الإعجاز العلمي بين الأنطاكي والرافعي
عبد العزيز علي مرزوق
كان العلامة داود الأنطاكي المتوفى عام 1008هـ مشتغلاً بعلم التكوين (التشريح) كواحد من أهم اهتماماته، ففتح الله عليه بتفسير آيات من كتاب الله في ضوء ما ثبت لديه من حقائق في مجال تخصصه، وكانت هذه الآيات هي قوله تعالى:
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ...(14)}(المؤمنون) .
{ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (22)}(المرسلات)
فربط بين الدلالات الظاهرة لألفاظ الآيات الكريمة وبين الحقائق العلمية التي شاهدها في علم التشريح، لذا يمكن اعتباره أول من كتب في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. وقد نظر العلامة مصطفى صادق الرافعي فيما كتبه داود الأنطاكي في تفسيره لهذه الآيات، وقارنه بما جاء في علم التشريح الحديث فوجده مطابقًا لما في هذا العلم الحديث، وكتب تعليقًا علميٌّا على كلمتي (مكين) و(العلقة) فقال:
1 ـ في وصف القرار بأنه (مكين) إعجاز يفهمه الأطباء والذين درسوا التشريح، فقد ثبت أن الرحم مجهز في تكوينه وفي خصائصه بما يمكّن أشد التمكين للجرثومة التي يكون منها اللقاح، ففيه مخابئ عجيبة خلقت لذلك خلقًا، ثم مواد مُنفَرِزَة لوقايتها وحفظ الحياة عليها والدفاع عنها أن تقتلها المواد الحامضة، وذلك كله تجده في تفسير كلمة (مكين).
2 ـ لم يكن العرب يعرفون من كلمة (العلقة )و(العلق) إلا أنها الدم الجامد، ولكن الكلمة إعجاز كإعجاز (مكين) التي تقدم شرحها: فقد ثبت في آخر ما انتهى إليه تكوين الجنين أن الجرثومة التي يكون منها اللقاح في ماء الرجل تعلو رأسها نازعة كالسنان، فتهاجم البويضة في الرحم وتبعّجها بسلاحها فتخرقها وتعلق بها، فإذا هما قد امتزجا، فهذا هو السر في تسمية التحول الأول للنطفة (علقة) وتأمل قوله (فجعلناه) فإن فيها كل هذه الحركة بين الجرثومة والبويضة، ثم قال الرافعي: وقد قرأنا هذه الآية الكريمة على طبيب مسيحي محقق فاضل من أصدقائنا ونبهناه إلى هذه الدقائق فيها فقال: ( آمنت بما أنزل على محمد) .
بتصرف بسيط عن موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة