية ( الباب ) المعروفة في الفقه الشيعي ، بعد ان كان الاسماعيليون قد انفصلوا عن الامامية الاثني عشرية بسبب الاختلاف على الشخص الاجدر بتولية الامامة من اولاد الامام جعفر الصادق : حيث اختارت الامامية موسى الكاظم ( 645 م - 729 م ) في حين اختارت المجموعة الثانية ( اسماعيل بن جعفر الصادق ) للامامة ، فاطلقت عليهم تسمية الاسماعيليين ، او السبعيين في الفقه الاسلامي ، كمذهب من مذاهب الشيعة واحدى طرق التصوف المعروفة في العالم الاسلامي . غير ان بعض الباحثين الاتراك يعتقدون ان الفكرة العلوية قد وجدت في آسيا الوسطى ، لاسيما في اوساط الشعراء المتصوفة الذين تغنوا بالعشق الإلهي وبالحق والعدالة وحب آل البيت ، وقد عمل اولئك المتصوفة الاتراك الاوائل على مقاربة الاسلام مع عناصر تقاليدهم الاجتماعية لتسهيل قبوله واعتناقه من جهة ولترسيخ العقائد الاسلامية لدى الاتراك من جهة اخرى . ومن هنا فقد دخل العديد من عناصر العقائد الشامانية - ديانة الاتراك القدماء - والزردشتية والمسيحية الى الاسلام التركي - اذا جاز التعبير - ولا تزال اثارها ماثلة للعيان في المذاهب الدينية المنتشرة في تركيا اليوم . ولذلك يقول الشاعر المتصوف الشيخ احمد اليسوي ( من شعراء القرن الثاني عشر الميلادي ) في ديوان الحكمة :
( ان العاشق الذي يعرف شروط الشريعة ، يعرف - ايضا - ايها الاحبة ، معنى الطريقة . وان من يؤدي شعائر الطريقة ، يخوض في بحر الحقيقة ، ايها الاحباب ) . لأن العلوية تؤمن بان الطريقة قرين الحقيقة والشريعة معاً .
ومن هنا يعتقد بعض الفقهاء الايرانيين والاتراك بان العلوية قد تطورت وتكاملت منذ القرن الثاني عشر الميلادي في مدينة خراسان الايرانية على ايدي لقمان بارندة ثم احمد يسوي ويونس أمره ( ت 1321 م ) في آسيا الوسطى ، والحاج بكتاش ولي ( 1210 - 1270 ميلادية تقريبا ) وهو من تلاميذ الشيخ احمد اليسوي الذي دفعه للذهاب الى النجف الاشرف لدراسة الفقه ، والشاه اسماعيل الصفوي ( 1486 - 1524 م )، وفضولي البغدادي ( 1481 – 1556 ) في العراق . وقد انتقل الحاج بكتاش ولي الى بلاد الاناضول ليؤسس فيها الطريقة البكتاشية العلوية - التي تناغمت مع الطريقة المولوية الصوفية لمؤسسها جلال الدين الرومي – ومع بابا الياس الذي كان قاضيا في مدينة قيصري العثمانية وشعراء الساز - وهي الة موسيقية وترية يستخدمها الشعراء الشعبيون - الذين يطلق عليهم ايضا ( الشعراء العشّاق ) ومعظمهم من الشعراء العلويين ، لتكتمل بذلك مذاهب التصوف الاسلامي في الدولة العثمانية .
ولذلك فان الفكرة العلوية تضم اليوم معظم الاتجاهات الصوفية في البلاد الاسلامية من افغانستان شرقا الى المغرب الاقصى وبمختلف اتجاهاتها الفكرية : اليسوية والبكتاشية والمولوية والقلندرية والقزلباشية والأبدالية ( العبدالية ) والصفوية والخلوتية والنصيرية والكاكائية والاخيّة ( الفتوّة ) والخشّابية ( تاختاجيلر ) واهل الحق والبابائية والبيرمية ( اسسها الشيخ الحاج بيرم ولى 1352-1429 م ) والدَدَئية ( الاخيّة ) والنقشبندية وطائفة النوري الافغانية والفرقة الحسنية ( وبضمنها العائلة الحسنية المالكة ) في المغرب وغيرها من الاتجاهات العلوية التي تؤطرها مبادئ التسامح والعلمانية والتقدمية الانسانية ، لانها جميعا قالت بالحق والعدل وتخلّـقت باخلاق القرآن " لايمانها بان العلم لا يدرك بالعقل فقط وانما بالعرفان ايضا " . غير ان اكبر واعظم الفرق العلوية هي البكتاشية التركية - التي تفرعت منها معظم الفرق العلوية الاخرى – وكذلك الصفوية الايرانية والنصيرية العربية المنتشرة في بلدان الهلال الخصيب .